أكيد – آية الخوالدة
نشرت بعض وسائل الاعلام المحلية خبر انسحاب ممثلي وسائل الاعلام من صحافيين ومصورين من تحت قبة البرلمان بعد تشديدات أمنية، منعتهم من التصوير بالقرب من المنطقة المخصصة للصحافيين داخل شرفات تحت قبة البرلمان، وذلك ظهر الاثنين 21 تشرين ثاني، اليوم الثاني لجلسات مناقشة الثقة لحكومة هاني الملقي.
وبحسب الخبر المنشور فقد انسحب الصحفيون والمصورون بسبب منع الأخيرين (المصورين) من التقاط صور من مواقع محددة؛ في المساحة الواقعة خلف المقاعد المخصصة للحكومة ووزرائها، وذلك بعد اتهامهم باختراق خصوصية المجلس من خلال نشر مراسلات بين النواب والوزراء تحت القبة.
ويأتي احتجاج رئيس المجلس عاطف الطراونة على المصورين، بعد التقاطهم لعدد من المراسلات بين النواب والوزراء من بينها صورة لورقة مرسلة من أحد النواب (كما نُشر) إلى وزير الداخلية سلامة حماد، طالبه فيها بالابتسام لأخذ ثقة النواب. واحتوت الرسالة على العبارة التالية: "كشرتك بتقطع الرزق، إضحك كي لا تكون سببا في حجب الثقة". ولاقت الصورة رواجا كبيرا، بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.
كما تداولت المواقع في اليوم نفسه الذي طلب فيه رئيس المجلس من المصورين الانسحاب، رسالة وجهها وزير البلديات المهندس وليد المصري إلى رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي أثناء مناقشة المجلس للبيان الوزاري للحكومة، كتب فيها العبارة التالية: "دولة الرئيس، تحية وبعد، قال لي النائب د. نضال الطعاني إنه حصة دولتك، وإن كلمته ستكون إيجابية سياسية تناقش البيان لأهميته".
محاولة تهدئة
لاحظ مرصد "أكيد" في سياق محاولته لمتابعة الموضوع ساعة حصوله، أن تقديرات مندوبي الصحف الذين تواصل معهم تميل إلى تبسيط الأمر، ونفوا وجود خلاف أو أزمة تستحق الذكر، وأن الأمر يتعلق بمصورين من خارج الصحف، ونفوا صحة الخبر الذي نشرته المواقع الإلكترونية عن حصول انسحاب للصحفيين.
بل إن مصورا معتمداً لإحدى الصحف اليومية، وجه اللوم للمصورين غير المعتمدين، وتساءل: "هل يعجز المجلس عن منع مثل هذا المصور وغيره من دخول المجلس؟"، وهو بهذا يشير إلى الصورة الأولى الخاصة بوزير الداخلية. وأضاف على صفحته على "فيسبوك": " نحن المصورين الصحافيين نرفض الابتزاز والتصيد ومضايقة الآخرين. كما ونرفض أي مضايقات لنا من قبل أمانة مجلس النواب العامة أو المكتب الإعلامي أو الأمين العام".
غير أن القضية أخدت في الساعات اللاحقة أبعادا كبيرة، وخاصة بعد تصريحات رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة التي جاءت ردا على النائب قيس زيادين الذي أكد في كلمته على "حق الصحافيين والاعلاميين بأن يقوموا بواجبهم في التغطية الصحفية لأنشطة مجلس النواب، ولا يجوز التضييق عليهم بأي شكلٍ من الأشكال كما حدث في الجلسة الصباحية".
وجاء في رد الطراونة: "أنا قمت بمخاطبة المصورين، ولم أخاطب الصحافيين أو الإعلاميين، وطالبتهم باحترام خصوصية النواب وعدم اقتناص ما يكتبون أو يتراسلون"، وقال إنه دعاهم في الجلسة الصباحية الى عدم اصطياد مراسلات النواب مع الوزراء بعدساتهم، والالتزام بما أسماه ميثاق شرف واحترام خصوصية المجلس.
في اليوم التالي الثلاثاء، وعلى صفتحها الأولى، أعلنت صحيفة "الغد" امتناعها عن نشر صور النواب، احتجاجا على التضييق على المصورين، وبالفعل نشرت تغطياتها لمجريات الجلسة النيابية من دون صور. وقالت الصحيفة إن ذلك سيستمر مع باقي جلسات مناقشة الثقة حتى يتراجع المجلس عن إجراءاته المشددة ضد المصورين الصحافيين.
بدوره أصدر مجلس نقابة الصحافيين الاردنيين بيانا أكد فيه رفضه القاطع "لجميع أشكال التضييق على عمل الصحافيين الذين يؤدون واجبهم المهني ورسالتهم السامية، أو المس بحريتهم التي كفلها الدستور والقانون". ورفض بيان النقابة تصريحات رئيس مجلس النواب التي تضمنت التفريق بين الصحفيين والمصورين الصحفيين. ولكن البيان أشار إلى مسؤولية مجلس النواب عن منح تصاريح إعلامية لغير الصحفيين، وأكد رفض مجلس النقابة القاطع الاساءة للمصورين الصحافيين الذين هم "جزء لا يتجزأ من الصحافيين ونقابتهم ويؤدون رسالة سامية واجبة الاحترام والتقدير من الجميع".
التصوير داخل المجلس
تتركز نقطة الخلاف كالتالي: ترى رئاسة المجلس أن الصور التي تُلتقَط وتُنشَر للرسائل المتبادلة بين النواب والحكومة تعد انتهاكاً للخصوصية، بمقابل وجهة النظر التي تنظر إلى مجريات الجلسة بما فيها تلك الرسائل جزءاً من القضايا الخاضعة للتغطية. هذا إضافة إلى ما عبر عنه رئيس المجلس من تمييز بين الصحفيين والمصورين.
قانونيا، وكما قال لـ"أكيد" المستشار القانوني لنقابة الصحافيين المحامي محمود قطيشات فإن "من حق الصحافة كسلطة رابعة ان تراقب أداء السلطات الثلاث. ويمارس الصحفي عملا رقابيا وقانونيا، والتصوير من صلب أعماله، ولا يجوز للنواب أو الوزراء أن يمنعوا الصحافيين من نقل كل ما يجري في البرلمان".
وأوضح قطيشات أن "الصور التي كشفت وعن قرب مراسلات النواب والوزراء، هي صور قانونية مئة في المئة".
من جهته قال الصحفي فهد الخيطان المستشار في صحيفة "الغد" في اتصال مع "أكيد" : إن التقاط هذه الصور أمر مشروع للصحافي وهو جزء أساسي من عمله، فتلك الرسائل التي يتبادلها النواب والحكومة تجري تحت القبة ضمن جلسات علنية وليست سرية، والصحفيون لا يلتقطونها من منازل أصحابها ولا "يسرقونها" من حقائبهم، ومن واجب الصحافي نقل كل ما يجري تحت قبة البرلمان من أخبار وصور وغيرها".
قصة بارزة من الماضي
في هذا السياق استحضر المتابعون قصة بارزة حصلت مع صورة شهيرة التقطها مصور صحيفة "العرب اليوم" محمد الرفايعة عام 2012 لرسالة خطية وجهها رئيس مجلس النواب عبدالكريم الدغمي تحت القبة إلى رئيس الحكومة فايز الطراونة أثناء كلمة كتلة التجمع الديمقراطي التي ألقاها آنذاك النائب جميل النمري، ويقول الدغمي في رسالته: "دولة الرئيس... ما رأيك (على رأي جميل أفندي) ان نكلف خالد الكلالدة مثلا رئيسا للحكومة المنتخبة ؟ او موسى المعايطة مثلا، وستكون الحكومة عندئذ "fantastik" ويكون جميل نائبا للرئيس".
وحملت الصورة رد رئيس الحكومة فايز الطراونة على النائب الدغمي وجاء فيه: "فعلا أفندي.. الله خلقهم وكسر القالب واحنا كلنا حرس قديم وعفا عنا الزمن والدهر، والتطاول وصل الى سدة الحكم، فأي منقلب ينقلبون، ولا يهمك يا ابا فيصل العظيم، المسيرة مستمرة".
يشار إلى أن تلك الحادثة نُظر إليها كإنجاز للصحيفة، وعاد المصور إلى عمله في تغطية جلسات مجلس النواب، ووفق رئيس تحرير الصحيفة آنذاك نبيل غيشان، (وهو عضو مجلس النواب حاليا)، فقد وقفت الصحيفة إلى جانب مندوبها (المصور الرفايعة) ورحبت بالتقاطه الصورة. وفي حادثة أخرى، وعندما تهجم النائب مفلح الرحيمي على المصور ذاته محمد الرفايعة وكسر كاميرته خلال تصويره "طوشة نيابية"، نشرت الصحيفة صور الاعتداء وأدانته، ونتيجة ذلك تعهد المجلس بتصليح الكاميرا أو تعويضه بغيرها".
الخبرة الدولية في هذا المجال
المستشار في معهد الإعلام الأردني يسار الدرة قال لـ"أكيد" إنه لا توجد معايير موحدة في برلمانات العالم، فالتجربة البريطانية مثلاً، حيث أقدم البرلمانات على مستوى العالم، تتّبع معايير صارمة في هذا المجال، فجميع الصور التي تبث من داخل قاعة المجلس مضبوطة ومحددة من قبل رئاسة المجلس، ويجري التصويت على ما يبث وما لا يبث، وهناك قناة خاصة بالبرلمان bbc parliament تملك وحدها صلاحية البث المحدد كلياً من قبل المجلس، ولا تسمح معايير البث المعتمدة بنقل أي فوضى مثلاً داخل المجلس، ويحضر الصحفيون جلسات المجلس بإذن خاص من الرئيس وبمكان خاص، ولكن لا يجوز التقاط الصور.
وعند سؤال المستشار الدرة عن تقييمه لما جرى في مجلس النواب الأردني، قال لا يحق لرئاسة المجلس أن تعترض حصرياً على حالة واحدة، وعلى المجلس أن يحدد معايير تطبق في جميع الحالات، وهذا فقط ما يمكننا من الحديث عن حصول مخالفة أم لا.
ويبدو أن البرلمان البريطاني هو الأكثر تشددا في تطبيق تعليمات محددة في هذا المجال، فقد اتصل "أكيد" مع مدير الاتصالات في القناة الإخبارية الألمانية (الدويتشه فيله) السيد شريز، الذي أكد أنه يسمح للصحفيين و للمصورين تغطية ما يشاءون من داخل قاعة البرلمان من المناطق المخصصة لهم، كما قام "أكيد" بالاتصال بقسم المعلومات في البرلمان النرويجي الذي أكد أن البرلمان يسمح للصحافين والمصورين التقاط الصور بدون قيود من الأماكن المخصصة لهم . وتصل حرية التصوير إلى مدى أبعد في البرلمان الإيطالي، الأمر الذي يدفع رئيس المجلس هناك إلى مواصلة تنبيه الأعضاء إلى ضرورة الانتباه لأن المصورين يحملون عادة كاميرات ذات تقنيات عالية تمكنها من التقاط الصور الدقيقة بما في ذلك تصوير ما هو مكتوب في الأوراق. وبذلك يكون البرلمان البريطاني هو الاستثناء في هذ المجال.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني