عمّان 12 تشرين الثّاني (أكيد)- سوسن أبو السُّندس- نشأ العقد الاجتماعي الإسرائيلي على معطى أساسي، هو تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار لشعب إسرائيل، وفي سبيل تحقيق ذلك، تمتلك إسرائيل جيشًا نظاميًا قويًا، يُصنف بأنه ضمن أقوى 18 جيشًا في العالم بحسب موقع غلوبال فايرباور.[1]
إلا أنّ العقد الاجتماعي العسكري الإسرائيلي، بدأ بالتّصدّع تحت وطأة عملية طوفان الأقصى، إذ تسبّب تأخر استجابة الجيش الإسرائيلي بصدمة للإسرائيليين، وتهشّم على إثره العقد الاجتماعي الصلب الذي يقوم في أحد مظاهره على خدمة الإسرائيليين في الجيش مقابل الدفاع عنهم.
وعلى ذلك أجرى مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) رصدًا كميًا ونوعيًا لمعرفة حجم واتّجاهات التغطية الإعلامية المحلية التي رصدت هذه الظاهرة .
جاء في نتيجة الرصد أن الإعلام المحلي لم يشر إلى الاختلالات المزمنة المتعلقة بالأمن والاستقرار، إذ أشارت تقارير خارجية إلى أن الإسرائيليّين بدأوا يشعرون بتخلي الجيش عنهم، وذلك بعدما استولت حماس على مقر "فرقة غزّة".[2]
كوّن هذا الأمر خللًا هيكليًا رئيسًا في منظومة العقد الاجتماعي بين الشعب والحكومة، فلا ضمانات أو وعود رسمية إسرائيلية تُذكر لمنع تكرر ذلك. ومن البديهي أنّ المستوطنات المحيطة بغلاف غزة، أصبحت منطقة عسكرية لا يمكن للإسرائيليّين العيش فيها بأمان بعد ذلك.
ومن الجدير بالذكر أنّ المقاومة استطاعت التغلب على أقوى الفرق العسكرية، وهي فرقة غزّة، وكان اسمها "مجموعة ثعالب الجنوب"، ودمرتها بالكامل خلال ثلاث ساعات. وكانت مهمة الفرقة العسكرية التي تضم لواءين: شمالي وجنوبي، تتركّز بالسّيطرة على غزة وخان يونس ورفح، وفي حراسة الحدود المجاورة لقطاع غزّة، وإدارة عمليات الاغتيال، وتدمير الأنفاق التي تكتشفها في غلاف غزّة.
غير أن وسائل الإعلام المحلية، قدّمت تغطية شاملة ومعمّقة بشأن تهديد آخر لمنظومة العقد الاجتماعي، إذ رُصد تغيير ملموس في الاستجابة لمشاعر الاستياء الشعبي الإسرائيلي في سياسات التعامل مع الأسرى الإسرائيليّين.[3]
وكانت القيادة الإسرائيلية قد قرّرت استمرار حرب الإبادة في قطاع غزة، بدعوى تدمير حركة حماس، بمعزل عن أثر ذلك على الأسرى، لكنها عدّلت خطابها لاحقًا ليصبح عنوانه هو استمرار الحرب حتى القضاء على حماس والإفراج عما يسمونهم بالرهائن.
ويرى محلّلون عسكريون عبر حديثهم لوسائل إعلام، أن إصرار تل أبيب على تكثيف الضّربات الجوية على القطاع دون النظر في مصير الأسرى الموجودين، يشير إلى نيّة الحكومة الإسرائيلية تفعيل بروتوكول هانيبال الإسرائيلي الذي يشير إلى أن الجندي الميّت أفضل من الجندي الأسير، وذلك لأن ورقة الأسرى ستكون مرجحة في يد المقاومة، لا سيما وهم يتحدثون عن عدد كبير من الأسرى.[4]
عدم الاهتمام بعدد الأسرى وطلبات ذويهم بحمايتهم تؤثر على الوضع الإسرائيلي الداخلي، وتشير إلى تدهور في حالة التماسك الاجتماعي لا سيما في ظل وجود نبوءات متوارثة عن زوال قريب في التلمود اليهودي عند الإسرائيليّين.
على صعيد آخر، لم يتابع الإعلام التحديثات المستمرّة في رصد الهجرة المعاكسة خارج إسرائيل، وكذلك حالات النزوح الإسرائيلي، الذي يُعدّ سلوكًا غير مسبوق للجيل الحالي، طالما كان هذا سلوكًا مفروضًا على الفلسطينيّين. ويثبّت النّزوح الإسرائيلي الأخير زيف مقولة الأمن والاستقرار، حيث أعلنت وكالة أسوشيتدبرس بالاعتماد على مسؤولين إسرائيليّين، ومراقبين دوليّين، أن عدد النازحيين الإسرائيلين قد بلغ 250 ألف نازح حتى الآن.[5]
يشير (أكيد) إلى أهمية أن تبحث وسائل الإعلام المحلية بشكل معمّق مصير العقد الاجتماعي الإسرائيلي، وذلك لتكوين نظرة مستقبلية للأحداث، إذ تتطلب حماية العقد الاجتماعي من مزيد من التدهور، تحقيق نصر إسرائيلي يعيد الثقة قليلًا بين الشعب والحكومة، وهذا يفسر هذا العنف والدمار للقضاء على المقاومة، وكذلك القتل الهستيري غير المسبوق للأطفال والنساء في غزّة، أو أن تنهزم إسرائيل أمام حماس وتضطرّ على إعادة هيكلة عقدها اجتماعي، لكن على أسس جديدة هذه المرة.
وبالاستناد إلى نظريتي التأطير الإعلامي ونظرية ترتيب الأولويات، لا بد من توجيه عدسات الإعلام والاهتمام الصحفي لما يحدث في المجتمع الإسرائيلي، وقراءة الأحداث بطريقة نقدية، وإعادة تحليل النتائج التي حُققت يوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) في انهيار فكرة الجيش التي لا يقهر، وعدم الاكتفاء بفضح السلوك الإجرامي الإسرائيلي في غزّة.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الالكتروني لتصلك اخبارنا اولا باول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع اكيد الالكتروني