62% من المحتوى الطبي على المواقع الإلكترونية  غير دقيق

62% من المحتوى الطبي على المواقع الإلكترونية غير دقيق

  • 2016-04-05
  • 12

تعد الأخبار المتعلقة بالصحة والأدوية وغيرها من معلومات تتصل بحياة الإنسان ذات حساسية عالية، لذلك تتعامل وسائل الإعلام المحترفة الملتزمة بالتقاليد المهنية بصرامة مع هذا النوع من المحتوى، الذي لا يقل أهمية عن المحتوى الإعلامي الأمني على سبيل المثال. لكن، هل تلتزم وسائل الإعلام المحلية بهذه التقاليد المهنية، حين تتصدى لنشر معلومات تتعلق بصحة البشر؟

تزدحم العديد من وسائل الإعلام الإلكترونية الأردنية، بتقارير وأخبار ذات صبغة طبية، منها مثلا الأخبار التي تروج لفوائد صحية وجمالية يمكن الحصول عليها من خلال تناول بعض أنواع الفاكهة والمنتجات الغذائية المتنوعة، فيما تذهب بعض هذه الوسائل إلى حد الزعم بأن خلط هذه المنتجات وفق مقادير معينة، وإعداد منقوع أو طلاء منها يسهم بشكل فعّال في علاج الكثير من الأمراض، بما في ذلك مشاكل البشرة من ترهل ونمش وكلف وخطوط سوداء، إضافة إلى أمراض السكري والضغط والسمنة والقلب والشرايين أو القولون، أو حتى أمراض السرطان، وكل ذلك دون أي إثباتات طبية أو علمية أو مصادر واضحة.

مرصد مصداقية الإعلام الأردني "أكيد" تتبع نماذج متفرقة لهذه النوعية من الأخبار، على مدار شهر آذار (مارس) 2016، ورصد لهذه الغاية المواقع الإخبارية التسعة الأكثر قراءة في الساحة الأردنية، بحسب موقع "أليكسا" المتخصص، هي: الوكيل، سرايا، جراءة، عمون، جراسا، رؤيا، الكون، خبرني وصراحة،.

وكان الهدف هو توضيح مدى انسجام المواد المرصودة مع المعايير المهنية التي يعتمدها "أكيد" والخاصة بالمصادر، وما إذا كانت تلك الأخبار والتقارير تتضمن مصدرا واحدا أو أكثر من مصدر، وهل هي معرّفة أم مجهولة، رئيسة أم ثانوية، وهل هي مطلعة ومخولة بالتصريح، وهل تحظى بالثقة لدى الصحفيين والمتلقين، وهل تعطي معلومات أم تعبر عن وجهة نظر خاصة؟

الرصد أظهر أن 61.7% من محتوى وسائل الإعلام الإلكترونية الأردنية، أخل بمعايير المهنية فيما يتعلق بعزو المعلومات العلمية والطبية التي تنشرها إلى "مصادر مُعَرَّفَة"، سواء كانت تلك المصادر أطباء أو خبراء تغذية أو دراسات منشورة في مجلات ودوريات علمية محكمة، يُعْتَدُّ بها في المحافل العلمية والطبية والأكاديمية والصحفية.

كما كشفت النتائج أن 38.3% من محتوى وسائل الإعلام الإلكترونية، أوفت بمعايير المهنية عند تناولها للأخبار ذات الصلة في عينة البحث، والتزمت بذكر المصدر، وهو ما يعني أن 72 مادة تم نشرها مع ذكر المصدر، من أصل 188 مادة تم رصدها، وفي مختلف القوالب الصحفية المتداولة من خبر وتقرير ومقالة وجرافك أو إنفو - جرافك، وهو ما يعني أن هناك 116 مادة قد جرى نشرها خلال فترة الرصد، لم يتم إسنادها إلى مصادر مُعَرَّفَة. وذلك بحسب ما تكشفه بيانات الجدول المرفق أدناه.

جدول رقم (1)

عدد المواضيع المنشورة في كل موقع إلكتروني مع أو دون ذكر المصدر والنسبة المئوية

م

الموقع

مع ذكر مصدر

%

دون ذكر مصدر

%

المجموع

العدد

%

1

سرايا

23

31.1

51

68.9

74

100

2

جراءة

12

24.0

38

76.0

50

100

3

خبرني

15

68.2

07

31.8

22

100

4

الوكيل

05

23.8

16

76.2

21

100

5

رؤيا

12

85.7

02

14.3

14

100

6

عمون

02

50.0

02

50.0

04

100

7

جراسا

03

100

0

0.0

03

100

8

الكون

0

0.0

0

0.0

0

100

9

صراحة

0

0.0

0

0.0

0

0.0

المجاميع

72

38.3

116

61.7

188

100

خلص "أكيد"، من خلال هذا الرصد، إلى أنه رغم وجود دراسات طبية محكمة، صادرة عن مراكز دراسات وأبحاث طبية عالمية مرموقة تتقاطع مع بعض هذه الأخبار وما يرد فيها من معلومات، إلا أننا نلحظ البون الشاسع في الممارسة المهنية بين الوسائل المحلية ونظيراتها الأجنبية، التي تحرص على إسناد ما تورده من معلومات طبية إلى مصادر معرفة، سواء كانت أبحاثا طبية، أو دراسات حديثة، أو معلومات على لسان طبيب أو خبير مختص في التغذية.

في هذا الخصوص، وفي تصريحات خاصة لـ"أكيد"، قال رئيس اللجنة الإعلامية في نقابة الأطباء الأردنيين، ومدير إدارة المستشفيات في وزارة الصحة الأردنية، الدكتور علي السعد،: "إن نشر مثل هذه التقارير يترتب عليه مخاطر صحية ومضاعفات، ويجب عدم التقليل من خطورة مثل هذا الفعل. كما أنه من حيث المبدأ فإننا كوزارة أو نقابة لا نجيز ولا بأي شكل من الأشكال الترويج لأي وسيلة علاجية ما لم تكن معتمدة علميا. وكل ما هو ليس مسجلا في المؤسسة العامة للغذاء والدواء، يعتبر غير مطابق للمواصفات المسموح بها".

وفي ما إذا كان قد رُصدت حالات مرضية تعرضت إلى مضاعفات وآثار جانبية بسبب بعض الوصفات التي تروجها وسائل إعلامية، كشف السعد عن وجود حالات مرضية تعرضت إلى مضاعفات، لكن هذه الحالات لم يجر رصدها وتوثيقها، بشكل قانوني. مرجعا ذلك إلى عدم رغبة المتضرر بالتقدم بشكوى، ولافتا إلى أن الشخص المتضرر يستطيع التقدم بالشكوى للنقابة أو إلى وزارة الصحة.

وعَبَّرَ السعد عن أمنيته بأن تشهد الأيام المقبلة تعاونا بين المواطنين من جهة ووزارة الصحة ونقابة الأطباء من جهة ثانية، وأن يكون هناك أيضا تعاون بين وزارة الصحة ووسائل الإعلام والنقابة، كي تُحاسب الجهات المسؤولة عن ترويج خلطات ومستحضرات ضارة وغير مستوفية للاشتراطات الطبية، أو مستحضرات وخلطات لم تُوثّق نتائجها الاستشفائية وفق القواعد الطبية المتبعة محليا ودوليا، حتى لا تتحول الوسيلة الإعلامية إلى قناة لترويج الخزعبلات.

وكشف عن وجود توجه لدى النقابة لإصدار تشريع خاص بالإعلان والإعلام الطبي، ما سيسهم – بحسب السعد –كثيرا في تنظيم عملية نشر الأخبار الصحية والطبية. ووضح أن محاسبة الوسيلة الإعلامية التي تروج معلومات مضللة تكون من خلال القضاء، ومن خلال الجهة التي رخصت لها، في حال مخالفتها لشروط الترخيص.

ونفى السعد بشكل قاطع علمه بوجود أي خلطات أعشاب أو مستحضرات غذائية لديها القدرة الطبية على علاج أمراض مستعصية ومزمنة مثل السرطان أو القولون أو السكري وغيرها. موضحا أن بعض الأغذية والأطعمة لها فوائد صحية، لكن لا يجوز ترويجها عبر الوسائل الإعلامية على أنها أدوية أو مستحضرات طبية تشفي من الأمراض. وأكد أن الدول المتقدمة ترصد مئات الملايين للبحث العلمي، من أجل إنتاج أدوية ومستحضرات تجميل، في مختبرات متقدمة ومتطورة، ومن خلال دراسات تمتد لعشرات السنين، قبل أن يُسمح باستخدام المنتج الدوائي أو التجميلي.

من جهته، رأى الدكتور جاد ملكي، الأستاذ المشارك في تخصص الصحافة والدراسات الإعلامية، ورئيس قسم الاتصالات في الجامعة اللبنانية الأميركية، في تصريحات أدلى بها إلى "أكيد" أن: "بروز الصحافة المتخصصة قبل أكثر من عقدين من الزمن، ساهم في تعزيز ظاهرة الصحافة الطبية وصحافة الرشاقة والجمال، وقد أصبح هناك اختصاصيين يدرسون هذه المواضيع في المعاهد والجامعات، وهو ما دفع المؤسسات الإعلامية ووسائل الصحافة والإعلام إلى إيلاء هذه المواضيع المزيد من الاهتمام، في ظل الرغبة بكسب جمهور أكبر".

ويلفت الدكتور ملكي إلى ضرورة اهتمام القائمين على الوسيلة الإعلامية بنشر المحتوى المحكّم، وعدم نشر مواد غير مسنودة إلى مصدر واضح ومعرف، وذلك بسبب ما قد يترتب على نشر معلومات طبية من مخاطر وآثار جانبية ضارة، ليس فقط على الصعيد الصحي، بل كذلك على الصعيد الاجتماعي. قائلا: "هذا الموضوع له انعكاسات اجتماعية خطيرة جدا، فجمهور الوسيلة الإعلامية قد يصبح أكثر تعلقا بالقضايا السطحية أكثر من تمسكه بالقضايا المهمة التي يجب أن ينشغل بها الإعلام، وهو ما قد يؤثر على الثقة بالنفس، ويصبح المتلقي مهووسا أكثر بالشكل والجمال وجراحة التجميل والخلطات العشبية التي تعيد الحيوية والنضارة إلى البشارة أو تخفف الوزن وغيرها.

ويضيف ملكي إنه: "يفترض بالإعلامي أن يكون أكثر جدية ومنتبها لحساسية هذه المواضيع. والوسيلة الإعلامية لا يجب أن تنساق وراء الترويج لخلطات ووصفات غير علمية، يجري تداولها بين العامة دون الاستناد إلى مصادر واضحة تكتسب ثقة الصحفي وثقة الجمهور".

وفيما يتعلق بالأثر السلبي لغياب المصدر عن المحتوى، يلفت ملكي إلى أنه "يجعل المادة المنشورة عرضة للنقد، وغير صالحة للتداول المهني والأكاديمي والعلمي، والمصدر في هذه النوعية من المواد المنشورة، يجب أن يكون معرفا ورئيسا وليس ثانويا، ليضفي المزيد من المصداقية على المحتوى، فالدراسات المتعلقة بالطب والصحة والرشاقة والجمال، تكون نتائجها تراكمية، وتجرى على مدى سنوات طويلة ويتم تكرارها عشرات المرات لتأكيد النتائج قبل تعميمها، والوسائل الإعلامية الجادة والمتزنة والرصينة، عندما يتوفر لديها مصدر واحد فقط، فإنها لا تكتفي به، بل تلجأ للتحقق من مصادر أخرى.