تحقّق: محتوى غير دقيق
عمّان 3 كانون الأوّل (أكيد)- سوسن أبو السُّندس
القصّة:
انتشر على منصّات التواصل الاجتماعي، وتحديدًا منصة إكس، إنفوجرافيك منسوب لوزارة الاستثمار السعودية يُظهر ترتيب "أكبر 10 دول مستثمرة في السعودية. وظهر الأردن في المرتبة التاسعة برصيد يقارب سبعة مليارات دولار.

وقد أثار ذلك جدلًا واسعًا بين مستخدمين عدّوا أنّ "الأردن أولى بهذه الأموال"، وأنّ الاستثمار خارج الوطن يبدو غير منطقي في ظل التحديات الاقتصادية المحلية، مثل البطالة والدين العام، الأمر الذي دفع بعضهم للإشارة بأن ذلك دليل على ضعف بيئة الاستثمار المحلية.
وفي المقابل، برز رأي آخر يرى في وجود الأردن ضمن كبار المستثمرين مؤشرًا على نجاح الشركات الأردنية وقدرتها على التوسّع في السوق السعودي الذي يُعد امتدادًا طبيعيًا لقطاعات كالمصارف والخدمات. كما ظهر توجّه ثالث ذي طابع ساخر شكّك بوجود استثمارات أردنية أصلًا، من منطلق تقديره أن "الأردن لا يمتلك أصولًا حقيقية ليتمكن من الاستثمار في السعودية"، وهو ما وسّع دائرة الالتباس حول حقيقة الأرقام ودلالاتها.
التحقّق:
هذا التضارب في الادعاءات، دفع مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) إلى التحقّق من الموضوع بجميع عناصره، بدءًا من صحة الأرقام المتداولة، وانتهاءً بدلالات الاستثمار الخارجي في السياق الاقتصادي الدولي. وبالعودة إلى الإنفوجرافيك المتداول، يشير الحساب الناشر له #infoflix إلى أنه مصدر يبسّط الأرقام والبيانات بالعربية، لذلك كان من الضروري العودة للمصادر الرسمية.[1]
وتبيّن بعد مراجعة المصادر الرسمية أنّ وزارة الاستثمار السعودية لم تصدر تقريرًا لبيانات عام 2024 يتضمن ترتيبًا للدول المستثمرة، بل احتوى التقرير على قيمة الاستثمارات بالمجمل، وأنّ التقرير الوحيد الذي يعرض تصنيفًا رسميًا للدول هو النشرة السنوية للاستثمار الأجنبي المباشر لعام 2023. ويُظهِر التقرير أنّ الأردن احتلّ المرتبة التاسعة برصيد استثماري بلغ 25.6 مليار ريال سعودي، ما يعني أن الأرقام المتداولة صحيحة لكنها تعود لعام 2023. [2]

وبالعودة إلى الادّعاء القائل إن الاستثمار الخارجي يعكس ضعفًا في البيئة الاقتصادية المحلية، تُظهر الأدبيات الاقتصادية الدولية، وخصوصًا تقرير الاستثمار العالمي الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD، أنّ الاستثمار الخارجي نشاط اقتصادي طبيعي تلجأ إليه الشركات عندما تسعى إلى توسيع أسواقها وتنويع مخاطرها وزيادة قدرتها التنافسية. ويوضّح التقرير أنّ الدول التي تصدّر استثمارات، فهي تجني فوائد مباشرة مثل العوائد المالية، إضافة إلى تحويل الأرباح إلى البلد الأم، ونقل الخبرات والمعرفة، وتعزيز التكامل الإقليمي، الأمر الذي يجعل الاستثمار الخارجي عنصرًا داعمًا للتنمية وليس مؤشرًا على ضعف الاقتصاد، أو على تراجع البيئة الاستثمارية الداخلية.[3]
وتُظهر مراجعة العلاقات الاقتصادية بين الأردن والسعودية، أنّ حركة الاستثمارات بين البلدين ليست أحادية الاتّجاه، بل هي علاقة تشاركية تقوم على تدفّق رؤوس الأموال في الاتّجاهين. فالمملكة العربية السعودية تُعدّ من أبرز الشركاء الاستثماريّين للأردن ضمن مشاريع قائمة أو قيد التطوير في قطاعات اقتصادية متعدّدة تشمل الطاقة والبنوك والعقار والسياحة والخدمات.[4]
أمّا الادّعاء بأن الأردن لا يمتلك استثمارات كبيرة أو مؤثّرة داخل السعودية، فذلك يخالف البيانات الرسمية الموثقة، فعلى سبيل المثال، تُظهر إفصاحات البنك العربي الوطني السعودي أن مجموعة البنك العربي التي يقع مقرها الرئيس في عمّان تمتلك 40 بالمئة من رأسمال البنك، وهي من أكبر الحصص الأجنبية في القطاع المصرفي السعودي.[5]
وبناءً على ما سبق، يتبيّن أنّ تصنيف الأردن ضمن كبار المستثمرين في السعودية، لا يدلّ على تراجع بيئة الاستثمار الأردنية. كما يتضح أنّ العلاقة الاستثمارية بين البلدين علاقة متبادلة، وأنّ الأردن يمتلك بالفعل استثمارات كبيرة وموثّقة في السعودية، ما يجعل الادّعاءات المتداولة حول "غياب الأصول"، أو "ضعف البيئة المحلية" غير دقيقة.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2025 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني