التغطية الإعلامية  لقضايا الأسرى والرهائن

التغطية الإعلامية لقضايا الأسرى والرهائن

  • 2014-12-30
  • 12

أكيد –  لا تُعدّ التغطية الإعلامية لقضايا الرهائن والأسرى أمرا شائعا في وسائل الإعلام، ولكنها حين تحدث، فإنها تستحوذ على انتباه الجمهور الذي يحبس أنفاسه، وهو يتابع تطورات الأحداث، متعطّشا طوال الوقت للمزيد من المعلومات، أمر يدفع وسائل الإعلام إلى تكثيف جهودها في متابعة هذه التطورات وبثّها.

لكن وسائل الإعلام، في أوقات دقيقة كهذه، كثيرا ما تنزلق إلى ترديد الشائعات، وغيرها من أخطاء وممارسات  قد لا تكون مقصودة، لكنها تخدم في النهاية القوى الخاطفة، أو تضعف، وربما تفشل مفاوضات قد تكون جارية بهدف الإفراج عن الرهائن أو الأسرى. وهناك حوادث، كانت التغطية الإعلامية سببا مباشرا في استفزاز الخاطفين وقتل الرهينة.

وفي ضوء التداعيات الإعلامية والسياسية السائدة حاليا، على خلفية سقوط طائرة سلاح الجو الأردني، واحتجاز قائدها، الملازم أول معاذ الكساسبة رهينة لدى تنظيم "داعش" الإرهابي، طوّر مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) مجموعة من الإرشادات لوسائل الإعلام والصحافيين والناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي، تحدد الممارسات الفضلى في التعاطي الإعلامي مع قضايا الأسرى والرهائن، وذلك من عدد من بيوت الخبرة الصحافية في العالم، والمؤسسات الإعلامية المستقلة، التي اتصل بها (أكيد) لإعداد هذا التقرير.

وبما أن التنظيمات الإرهابية لا تراعي الجوانب الأخلاقية والإنسانية في التعامل مع الرهائن، فإن الإعلام في مثل هذه الحالات، يجب أن يكون صارما في تطبيق المعايير المهنية والأخلاقية أكثر من أي وقت آخر، للتخفيف من الأذى قدر المستطاع.

كما أن على الصحافي أن يبقى متنبها لأي تفاصيل جديدة أو تطورات للقضية، لكن نشرها يجب أن يكون مشروطا بقيمتها الإخبارية، في حين يجب الحذر من نشر أو بث الأخبار، فقط بهدف لفت انتباه الجمهور، وجلب المزيد من المتابعين للوسيلة الإعلامية، فهذه ممارسة تقع في خانة " الخداع والتضليل".

الحق في الحياة والحق في التعبير: تخفيض صوت الإعلام

توضح الخبرة الإعلامية في تغطية قضايا الرهائن والأسرى أن "تخفيض صوت الإعلام"، خلال عمليات الاختطاف أو الأسر، يعمل في معظم الأحيان لصالح حماية حياة الرهائن أو الأسرى، وهنا يواجه الإعلام إشكالية تحقيق التوازن بين قيامه بدوره المتمثل في دعم حق المجتمع في المعرفة، ومهمته الأخلاقية المتمثلة في حماية حق الأفراد في الحياة، وضمان عدم انتهاك كرامتهم، وإظهارهم بطريقة مهينة.

إن التصرف الإعلامي المهني والمتّصف بالحكمة والأخلاقية، يتطلّب أن يتحقق هذا التوازن. وإذا وجد الصحافي أو الوسيلة الإعلامية أن هناك صراعا بين حق المجتمع في المعرفة، وحماية حياة الرهائن، فإن الأولوية الأخلاقية والمهنية تتطلب تغليب حماية الحق في الحياة، بوصفه الحق الذي لا يسمو عليه أي حق آخر.

إن هذه القاعدة المهنية والأخلاقية لا تعني تبرير ممارسة الرقابة، أو إخفاء أعمال الاختطاف، أو العنف والاضطرابات في المجتمع خوفاً من تأجيج الأوضاع، لأن حق الجمهور في معرفة ما يجري هو حق أساسي. وبناءً عليه، فعلى وسائل الإعلام نشر وبثّ الأحداث الإخبارية ذات الصلة بالرهائن والأسرى أثناء عمليات التفاوض  في أضيق الحدود، ومناقشتها بإنصاف ودقة.

في العام 1993، حدثت في سجن لوكسفيل (Lucasville)، في أوهايو، الولايات المتحدة الأميركية، أعمال شغب احتجز على إثرها السجناء حراسا في السجن رهائن، وسيطروا أحد عشر يوما على السجن، وقتلوا في اليوم الخامس أحد الحراس خنقا، قبل أن ينتهي الشغب بمقتل تسعة من السجناء. وأثناء التحقيق، كشف سجناء أن تصريحا ورد على لسان الناطقة الرسمية باسم السجن، أثناء بث حيّ لمقابلة تلفزيونية معها، كان حافزا على قتل أحد الرهائن، فقد وصفت المسؤولة مطالب السجناء بأنها "تافهة"، كما أنها استهانت بتهديداتهم أنهم سيقتلون رهينة، وعلّقت: "إنهم يهددون بذلك منذ البداية".

هذه الحادثة هي مثال على الأثر الذي يمكن أن تحدثه التغطية الإعلامية لأحداث من هذا القبيل، يُحتجز فيها رهائن، ويكون الحدث مفتوحا ومتحركا، ففي ظرف كهذا، فإن أول ما يجب أن يدركه الصحافيون أن من يقومون بعملية الاحتجاز، وأيّا كان الدافع وراء عملهم هذا، فإنهم يتابعون وسائل الإعلام، وأن تعبيرا خاطئا هنا أو هناك، يمكنه أن يتسبب بالأذى للرهائن، وأول درس يمكن أن تتمخض عنه الحادثة السابقة، هو أن أي مادة صحافية، قبل أن تخرج إلى العلن، يجب أن تخضع للمراجعة، وأن تتأكد الوسيلة من أنها لا تتضمن ما يمكن أن يستفز محتجزي الرهائن، ويستجرّ ردود أفعال عنيفة. من هنا، يجب على وسائل الإعلام تجنب البث الحيّ لأي مقابلات، أو مؤتمرات صحافية، أو جلسات حوارية، تخصّ الحادثة، إذ لا يمكن لأحد التنبؤ بأي كلام غير محسوب يمكن أن يُقال، وهو كلام لا قدرة لأحد على استرجاعه إذا ما بّثّ على الهواء.

وفي كل معلومة ينشرها الصحفي، عليه أن يوازن بين مصلحة الجمهور في أن يعرف هذه المعلومة، وما يمكن أن تسببه هذه المعلومة من أذى للجهود الرسمية للإفراج عن الرهائن، إما لأنها تكشف ما يمكن أن يؤدي كشفه إلى إضعاف الموقف الرسمي أمام محتجزي الرهائن، أو لأن هذه المعلومة يمكن أن تتسبب بردة فعل تؤذي الرهينة.

وفي ضوء ذلك ينصح (أكيد) وسائل الإعلام والصحافيين الالتزام بالقواعد الاتية في تغطية قضايا الأسرى والرهائن.

  • التوازن بين حق المجتمع في معرفة ما يحدث وحق الرهائن والأسرى في الحياة، بحيث لا تؤثر التغطية الإعلامية على حياتهم.
  • أن تكون التغطية الإعلامية أثناء عمليات التفاوض على مصير الرهائن أو الأسرى في أضيق حدودها.
  • على وسائل الإعلام أن تكون حذرة من إطلاق أي أوصاف قاسية ومستفزة للجماعات المختطفة، أو عرض أعمال أو تصريحات مستفزة لهم، قد تؤدي إلى التنكيل بالرهائن، أو تهديد حياتهم، تحديدا في أوقات التفاوض مع الخاطفين .
  • يجب أن يتفهم القائمون على البث الإعلامي مدى تأثير الإذاعة والتلفزيون في إثارة المشاعر لدى العديد من الناس، لذا فإن إدارات الوسائل الإعلامية مسؤولة عن اتخاذ القرارات التحريرية المهمة الخاصة بنقل بعض الأحداث، التي قد يؤدي استخدام لغة عاطفية فيها الى ردود فعل انتقامية.
  • على وسائل الإعلام تجنب البث الحيّ لأي مقابلات، أو مؤتمرات صحفية، أو جلسات حوارية، تخص حوادث الاختطاف والرهائن، إذ لا يمكن لأحد التنبؤ بأي كلام غير محسوب يمكن أن يُقال.
  • الحذر من أي تسريبات إعلامية حول حوادث الاختطاف والرهائن والتحقق منها مرات عديدة، ومقاومة إغراء السبق الصحفي في هذه الحالات.
  • على الإدارات الرسمية مكافحة الإشاعات التي تزدهر في ظروف الأزمات، بتوفير المعلومات لوسائل الإعلام، واحاطة المسؤولين الرسمين في الصف الأول بشكل مستمر بالمعلومات الجديدة حول الأزمة أولا بأول، إذ أن هذه الفئة معرضة في أي وقت لأسئلة الصحافين والجمهور.

تغطية روايات أسر الرهائن والأسرى

تحرص وسائل الإعلام على الوصول الى ذوي الرهائن أو الأسرى، للحصول على معلومات أو خلفيات أو سير لهم، ولطالما أسبغ هذا على هذا النوع من التغطيات الإعلامية طباعا إنسانيا، لكن وسائل الإعلام مطالبة بالحذر، ومراعاة ظروف ومشاعر هذه الفئة، وأهم القواعد المهنية والأخلاقية في هذا المجال:

  • إن ذوي الرهائن والأسرى عادة ما يعانون الصدمة، ويكونون في حالة ضعف إنساني طبيعية، ومن أسوأ ما يمكن أن يفعله الصحافي استغلال هذه الظروف للحصول على معلومات، قد لا تكون ذات قيمة إخبارية، ولا يكون مضمونها سوى انفعالات، فهذا يتنافى مع القاعدة الأخلاقية، التي ترفض تصوير أو نقل أقوال أو انطباعات الأفراد في حالات الضعف الإنساني، كأن يقوم ذوو الرهينة، أو الأسير بالتوسل للخاطفين بطريقة مهينة.
  • عند إجراء وسائل الإعلام مقابلات مع أسر ضحايا إرهاب أو عنف، قد تصدر عنهم دعوات انفعالية لمهاجمة جماعة أو طائفة أو قبيلة أو ديانة أخرى، بسبب الصدمة التي يعانونها، هنا ينبغي على وسائل الإعلام الامتناع عن بثّ هذه الدعوات، وإذا كان البث مباشرا يجب قطعه.
  • يجب نقل رسائل الأهل التي تؤثر في الرأي العام، وتسهم في حماية حياة الرهينة أو الأسير، وتخويل شخص من طرف العائلة ليتحدث باسمها، حتى لا تنشر وسائل الإعلام معلومات متضاربة عن الأهل (مرة عن الأب، ومرة الام.. الخ)، ويجب ألا يكون ما ينقل عن العائلة مغرقا بالانفعال.
  • الحذر من نقل أي أخبار عن الأوضاع الصحية للرهائن أو الأسرى، من دون نسبتها إلى مصادر رسمية موثوقة.

نقل رسائل الإرهابين

في حالات الأسر أو الخطف، تتابع الجماعات الارهابية وسائل الإعلام، وتبحث عن منافذ لنقل رسائلها، بل تستثمر أوقات الأزمات في استغلال حالة تعطش الجمهور والتماسه المعلومات، بتمرير رسائلها وفكرها ودعايتها من خلال المعلومات والمواقف والرموز، وهنا يتطلب من وسائل الإعلام حرصا على المهنية، وإحاطة الجمهور بالمعلومات، وأن لا تتحول  دون إدراك منها إلى منبر لنقل رسائل الإرهابين:

  • إن المسؤولية المهنية والأخلاقية تتطلب من وسائل الإعلام الابتعاد عن نشر أو بث رسائل الجماعات الإرهابية بشكل مباشر أثناء معالجة أزمة أمنية. ويجب أن تغطي أخبار تلك الجماعات إذا كانت ذات قيمة إخبارية،  من خلال تناول نبذة مختصرة من رسائلها أو أخبارها، وإعادة صياغتها، لأن إعطاء المساحة للجماعات الإرهابية أو الإجرامية سيعطيها دفعاً معنوياً، يؤدي إلى تعقيد الوضع وتعريض حياة الجمهور إلى خطر أكبر.
  • على وسائل الإعلام أن تتجنب نشر الأخبار التي تحمل طابعاً دعائياً تسعى الجهات الخاطفة الى ترويجها من صور وتهديدات وفيديوهات.
  • إبداء أقصى درجات الحرص في تقديم المواد أو المقابلات التي قد تتضمن وجهات نظر لأشخاص، أو منظمات أو جماعات، تستخدم العنف أو النشاطات الإجرامية، أو تدعو أو تروج له، فعند اتخاذ قرار تحريري بنشر أو بث مادة صادرة عن تلك الجماعات، يجب التأكد من أنها مادة خبرية وليست دعائية، وأنها لن تؤدي الى خدمة أهداف الإرهابين.

فيديوهات وصور الرهائن والأسرى

القاعدة الاساسية لا تنشر صورا أو فيديوهات للشخص الرهينة أو المختطف وهو في حالة ضعف وانكسار بين أيدي معتقليه، لكن  وسائل الإعلام تجد نفسها أحيانا مضطرة لنشر صورة المختطف لكن ضمن معايير محدد وأهمها:

  • نشر الصورة التي تؤكد الاختطاف لتحقيق المصداقية وعدم تكررها في النشرات لمرات متعددة.
  • إظهار وجه الرهينة فقط، وتغطية أجزاء جسده إن كان عاريا أو في صورة مهينة.
  • في حال تكرار الخبر، يجب مراعاة نشر صور الرهينة وهو في حالاته الطبيعية قبل الاختطاف.
  • عدم نشر الصورة والفيديوهات التي يحاول من خلالها مختطفو أو محتجزو الرهينة الترويج لفكرهم، وهي في العادة تظهر الشخص بصورة مهينة وتعمل على بث الذعر والهلع في نفوس المشاهدين.
  • على وسائل الإعلام أن تطرح دوما تساؤلات عن مدى الأذى الذي يمكن أن يخلقه نشر مثل هذه الصور في نفوس أسر وأقرباء الرهينة، وعن القيمة الإخبارية لهذه الصور والفيديوهات، وكيف يمكن حماية الفئات الضعيفة من هكذا مشاهد، خصوصا الأطفال.
  • إن المقابلات المكتوبة أو مقاطع الفيديو التي يقدمها الخاطفون للرهينة، سواء قبيل قتله أو في ظروف اختطافه لا يمكن التحقق من صحتها، وهي جميع الأحوال تمت في ظروف قهرية، لذا لا ينصح بعرضها على الجمهور، ولأن هذه المواد سوف تصل إلى جزء من الجمهور بوسائل إعلامية أخرى، ولا يمكن تجاهلها، فان الالتزام الأخلاقي يتطلب الإشارة الى الفيديو أو المقابلة وظروفها.
  • في حال إعدام أو قتل الرهينة أو الأسير بأي طريقة، فالأصل عدم نشر هذه  الصور ومقاطع الفيديو، وأن لا تظهر إطلاقا في وسائل الإعلام، فاحترام كرامة البشر أحياء وأمواتا هو جوهر عمل الصحافي، وعلى وسيلة الإعلام أن تتذكر أن هذه المشاهد تترك آثارا نفسية مؤلمة عند المشاهدين، خصوصا لدى ذوي الضحية ومعارفه، وتساهم في إضفاء القوة على الإرهابين.