تغطيات المناسبات التاريخية الوطنية: مضمون مكرر منذ عقود

تغطيات المناسبات التاريخية الوطنية: مضمون مكرر منذ عقود

  • 2016-03-21
  • 12

يعد التذكير بالأحداث التاريخية السياسية والعسكرية وغيرهما تقليدا يقع في صلب الخدمة العامة لوسائل الإعلام؛ بمعنى أنه يعكس إحدى وظائف هذه الوسائل وأدوارها لا سيما حينما يساهم هذا الدور في إرساء تقاليد الإعلام الاندماجي الذي يجعل من التاريخ أداة للاندماج الاجتماعي حيث يساهم في خلق التوافق بين  المواطنين على معان وقيم عليا، لكن على أهمية هذه التغطيات فإن رصدا اجراه- أكيد- لعينات عشوائية من هذه التغطية لفترات مختلفة على نفس الاحداث أوضحت حجم الاختلالات في هذه التغطيات، وأهمها تكرار المحتوى نفسه والذي قد يستمر لسنوات.

مرصد مصداقية الإعلام الأردني – أكيد – رصد تغطية بعض وسائل الإعلام لذكرى معركة الكرامة حيث تحافظ الصحافة الأردنية على تقليد الاحتفاء بها في الحادي والعشرين من آذار. وهذا العام حلت الذكرى 48 لهذه المعركة التي جرت عام 1968.

كما هو الحال عادة في كل عام، صدرت الصحف الورقية الأربع (الرأي والغد والدستور والسبيل) بعنوان بارز على صفحاتها الأولى حول معركة الكرامة، وقد امتد العنوان على خمسة أعمدة (من ثمانية) في ثلاث صحف بينما اكتفت الصحيفة الرابعة بثلاثة أعمدة على رأس صفحتها الأولى.

أما ما يتعلق بمحتوى المادة المنشورة، فقد وزعت وكالة الأنباء الرسمية تقريرا طويلا عن المعركة، وقد اعتمدته الصحف كمادة رئيسية، أو وحيدة في بعضها، كما اعتمدته أغلب المواقع (نشر في حوالي 25 موقعا الكترونيا اخباريا)، ولكنه جاء هذه السنة على شكل نسخة مكررة حرفيا عن بيان العام الماضي مع تغيير محدود في المقدمة.

 غير أن وكالة الأنباء بادرت هذا العام إلى نشر مادة جديدة قدمت فيها محتويات ندوة متخصصة عقدتها الوكالة بمشاركة عدد من الباحثين والقادة العسكريين السابقين وبعضهم ممن شاركوا في معركة الكرامة، مما شكل إضافة نوعية للمواد المنشورة بهذه المناسبة. غير أن هذه المادة الجديدة لم تعد نشرها إلا صحيفة واحدة.

من بين كل الصحف والمواقع الالكترونية، تميزت إحدى الصحف اليومية "الدستور" في تغطيتها للمناسبة هذا العام، فقد نشرت –بالإضافة إلى مادة وكالة الأنباء- ست مواد متنوعة:

المادة الأولى قدمت شهادة شاهد عيان مدني هو التربوي بكر خليل أبو بكر، وهو مدير مدرسة في منطقة الأغوار قدم شهادته على بعض مجريات المعركة التي رآها بعينه.

المادة الثانية بعنوان "عمان القديمة تحتفي بالانتصار " قدمت جانبا من المشهد العام للاحتفال بالنصر زمن حصوله في العاصمة.

المادة الثالثة تتناول شخصية ودور رئيس هيئة الأركان القائد العام للقوات المسلحة وقت حصول المعركة عامر خماش.

المادة الرابعة جاءت على شكل ذكريات للمطربة سلوى العاص التي كان لها ولزوجها المرحوم جميل العاص دور في أغاني الحرب والأغاني الوطنية آنذاك..

المادة الخامسة كانت حول أحد الضباط المشاركين في المعركة اللواء المرحوم احمد علاء الدين الذي أصبح فيما بعد قائدا عسكريا كبيرا. 

المادة السادسة قدمت شهادة للوكيل المتقاعد سالم زبن العطيات أحد الجنود المشاركين الذي استعرض أسماء عدد من رفاقه في تلك المعركة من شهداء وجرحى ومقاتلين.

غير أن ما أخل قليلا بعنصر التميز هذا، هو قيام الصحيفة باستخدام فقرات مطولة منشورة سابقا وإعادة نشرها في اثنتين من المواد الست المذكورة، ولكن من دون الإشارة إلى ذلك، والإيحاء بأن كامل النص جديد.

أخيرا، لعله من المهم الإشارة -بمناسبة هذا التقرير- إلى مسألتين:

الأولى: أنه في مثل هذا النوع من التغطيات للأحداث التاريخية، كحالة معركة الكرامة، فإن الاستعانة بما هو منشور سابقا لا يعيب المادة الصحفية، بل قد يزيدها غنى في حالة تمت تلك الاستعانة بصورة مهنية، وخاصة لجهة ذكر المصدر والتاريخ..، تماما كما يجري في عملية البحث عموما، حيث تغتني النصوص بمقدار ما استندت إليه من مراجع.

المسألة الثانية: هي أن كون الحدث يتكرر سنويا، فإن هذا لا يبرر الرتابة، وخاصة عندما يتصل الأمر بقضية لا تزال تحظى بقدر من الاهتمام لدى الرأي العام كحال معركة الكرامة عند الأردنيين، بدليل أن وسائل الإعلام تحرص على عدم التخلف عن الإشارة إليها بوضوح وفي مواقع بارزة. ولكن على العموم، وفي القضايا التاريخية الحيوية، لا تنعدم زوايا النظر الجديدة الابداعية بما يسمح بتقديم مواد ذات قيمة قد ترتبط بالأحداث الجارية، وليس مجرد التكرار الرتيب.