وسائل الإعلام تجادل نفسها.. والمجتمع يُسائل الإعلام: أين كنتم؟

وسائل الإعلام تجادل نفسها.. والمجتمع يُسائل الإعلام: أين كنتم؟

  • 2016-12-25
  • 12

أكيد- أنور الزيادات

شكلت التغطيات الإعلامية التي رافقت الحادثتين الإرهابيتين الأخيرتين في الكرك موضوعاً للنقاش الإعلامي سواء في وسائل الإعلام أو في صفحات التواصل الاجتماعي. وفي الواقع أصبح الإعلام العنوانَ الأبرز الثاني في وسائل الإعلام، إلى جانب الأعمال الإرهابية ذاتها ونتائجها.

فقد وُجّه نقد شديد للإعلام الرسمي، وإلى إدارة إعلام الدولة، من قبل خبراء ومواطنين وناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض المواقع الاخبارية. كما واجه "الإعلام البديل" على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو إعلام لا تحكمه المعايير المهنية بشكل عام، نقدا شديدا من قبل مواطنين بالإضافة الى المصادر الأمنية ومسؤولي الإعلام الحكوميين، بسبب نشر الإشاعات غير الدقيقة أحيانا وفي أحيان أخرى بسبب عدم تحلي الناشرين بالمسؤولية الوطنية، وعدم إدراكهم لما يمكن أن تسببه بعض المعلومات والفيديوهات المنشورة من خطر على رجال الأمن الذين يقومون بتنفيذ الواجبات الموكولة اليهم.

مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) رصد عددا كبيرا نسبياً من المواد الإعلامية التي كان محورها الأداء الإعلامي في أحداث الكرك، والتي تؤشر إلى الخلل في القدرة على الاستجابة والتفاعل مع تطورات الحدث. وقد لاحظ المرصد أن غالبية المواد التي تناولت الأداء الإعلامي اتخذت قالب المقال أو التحليل الصحفي، وقد وجهت فيها انتقادات واضحة في العناوين وفي المضمون، وكأمثلة أمكن مطالعة العناوين التالية:

فشل سياسي وفشل أمني وفشل اعلامي

العمليات الإرهابية الأخيرة في الكرك الدروس والعبر

أجهزة الإعلام الداخلي سياسة عشوائية وخطر على الأمن القومي

الكرك أسقطت إعلام الدولة الأردنية والمحللون كانوا في واد والحقيقة في آخر

ارتباك الإعلام في مواجهة الإرهاب خط احمر

وقد تخلل ذلك نقاش متبادل، وخاصة مع بروز مظاهر خلل واضحة في الموقف الإعلامي الرسمي، فعلى سبيل المثال بعد أن أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد المومني تصريحاً بثته وكالة الأنباء الرسمية "بترا" بعنوان:

المداهمة في الكرك لمطلوبين وليست مرتبطة بالعملية الارهابية التي وقعت الاحد

عاد المصدر نفسه وقدم تفاصيل ما حدث في "قريفله" جاء فيها ما يؤكد الصلة بين العمليتين، ولكنه قدم قصة أثارت نقاشاً جديداً على صفحات التواصل الاجتماعي بين من رآى أنها رواية غير حقيقية وبين من برر للناطق الرسمي أنه يصرح بما يصله من معلومات، ولكن المومني رد على هذه الانتقادات مؤكداً أن "المعلومات التي طرحت أمام الإعلام عن أحداث الكرك واضحة ودقيقة 100% بحسب ما ورد من معلومات من الأجهزة الأمنية مع الأخذ بعين الاعتبار أن لا تؤثر المعلومات على سير التحقيقات.

وشدد المومني على أنه "لا يجوز أمنيا ولا أخلاقيا لأي شخص أن يبث إشاعة أو فيديو لإطار ما يحدث، لأنه يخرج معلومات قد تؤثر على معنويات الأجهزة الأمنية، ويسبب إرباكا للمواطنين، وأن بعض الأشخاص سجل فيديوهات تساهم في إضعاف عزيمة أجهزتنا الأمنية وذلك لا يجوز".

ولكن هذا لم يوقف الانتقادات الموجهة للإعلام الرسمي:

الإعلام الرسمي .. رعب أم تقصير؟

الإعلام الرسمي في الأزمات

حادثة الكرك في أعمدة الرأي والمقالات

اختلاط الإشاعات بالأخبار يربك متابعة المواطن لأحداث الكرك

حادثة الكرك.. الإعلام لم يتحمل مسؤوليته المجتمعية وسقط بفخ الشائعات وهو تقرير أشار إلى غياب الرواية الرسمية التي كان من الممكن أن تقطع كل ما تم تداوله من شائعات أضرت بالجميع ودفعت  بالمواطنين للبحث عن المعلومة في أي مكان وتقبل أي خبر بغض النظر عن صحته.

الإعلام في أحداث الكرك: استسلام للرقابة الذاتية وتسليم بالرواية الحكومية وهو تقرير رصد تعامل الإعلام المحلي  مع أحداث الكرك، والرقابة الذاتية لدى الوسط الصحفي، مشيرا الى سيادة الخطاب الشعبوي الداعي للكف عن نقد الأجهزة الأمنية في مواجهتها للمجموعات الإرهابية. وأضاف التقرير: "ينسى صحفيون ومسؤولون أن الاستسلام للخطاب العاطفي وحالات الهياج الوطني وسط غياب المعلومة الدقيقة وتخلي الصحافة عن دورها في المحاسبة والمساءلة لصالح الاعتماد المطلق على الروايات الحكومية لن تؤدي جميعها إلا إلى ازدياد الأمر سوءًا وتفاقم المشكلات على المديين القريب والبعيد.

في هذه الأثناء، نُشر خبر عدم التمديد لمدير عام التلفزيون، وقد فسر الإجراء في سياق الاستجابة لنقد الإعلام الرسمي، وقد نشر موقع الكتروني ملاحظة أشمل بعنوان: "إقالة مدراء الإعلام ليس كافيا"  جاء فيها إن "اقالة مدراء المؤسسات الاعلامية الرسمية  جميعا - رغم منطقيته- ليس كافيا أو مقنعا، ما حدث كان تقصيرا و غيابا إعلاميا غير  مقبول على الاطلاق، وعدم التجديد لمدير التلفزيون لا يعفي هذه الحكومة المسؤولية، عليها أن تعترف بتقصيرها وتشرع في وضع خطط للطوارئ وغرف عمليات إعلامية لمواجهة الظروف الاستثنائية اعلاميا".

إلا أن مدير الإذاعة و التلفزيون "الطراونة" نفى ذلك بالقول إن سبب  عدم تجديد عقده يعود لبلوغه السن القانوني، مضيفا أنه لا صحة للشائعات التي تتحدث أن سبب عدم التجديد يعود لعدم التغطية الإخبارية لأحداث عملية الكرك، مؤكدا أنه بلغ سن الستين عاما.

كما نشر موظفون بالتلفزيون بياناً يتهمون فيه إدارتهم بالتقصير قالوا فيه إنها "تلكأت باتخاذ قراراتها بسبب حالة الرعب والخوف، وانتظار التعليمات من جهات أو أجهزة أخرى، تكون غالبا من جهات عليا". وأضافوا "كنا جميعا، كل في موقعه، في مؤسسة الاذاعة والتلفزيون، على أتم الاستعداد لللقيام بواجبنا المقدس وممارسة دورنا الاعلامي الوطني بما يتماهى وجهود مختلف أجهزة الدولة".

تحول نقد الإعلام الحكومي وإدارته إلى مطلب نيابي وسياسي  فقد وجه النواب في جلسة المجلس السرية الانتقاد للإعلام الرسمي كما أصدرت مجموعة أحزاب تطلق على نفسها تيار التجديد بياناً انتقد غياب الإعلام الرسمي في أحداث الكرك  في حين كانت العديد من الفضائيات الأخرى في قلب الحدث تنقلة بالصوت والصورة وأصبحت هي مصدر المعلومات للمواطن.

على هامش هذه الجدل حول أداء وسائل الإعلام، أكد مدير هيئة الاعلام محمد قطيشات أنه سيتم وقف بث أو إصدار أية وسيلة إعلامية تقوم بنشر أخبار أو بيانات أو مقالات أو تعليقات تتعلق بشؤون المملكة الداخلية والخارجية دون ترخيص من قبل الهيئة، داعيا إلى الابتعاد عن الشائعات والأخبار غير الحقيقية التي تمس أمن الوطن من خلال نشر أو بث مواد إعلامية تعرقل سير العملية الأمنية أو الإساءة للوحدة الوطنية.

ونقلت وسائل إعلام خبر تعرض مراسل قناة الجزيرة للاعتداء من قبل مواطنين أثناء تغطيته الأحداث التي جرت في بلدة "قريفله" بالكرك، وتم الاستيلاء على معدات القناة إلى أن قام مواطنون بإعادتها.

وكان مرصد "أكيد" قد نشر تقريراً تابع فيها ما سماه الفلتان الإعلامي وتنامي دور "المواطن/ الصحفي" على حساب دور وسائل الإعلام المحترفة.

أخيرا..

من الواضح، وبشكل متكرر، أن مثل هذه الأحداث تدفع بالإعلام إلى مقدمة الاهتمامات عند الرأي العام داخليا وخارجياً، ومن الواضح أن الجمهور بات أكثر متابعة وتيقظاً.

ومن المنطقي أنه وباستثناء فئة الفاعلين ذوي الاحتكاك المباشر مع حدث مثل الذي جرى في الكرك، بحكم مهامهم أو مواقع تواجدهم، فإن المواطنين وكل المتابعين الآخرين يعتمدون الإعلام كوسيلة وكمدخل ليس فقط لفهم ما يجري وتلقي المعلومات بل لتحديد مواقفهم. وعندما يتعلق الأمر بقضية كالإرهاب، فإن أمر الإعلام ينبغي أن يؤخذ بجدية أكبر على المستوى الوطني، لأنه يرتبط بحق المواطنيين بالمعرفة ومدى توفر قناة نزيهة ومستلقة لتدفق المعلومات، وإن غاب هذا الإعلام فإنه يفتح المجال للإشائعات والتوظيف السياسي الداخلي والخارجي.

لم تعد المناظر الطبيعية أو الأثرية أو الوثائقيات التي اعتاد التلفزيون الوطني على بثها كافية لخلق حالة "الصمت الوقور" والانتظار لما سيقوله الناطق الرسمي، وعلى الرغم من أهمية المعلومات الرسمية باعتبارها الرواية التي تسد الفراغ المعلوماتية فإن الرواية الرسمية لم تعد هي الحاسمة، وليست هي الوحيدة، في ضوء التدفق الهائل للمعلومات والآراء والانفعالات من مصادر متعددة.

إن أحداث الكرك، تفتح مرة أخرى مسائل المهنية والسرعة والدقة والمصداقية في الأداء الإعلامي، وتؤكد أن أخبار الأزمات لا تنتظر أحدا. والأمر الصحي الأبرز فيما ما جرى أن السقف العالي للنقد والجدل حول أداء الإعلام يعد شكلا من أشكال المساءلة المجتمعية التي ستبقى تتراكم حتى يتغير أداء الإعلام وتصبح هذه الأدوات حارسة أمينة على حق المجتمع بالمعرفة.