في شهر رمضان، تتجه كثير من وسائل الإعلام الى إبراز الجوانب الإنسانية والأعمال الخيرية، وتعمل صحف ومواقع الكترونية على نقل هموم الفقراء والفئات الخاصة ومشاكلهم، سعيا إلى إبرازها ولفت انتباه الجهات الرسمية والمتبرعين إليهم.
إن هذا الجهد يعد مهما وأساسيا، ويقع في صلب عمل الصحافة ودورها في المجتمع، لكن كثيرا ما تقع وسائل الإعلام - في غمرة اهتمامها بالعمل الخيري - ببعض التجاوزات المهنية في التعاطي مع قضايا الفقر والمرض، والضعف، وربما تتحول المواد الصحفية الى انتهاك لكرامة الفقراء.
إن مرصد مصداقية الإعلام الأردني "أكيد" يؤكد على أن من واجب الصحافة كشف مشاكل الناس وهمومهم، وذلك على نحو يحفظ كرامتهم ولا يشهّر بمرضهم وعجزهم، والفيصل في هذا الموضوع هو الموازنة بين القيمة الإخبارية وأهمية نشر صور الأسر والأطفال في حالات الضعف الإنساني.
أبرز الأعمال التي يمكن أن تشكل تجاوزا لحدود المسموح به في التعامل مع هذه القضايا، كما يرى "أكيد" يتركز في نشر صور الأطفال والفقراء والأسر في حالات ضعف إنساني، في وقت تؤكد فيه أفضل الممارسات المهنية والمعايير الأخلاقية أن الأصل هو حفظ كرامة الإنسان وعدم التشهير بعجزه وضعفه، بحيث ينصرف الإعلام إلى التركيز على القيمة الإخبارية وإظهار قضايا هذه الفئة بعيدا عن التشهير. كما أن القصص التي تنشر غالبا ما تستند إلى جانب واحد، يروي جوانب المعاناة التي يواجهها بسبب تقصير الجهات الرسمية التي يغيب ذكرها عن القصة.
ومن الناحية المهنية، وطبقا لمعاير "أكيد"، فإن نشرَ قصة تعتمد روايةً واحدة، ويغيب عنها آراء الجهات المتهمة بالتقصير، يشكل مخالفة لمعايير الشمولية والتكامل، لعدم الإحاطة الكافية والشاملة بالموضوع، مثلما تخالف معيار التوازن، وذلك لعدم اعطائها مساحات متساوية لمختلف الأطراف ذات الصلة بالقضية.
رصد "أكيد" عددا من القصص التي نشرت في وسائل الإعلام خلال شهر رمضان المبارك، ومن بينها قصة نشرتها صحيفة الغد، بتاريخ 7 تموز 2015، وهي صورة لطفل يكشف عن جانب من جسده ليعرض إصابته بمرض جلدي وراثي، وذلك في إطار مادة صحفية عن أحوال أسرة هذا الطفل بعنوان "الفقر والمرض ينهكان أسرة عامل المياومة عبدالله المصري في الزرقاء"
وجاءت القصة لتروي مشكلة العائلة مع الفقر والمرض، وبخاصة بعد إصابة طفلين من أفرادها بمرض " القشور السمكية".
ويرى" أكيد" أن نشر صورة الأطفال بكامل ملامحها، في حالة ضعف إنساني، لا تليق بصورة الأطفال ومستقبلهم، وتخرق مبدأ حمايتهم، الذي يعد من المبادئ الإنسانية العليا في التعامل معهم، وكان الأفضل أن لا يتم الكشف عن اسماء أرباب الأسر الفقيرة في المقابلات، وإخفاء ملامح وجوه الأطفال، حتى وإن كانت الصور بمواقة الأهل.
وفي خبر آخر للصحيفة نشرته بتاريخ 7تموز 2015 بعنوان "أم قصي: تتقطع أوصالي عندما أسمع عويل أطفالي من الجوع، نشرت قصة سيدة قالت إنها "لا تتقاضى معونة وطنية وقد تقدمت بطلب إلى صندوق المعونة الوطنية، وإلى الآن لم أتلق أي رد منهم، لافتة إلى أن (المصيبة) الكبرى هي أن المنزل الذي نسكنه منزل مستأجر، وصاحبه يطالبنا بإخلائه لعدم قدرتنا على دفع بدل الإيجار"، لكن الخبر لم يتناول رد أي جهة رسمية على المعلومات الواردة فيه، وفي اليوم التالي نشرت الصحيفة ردا من صندوق المعونة الوطنية بين فيه أن السيدة تتلقى معونات من الصندوق بخلاف ما قالته للصحفي. ما يعني أن الخبر المنشور لم يقدم معلومات وافية لتوضيح الحقيقة، بل اكتفى بنشر جانب واحد. لكن قيام الصحيفة بنشر الرد في اليوم التالي يعد عملا صحفيا مهنيا، وهو بمثابة اعتذار لجمهور القراء عن الخطأ الذي وقعت فيه الصحيفة.
ونشرت صحيفة الرأي بتاريخ 1 تموز 2015 مادة إخبارية بعنوان "شاهد عين .. عائلة «إسعاف» في مهب الريح" وافردت صورة لسيدة فقيرة وصورتين لأطفالها، مع خبر جاء فيه أن "مبادرة «معاً لأجل الخير» التابعة للمركز المجتمعي المسكوني برفقة « أبواب- الرأي» سلمت للمنكوبة « إسعاف» احتياجات متعددة، تلبي قليلا من حاجة الإنسان، على أمل أن تثير المبادرة حماس أهل الخير .
وجاء في الخبر أن "رئيسة المبادرة «ربيكا ملكيان» سلمت العائلة ثلاجة وغازا وجرة عاز وتلفزيون، ومجموعة من الأواني المنزلية والمواد التموينية والملابس".
هذا الخبر جاء لإبراز جهد الجمعية ودورها في مساعدة الأسرة، لكن في المقابل شكل نشر صور الأطفال أخلّ بالقيمة الإنسانية المبتغاة من الخبر أصلا، إذ إن السؤال هنا عن القيمة الإخبارية والمصلحة العامة في نشر صور الأطفال بعد أن قامت جمعية بتقديم مساعداتها لهم.
خبر آخر تداولته معظم وسائل الإعلام بعنوان "سجناء يفطرون مع عائلتهم بـ""سواقة""، مرفق بصور لأهالي وأطفال السجناء اثناء الإفطار، وهو خبر جاء ليبرز خطوة الأمن العام في إقامة الإفطار، وذلك عمل إنساني محمود، لكن المشكلة كانت في نشر صور السجناء مع أطفالهم وذويهم.
وبتاريخ 29 حزيران2015 نشرت "الرأي" صورة لسيدة "فقيرة" بعنوان "شاهد عين.. عالم «جميلة».. يحتاجنا" مع نص مقتضب يشخّص حال هذه السيدة التي تعيش وحيدة، وجاء في الخبر" بؤسها حطم حاجتها إلى الناس أولاً.. وإلى البحث الدائم عن تغطية متطلبات الحياة، من علاج ودواء وطعام ومصاريف الغرفة التي تتبادل معها الحكايات..40 ديناراً هي كل دخلها، وتأخذه من التنمية الاجتماعية، إلا أن حالها بعد وفاة زوجها.. جعلها امرأة تحتاج إلى إنسانيتنا وقلوبنا ومساعدتنا..من يرى «جميلة» بعينيه، بعدما عز بصرها؟"
وهنا تكررت المشكلة نفسها في نشر صورة السيدة الفقيرة، وكان من الممكن الاكتفاء بنص يروي حالتها، لدفع المقتدرين على مساعدتها، وتقديم المعونة اللازمة لها.
ونشرت إذاعة حياة أف إم على صفحتها على الفيسبوك صورا لطفلة أصيبت بعيار ناري، إلى جانب خبر يقول: إن "حياة أف إم تتكفل بعلاج الطفلة تولين بلال جرار، التي تعرضت لرصاصة طائشة من مجهول أثناء تسوقها مع أهلها في مخيم الحسين لشراء ملابس العيد مساء الأحد.. حالة تولين غير مستقرة حيث أصيبت بتهتك في الأمعاء وإصابة بالحوض، وتتلقى العلاج حاليا في مستشفى الأمير حمزة حسب والدتها.. دعواتكم لها بالشفاء العاجل"
إن ما قامت به الإذاعة من نشر لصور الفتاة يأتي في إطار توظيف حالة الطفلة الصحي لغايات إبراز ما قامت به الإذاعة من تبرع، دون اعتبار للجوانب المهنية والإنسانية، مع العلم أن الطفلة تعالج في مستشفى حكومي. وكان في الإمكان أن تعالج في الخبر قضية إطلاق العيارات النارية، وما تخلفه من نتائج مأساوية على المواطنين.
إن نشر صور الأطفال في الإعلام ينبغي أن يكون ضمن ما يحقق مصالحهم وبرضى ذويهم، في حين أن الامتناع عن نشر صور الأطفال سواء أكانوا فقراء أو في حالة إعاقة وضعف إنساني مهم لحمايتهم وعدم تعريضهم للأذى النفسي، ووصمهم بصفات في مجتمعاتهم، ويشمل ذلك أيضا الأطفال المتهمين في الجرائم أو الأطراف فيها، سواء أكانوا شهوداً أو مشتكين، وذلك حماية لهم ولمستقبلهم.
كما أنه من غير اللائق نشر صور الأطفال في حالة تعرضهم للإساءة، أو استخدامهم في سوق العمل، أو في حال قيامهم بالتسول، وإذا كان هناك مصلحة في النشر، ينبغي تغطية وجوههم وإخفاء الملامح التي تدل عليهم.
وكان "أكيد" قد نشر تقارير رصدت جوانب عديدة لتعامل الصحافة مع قضايا الفقر والعوز والأطفال، ومن أهمها:
ـ قضية شيماء وجمانة… هل فشلنا في التوازن بين حق المعرفة والمسؤولية الأخلاقية في حماية الأطفال وسمعة الأسر؟
ـ هل تنتهك الصحف خصوصية الفقراء وتهدر كرامتهم؟
ـ معلم يصلح حذاء تلميذ “فقير”… وسائل إعلامية تكرّم المعلم وتشهّر بالطفل
ـ نشر صور طفلتين يتيمتين في مقابلة إخبارية تجاوز أخلاقي
وينص ميثاق الشرف الصحفي طبقا للمادة 14 منه على التزام الصحفيين "بالدفاع عن قضايا الطفولة وحقوقهم الأساسية المتمثلة بالرعاية والحماية، ويراعون عدم مقابلة الأطفال أو التقاط صور لهم دون موافقة أولياء أمورهم أو المسؤولين عنهم، كما لا يجوز نشر ما يسيء اليهم أو لعائلاتهم، خصوصا في حالات الإساءة الجنسية، سواء كانوا ضحايا أو شهودا“
وبالعودة الى المبادئ الأخلاقية في العالم تضع منظمة اليونسف مجموعة من المبادئ التي يجب مراعاتها في إعداد التقارير الإعلامية عن الأطفال، أهمها احترام كرامة جميع الأطفال في جميع الظروف. وعند مقابلة الأطفال أو إعداد التقارير عنهم، ينبغي إيلاء اهتمام خاص بحقهم في الخصوصية الشخصية والسرِّية، وفي الاستماع إلى آرائهم، وفي المشاركة في اتخاذ القرارات التي تمسّهم، وفي توفير الحماية لهم من الأذى والعقاب، بما في ذلك حمايتهم من احتمالية أو إمكانية تعرضهم للأذى والعقاب.
وتؤكد توجيهات المنظمة الأممية على أنه ينبغي حماية المصالح الفضلى لجميع الأطفال وإعطاؤها الأولوية على أي اعتبار آخر، بما فيها اعتبارات كسب الدعم والتأييد لقضايا الأطفال وتعزيز حقوقهم، وعند محاولة تقرير المصالح الفضلى للطفل، ينبغي إعطاء حق الطفل في أَخذ وجهات نظره بعين الاعتبار، ما يستحقه من الاهتمام الواجب وفقاً لعمره ومستوى نضجه.
وينبغي استشارة أقرب الأشخاص لوضع الطفل وأفضلهم قدرة على تقييم ذلك الوضع، حول ما يترتب على التقرير الصحفي من تبعات سياسية واجتماعية وثقافية، وفقا للتوجيهات، مثلما ينبغي الامتناع عن نشر أي قصة إخبارية (أو خبر إعلامي) أو صورة يمكن أن تُعرّض الطفل أو أشقاءه أو أقرانه للخطر، حتى عندما يتم تغيير هوية الطفل أو طمسها أو عدم استخدامها.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني