هناك فاصل قد يتسع وقد يضيق بين أن يكون عنوان المادة الاخبارية جذاباً وبين أن يكون خادعاً ومضللاً. إن الخداع والتضليل يتضمنان قدراً من الجاذبية بالتأكيد، غير أن ذلك يعد عملاً غير أخلاقي مهنياً، بينما تعد صياغة عنوان جذاب وصادق مهارة وفناً، ولكنها في الوقت ذاته لا تتعارض مع أخلاقيات المهنة.
في رصد اجراها – أكيد - ليوم واحد (12 تموز الحالي) شمل 15 موقعا الكترونيا محليا اختيرت من بين المواقع الإخبارية الاكثر انتشارا في الأردن، تبين أنها نشرت 1187 خبراً (أقلها 60 وأكثرها 119).
ووفق المعايير التي يعتمدها مرصد - أكيد - فإن 83 عنواناً من عناوين هذه الأخبار يحتوي على خلل مهني يتصل بالعلاقة بين كلمات عنوان الخبر وبين المحتوى. ومن بين هذه العناوين الـ 83 استطعنا رصد 19 مادة قُدّمت بعناوين تحتوي على "طعم" بهدف اصطياد القراء ودفعهم لممارسة النقر فوق هذه العناوين ليجد بعد ذلك محتوى لا يتفق مع العنوان .
وهذه الممارسة بشقيها (المهني وغير المهني) ليست جديدة، فقد مارستها الصحافة كثيرا، ولو أتيح لقارئ أن يتصفح جزءا من الأرشيف، سيجد أنه تكاد لا تخلو صحيفة من زاوية أو أكثر تتضمن في عنوانها الرئيسي قدراً من الغموض يستهدف حث القارئ على التتبع والقراءة.
لكن الإعلام الالكتروني فتح الباب على شتى أنواع "الجاذبية" بشقيها أيضاً. وربما يعود ذلك إلى أن حجم القراءة على المواقع يقاس بعدد الذين "نقروا" على رابط المادة، وتتراجع كثيراً أهمية رد فعل الناقرين، لا سيما وأن الشاشة (شاشة الكمبيوتر أو الهاتف النقال) تتيح امكانات واسعة لإغراء النقر المتكرر، فحتى لو كان لدى القارئ شك كبير بما سيقرأه، فهو لا يقاوم الإغراء غير المكلف سوى في الوقت الذي لا يتعد الثواني في أغلب الحالات.
الأمر في كثير من الحالات أشبه بأن ترمي "طُعْماً" تصطاد به قارئاً- ناقراً. ولغايات إجرائية نعرّف الطعم على أنه كلمة أو أكثر في العنوان تجعل القارئ يتوهم أنه سيقرأ محتوى مختلف عما هو منشور فعلاً. والواقع أن المفردة دخلت فعلاً إلى قاموس مفردات الإعلام الالكتروني وتعرف بالانجليزية clickbait.
يلاحظ أن أغلب العناوين كانت في السابق تتعلق بأخبار تندرج ضمن تصنيف المنوعات أو الأخبار الفنية غير المحلية، ولكن في الفترة الاخيرة ازداد حضور "صحافة الطعم" وتحديدا في ضوء حالة الاستقطاب السياسي في المنطقة حيث تتسلل احيانا بعض هذه الاخبار من شبكات الإعلام الاجتماعي للمواقع الاخبارية الالكترونية والعكس يحدث ايضا ، ويلاحظ ان القصص الاخبارية التي تبرزها هذه الظاهرة تظهر وتختفي وتعود للظهور مرة اخرى بما يشبه سلوك الاشاعة ؛ أمكن العثور على مواد محلية سياسية ومن ذلك المثالين التاليين:
فقد نشر خبر بعنوان: الملقي في "الدفاع"، وهو ما يجعل ذهن القارئ يذهب إلى أمور أخرى لعل آخرها أن رئيس الوزراء هاني الملقي زار مديرية الدفاع المدني.
والمثال الثاني خبر يقول في عنوانه: النسور أمام القضاء، وفي الخبر نقرأ عن طلب رئيس الوزراء السابق عبدالله النسور للشهادة في قضية. لقد أسقط الخبر كلمة "شهادة" أو "شاهد" لكي يحقق الجاذبية في خبر قد يفترض قارئه أنه سيكون عن جلب رئيس الوزراء السابق إلى القضاء كمتهم.
وفي عناوين المنوعات نقرأ الأمثلة التالية:
فقد نشر موقع خبرا بعنوان: بعد اتهامه بالاغتصاب..تهمة جديدة لسعد المجرد!! وعند القراءة فإن ذهن القارئ المهتم قد يجعله يتوقع تهمة من الصنف ذاته (الاغتصاب)، لكنه يتفاجأ أن التهمة عبارة عن انطباع للجمهور بأن الفنان سرق لحن أغنية أخرى.
وفي خبر بعنوان "رسالة إلى النساء" فإن القرائ المهتم سوف يتفاجأ عندما يكتشف أن المحتوى يقتصر على رابط لفيديو لمحاضرة لمحمد العريفي.
وفي خبر دولي نشر تحت عنوان: "مفاجأة مذهلة00ما هو سر بكاء النساء في كوريا الشمالية عند رؤية رئيسهم؟" سوف لا يجد القارئ أي معلومة حول بكاء النساء ويتقصر على كلام عام غرائبي عن كوريا وعن الرئيس الكوري.
وعند قراءة خبر بعنوان: "البوكيمون بالأردني" لا يجد القارئ غير بعض تعليقات لنشطاء الفيسبوك، وفي خبر بعنوان: احذر من شئ خطير تفعله أثناء الاستحمام ويسبب مرض السرطان القاتل لا قدر الله .. احمي نفسك! لكن الخبر يتحدث عن ضرورة تأخير الاستحمام بعد ممارسة الرياضة، ولا يوجد توضيح لما الشيء الخطير الذي تفعله أثناء الاستحمام.
وفي خبر فني بعنوان مطعم في اسطنبول يجبر هازال كايا على التراجع عن الاعتزال سيجد المتابع في التفاصيل أن الفنانة تريد أن تشتري مطعماً وقررت العودة إلى الفن لجمع المال، ولا يوجد مطعم أجبرها على ذلك.
ترى المحررة التنفيذية لموقع "حبر" لينا عجيلات أن المهنية فيما يتعلق بالعنوان تتمثل في صياغته بشكل واضح وتضمينه الفكرة الرئيسية في المادة الخبرية بحيث تعكس الفقرة الأولى من الخبر مضمون العنوان، وفي حال كانت المادة قصة إخبارية لا بد أن يعكس العنوان الزاوية الرئيسية في المادة، حيث لا يصح في كلتا الحالتين أن يقرأ القارئ المادة ليجد فكرة العنوان بشكل ثانوي فيها أو في نهايتها.
وفيما يخص الصحافة الالكترونية، تقول عجيلات إنه "للأسف الشديد تلجأ الكثير من المواقع الإعلامية لاختيار عناوين مضللة أو غير دقيقة سعيًا وراء "النقر" وزيادة عدد الزيارات على المادة". وهذا لا يعني أن جاذبية العنوان غير مهمة، لكن الجاذبية لا تتعارض مع الدقة والمهنية، لذلك يجب على المحرر أن يلتزم بالدقة والمصداقية وصياغة العنوان بشكل واضح يعكس الفكرة الأساسية ويشد القارئ في ذات الوقت.
ولفتت عجيلات الانتباه الى العناوين الأدبية المبهمة والتي لا تلائم المواقع الالكترونية إطلاقا، فهي ممارسة جاءت من الصحافة المطبوعة كونها مستساغة، فالعنوان أمام القارئ ويستطيع ان يقرأ المادة المعروضة امامه، على عكس المواقع التي يصل إليها القارئ عبر محركات البحث أو مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى يضمن الكاتب ظهور هذه المادة في نتائج البحث يجب على العنوان أن يحوي الكلمات المفتاحية للموضوع. و"عندما يجد محرك البحث غوغل أن كلمات العنوان لا ترد أبدًا في التقرير، تتراجع فرصة المادة في الظهور في مرتبة عالية في نتائج البحث".
وأشارت عجيلات إلى دراسة صادرة عن معهد رويترز للصحافة، يشير الى استخدام الصحف العالمية لإحصائيات الموقع من أجل اتخاذ القرارات التحريرية ومنها العناوين، إذ يتم أحيانًا تجربة أكثر من عنوان ودراسة أيّها أكثر جذبًا للقارئ من أجل اعتماده.
في حديثه لـ "أكيد" أكد مدير تحرير موقع "خبرني محمد ساهر الطراونة ان سياسة الموقع تنص على وضع العنوان في الفقرة الاولى والتي لا تتجاوز 30 كلمة، وبعض العناوين تضم عناصر تشويق حقيقية غير كاذبة تهدف الى جذب القارئ لقراءة المادة، دون الاكتفاء في العنوان.
وأضاف الطراونة "تسعى يعض المواقع الالكترونية الى تقدم عناوين مضللة لا علاقة لها بمتن المادة، فقط من اجل دفع القارئ الى تصفح الموقع، دون ان يعلم انه بذلك فقد مصداقيته وفقد الكثير من متابعينه على وسائل التواصل الاجتماعي واشتراكاتهم. وهنالك مواقع اخرى لا تبحث سوى عن القارئ "الآني" المؤقت والذي يسهُل تضليله ويقوم بالنقر على هذه العناوين.
واعتبر الطراونة ان من فقد مصداقيته لن يستطيع استردادها بسهولة ولو نشر المواضيع الجدية والحقيقية، طالما انه عُرف امام القارئ بالعناوين الكاذبة.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني