قضية المقعد الجامعي لابنة النائب.. وسائل إعلام تبرز معلومات وتخفي أخرى والنتيجة تشويش الرأي العام

قضية المقعد الجامعي لابنة النائب.. وسائل إعلام تبرز معلومات وتخفي أخرى والنتيجة تشويش الرأي العام

  • 2017-01-07
  • 12

أكيد – آية الخوالدة

نشرت يومية "الرأي" الصادرة صبيحة الثالث من كانون ثاني خبرا في رأس صفحتها الأولى بعنوان: "نائب يتحايل من أجل مقعد جامعي في الطب"، تتهم فيه أحد النواب من دون ذكر اسمه، بالتحايل على القانون من خلال نقل ابنته إلى القيد المدني الخاص بشقيقه، بغية استفادتها من المقاعد المخصصة لأبناء العاملين في جامعة رسمية، كان يعمل فيها "عضو هيئة تدريس".

سرعان ما تناقلت المواقع الإخبارية نص الخبر كما ورد في "الرأي"، ثم كشفت مواقع أخرى عن هوية النائب وهو حسني الشياب، نائب لواء بني عبيد في محافظة اربد، وقد أضافت بعض التفاصيل على الخبر، كما تناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي رابط الخبر من يومية الرأي وبقية المواقع الالكترونية، وفتحوا الموضوع للنقاش، الذي كان كالعادة، "متحررا" من الضوابط فيما يتعلق بالمفردات المستخدمة بما فيها تلك التي تطال شخص النائب.

كانت الرأي قد ذكرت في خبرها الأصلي، أن أوراقاً رسمية حصلت عليها الصحيفة تفيد بأن ابنة النائب حصلت على رقم وطني جديد وأصبحت ضمن القيد المدني الخاص بعمها، وتقدمت ابنة النائب لامتحان الثانوية العامة «التوجيهي» في العام 2011، وحصلت على معدل «88.4%» ولاحقاً سُجلت في كلية الطب بجامعة رسمية على حساب المقاعد المخصصة لأبناء العاملين.

وأضافت الصحيفة أنه وفقا لمصادر مطلعة من دائرة الأحوال المدنية والجوازات،  فإن النائب الحالي راجع الدائرة في عمان قبل أشهر، طالبا إعادة نقل ابنته من القيد المدني الخاص بعمها إلى القيد المدني الخاص به، وهو ما رفضته دائرة الأحوال، وطُلب منه اللجوء إلى القضاء، وبعد فترة أحضر النائب قرارا من المحكمة يجيز إعادة ابنته من القيد المدني الخاص بعمها إلى القيد المدني الخاص به بوصفه والدها.

وإذا كان الخبر نسب موقف الأحوال المدنية إلى "مصادر مطلعة" فإن موقعا إخباريا أجرى اتصالاً مع مدير عام الأحوال المدنية والجوازات مروان قطيشات، الذي قال إن "الفتاة من مواليد 1992 وهي الآن مسجلة على القيد المدني لشقيق النائب وكان قد تم تسجيل حالة الولادة مرتين الأولى من قبل النائب والثانية كانت من قبل شقيق النائب وكانت بعد شهرين من تسجيل القيد الأول وهذا الأمر مخالف للقانون، ما استدعى إلى قرار محكمة للفصل في ذلك" لكنه أشار إلى أنه لا وجود لشبهة  تزوير في سجلات الدائرة". من الواضح هنا أن واقعة تسجيل الفتاة في القيد المدني لعمها حصلت قديما في وقت ولادتها، وأنها سابقة لتسجيلها في القيد المدني لوالدها، وقد شرح النائب ظروف ذلك، مبيناً أن القضية معروفة في الوسط الأسري وتعود لأسباب انسانية اجتماعية خاصة.

وفي وسائل إعلام أخرى نفى النائب صحة ما نشرته الصحيفة من معلومات وتوعد باللجوء إلى القضاء، وذلك من خلال مقطع فيديو نشرته المواقع الالكترونية، أكد فيه أن الخبر عار من الصحةوأنه  يملك الأوراق الثبوتية التي تثبت عدم مصداقيته، وأشار إلى أن ما حدث مجرد تصفية حسابات من أشخاص معينين. كما نفى النائب في حديثه لأحد المواقع الإخبارية أن يكون سبب النقل حصولها على مقعد جامعي، وقال بما يفيد أنها درست على نفقته ووفق نظام "الموازي"، وهو ما يتعارض مع تصريحات رئيس الجامعة كما سيتضح لاحقاً.

وقدم موقع إخباري أخر معلومات جديدة، فقد نشر صورة لشهادة ميلاد للطالبة صادرة عام 1995 يتضح فيها أن الفتاة مسجلة في قيد عمها منذ العام 1992، كما عرض صورة لشهادة تقدير للطالبة وهي تحمل اسم عمها في الصفوف الابتدائية، وفي حديث مع الموقع اعتبر النائب أن ما حصل هو تدخل في حياة خاصة لا يحق للصحافة التطرق اليها، وأن ابنته تدرس الطب على حساب الموازي.

لكن يومية الرأي عادت في اليوم التالي، أي في الرابع من كانون الثاني ونشرت تقريرا آخر تضمن حوارا مع رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا الدكتور عمر الجراح والذي حاوره أيضا أحد المواقع الإخبارية، وقد أكد الجراح فيه دراسة ابنة النائب في تخصص الطب، مستوى السنة الخامسة، على حساب موازي أبناء العاملين،  باعتبار أن والدها حسب الوثائق الموجودة هو عضو هيئة تدريس سابق في الجامعة.

وأوضح الجراح "إذا ثبتت صحة القضية وتم التأكد منها من خلال سجلات الطلبة في الجامعة، فإنه سيتم اتخاذ إجراء قانوني "مالي" لاسترداد الأموال المستحقة على الطالبة، كونها درست على نفقة الجامعة وليس على التنافس أو الموازي".

القضية التي شغلت العديد من وسائل الاعلام وأثارت فضول الرأي العام، ما تزال غير واضحة بالكامل، فقد عمدت كل وسيلة إلى انتقاء عناصر وإخفاء أخرى. ورافقت التغطيات جملة من التناقضات تطال جوانب شكلية وليس فقط المضمون، ففي حوار رئيس الجامعة مع صحيفة الرأي أكد (وفق ما نشرته الصحيفة) أنها ما تزال على مقاعد الدراسة في مستوى السنة الخامسة، بينما في تصريح لأحد المواقع الإلكترونية، نُسب إلى الرئيس ذاته قوله ان الطالبة تخرجت من الجامعة. كما تضاربت المعلومات الخاصة بالمعدل الذي حصلت عليه الطالبة في الثانوية العامة الذي تراوح ما بين 88.4 و91.3 و93. أما بخصوص العام الذي ولدت فيه الطالبة فقد ذكرت مواقع إخبارية أنها من مواليد عام 1995، فيما ذكر خبر "الرأي" انها مواليد عام 1992.

من حيث المضمون، لاحظ مرصد "أكيد" أن بعض المواقع تبنت وجهة نظر النائب ودافعت عنها من خلال تقديم الوثائق التي عرضها ودون البحث في تفاصيلها وغيبت بعض المعلومات الواردة في القضية، بينما تبنت أخرى رواية صحيفة "الرأي" التي جزمت أن النقل إلى القيد المدني للعم جاء متأخرا لغايات الحصول على مقعد.

لاحقاً ذهبت مواقع إلكترونية أخرى إلى ربط القضية بأحداث أو شخصيات أخرى. فعلى سبيل المثال، ربط أحد المواقع الإخبارية بين القضية وبين موعد جلسة مجلس النواب التي طرحت فيها قضية التصويت على الثقة بوزير الداخلية سلامة حماد، ذلك أن النائب الشياب من مؤيدي طرح الثقة بالوزير، ونشر الموقع مادة بعنوان: التوقيت المريب في قضية الشياب.. وخيارات الحكومة بعد انتزاع النواب لسابقة الإمهال.

كما نشر موقع إلكتروني آخر مادة بعنوان مثير يقول: من هو رئيس الوزراء الذي أثار قضية ابنة النائب الشياب وقد نسب إلى مصادر مقربة، أن مَنْ أثار قضية النائب هو رئيس الوزراء الأسبق عبد الروؤف الروابدة، وذلك كنوع من تصفية الحسابات بغية إدراجها كقضية فساد بحق النائب، مستغلا وجود صهره في الوسط الإعلامي (كاتب الخبر الأصلي في الرأي).

لقد أثارت القضية ردود فعل كبيرة كونها نشرت في صحيفة "الرأي" شبه الرسمية وعلى رأس الصفحة الأولى، وهو أمر غير معتاد في الصحيفة في مثل هذه القضايا، وتباينت الآراء فيما إذا كانت تندرج تحت بند حق الصحافة في النقد، أو أنها تشتمل على إساءة للحياة الخاصة للنائب وتستهدف شخصيته.

وفي حديث لـ "أكيد" مع استاذ التشريعات القانونية، الدكتور صخر الخصاونة، قال "على الرغم من أن المادة الصحافية التي نشرت في صحيفة الرأي في صفحتها الأولى، لم تكن تتضمن اسما للنائب إلا أنها اشتملت على مادة جاذبة للقراء وبعنوان لا يخلو من التهويل، حيث جاء فيه "نائب يتحايل من أجل مقعد جامعي في الطب"، وعند النشر سرعان ما عُرف النائب وانتشر اسمه وقام بالتصريح لوسائل إعلام أخرى.

وحول ما تضمنت المادة الصحافية من مخالفات، بيّن الخصاونة: "كانت المادة الصحفية تخلو من وثائق لتأكيد صحة الخبر، كما لم يمنح النائب فرصة لإبداء رأيه في القضية، والتقرير الصحفي الذي نشر في اليوم التالي والمتضمن حوارا مع رئيس الجامعة، لا يؤكد المعلومات الواردة في التقرير الاول.

الحكم على المادة الصحفية بأنها متفقة مع حكم النقد أو تضمنت إساءة، يعود للأمر القضائي وحيث أن النائب قد صرح بأنه سيلجأ الى القضاء، فلا يكون لنا الحق بالتعليق عليها سواء ضمن حق النقد أو تضمنت التجاوزات.

والقانون منح الحق للصحافة في ممارسة النقد وذلك ضمن تأديتها لعملها، إذا اتصل بالمصلحة العامة وكان موضوعا يهم الجمهور والنشر يخلو من سوء النية، أي أن تتوافر فيه مقومات حسن النية وهي المصلحة العامة، وفي هذه الحالة فإن المحكمة هي من تقرر إن كان ما نُشر يندرج ضمن حق النقد.

وأكد الخصاونة أن التعليقات والمواد التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية ساهمت في خرق الحياة الخاصة للنائب والتأثير على الحياة الخاصة لابنته، حيث انها ضحية للعادات والتقاليد.

وأضاف الخصاونة: "وعلى فرض الوقائع التي ذكرها النائب من حيث وقائع التسجيل، فهي من ناحية جرمية قد سقطت بالتقادم، وبالتالي تم تصويب السجل المدني بقرار من المحكمة. وما حصلت عليه الطالبة من مقعد جامعي في الطب، فهو صحيح ودراستها صحيحة، إلا أنه يترتب البطلان من ناحية قانونية على الإعفاءات المالية وبالتالي تكتسب حق المقعد الدراسي وللجامعة الحق في مطالبتها بفرق الرسوم الجامعية التي استفادت منها".