كان يوم الأحد، 17 آب اليوم الأول لإضراب المعلمين، ويوم الإثنين ، خرجت إحدى الصحف بعنوان عريض على صدر صفحتها الأولى يقول:"التزام واسع بإضراب المعلمين في اليوم الأول"، وفي صحيفة أخرى، كان العنوان، عن الإضراب نفسه، على الصفحة الأولى أيضا: "فشل إضراب نقابة المعلمين"، وبين العنوانين، كانت التغطية الإعلامية للإضراب، في خمس صحف، نموذجا لوسائل الإعلام، عندما يتحول بعضها طرفا في الصراع، لا ناقلا محايدا له.
لقد انقسم مجمل التغطية، إلى "مع" و"ضد"، وكان هذا واضحا، لدى تحليل المحتوى الإعلامي لتغطية اليوم الأول للإضراب (الإثنين)، إذ، خصّصت، كما يظهر في الجدولين أدناه، ثلاث من الصحف الخمس، معظم مساحة تغطيتها لوجهة النظر المعارضة للإضراب، في حين خصّصت صحيفتان، معظم المساحة لمؤيدي الإضراب. ورغم أن التوازن لا يعني بالضرورة أن يُخصص لكل طرف مساحة وعدد مصادر مساو حرفيا للطرف الآخر، لكن الأمر يثير التساؤل، عندما تخصص صحيفة 88% من مساحة تغطيتها، لعرض وجهة نظر مؤيدي الإضراب، مقابل 10% لمعارضيه، وفي مواجهتها، تخصص "صحيفة أخرى" 81% من مساحة تغطيتها لمعارضي الإضراب، و5% لمؤيديه. إن أرقاما كهذه، تعني أن وسائل الإعلام، لم تعد في هذه القضية قناة حرة لتدفق المعلومات، بل أداة للتوجيه.
اختزال أطراف الصراع إلى "وزارة" و"معلمين" وتغييب الأطراف الأخرى:
غطّت الصحف الإضراب بعشر تقارير، 4 منها للرأي، و2 لكل من العرب اليوم، والغد، وواحد، لكل من السبيل والدستور، ولم تقف مشكلة التغطية الإعلامية للإضراب عند الإخلال بتوازن عرض الروايات المختلفة، من خلال "حشد" المصادر التي تدعم رواية على حساب أخرى، ولكن التغطية، أيضا، اختزلت أطراف الصراع إلى اثنين، هما وزارة التربية، ونقابة المعلمين. وأٌهملت في المقابل أطرافا أخرى.
أول الغائبين هم المعلمون أنفسهم، صحيح أن النقيب ونائبه والناطق الإعلامي للنقابة، ورؤساء فروع النقابة في المحافظات كانوا حاضرين بقوة، ولكن المعلمين، من خارج الهيئة الإدارية للنقابة كانوا شبه غائبين، ففي كل التغطيات الإعلامية كان هناك 9 مصادر من المعلمين ومدراء المدارس في الميدان، 8 منهم في تقرير واحد، وكلهم كانوا مؤيدين للإضراب، ومعلم واحد في تقرير آخر، وكان معارضا، ما عدا ذلك، غاب المعلمون تماما عن التغطية.
غياب المعلمين، جعل التغطية عاجزة عن تقديم صورة حقيقية لما جرى في الميدان، وتحديد نوع استجابة هؤلاء للإضراب، مع ضرورة التنبيه إلى أن كون النقابة، هيئة منتخبة، لا يعني أنها تعبر بالضرورة في كل قضية، عن كامل هيئتها العامة، وأنها صالحة بالتالي في كل زمان ومكان للتعبير عنهم جميعهم، كما لو أنهم كتلة واحدة.
الغائب الثاني هم أهالي الطلبة، فقد حضروا في خمسة مواضع فقط، كانوا في جميعها مصادر جماعية مبهمة، منها "العديد من الأهالي" الذين عبروا عن "استيائهم" من"فوضى" بداية العام الدراسي"، و"أولياء الأمور" الذين دعوا المعلمين إلى "العدول عن قرارهم بالإضراب خدمة للصالح العام"، وفي أحد التقارير، صودر صوت هؤلاء الأهالي، عندما تنازع الحديث باسمهم كل من الوزارة والنقابة، فمدير إدارة التعليم الخاص نقل "تذمر" الأهالي من تعطل معاملات أولادهم، لكن أمينة سر النقابة، أكدت أنهم، بعد أن استمعوا لوجهة نظر النقابة، "أبدوا تفهمهم".
أما ثالث الغائبين، فهم الطلبة، الذين لم يكن لهم وجود على الإطلاق في كل التغطيات، بالتحديد طلبة الثانوية العامة، وهم أكثر المتضررين من ارتباك بداية العام الدراسي.
كيف استجاب المعلمون للإضراب؟
لقد وفرت التغطيات إجابتين متناقضتين لهذا السؤال، إجابة نقابة المعلمين التي أكدت على لسان نقيبها أن الإضراب كان"ناجحا 100% ومميزا في مدارس المملكة كافة"، وإجابة وزارة التربية بواسطة مديري مديريات التربية في المفرق والشوبك وسحاب وعجلون والرصيفة، الذين قالوا إنه لا إضراب نهائيا في مناطقهم، أو أن الإضراب لم تتجاوز نسبته 5 أو 10%.
ولوحظ في التغطيات بشكل عام، أنها حصرت القارىء بهاتين الروايتين، اللتين استخدم فيهما كل طرف الأرقام والنسب بلا ضوابط، فلم يكن واضحا على ماذا استندت مصادر النقابة التي قدّرت نسبة الإضراب في جرش بـ90%، أو مصدر الوزارة الذي قدّر نسبة الإضراب في الرصيفة بـ5%، ففي هاتين الحالين، وفي ثمانية مواضع أخرى، ذكرت فيها نسب للإضراب في المناطق المختلفة، لم يذكر أحد عدد المعلمين، وعدد المضربين، حتى يتضح من أين أتت النسبة، لهذا ظهر التضارب في النسب بين الطرفين، ففي تقرير، ذكر مصدر من النقابة أن نسبة الإضراب في محافظة المفرق 90%، لكن مدير تربية قصبة المفرق أكد في تقرير آخر، أن المعلمين لم يضربوا نهائيا.
لم تنقل التغطيات، بشكل عام، صورة دقيقة للإضراب، فقد استخدمت جميع التقارير عبارات عامة فضفاضة لا تقول شيئا محددا، فنقرأ عبارات مثل "انتظمت بعض المعلمات في مدارسهن"، و"أكد عدد من المعلمين والمعلمات في الرصيفة التزامهم بالإضراب"، والتزم "العديد من المعلمين بالدوام الرسمي في الوقت الذي غاب بعض المعلمين عن مواقع عملهم"، و"معلمون في العديد من المدارس أعلنوا عدم التزامهم"، و"في عجلون التزم عدد من المعلمين بالدوام الرسمي في المدارس، وخاصة مدارس الإناث، ولجأ عدد من المعلمين إلى الإضراب الجزئي". وما سبق مجرد أمثلة.
وفي السياق نفسه، لم تنقل التغطيات صورة واضحة لمطالب المعلمين، رغم أنها الدافع الوحيد للإضراب، ومع ذلك، كان حضورها في هذه التغطيات باهتا، فبعض التقاريرأشارت إليها بشكل عابر، من دون أي معلومة عنها، في حين ذكرت أخرى عناوين عريضة لها، وحتى في التقارير التي أفردت لها مساحة، كان جزءا من التغطية غامضا، ومنها عندما أُشير إلى أنه "تم التوافق على 15 مادة من أصل 18 مادة اقترحت النقابة تعديلها"، ولم يذكر ما هي المواد المقترحة والتي جرى التوافق عليها، ليعرف القارىء أين يقف الطرفان من بعضهما، وأُشير إلى "علاوة المعلم التي تقدر تكلفتها السنوية بنحو 250 مليون دينار"، ولم تذكر أي معلومة عن هذه العلاوة.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني