تغطية وسائل إعلام للاعتداء على فتاة من ذوي الإعاقة .. ما بين تصيّد المشاهدات إلى مناقشة حقوقية

تغطية وسائل إعلام للاعتداء على فتاة من ذوي الإعاقة .. ما بين تصيّد المشاهدات إلى مناقشة حقوقية

  • 2025-07-28
  • 12

عمّان 28 تمّوز (أكيد)- عُلا القارصلي- نشرت وسيلة إعلام محليّة عبر منصّاتها على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لفتاة من الأشخاص ذوي الإعاقة، ظهرت فيه وهي تروي حادثة تعرضها لاعتداء جسدي ولفظي على يد فتاتين في أحد شوارع مدينة إربد. وبحسب ما جاء في الفيديو، فإن الاعتداء وقع بعدما سمعت الفتاة إحدى المعتديات تقول لصديقتها: "إن شاء الله بتصيري معاقة متلها"، وعندما ردّت الفتاة على هذه الإهانة، انهالتا عليها بالضرب.

لم يقتصر الفيديو على سرد واقعة الاعتداء، بل وجّهت الفتاة مجموعة من الرسائل الإنسانية والاجتماعية، وعبّرت بكلمات مؤثرة عن معاناة ذوي الإعاقة في مجتمع لا يمنحهم فرصًا حقيقية، مؤكدةً أنها تخرج يوميًا للعمل في البيع من الصباح حتى المساء بسبب غياب الوظائف. [1]

رغم أهمية الرسائل التي وجهتها الفتاة، لكن الوسيلة التي نشرت الفيديو وقعت في أخطاء مهنية وأخلاقية واضحة، تمثلت في عرض الفيديو بشكل مباشر دون تظليل وجه الفتاة أو حماية خصوصيتها، ودون أي إشارة للجهات المختصة أو دعوة لتحرك رسمي. أي بعبارة أخرى، اكتفت الوسيلة باستثمار الألم الإنساني لتحقيق انتشار واسع، مع تغليب الجانب العاطفي على أي مقاربة حقوقية، ما جعل التغطية تبدو أقرب إلى تصيد المشاهدات والتفاعل منها إلى العمل الصحفي المسؤول.

في المقابل، تعاملت وسيلة إعلامية أخرى مع القصة بمهنية أعلى، إذ خصّصت فقرة في برنامج لمناقشة أبعاد الحادثة، مستضيفة دكتورة في التربية الخاصّة، استنكرت الحادثة ووصفتها بأنها نتيجة مباشرة لغياب الوعي المجتمعي، وضعف ثقافة احترام حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. وأكدت أهمية تفعيل حملات التوعية المجتمعية والتنشئة السليمة، مشيرةً إلى أن القانون موجود لحماية الجميع، وداعيةّ المتضرّرين من الأشخاص ذوي الإعاقة إلى التبليغ عن أي انتهاك يتعرّضون له.[2]

كما شددت خبيرة التربية الخاصّة على ضرورة تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم من الدفاع عن أنفسهم، محذّرة في الوقت نفسه من وجود جهات "دخيلة" على هذا الملف لا تملك الخبرة أو المعرفة الكافية، ما يضعف من الدور المنشود للمؤسسات العاملة في مجال الإعاقة، وأضافت بأنّ الإعلام يجب أن يكون شريكًا في رفع الصوت لا وسيلة لاستغلاله، مؤكدةً أن المسؤولية المهنية تقتضي تسليط الضوء على الانتهاكات بهدف إصلاحها، وليس استهلاكها كمواد ترفيهية أو لجذب التفاعل.

ويشير مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) إلى أن الأشخاص ذوي الإعاقة من أكثر الفئات عرضة للانتهاك، نظرًا لصعوبة قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم، ما يجعلهم أهدافًا سهلة للمعتدين. ومن هذا المنطلق، ينبغي أن تُحاط هذه الفئة بحماية قانونية وإعلامية مضاعفة، لا أن تُعرض خصوصيتها أمام الجمهور دون أي اعتبار لما قد يترتّب على ذلك من أذى نفسي أو اجتماعي.

وفي ظل تكرار هذه الحوادث، يصبح من الضروري أن يتبنى الإعلاميون قواعد واضحة عند تناول قضايا ذوي الإعاقة: احترام الخصوصية وعدم إظهار الملامح دون إذن مكتوب يتم إعلام المتلقين به، التركيز على الحقوق لا على الشفقة، إشراك الجهات الرسمية، وتوجيه المحتوى نحو مساءلة فعّالة ووعي مجتمعي، فصوت الضعفاء يجب أن يُنقل بأمانة، لا أن يُستغّل، ويجب أن يكون الإعلام جسرًا للعدالة، لا مجرد نافذة لجذب المشاهدات.