السبت، بتاريخ 21 أيار (مايو) 2016، زار رئيس الوزراء الأردني السابق، رئيس جمعية الشؤون الدولية، الدكتور عبدالسلام المجالي، مدينة نابلس في الضفة الغربية، والتقى مع رموز ووجهاء من المجتمع الفلسطيني من رسميين وأهليين، وهي الزيارة التي تناولتها العديد من وسائل الإعلام بطرق مختلفة، صاحبها تباين في التغطية الصحفية، وقصور مهني في بعض الجوانب، ناجم عن عدم توفر المعلومة الدقيقة، إلى جانب محاولات واضحة للتوظيف السياسي، قدمت فيها بعض الآراء والتوقعات على شكل أخبار.
المجالي في تصريحات خاصة إلى مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) قال: "أنا أرى -مع كل أسف- أن الإعلام وفي مرات كثيرة، يخطئ في النقل، وهو ما يدفع المسؤول إلى عدم الثقة بما يكتب أو ينشر في الوسائل الإعلامية التي غالبا ما تلجأ إلى تحوير الحقائق وتغيير التصريحات، وفي أحيان أخرى تنساق وراء الإثارة على حساب المصداقية". وأضاف: "عموما علاقتي ليست سيئة مع الإعلام ولا هي بالدافئة والحميمية، لكن ما أود الإشارة إليه أنه لم يتواصل معي أي صحفي في الأردن بشكل مباشر للتوثق مما نشر وذكر على لساني"، معربا عن استغرابه من ذلك!
المجالي أوضح أنه لا يمثل أي صفة رسمية أو حكومية، وأن ما صدر عنه، يمثل آراء تعبر عن وجهة نظره الشخصية، فيما صورت تغطية بعض وسائل الإعلام المقترحات التي طرحها كما لو أنها "خطة" أو "مبادرة رسمية" سوف تنفذ غدا، كما أن التغطية الصحفية لم تشر إلى سلسلة التصريحات الأخرى التي أدلى بها خلال اللقاء.
المجالي أكد أن حديثه لم يكن عن الكونفدرالية، بل كان عن صيغة مبتكرة (فيدرال – كونفيدرال)؛ "فيدرال" في ما يتعلق بالدفاع والخارجية والاقتصاد، و"كونفيدرال" في سن قوانين وأنظمة خاصة بأوجه الحياة الأخرى اليومية والتنظيمية. إذن هي – بحسب المجالي - صيغة حكم مبتكرة ونوع من "اللامركزية"، مشددا على أن هذا الطرح ليس آنيا أو فوريا، بل يرتبط تحققه بقيام دولة فلسطينية مستقلة، والأهم من ذلك، هو إجراء استفتاء شعبي في فلسطين والأردن يؤيد هذا الطرح.
مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) تابع التغطية الصحفية والإعلامية التي رافقت وتلت زيارة الدكتور عبدالسلام إلى نابلس، ولاحظ وجود تباين بين العناوين والمضمون في أحيان كثيرة، فعلى سبيل المثال، نجد أن موقع "الكون نيوز" اختار عنوانا:"عبدالسلام المجالي: قريبا حكومة واحدة تدير الأردن وفلسطين"، وقد كان واضحا أن العنوان لا يعكس المضمون الداخلي للمحتوى الإخباري للخبر، فلم يتضمن المحتوى أي عبارة أو نص منسوب إلى المجالي، وقال فيه بشكل صريح إن حكومة وحدة ستدير الأردن وفلسطين قريبا. وقد عمد الموقع لاحقا إلى إلغاء وحذف المادة، التي أمكن العثور على نسخة مخبأة منها على محرك البحث، وهو الأمر الذي نفاه الدكتور المجالي في تصريحات خاصة إلى "أكيد".
الأمر نفسه تكرر مع موقع "الرأي نيوز"، الذي اختار هو الآخر عنوانا غير منسجم مع مضمون المحتوى الإخباري، ورغم أن العنوان هو نسخة طبق الأصل لما ذكره موقع "الكون نيوز"، فإن الأمر لم يقف عند ذلك، بل نكتشف أن الخبر من بدايته إلى نهايته في الموقعين، عبارة عن نسخ ولصق، ولم يظهر أي تميز أو انفراد في التغطية الصحفية في أي من الموقعين، فلم يعرف لمن السبق في أي منهما، وهو ما تكرر في موقع "الحياة نيوز" أيضا، الذي نشر الخبر ذاته من دون أي تفاصيل إضافية.
وتحت عنوان "المجالي: الكونفدرالية بعد قيام الدولة الفلسطينية خير للأردن وفلسطين"، ذكر موقع "جفرا نيوز" أن الدكتور عبدالسلام قال إنه: "يؤمن شخصيا بالكونفدرالية الأردنية الفلسطينية بعد قيام الدولة الفلسطينية، بين دولة ودولة، وأن هذا الحل هو خير لفلسطين والأردن". وفي موقع "المستقبل العربي" كان الأمر شبيها، فتحت عنوان: "المجالي من نابلس: الكونفدرالية خير للأردن وفلسطين"، ذكر الموقع أن الدكتور المجالي قال: "أنه شخصيا يؤمن بالكونفدرالية الأردنية الفلسطينية بعد قيام الدولة الفلسطينية بين دولة ودولة، وأن هذا الحل هو خيرا لفلسطين والأردن". ويلاحظ هنا أن المضمون في الموقعين واحد، كما أن كلا الموقعين نسب الكلام إلى مصدره الأصلي الذي نقل عنه، وهو وكالة الأنباء الفلسطينية (معا).
بعض وسائل الإعلام ذهبت أبعد في تحليل الزيارة وأهدافها ودوافعها، وحاولت تشبيك الأمور على مستويات مختلفة، بالاعتماد على أجواء التحليلات والقراءات السياسية. وهو ما فعله موقع "الهاشمية نيوز" الذي نقل عن صحف خليجية تصدر من لندن، ربطها ما بين الكونفدرالية والخيار الأردني، وقول إحداها: "إن وصول المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية إلى طريق مسدود، جدد اللغط في موضوع الخيار الأردني...الخ". ونقل عن أخرى "إنه لا يوجد ترتيبات لاستقبال القيادة الأردنية وفدا شعبيا من وجهاء الضفة، يعتزمون تجديد مناشدتهم للملك بأن يفعِّل مشروع الكونفدرالية لحماية الضفة الغربية".
المجالي أكد على أن كل ما طرحه هي أفكار شخصية تمثله هو، ولا تمثل أي مبادرة رسمية، ولكن البعض لم يفهم جيدا هذه التصريحات. وقال: "للأسف البعض فهم أو كتب أنها تمثل دعوة فورية لإعلان صيغة الوحدة بين الأردن وفلسطين، وفهم كذلك أنها دعوة للكونفدرالية بمفهومها التقليدي، نحن اليوم لا نرضى بذلك، لأن الدولة الفلسطينية لا تزال تحت الاحتلال، والفلسطينيون هم من يفاوضون من أجل استقلالهم الوطني وليس الجانب الأردني، والأردن لن يرض بقيام وحدة قبل اعلان قيام دولة فلسطينية مستقلة لها عاصمة وحدود. نحن لا نريد وحدة أو اندماج فوري قبل اعلان استقلال فلسطين. وأهم شيء قبل نظام الوحدة القائم على "اللامركزية" أي المزاوجة بين الفيدرالية والكونفدرالية هو استقلال فلسطين، وقبل وجود كيان فلسطيني مستقل، لا يمكن الحديث عن أي نوع من الوحدة والاتحاد، والأهم من كل ذلك، هو اجراء استفتاء شعبي في الأردن وفلسطين يوافق على هذه الوحدة".
التباين في التغطية الصحفية من جهة، والقصور المهني في بعض الجوانب، من جهة أخرى، وعدم توفر المعلومة الدقيقة، لم يقف عند ما سبق ذكره من أمثلة، بل برز في أمثلة وملاحظات عديدة، رصدها "أكيد"، كان من أبرزها الملاحظات التالية:
- لم يلحظ وجود حضور إعلامي أردني مباشر يواكب تغطية الحدث، وكانت غالبية الوسائل الأردنية ناقلة للحدث عن مصادر فلسطينية. وبعض الوسائل لم تشر إلى المصدر الذي نقلت عنه، فيما نسب موقع "جراسا نيوز" التغطية إلى مراسله في رام الله.
- على صعيد التغطية الإخبارية في الصحف الورقية، كان لافتا أن "الدستور" الأردنية، كانت الوحيدة التي غطت خبر الزيارة، وذلك نقلا عن وكالة (معا) الفلسطينية، بينما جرى التطرق إلى أصداء الزيارة وما أثارته حول الكونفدرالية عبر مقالات صحفية منها لعمر عياصرة في "السبيل"، وفهد الخيطان وباسم الطويسي في "الغد"، في حين أن "الرأي" لم تغط الزيارة. وكان لافتا أيضا في الأيام اللاحقة، وجود مقالات صحفية أخرى عديدة تناولت الحدث.
- أغلب الوسائل الإعلامية لم تضع خلفية إخبارية توضح أن الدكتور عبدالسلام المجالي هو رئيس وفد مفاوضات السلام الأردنية الإسرائيلية، التي نجم عنها توقيع اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل، المعروفة باتفاقية "وادي عربة"، التي مضى على توقيعها أكثر من 20 عاما.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني