تغطية وفاة شرطي السير هزاع الذنيبات.. الناس يمكن أن يكونوا مركز الأخبار

تغطية وفاة شرطي السير هزاع الذنيبات.. الناس يمكن أن يكونوا مركز الأخبار

  • 2016-06-29
  • 12

اهتمت وسائل الإعلام الأردنية بوفاة شرطي السير الوكيل هزاع الذنيبات الذي توفي يوم الثلاثاء 28 مايو أيار 2016، وفي الوقت الذي نال فيه الذنيبات في حياته اهتمام وسائل الإعلام نظرا لما شكله من ظاهرة في ممارسة عمله واخلاصه، الا ان الحفاوة التي ودعت بها وسائل الإعلام الأردنية هذا المواطن تشكل محطة في تطور اداء وسائل الإعلام في مجال الاهتمام بالشؤون الانسانية التي تجعل من الانسان والحياة اليومية للمواطنين المؤثرين مركز الاخبار ومدار اهتمامها.

حضور المرحوم الذنيبات اللافت في وسائل الاعلام كشف عن وجه  إيجابي  في تعامل وسائل الإعلام المحلية مع القصص والتجارب الإيجابية التي تشكل نموذجا انسانيا مؤثرا، ليس موقع المسؤولية هو الذي خلق كل هذا الاهتمام بالذنيبات، فهو شخص بسيط تمكّن من حفر صورته  في ذاكرة الأردنيين، بسبب إخلاصه في عمله،  وضبط الإيقاع المروري بحيوية على سلم حركة السير في عمان، على مدى اربعة عقود مضت.

مرصد مصداقية الإعلام الاردني (أكيد) رصد ما يزيد عن 310 مادية اخبارية حول الفقيد الذنيبات خلال 24 ساعة الاولى على الوفاة،  توزعت ما بين الخبر القصير والقصة الاخبارية والتقرير والمقالة اضافة إلى مقاطع الفيديو، كما كان هناك حضور كبير للراحل على وسائل التواصل الاجتماعي في الاردن. فقد شوهدت اربعة فيديوهات صورت في مراحل متفاوتة حول شخصية الذنبيات بشكل مكثف ووصلت الى نحو مليون مشاهدة منها فيديو لقناة "رؤيا" نال نحو 300 الف مشاهدة، وفيديو من إعداد طالبة سابقة في معهد الإعلام الأردني (عبير الكالوتي) نال نحو 105 الاف مشاهده وفيديو لمسرح الفكر الجديد نال نحو 85 الف مشاهدة.

 كما دشن ناشطون أردنيون وسم (هاشتاغ) على توتير (هزاع – الذنيبات) كان الأوسع انتشارا في الأردن على مدى اليومين الأول والثاني للوفاة، وعلق عليه آلاف المستخدمين الذين أشادوا بمناقب الذنيبات، كما نشرت مئات الصور والتعليقات على الفيسبوك والانستجرام، كما هو الحال في عشرات التقارير الإذاعية ذات النكهة الانسانية التي يتعلم منها الناس أكثر من الأرقام الاقتصادية والتقارير السياسية.

مضمون المواد الإخبارية ركز على القيم الإيجابية التي مثلها الذنيبات في التعامل مع المواطنين، وقيم المواطنة الحقيقية التي ترتبط بالإخلاص بالعمل، وحسن القيام بالوجب، وليس فقط التركيز على الجوانب السلبية التي يشهدها المجتمع.

ومن أبرز العناوين التي تناولت رحيل أشهر رقيب سير، هزاع عبدالحميد الذنيبات ما يلي:

في رثاء هزاع الذنيبات الشرطي الذي أوقف الموكب الملكي

وفاة هزاع الذنيبات صانع البسمة في شوارع عمان

وفاة الوكيل هزاع الذنيبات أشهر شرطي سير في الأردن

الملكة: رحمة الله على النشمي هزاع

وفاة الوكيل هزاع الذنيبات اشهر شرطي في عمّان "فيديو " رحيل الذنيبات.. شرطي السير الأشهر بالأردن

وفاة هزاع الذنيبات اشهر رقيب سير في الأردن

الذنيبات.. أمهر ضابطي إيقاع السير في عمان المزدحمة يرحل بهدوء

الملكة تترحم على هزاع المرح

رحيل هزاع ذنيبات .. الشرطي الذي أعطى الأولوية لسيارة الإسعاف وأوقف موكب الملك حسين.

وركزت التقارير الصحفية على بعض القصص والمواقف التي تفرد بها الراحل مشيرة إلى أنه  خدم ما يزيد عن 23 عاماً في مكان واحد وهو "جسر النشا" بالمحطة، وخلال كامل خدمته لم يحرر سوى مخالفتين مروريتين فقط ، وفوق كل ذلك كان يتمتع بشهرة لم يسبقه اليها أحد من زملائه، وحاز على احترام الجميع، فكانوا يستجيبون لأوامره وإرشاداته وإشاراته ويتقبلون تنبيهاته بكل رضا وحب.

وذكّرت مادة منشورة بقصة شهيرة للذنيبات مع المغفور له الملك الحسين، اذ كان الملك الراحل حينها متجها في طريقه إلى راس العين، وكان الذنيبات ينظم المرور عند إشارة رأس العين، فأوقف السير دون أن ينتبه للموكب الملكي، وفي هذه اللحظة نزل ضابط من حرس الملك، ليعلمه ان الملك في السيارة، وفي الاثناء قدمت سيارة أسعاف من مستشفى البشير الحكومي باتجاه جبل عمان، فأعطى الذنيبات لها الأولوية.

وبعد مرور سيارة الإسعاف، قام الذنيبات بفتح الطريق أمام الموكب الملكي، وعندما وصله موكب الملك، أدى له التحية العسكرية، ودار بينهما حوار ومنحه الملك رتبة عسكرية تقديرا لشجاعته واخلاصة.

ماهي صحافة الشؤون الانسانية؟

تعد الصحافة التي تعنى بالإنسان أساسا متينا في أولويات الصحافة والاهتمامات الإعلامية في المجتمعات الديمقراطية، وهي الصحافة التي تجعل شؤون الناس العادين سواء في مطالبهم أو إنجازاتهم أو معاناتهم محورا أساسيا في اهتمامها، فقد مضى وقت طويل بقيت فيه السياسية والاقتصاد والرياضة والفنون تحتل أجندات وسائل الإعلام في كثير من بلدان العالم بينما غابت أصوات الناس، وغابت شؤونهم وشجونهم وحياتهم اليومية وسط سيطرة التصريحات الرسمية وصور السياسين وأرقام المال والاقتصاد وأخبار المشاهير والشخصيات العامة.

وتذهب صحافة الاهتمامات الانسانية إلى نقل صور أكثر واقعية ومصداقية عن الحياة اليومية وأنماط حياة الأفراد والجماعات، وعن النساء والرجال المؤثرين والملهمين من الناس العادين، وعن التجارب والخبرات الإنساسية القاسية والمفرحة، وتلك التي تبعث الأمل والتفاؤل، أو تلك التي تثير مشاعر السخط والرغبة بالرفض، أو تلك التي تخلق قدرة وطاقة على التقمص الوجداني والتطلع الى الأمام، وهي صحافة تنقل صورا إنسانية  تمتزج فيها مشاعر الانتصار واليأس والجزع والأمل وتحترم ذائقة المتلقي.

هناك أنواع عديدة من القصص الإنسانية التي يتناولها الإعلام المحترف بجدية، وفي الوقت ذاته تجذب الجمهور، مثل الحياة اليومية للناس، وقصص من يساعدون الناس، وضحايا الحروب من الناس العادين، وقصص الشجاعة والإيثار والتضحية، وقصص الحنين الى الماضي المفعمة بمشاعر انسانية.

الصحافة الانسانية.. الفرص الجديدة

إن التطورات الهائلة التي شهدتها وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصال في آخر عقدين، فتحت المجال أمام تحولات كبيرة في اهتمامات جمهور وسائل الإعلام، وتزامن ذلك مع حالة من الشعور المتراكم من اللاجدوى والعدمية وفقدان المعنى من تلقي الأخبار السياسية والأجندة التقليدية لوسائل الإعلام، لقد أوضحت العديد من الدراسات كيف أن الجمهور تجاوز فقدان الثقة بالأخبار السياسية التقليدية إلى فقدان المعنى والقيمة، وهذا التطور ربما يلاحظ في المجتمعات العربية أكثر من غيرها وتحديدا في السنوات الأخيرة.

تغيب القصص الانسانية بشكل عام عن وسائل الإعلام العربية، رغم غنى المجتمعات العربية بهذه القصص، والحاجة الماسة للجمهور العربي لبناء أجندات إعلامية منوعة، والتخفيف من ثقل الأجندات الإعلامية السياسية والاقتصادية.

يلائم القصص والاهتمامات ذات البعد الانساني، قالبُ صحافة البروفايل، التي توفر تقنيات جذابة لسرد قصص الأفراد وتسجيل تفاصيل حياتهم، وفي الوقت الذي تزدهر فيه صحافة البيانات وصحافة الفيديو، وتسجل القصص المرئية أكثر الاشكال متابعة وتفاعلا مع الجمهور، فإن مؤشرات "رويترز" وفق الدراسة التي أعدها الباحث نيك نيومان، استطلع خلالها آراء 130 من كبار قادة الصحافة الرقمية في 25 دولة فان المستقبل للقصص السردية المسموعة حسب  توقعات "رويترز"، (أن يشهد البودكاست والمحتوى المسموع "ميلاد جديد"، خاصة في ظل تزايد حجم متابعته عبر الهواتف والأجهزة اللوحية)، الامر الذي يلائم محتوى القصص الانسانية اكثر من غيرها.

نصائح من أجل إعداد القصص الانسانية

تطورت الخبرة الإعلامية في هذا المجال، وتتنوع القواعد المهنية حسب الموضوعات التي يسعى الصحفي لتغطيتها، وعلى كل حال، يقدم دليل "القصص ذات البعد الإنساني"، مجموعة من النصائح المهمة في تطوير التغطيات ذات الأبعاد الانسانية:

  • احترام الخصوصيات والبيئات الثقافية للأشخاص والجماعات التي ترتبط بهم القصة، والابتعاد عن أي شكل من اشكال التحقير أو الاستهانة بالثقافات المحلية.
  • الاهتمام بالمشاعر والعواطف الانسانية للأفراد وتتبعها، يمكننا في القصص الانسانية توثيق هذه المشاعر بشكل جدي ومهني ونقلها للجمهور.
  • الصحافة الانسانية، هي صحافة المعنى والقيمة، ما يتطلب متابعة هذه المعاني ونقلها الى الجمهور.
  • السرد أساس القصة الإنسانية، لذا على الصحفي وضع خطة كيف يسرد قصته وكيف يبرز فيها العناصر الجاذبة مع اللالتزام بقواعد المهنية.
  • من الناحية الفنية: التمرّن على التقاط صور البورتريه في الكاميرا بحيث تكون اللقطة مكبرّة وتشمل التفاصيل الدقيقة للوجه مع التركيز على العينين، والبحث عن أماكن معبّرة ذات دلالة قويّة للحضور كخلفية في الصور.

ان التغطية الواسعة لوفاة شرطي السير الأردني الذنيبات، تذكّر بأن الإعلام يمكن أن يشكل رافعة حقيقية تدعم تنمية المجتمع، والتركيز على الظواهر الايجابية، وخاصة تلك التي تحظى باهتمام الجمهور. واهتمام وسائل الإعلام بنموذج الذنيبات يؤكد بأن الامثلة الإيجابية من الناس العاديين تفرض ذاتها على سلم اهتمامات المؤسسات الإعلامية.