خبر "طائرات النائب" يحلّق في أجواء إعلامية "ضبابية"!

خبر "طائرات النائب" يحلّق في أجواء إعلامية "ضبابية"!

  • 2016-01-18
  • 12

أكيد – دلال سلامه

تحت عنوان "نائب يتمكن من ترخيص طائرات لشركته رغم انتهاء عمرها التشغيلي"، نشرت صحيفة "الغد" (18/1/2016) خبرا عن نائب في البرلمان، يملك شركة طيران تجاري، قالت إنه تمكن من الحصول على ترخيص لطائرات تجاوز عمرها التشغيلي 15 عاما، رغم أن القانون يمنع ترخيص أي طائرة تجاوزت هذا العمر.

يقرر العنوان السابق، الذي تداولته العديد من المواقع الإلكترونية، وجود مخالفة خطيرة، لكن من يقرأ الخبر، ويتابع الجدل الواسع الذي أثاره خلال اليومين الماضيين، لا يتمكن من الخروج بنتيجة حاسمة بخصوص ذلك. فالخبر ينقل عن النائب من دون أن يسميه، ما يشي بأنه لا مخالفة. فهو يقول إن عمر طائراته عندما بدأ إجراءات التسجيل كان 15 سنة، لكن مع انتهاء الإجراءات التي استمرت بحسبه سنة كاملة، أصبح عمر الطائرات 16 سنة.

ولم يوضح الخبر ما يراه القانون في هذه الحالة، فهل يُحتسب عمر الطائرة من بدء إجراءات التسجيل، وهذا يعني أنه لا انتهاك للقانون في هذه الحالة، أم يشترط القانون ألا يتجاوز عمر الطائرة 15 سنة، لحظة دخولها في الخدمة لدى الشركة المعنية، وهذا يعني وجود مخالفة.

الجهة المعنية بالتوضيح هي هيئة تنظيم الطيران المدني، المسؤولة عن تسجيل الطائرات. والخبر يتضمن فعلا تصريحات لها. لكنها لا تتطرق إلى الوقت الذي يبدأ فيه احتساب العمر التشغيلي للطائرة، وهي النقطة المفترض أنها ستحسم إن كان هناك انتهاك للقانون أم لا. كما لم تعط رأيها بكلام النائب، بل تكتفي الهيئة بأن تؤكد أن العمر التشغيلي لأي طائرة لا يجوز أن يتجاوز الـ15 سنة، وأنه "من غير الممكن التجاوز عن هذه الشروط أو الأخذ بعين الاعتبار أي استثناءات".

في الحقيقة، فإن الخبر ينقل بعدها عن هذه الهيئة، ما يربُك الفهم تماما، فهو ينقل أن "إجراءات تسجيل الطائرات التي تعود ملكيتها لأحد النواب استغرقت عاما كاملا، رغم أن عمرها التشغيلي يزيد على 15 سنة".

والسؤال هنا: ما الذي تعنيه عبارة "رغم أن عمرها التشغيلي يزيد على 15 سنة". هل تعني أن هذه الطائرات، عندما بدأت إجراءات تسجيلها، كانت قد تجاوزت الـ15 سنة، ؟ إنه سؤال لا يقدم الخبر إجابة عنه.

حجب هوية النائب خلق حالة من الخلط

في الخبر السابق، حُجبت هويات جميع المصادر، فهو أولا لا يفصح عن مصدر المعلومات المتعلقة بانتهاك شروط الترخيص، بل يكتفي بعبارة:  "كشفت معلومات" أن نائبا حصل على ترخيص لطائراته التي انتهى عمرها التشغيلي. ومن غير الواضح ما هو المقصود بهذه "المعلومات"؟ من أين جاءت؟  وكيف وصلت الصحيفة؟ إذ يُعدّ هذا أسلوبا غير مألوف في التعامل مع المصادر، التي يُشار إليها بحدّ أدنى من المعلومات التي تبيّن طبيعتها، حتى عند حجب هويتها.

في السياق نفسه، حُجبت هوية مصدر هيئة تنظيم الطيران المدني، واكتُفي بالإشارة إلى أنه "مصدر مطلع"، من دون توضيح للمبرر، رغم أن ما نُقل عنه كان توضيحا للقانون، ووقائع تتعلق بترخيص طائرات النائب.

أخيرا، وهو الأهم، حُجبت هوية بطل الخبر. علما بأن إخفاء هوية الشخص المعني في هذه النوعية من الأخبار ممارسة منتشرة في الإعلام المحلي، لكنها في هذا الخبر بالتحديد، خلقت حالة من الخلط لدى الجمهور، ذلك أن البرلمان الحالي يضم نائبين يملك كل منهما شركة للطيران التجاري، هما أمجد المسلماني، الذي يملك (FLY JORDAN)، ومحمد الخشمان، الذي يملك (الشركة الأردنية للطيران). ولم يكن واضحا أيّ منهما هو المقصود.

لقد خرج المسلماني بعد ساعات من نشر الخبر ببيان، تداولته صحف يومية، ومواقع إلكترونية، علّق فيه على المعلومات الواردة فيه، لكن هذا لم يساعد القارئ في أن يحسم أنه المقصود في الخبر. ذلك أنه في بيانه، لم يشر نهائيا إلى ذلك، بل اكتفى بأن طالب الجهات المختصة بالتحقيق في "الادعاءات" التي وردت في الخبر، ومعاقبة مرتكب المخالفة، إن ثبت وجودها، وإلا معاقبة "من يروج لهذه الادعاءات التي تعد إعاقة للاستثمار وتحويلهم إلى القضاء".

لم يكن ممكنا لقارئ عادي أن يعرف من تصريحات المسلماني أنه المقصود، لكن يمكن لقارئ مهتم، تتبع التغطية في مجمل وسائل الإعلام، من صحف يومية، ومواقع إلكترونية، أن "يتكهّن" بأنه المعني، وذلك من عناوين تغطيات معينة، منها مثلا واحدة ذكر عنوانها إن خبر "ترخيص طائرات انتهى عمرها التشغيلي يخرج المسلماني عن صمته"، وهي تغطية أُرفقت بصورة لطائرة تابعة لشركته. لكن التكهن بذلك يشترط بالطبع أن يكون القارئ عارفا بأن المسلماني يملك شركة طيران تجاري، وأنها بالتحديد، الشركة التي تتبع لها الطائرة التي أُرفق الخبر بصورتها.

لقد جاء الحسم أخيرا، عندما خرج النائب الآخر، مالك شركة طيران، محمد الخشمان، ونفى على صفحته على "فيسبوك" أن يكون هو المعني بالخبر، وكان واضحا من نفيه، الذي نشرته "الغد"، ومواقع إلكترونية، أنه جاء ردّا على تأويلات طالته بأنه المقصود بالخبر، فقال: "يا اخوان:- ارحمونا شوي ... دققوا بالمعلومات قبل الحديث ... الشركة الأردنية للطيران (...) ليست المقصودة بالخبر".

ما زالت وسائل الإعلام تتداول خبر هذه القضية، لكن هذا يحدث في سياق من التشويش والضبابية، فإلى الآن لم يقل أحد مباشرة للجمهور، من هو النائب المعني، ولا إن كان ما ارتُكب كان مخالفة أم لا.