أكيد – دلال سلامة
غطّت الصحف الأربع، الدستور والرأي والسبيل والغد،[1] اليوم، خبر انتهاء إضراب عمال ميناء حاويات العقبة، الذي بدأ الاثنين الماضي، وأنهاه اتفاق وقع مساء أمس، بوساطة نيابية، على أن يُحال النزاع إلى محكمة عمالية. ورغم أن جميع التغطيات أشارت إلى أن للعمال "مطالب"، إلا أن صحيفة واحدة، هي الغد، ذكرت بالتحديد هذه المطالب. ورغم أن صحيفتين، هما الغد والدستور، أشارتا إلى أن بعض هذه المطالب قد تحقق، إلا أن صحيفة ثالثة، هي السبيل، كانت الوحيدة التي ذكرت المطالب التي تحققت بالفعل، نقلا عن بيان لشركة "حاويات العقبة"، ولكن، من دون أن تقول بوضوح إن ما تحقق هو جزء من مطالب العمال.
وهكذا تكون كل التغطيات قد أغفلت، كلّ بطريقته، معلومات مفصلية، لا يمكن للقارئ أن يفهم الحدث من دونها، وهي المعلومات التي تجيب على أسئلة : لماذا أضرب العمال؟ ما الذي حصلوا عليه؟ وما الذي تبقى؟
لكن القصور في تغطية انتهاء الإضراب أمس، لم يقف عند عدم تقديم إجابات على أسئلة أساسية، بل تعداه إلى أن تثير التغطيات نفسها أسئلة، ولا تقدم عليها إجابات. إنها أسئلة أثارها كمّ كبير من الاقتباسات المنسوبة إلى أطراف الحدث، من مصادر استعانت بها التغطيات لتقديم معلومات، ولكنها لم تفعل، لأنها كانت في معظمها اقتباسات مبهمة، تحيل إلى أحداث، أو أمور، لم تزوّد التغطية القارئ بمعلومات أو خلفية عنها، كي يفهم ما يتحدث عنه المصدر، فبدا كما لو أن هذه الاقتباسات هي محادثة بين طرفين، يعرف كلاهما ما يتحدث عنه الآخر، لكن الجمهور المغيّب، المفترض أنه المستهدف بعملية "الإخبار"، ليس طرفا في هذه المحادثة.
باستثناء الرأي، الذي استندت في خبرها إلى مصدرين هما، رئيس مجلس النواب، ومصدر جماعي مبهم، هو "عمال وموظفو ميناء حاويات العقبة"، فقد كانت سمة التغطيات الأخرى، هي تعدد المصادر، وشمولها كافة أطراف الحدث، وهم العمال والشركة ومجلس النواب، ووزارتا العمل والداخلية، لكن السمة المشتركة الأخرى، هي أنها جميعها، نسبت إلى هذه المصادر إفادات مبهمة.
ففي السبيل، يُنسب إلى نائب العقبة، محمد الرياطي، قوله إن ملف الإضراب أصبح في حوزة وزير الداخلية "عازيا ذلك إلى ضعف إدارة السلطة في مواجهة الإضرابات العمالية وعدم احترامها للاتفاقيات الموقعة"، لكن التغطية لا تشتمل على أي معلومة تفسر هذا الاتهام، وتبرره، فما هي الاتفاقيات التي سبق لـ"سلطة العقبة" أن وقعتها مع العمال؟ وما هي الخروقات التي ارتكبتها؟
ثم تنقل التغطية عن بيان شركة "ميناء الحاويات" ربطها التزامها بتنفيذ عدد من المطالب العمالية، بـ"موافقة الموظفين على نظام الشفتات وهو ما يرفضه الموظفون"، وهنا أيضا لا توضح التغطية ما هو نظام الشفتات، ولا لماذا يرفضه الموظفون.
ثم تنسب التغطية إلى (العاملون) في "حاويات العقبة" مطالبتهم بـ"تنفيذ الاتفاقية الموقعة بشهر تموز حيث تم تعليق الإضراب إثر توقيع تلك الاتفاقية"، ولا تقول التغطية للقارئ، ما هي اتفاقية تموز، وعلى ماذا كانت تنص؟
في الغد، تتحدث التغطية عن "مشادات"، و"ملاسنة" بين رئيس "العقبة الخاصة"، ومدير مؤسسة الموانئ، من جهة، ونائبين من جهة أخرى، أثناء اجتماع لبحث القضية، ويُنسب إلى "شهود عيان" قولهم إن رئيس "العقبة الخاصة" ومدير الموانئ، وجّها "اتهامات لنائب العقبة"، ويضيف شهود العيان أن رئيس مجلس النواب، كان قد انسحب من الاجتماع "إثر رفض مقترحات تقدم بها لتسوية القضية". ولا تقول التغطية ما الاتهامات التي وُجّهت للنائب، ولا ما هي المقترحات التي قدّمها رئيس "النواب"، ولا من رفضها.
أيضا يُنسب إلى رئيس لجنة العمل النيابية قوله إن هناك "خللا واضحا في الاتفاقيات الموقعة بين العمال ومفوضية العقبة، مرجعا السبب وراء ذلك إلى رئيس المفوضية الذي اتهمه بتأزيم الموقف"، وأيضا لا تجيب التغطية على أسئلة، ما هو مواطن الخلل التي يراها النائب في الاتفاقيات بين الطرفين؟ وما الذي فعله رئيس المفوضية بالضبط، ورأى فيه النائب تأزيما للموقف؟
أيضا، يُنسب إلى رئيس "العقبة الخاصة" قوله إن عمال ميناء العقبة "يتقاضون أعلى رواتب في العالم"، ولكن التغطية لا تدعم هذا التصريح بأي معلومة، فلم تطلب من صاحبه أن يبين سنده في ذلك، بأن يوضح ما هو متوسط رواتب موظفي الميناء. وما هي الفروقات بين هذه الرواتب. ولا ما هو متوسط رواتب نظرائهم في العالم.
أيضا يُنسب إلى مصدر مبهم هو "ممثل عن العمال المضربين" ، قوله إنه "سبق أن وقعت العديد من الاتفاقيات مع السلطة، إلا أنه لم تنفذ سوى بعضها"، ولا تقول التغطية، ما هي المطالب التي نُفّذت.
ويُنسب إلى وزير الداخلية نفيه اعتداء قوات الأمن على المضربين، وقال إنه "تمّ التحفّظ على عدد منهم لساعتين ونصف حفاظا عليهم"، ولا تفسر التغطية "حفاظا عليهم" من ماذا، أو مِن مَن.
أما الدستور، فهي تنسب إلى رئيس "النواب"، أنه انسحب من اجتماع كان مقررا لبحث الإضراب "نتيجة ما اعتبره لغة استقواء على طاولة الحوار وتعنتا بالآراء"، ولا تقدم أي تفسير، فمن هم الذين مارسوا لغة الاستقواء. وما هي الآراء التي تعنت أصحابها فيها؟
ويٌنسب إلى رئيسة لجنة الحريات قولها أن "مطالب عمال الميناء مشروعة"، كما يُنسب إلى مصدر مبهم هو "ممثل عن العمال المضربين" قوله إنه "وقعت العديد من الاتفاقيات مع السلطة، إلا أنه لم تنفذ سوى بعضها"، ولا تقول التغطية، ما هي مطالب العمال، ولا ما هي المطالب التي نُفّذت.
وينطبق الأمر ذاته على مصدر الرأي، وهو "عمال وموظفو ميناء حاويات العقبة"، الذين نٌسب إليهم مطالبتهم بـ"امتيازات وحوافز وظيفية لم تتحقق حسب قولهم"، وهنا أيضا لا يوضح الخبر، ما هي الامتيازات والحوافز التي طالب بها العمال.
في التغطيات السابقة، كان واضحا أن المصادر لم تستثمر كما يجب، إذ لم تكن، في الغالب، مصادر للمعلومات، قدر ما كانت مصادر لأنصاف الحقائق، والاتهامات المرسلة، غير المدعومة بتفسير أو أدلة.
[1] نشرت "العرب اليوم" خبر بترا، أمس على موقعها الإلكتروني، ولم تُعد نشره في نسختها المطبوعة
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني