أكيد – دلال سلامة
رغم أن الإصابة الجماعية لمواطنين في بلدة مليح التابعة لمحافظة مادبا، بما يشتبه أنه تسمم غذائي، حدثت مساء الاثنين الماضي، إلا أن الخبر لم يظهر في الصحف المطبوعة إلا صباح اليوم الأربعاء، لاحقا لبيان أصدرته وزارة الصحة، ونشرته وكالة الأنباء الأردنية بترا، الساعة الثالثة عصر أمس الثلاثاء.
ووفق البيان، فقد بدأت وزارة الصحة عملية "استقصاء وبائي"، في أعقاب مراجعة 14 مواطنا، طوارئ مستشفى الأميرة سلمى، في ذيبان، في مادبا، مصابين بـ"الحرارة والإسهال والقيء"، غادر 4 منهم المستشفى.
واشتركت الغد[1] الدستور والرأي والسبيل[2]، في أنها اقتصرت في تغطيتها الحادثة على مصادر وزارة الصحة، فـالرأي، التزمت بخبر بترا، مع تغيير طفيف في صياغة بعض عباراته، وهو خبر كان المصدر الوحيد فيه هو مدير مستشفى الأميرة سلمى في ذيبان، في حين استندت الصحف الأخرى إلى مصادر رسمية أخرى، فاستندت الدستور والغد إلى رئيس قسم الأمراض السارية في مديرية صحة مادبا، والسبيل، إلى مدير إدارة الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة.
إذن، اقتصرت الصحف الأربع في تغطيتها الحادثة، على طرف واحد، هو وزارة الصحة، وأغفلت طرفا آخر لا يقل عنها أهمية، هم المصابون أنفسهم، وعائلاتهم، فلم تستمع أي صحيفة إلى رواية هؤلاء عما حدث معهم، وكان يمكن لهذه الروايات لو أفسحت لها الصحف مكانا، أن تكشف جوانب من القصة، لم يغطّها الخبر المبتور لبترا، والذي لم يغطّ الحادثة، بل غطّى في الحقيقة بيان وزارة الصحة.
لقد كان لافتا أن خبر الدستور انفرد بمعلومة لم تتضمنها التغطيات الأخرى، هي أن المصابين الذين راجعوا مستشفى "سلمى"، كانوا "14 شابا من منطقة مليح لم تتجاوز أعماهم 16 سنة"، وهي معلومة تثيرا تساؤلا لم يجب الخبر عنه، يتعلق بالرابط بين هؤلاء الفتيان، فهل هم طلبة مدرسة واحدة مثلا؟، هل هم أبناء حيّ واحد، كانوا في رحلة، أو ارتادوا معا مطعما معينا؟. إن الإجابة على هذا التساؤل مهمة من حيث أنها يمكن أن تقود إلى ما تسبب لهم بهذه الأعراض، إذ يبدو من الصعب تصور أن 14 شابا من فئة عمرية واحدة، أصيبوا بهذه الأعراض المرضية، دون أن يكون هناك ما يربطهم؟
الطرف الآخر الذي أهملته التغطيات، كان أصحاب محلات (أو محطات) تحلية المياه الخاصة، التي ورد في تغطيتي الدستور والغد أنها أغلقت احترازيا. الدستور حدّدت بدقة أنها كانت 3 محلات، في حين قالت الغد إنه "تمّ وقف بيع المياه من محطات بيع المياه الخاصة"، وهي عبارة تعني وقفا مطلقا لجميع المحطات الخاصة، علما بأن مصدر المعلومة في الصحيفتين كان واحدا، هو مدير "الأمراض السارية" في مديرية صحة مادبا.
الافتقار إلى الدقة، في ما يتعلق بمحلات تحلية المياه، كانت سمة لبعض التغطيات في مواضع أخرى عدّة، أولها تحديد وصف الحالة المرضية. لقد لوحظ أن بيان وزارة الصحة، الذي غطّته بترا، ذكر الأعراض، وهي ارتفاع الحرارة والإسهال والقيء، لكنه تجنب الإشارة إليها بوصفها "تسمما"، بل وصفها بأنها "حالات مرضية"، أٌجريت لها فحوصات، ولم تُحدد أسبابها بعد.
لكن التغطيات لم تلتزم جميعها الدقة، في ذلك، فالحكم على هذه الحالات المرضية بأنها "تسمم"، هو "تشخيص" لم تكن الوزارة نفسها قد أعلنته، علما بأن ارتفاع الحرارة والإسهال والقئ، هي، كما يقول الدكتور نواف المومني، وهو استشاري في الطب الباطني، وأمراض الأطفال، والأمراض الالتهابية والتحسسية والمطاعيم والروماتيزم[3]، هي أعراض، تنتج "غالبا"عن التهاب معوي، سببه تناول شيء عن طريق الفم، لكنها يمكن أن تصاحب أمراضا أخرى، مثل التهاب السحايا، وجرثمة الدم.
لقد كانت السبيل هي الأكثر دقّة في تناول هذه النقطة، عندما أشارت بوضوح إلى أنه "تتشابه الأعراض التي ظهرت على هؤلاء المرضى ما يرافق حالات التسمم الغذائي، لكن وزارة الصحة لم (...) تجزم بوقوع حالات تسمم"، مضيفة أن نفي أو تأكيد الوزارة حدوث تسمم يحدده "صدور تقرير نتائج الاستقصاء الوبائي".
أهمية الدقة في ما سبق، لا يتعلق فقط بالأهمية البالغة لأن تسمى الصحافة الأشياء بأسمائها. أيضا، لأن الجزم بأن ما حدث هو تسمم، سيعيد مباشرة إلى الأذهان حادثة قريبة، هي تسمم في بلدة الشهابية، في محافظة الكرك، التي حسمت وقتها بأنها تسمم، وقيل إن السبب هو تناول أغذية فاسدة من مطاعم في البلدة، وقد أبرزت وقتها التغطيات المبكرة للحادثة تأكيدات رسمية على سلامة المياه، وهو الأمر الذي يتكرر في هذه الحادثة.
لم تذكر الرأي نهائيا كلمة تسمم، ذلك لأنها، كما سبقت الإشارة التزمت بخبر بترا، الذي كان تغطية لبيان وزارة الصحة، وليس تغطية للحادثة نفسها، أما الغد، فقد حسمت من بداية خبرها أن الإصابات هي "حالات تسمم"، ونقلت في اقتباس غير مباشر عن مدير "الأمراض السارية" في "صحة مادبا"، الدكتور مصطفى الأطرش، ما فحواه "استبعد الأطرش أن تكون المياه سبب التسمم"، لكنها عادت في نهاية خبرها، وقالت إن وزارة الصحة تجري فحوصات لتحديد سبب الحالات المرضية ، وهو التناقض ذاته في تغطية الدستور، ولكن معكوسا، فقد ذكرت في بداية خبرها أن "الصحة" تجري فحوصات لتحديد سبب الأعراض، لكنها في نهاية خبرها، نقلت عن الأطرش قوله إنه "لم يتم تحديد سبب التسمم". ويلاحظ هنا أن التضارب في تحديد إن كانت الأعراض تسمما أم لا، أتى في التغطيتين من مصادر في "الصحة"، وهو تضارب نقلته التغطيتين كما هو.
النقطة الثالثة التي تضاربت فيها التغطيات هي تحديد عدد المصابين، لقد ذكر بيان "الصحة"، الذي اقتصر على مصدر واحد، هو مدير مستشفى الأميرة سلمى، أنهم 14، وهو الرقم الذي ذكرته الرأي والسبيل، اللتين استندتا في تغطيتهما للعدد على بيان "الصحة" فقط، لكن الدستور والغد حصلتا من مصدرهما الإضافي على رقم مختلف، فالدستور ذكرت أن مجمل المصابين هو 43 مصابا، 14 منهم راجعوا مستشفى سلمى، و29 راجعوا مركز صحي مليح.
لكن تغطية الغد لعدد المصابين اتسمت باللبس، فقد قالت إنه "أصيب 42 شخصا في بلدة مليح بمحافظة مادبا بحالات تسمم أمس، أدخل منهم 14 إلى مستشفى الأميرة سلمى، فيما استقبل مركز صحي مليح 26 مصابا"، وهذه صياغة يُفهم منها أنه من بين الـ42، كان هناك 14 أدخلو المستشفى، و26 راجعوا مركز صحي البلدة.
لكن الخبر، بعدها، ينقل عن مدير مستشفى الأميرة سلمى أن 14 راجعوا المستشفى، أدخل منهم 10، وخرج 4، وإضافة إلى أن هذا يتناقض مع ما بدأ به الخبر وهو أن 14 أدخلوا المستشفى، فإن تصريح مدير المستشفى يعني أن مجموع من راجعوا المستشفى هو 14، وعندما يكمل الخبر بعدها أن 26 راجعوا مركز صحي مليح، فإن هذا يجعل مجموع المصابين بالتسمم في البلدة 40 وليس 42، كما بدأ الخبر.
[1] الغد الأردني، صفحة 9، النص المنشور في النسخة المطبوعة يختلف عن المنشور عن الموقع الإلكتروني، لهذا لم يرفق رابط.
[2] نشرت العرب اليوم خبر بترا أمس على موقعها الإلكتروني، ولم تنشره اليوم في نسختها المطبوعة
[3] مقابلة عن طريق الهاتف، مع كاتبة التقرير، يوم 14/10/2014
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني