من هو إيدي كوهين صانع الإشاعات؟

من هو إيدي كوهين صانع الإشاعات؟

  • 2018-08-06
  • 12

أكيد- رشا سلامة- لا يكاد يوم واحد ينقضي من دون أن يُغرِق إيدي كوهين صفحته عبر موقع "تويتر" بالتغريدات، التي تتناول العالم العربي على وجه الخصوص، وتحديداً ما يتعلق بالأنظمة الحاكمة.

يُعرّف كوهين نفسه بالأكاديمي والباحث المختص بشؤون الشرق الأوسط، وهو إسرائيلي (يهودي من أصول عربية لبنانية)، ويستخدم أساليب الفبركة والإشاعات وأنصاف الحقائق، التي يؤمن أنها تنطلي على الشعوب العربية التي تعاني من تراث الوصاية والتزييف الإعلامي.

لكن الأمور لا تقف عند الحد الآنف فحسب، بل هو يستخدم الخطاب الشعبوي، الذي ينحدر نحو السوقية في مرات كثيرة، على صعيد الأفكار المُتناولة والألفاظ المستخدَمة، كما يستثمر في القضايا المثيرة والخلافية، ما يسترعي انتباه الشعوب العربية، كالمواضيع الدينية والأمور الأخلاقية والنواحي الأمنية.

وفق تحليل الخطاب الدعائي الذي يقدمه كوهين وعلى ضوء سيرته الذاتية، فإن ما يمارسه هذا الناشط لا يعدو أكثر من صورة سطحية من الدعاية الصهيونية القديمة، ولكن بأدوات حديثة تستثمر هشاشة المعرفة الإعلامية في المجتمعات العربية وتعقيدات الأوضاع السياسية فيها.

مؤخراً ركّز كوهين على الشأن الأردني، ناسباً لنفسه سؤال "أين الملك؟"، الذي أطلقه عبر صفحته، والذي يزعم أن ما وَرَدَ صحافياً، وتحديداً في جريدة "الرأي" في 1 /8/ 2018، هو محاولة للردّ عليه ودحض ما ذهب إليه من تفاصيل.

"أكيد" تتبّع سيرة كوهين ومرجعياته؛ لعل الاستعراض التالي يُسلّط الضوء على لعبة صناعة الإشاعات التي تُغرِق شبكات التواصل الاجتماعي.

من هو إيدي كوهين؟

ضمن حوار، يعود لشهر أيار 2017، يتحدث فيه كوهين عن حياته، مجيباً على أسئلة فرِد مارون (يُعرّف الأخير ذاته أنه كندي من أصول عربية وأنه يؤيد حق إسرائيل في الوجود)، يقول إنه من مواليد العام 1972 في لبنان وأنه ينتمي للأقلية اليهودية في المجتمع اللبناني. وأن والده كان يعمل محاسباً هناك.

يقول أيضاً إنه كان يعيش في منطقة وادي أبو جميل في بيروت، وإن عائلته ما كانت تفكر في ترك لبنان التي تحب. يكمل أنه تلقّى تعليمه في مدرسة مسيحية وكان زملاؤه من المسيحيين يظنون أنه السبب في مقتل النبي عيسى عليه السلام، فيما كان يظن المسلمون أنه السبب في ضياع فلسطين، "لكننا بقينا أصدقاء، حتى مجيء حزب الله للحياة السياسية في العام 1980.  حينها صار يُشار إليّ باليهودي. وتعرّضت نوافذنا لضرب بالحجارة في بعض الليالي، كما كتبوا بجانب بيتنا عبارات مثل الموت لليهود، وإسرائيل هي الشيطان الأصغر وأميركا هي الشيطان الأكبر".

يضيف "في العام 1985 اعتقلت قوات حزب الله 11 لبناني يهودي وحاولت مبادلتهم بأسرى لدى الاحتلال، لكن حين رُفِض هذا قاموا بقتلهم وكان من بينهم والدي حاييم كوهين هالالا الذي كان يبلغ من العمر 39 عاماً. غادرت مع باقي العائلة لإسرائيل وأنا في مطلع العشرينيات. كان هذا في العام 1991".

يكمل كوهين سرد روايته، بقول إن والده كان من المؤمنين بالتعايش بين العرب واليهود وكان يقول إن يهود لبنان يجب ألا يغادروها، رغم عروض الهجرة، "والنتيجة أن حزب الله قتله وغيره من اليهود، لينتهي بهذا الوجود اليهودي في لبنان".

يُعرّف كوهين نفسه في الحوار الآنف بالباحث والمحلل السياسي والمتحدث غير الرسمي باسم الكيان لدى العرب. يقول "أحاول أن أكون صوت إسرائيل بالعربية. أحظى بحياة جيدة هنا، لكني أفتقد لبنان كثيراً".

في ما يتعلق بتعريف كوهين لنفسه عبر صفحة "تويتر"، التي أطلقها في أكتوبر من العام 2012 والتي غذّت الضجة حوله بواقع عشرين تغريدة في اليوم الواحد على الأقل، يقول "إعلامي إسرائيلي وأستاذ أكاديمي وباحث في مركز بيغين سادات ومؤسس منظمة لحقوق الإنسان".

ليُعرّف ذاته عبر موقع "لينكد إن"، الخاص بالوظائف، أنه يحمل درجة الدكتوراة وأنه باحث ومستشار حكومي ومحلل إعلامي في الشأن العربي.

أما الموقع الإلكتروني لمركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية فيعرّف به "الدكتور إيدي كوهين، خرّيج جامعة بار إيلان متخصص في العلاقات العربية المشتركة وفي الصراع العربي الإسرائيلي والإرهاب والمجتمعات اليهودية في العالم العربي".

عبر الموقع الإلكتروني لجريدة "جيروسيلم بوست"، ترِد عنه النبذة التالية "كاتب مختص بالشؤون العربية ومؤلف كتاب الهولوكوست في نظر محمود عباس".

يذكر كوهين أنه يعمل حالياً مع الحكومة الإسرائيلية، وأنه كان في السابق تابعاً لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي والأرشيف الإسرائيلي، وليذكر أن تعليمه في المراحل كلها، من البكالوريوس إلى ما بعد درجة الدكتوراة كان في جامعة بار إيلان، وأن قطاعات البحث لديه هي البروباغاندا النازية بالعربية، وحزب الله والحرب الأهلية في لبنان من 1975 حتى 1991، ودور مفتي القدس الحاج أمين الحسيني، ومعاداة السامية وإنكار الهولوكوست في العالمين العربي والإسلامي، واليهود في العالم العربي (الأملاك والثقافة والعادات والتهجير)، وليذكر أنه يتقن اللغات التالية: العربية والفرنسية والإنجليزية (الإنجليزية القديمة) والعبرية والإسبانية.

 

مشادّات لا تنتهي عبر "تويتر"

بدأ كوهين نشاطه على "تويتر" منذ أكتوبر في العام 2012، وكان يكتفي آنذاك بتغريدات قليلة يستخدم فيها العبرية أو الإنجليزية ويسوق من خلالها بعض روابط الأخبار التابعة لرئاسة الوزراء الإسرائيلية.

أكثر الدول التي يتناولها كوهين حالياً الإمارات العربية المتحدة ، ومثالها الشهير مشادّاته مع نائب رئيس الشرطة والأمن العام هناك ضاحي خلفان، كما يتطرّق للحُكم في مصر؛ إذ لا ينفكِ يتباكى على الفترة الملكية، ودول أخرى مثل إيران وتركيا والأردن.

في ما يتعلق بالإمارات، كان كوهين قد استشفّ أن خلفان غيّر خطابه فجأة، حين قال الأخير إن إسرائيل تريد دمار العالم العربي، فبدأ يهدّد خلفان بكشف أسرار من قبيل الادّعاء بضلوعه في اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح في العام 2010 وقوله إن خلفان زار إسرائيل مراراً وابتاع كاميرات مراقبة من هناك وأنه أقام في فندق قريب من الكنيست الإسرائيلي وما إلى ذلك من اتهامات لم يُدعّمها حتى اللحظة بإثباتات، لكنه هدّد أنه في حال كَتَبَ خلفان أي إهانة أخرى لإسرائيل فسيُخرج هذه الدلائل للعيان، داعياً إياه لمواجهة علنية على أي قناة يختارها.

خلفان بدوره اعتبر أن كوهين شخصية وهمية وربط ذلك بالخلاف القطري الخليجي، وبأن من يقف خلفه خلايا تابعة لقطر، ليعاجله كوهين بنشر فيديو له يتحدث فيه عن الأمر. وحتى اللحظة، لم تتوقف المُشادّات عبر صفحتيّ كوهين وخلفان.

ويبدو للمتابع أن كوهين يهجس بالتزوير والفيديوهات المفبركة؛ ذلك أنه ركّز مؤخراً على الرئيس الجزائري عبد العزيز بو تفليقة، مفترضاً أن من يزوّر توقيعاته هم جنرالات في الجيش الجزائري، لكن التناقص يظهر في تباكيه على الحركات الإسلامية التي قمعها النظام الجزائري، فيما هو يهاجم هذه التنظيمات الإسلامية في تغريدات أخرى. ما يُكرّس من قناعة أن هذا الرجل يتبنى الخطاب الشعبوي الذي يتساوق وما يتوق الشارع العربي لسماعه؛ لاستقطاب مزيد من الآذان الصاغية.

إيدي كوهين والأردن

ما يزيد على أربعين تغريدة حول الشأن الأردني كان كوهين قد نشرها على صفحته خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، سواءً كانت من كتابته هو أو من خلال تناقلها من مغرّدين أردنيين، وما يتخلّل هذا وذاك من أخذ وردّ بينه وبين المعلّقين.

التناقض هو السمة الرئيسة في حديث كوهين حول الأردن؛ إذ ما أن ينبري للهجوم على الدولة الأردنية وموقفها من كيان الاحتلال حتى يعود للقول إن التعاون بين الطرفين هو الأقوى. وما أن يتحدث عن غياب الملك، الذي روّج لكونه قسري ويحمل دلالات كثيرة، حتى يهنئ بوصوله سالماً للأردن.

للوقوف على حقيقة موقف كوهين من الدولة الأردنية، لا بد من الرجوع لعدد "جيروسيلم بوست" 31 أكتوبر 2016، حين كتب مقالة عنوَنها بقوله "آسف، لكن الأردن ليست صديقة"، يقول في مطلعها إن قرار اليونسكو نفي أي صلة لليهود بالحرم القدسي ليس محض مصادفة، بل بدعم ومبادرة من ملك الأردن.

ويرى كوهين في المقالة أن الأمر يتبع لسياسة أردنية، وأن ما حدث من انتفاضة السكاكين في القدس هو بتحريض من النظام الأردني، مدعّماَ قوله إن هذه المنطقة من القدس تدار من مكتب الملك.

ويخلص للقول إن الأردن ليس صديقا لإسرائيل كما أقنع الإسرائيليون أنفسهم طوال الأعوام الماضية، بل هو معادٍ لإسرائيل.

ولم يتوقف كوهين عن ترويج الإشاعات المفبركة التي أثبتت الأحداث خلال الأشهر الماضية زيفها والتي تزامنت مع الموقف الأردني الصلب حيال القرار الأميركي بنقل السفارة إلى القدس.

أكثر ما نشط كوهين فيه مؤخراً غياب الملك في إجازته السنوية المعتادة، ليخرج بتكهنات كثيرة وفبركات ثبت زيفها، وحين وصل الملك ووضع المغرّدون فيديوهات وصور له، لم يعدم كوهين الحيلة في محاولته البرهنة على أن هذه الصور مفبركة وأن الفيديوهات ملفقة، من خلال نشر صور قديمة وجديدة وإظهار التطابق بينها، وإعادة نشر صور وضعها أردنيون يتساءلون فيها عن التضارب في ألوان ربطات عنق الملك، بالإضافة للاستشهاد بالصحافة الفرنسية التي نقلت أنباءاً متضاربة مع الصحافة الأردنية، حول لقاء الملك بوزير الخارجية الفرنسي.

واستغلّ كوهين هذه الموجة تحديداً لإطلاق رسائل تحذير لحُكّام عرب يحاولون مخالفة إسرائيل، كما يقول، مستشهداً بفرعون وقيصر الروس وهتلر.

ولا يكاد كوهين يقنص تغريدة يُطلقها عربي تحمل ثناءاً على نبوءاته أو الأخبار التي يروّجها، حتى يعيد نشرها على صفحته، ومؤخراً كانت الأردن من تتصدّر المشهد؛ إذ وصل الأمر حد إعادته نشر دعوات تلقّاها على الغداء  يزعم أنها من أردنيين، واعداً إياهم بتلبية الدعوة في قادم الأيام.

وحتى في قصص جدلية يشهدها الداخل الأردني من قبيل وصول الفنانة أحلام للبتراء بطائرة عسكرية، فإن كوهين أقحم ذاته وعَرَضَ عليها طائرة بالمثل لتزور صحراء النقب إن أرادت، لتأتي قضية الدخان التي أدلى بدلوه فيها أيضاً، مذكّراً من خلالها بغياب الملك في إجازة، ومدعّماً مزاعمه بوجود فريق أميركي يحقّق في قضية الدخان بخبر مذكور عبر موقع أردني ومنسوب في الأساس لصحيفة "رأي اليوم" في لندن.

من يتابع تغريدات كوهين، يجد أنه يستميت في البرهنة على معرفته بالجغرافيا الأردنية والمناطق وحتى المطاعم؛ إذ يحشو من دون مبرّر منطقي "مثلث ناعور وكازية المناصير وطريق السلط وشارع الستين ومنطقة الجندويل وسيتي مول وشارع الحجاز ومطعم كوباكبانا في دابوق".

وحين حاول الإعلامي الأردني جمال حداد دحض ذلك وردّ الإساءة، وصله تهديد من كوهين بأن الموساد في الطريق إليه، وفقاً لما عرَضه حداد من "سكرين شوت" يدعّم قوله.  

 

خطاب دعائي سطحي ولغة سوقية

إن تتبّع تغريدات إيدي كوهين عبر موقع "تويتر" يكشف بوضوح سمة السطحية والتي تعتاش على أزمة الثقة في المجتمعات العربية وتناقضاتها والصراعات الإقليمية وأثرها في ضعف نظم الاتصال والإعلام. ويمكن رصد الملامح الأخرى التالية:

  • يستخدم كوهين اللغة العربية بشكل رئيس، وقلّما يستخدم الإنجليزية أو حتى العبرية، ويسوق المفردات الشعبية، التي كثيراً ما تنزلق للسوقية والشتائم، ويبتعد تماماً عن اللغة الأكاديمية والتوثيقية التي يتوقعها المتلقي من شخصية تزعم حصولها على كل هذه الشهادات وقيامها بكل هذه الأبحاث. النكتة الشعبية حاضرة في حديث كوهين أيضاً، بل هو يستخدم "أفيهات" شهيرة من أفلام الممثل عادل إمام، كما يعتمد الكنية، كما العادات العربية، في مخاطبة الآخرين، ويستشهد بالشعر النبطي ويسوق آيات من القرآن الكريم وعبارات من الأحاديث النبوية.

 

  • من الواضح أن كوهين يعتمد على قواعد بيانات أمنية تمدّه ببعض المعلومات التفصيلية عن الأماكن والجغرافيا وعن أسماء العائلات والعشائر والثقافات المحلية، ما يوفر له فرصة استخدام أسلوب "الالتصاق الوهمي" في الدعاية، أي أن سرد بعض التفاصيل الدقيقة على سبيل المثال عن الشوارع ومكوّناتها يوفر له غطاء المصداقية؛ لتزييف حادثة ما وفبركتها.

 

  • الاستثمار في بعض الإشاعات الصغيرة التي تظهر من بعض الأصوات، التي قد لا تكون مسموعة على حسابات عربية، وإعادة ترويجها وتضخيمها والتركيب عليها، ومن المعروف أن وحدة الاستخبارات الإلكترونية (8200) الإسرائيلية تقوم  بجمع المعلومات ورصد المصادر المتعددة على منصات الإعلام الاجتماعي في "يوتيوب" و"فيسبوك" و"تويتر" وشبكات أخرى، كما ترصد المزاج العام وتحلّل المعلومات وتعيد إنتاجها على شكل رسائل مضادّة من خلال ناشطين يتعاونون معها.