قضية "المصارين" المضبوطة في الزرقاء.. وسائل إعلام وأطراف القضية شركاء في تشويش الجمهور

قضية "المصارين" المضبوطة في الزرقاء.. وسائل إعلام وأطراف القضية شركاء في تشويش الجمهور

  • 2016-01-11
  • 12

دلال سلامه

غطّت وسائل الإعلام خلال الأسبوعين الماضيين "الاشتباك" بين بلدية الزرقاء وشركة "حجازي وغوشة" لتصنيع وتجارة اللحوم، الذي بدأ عندما أعلنت البلدية إغلاقها مستودعا ومشغلا غير مرخصين، قالت إنهما تابعين لهذه الشركة، وإتلافها 3 أطنان من "المصارين غير الصالحة للاستهلاك"، والمعدّة لـ"صناعة النقانق"، وجدتها فيهما، لكن الشركة نفت علاقتها بالمشغل، وهدّدت بمقاضاة كلّ من نشر الخبر. وهو نفي، لم تصدر بلدية الزرقاء، بعد أسبوع على إعلانه، أي ردّ رسمي عليه.

يبدو "ظاهريا" أن القضية قد انتهت نهاية واضحة، إذ ذهبت التغطية الإعلامية، عموما، باتجاه أن البلدية قد ارتكبت خطأ، وهذا ما أوحت به -كما سنرى- العناوين العريضة للأخبار. لكن القراءة في تفاصيل هذه الأخبار، التي رُوّست في الكثير من التقارير بعناوين مضلّلة، تثير أسئلة جوهرية، لا يمكن من دون إجاباتها فهم ما يحدث.

 ويعمّق الشكّ غموض موقف البلدية، والردّ "غير الرسمي" الذي دوّنه رئيس بلدية الزرقاء، عماد المومني، على "فيسبوك"، ونقلته بعض وسائل الإعلام، وأشار فيه إلى "نفوذ الامبراطوريات الاقتصادية والمالية"، وإلى من "يجزم أنه فوق القانون لتخطيه تجاوزات قانونية جسيمة تتعلق بصحة المواطن وغذاؤه".

وكان الناطق الإعلامي للبلدية، ينال المعاني، قد أكّد، في اتصال هاتفي مع "أكيد"، يوم (6/1/2016)، سلامة إجراءات البلدية، وصحة تصريحاتها بحق الشركة. وقال إن البلدية "تعدّ" بيانا للرد على نفي الشركة علاقتها بالقضية. لكن البيان لم يصدر، فعاد "أكيد" واتصل يوم (10/1/2016) هاتفيا مع رئيس البلدية، واستفسر منه عن ذلك، فأجاب رئيس البلدية: "بياني هو الآتي: ليس كل ما يُعرف يقال، ولا كل ما يُعرف حان أوان قوله". ورفض الإجابة على أي أسئلة إضافية.

لقد صمت الإعلام عن متابعة هذه القضية، قبل أن يحصل الجمهور، كما سنرى في هذا التحليل، على إجابة قاطعة. وسبب ذلك هو أن الإعلام لم يسع إلى حسم العديد من مواطن التضارب في المعلومات التي شابت هذه التغطية. إضافة إلى أنه بدلا من الإصرار على حقه في الحصول على ردّ رسمي واضح من بلدية الزرقاء، اكتفى بردّ مبهم، دُوّن على مواقع التواصل الاجتماعي، وغطّاه الإعلام استنادا إلى التكهّنات.

من يملك "المصارين"؟

بدأت القصة يوم (31/12/2015)[1]، عندما تداولت المواقع الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي، على نطاق واسع خبر مداهمة الكوادر الصحية في بلدية الزرقاء، برفقة الشرطة البيئية، ودائرة رخص المهن، المستودع والمشغل المعنيين، ونسبت الأخبار للبلدية إشارتها إلى "روائح كريهة جدا" كانت تنبعث من المكان نتيجة "تنظيف مصارين بطريقة بدائية جدا وعدم حفظها في الثلاجات"، و"عدم الاهتمام بالنظافة العامة"، و"عدم حصول العمال على شهادات صحية". ووفق الأخبار، فإن هذه المواد تُستخدم في صناعة "النقانق". وقد نقل الإعلام عن البلدية أن القضية أحيلت إلى المحكمة.

تداولت المواقع الإلكترونية خبر الواقعة على نطاق واسع. ورغم خطورتها، إلا أن أيّا من  الصحف اليومية، لم تنشر أي خبر إضافي عنها. وكان لافتا إعلان اسم المؤسسة التي قيل إنها ارتكبت المخالفة، وهذا ليس معتادا في الإعلام المحلي، الذي ينشر، بشكل شبه يومي، أخبار إغلاقات المؤسسات الغذائية، وإتلاف أطنان المواد الغذائية، لكن من دون أسماء المؤسسات المعنية.

وكما يحدث في العادة، فقد صمت الكلام في القضية لأيام بعدها، إلا من موقعين إلكترونيين أعادا التذكير بالواقعة، ولفتا إلى حالة الصمت التي تلتها، لكن الخبر عاد إلى الواجهة من جديد، بعد 5 أيام على نشره، عندما أصدرت "حجازي وغوشة" بيانا نفت فيه أن يكون لها "أي علاقة لا من قريب أو بعيد" بالمشغل المغلق، وأكّدت أن مادة "المصران، وخاصة الأمعاء الدقيقة لا تدخل في عملية إنتاج اللحوم مطلقا"، بل تُستخدم لصناعة الخيوط الجراحية. وقالت الشركة إن المشغل المعني يعود لعائلة معروفة، مشهورة بمعالجة المصارين والجلد. وقالت إن "حجازي وغوشة" تمتلك فعلا مشغلا لهذه الغاية، لكنه يقع في منطقة القويرة، وليس مخصصا للمواد الغذائية.

في اليوم التالي لهذا النفي، تداولت وسائل الإعلام كتابا أرسلته مؤسسة الغذاء والدواء إلى بلدية الزرقاء، يشير إلى استدعاءين مقدمين من "حجازي وغوشة"، وشركة أخرى هي "المها لتجارة الجلد والمصران"، وينقل الكتاب عن الاستدعاءين أن المشغل المضبوط لا يعود إلى "حجازي وغوشة" بل إلى "المها"، وينقل أيضا أن "المها" هي شركة "حاصلة على الموافقات للعمل بمجال تجهيز الجلد والمصران لغايات تصديرها كمادة أولية للصناعات الطبية والوترية ولا تدخل بالصناعات الغذائية المحلية".

ويمكن القول إنه هنا، بدأ الاختلال الأكبر في تغطية هذه القضية، فقد تداولت معظم وسائل الإعلام كتاب "الغذاء والدواء" بوصفه "تبرئة" من المؤسسة للشركة، فنشرته تحت عناوين من قبيل: "الغذاء والدواء: حجازي وغوشة بريئة"، و"الغذاء والدواء تنتصر لحجازي وغوشة ورئيس بلدية الزرقاء بوضع محرج"، و"الغذاء والدواء تحسم الجدل في قضية حجازي وغوشة وتحرج المومني"، و"الغذاء والدواء تبرئ حجازي وغوشة .. والمومني يلوذ بالصمت". وغيرها من عناوين مشابهة.

والحقيقة، أن افتراض حسم كتاب "الغذاء والدواء" بشكل قاطع لعلاقة الشركة بالمشغل، هو نتاج قراءة سطحية لهذا الكتاب، فالقول: إن المشغل لا يعود إلى "حجازي وغوشة" بل إلى "المها". وإن المصارين المضبوطة لا تدخل في الصناعات الغذائية المحلية، بل في صناعات طبية مخصصة للتصدير، لم يكن كلام مؤسسة الغذاء والدواء، بل هو كلام أشارت المؤسسة إلى أنه ورد في استدعائي الشركتين.

لكن ما فعلته المواقع الإلكترونية، هو أنها روّجت لهاتين المقولتين بوصفهما صادرتين عن مؤسسة الغذاء والدواء"، وتعاملت معهما بالتالي، بوصفهما انتصارا منها لـ"حجازي وغوشة"، وهذا لم يكن صحيحا.

إن إكمال قراءة كتاب المؤسسة يثير أسئلة، لم يسعَ الإعلام لتقديم إجابات عليها. فهو يلفت نظر البلدية إلى أنه قد ترتّب على الإجراءات التي اتخذتها بحقّ المشغل المذكور تداول "معلومات غير دقيقة" في وسائل الإعلام، هي، كما قال الكتاب، ربط البلدية ملكية المشغل بشركة حجازي وغوشة "قبل التأكد بالشكل المطلوب" من ذلك.

والمؤسسة تشير هنا، إلى أن البلدية، التي لم تجد رخصا للمشغل، اعتمدت في ربطها له بشركة "حجازي وغوشة" على إفادة شفوية من المسؤول فيه، الذي قالت البلدية إنه أخبر المفتشين إنه تابع لشركة "حجازي وغوشة". لكن إحدى وسائل الإعلام ، قالت إن هذا المسؤول نفى أنه صرّح بذلك.

إذن، ينقل الإعلام عن البلدية أن مسؤول المشغل صرّح بأنه تابع لـ"حجازي وغوشة"، ثم ينقل أن هذا المسؤول نفى أن يكون قد قال ذلك، وهذا تضارب في المعلومات، لم يقدّم الإعلام بعد أكثر من أسبوع تفسيرا له. علما بأنه كان ضمن حملة مداهمة المشغل، إضافة إلى موظفي البلدية، مندوبين عن الشرطة البيئية، ودائرة رخص المهن. ومن المفترض أن هؤلاء شهود أيضا على الواقعة، لكن أصواتهم غائبة تماما في هذه التغطية. كما أن البلدية نفسها لم تعلّق على نفي هذا المسؤول.

التضارب الآخر في المعلومات يتعلق بما ذكره كتاب مؤسسة الغذاء، نقلا عن الاستدعاء المقدم من شركة "المها"، حول كونها شركة "حاصلة على الموافقات للعمل بمجال تجهيز الجلد والمصران"، وهذا يتناقض مع تأكيد البلدية أن المشغل غير مرخّص. وقد لفت إلى ذلك موقع واحد فقط، أشار إلى أنه لا وجود في سجلات دائرة مراقبة الشركات لـ"شركة المها لتجارة الجلد والمصران". ومع ذلك، لم يذهب الإعلام أبعد لمتابعة وحسم هذه المسألة.

في السياق نفسه، كان بيان شركة "حجازي وغوشة" قد نفى أن يكون لها "أي علاقة لا من قريب أو بعيد" بالمشغل المذكور، لكن المستشارة القانونية للشركة، لما مبيضين، صرّحت بعدها لإحدى وسائل الإعلام، أن "الأرض المقام عليها المشغل تعود لعائلة حجازي وغوشة وليست تابعة للشركة". ولم يتتبع الإعلام هذا التصريح، خصوصا أن "حجازي" و"غوشة" هما عائلتان منفصلتان، لا عائلة واحدة.

إنه مشهد ضبابي، يزيده ضبابية التغطية الإعلامية لموقف بلدية الزرقاء، التي نالت عناوين الأخبار من رئيس بلديتها شخصيا، كما رأينا، لكنه، مع ذلك، لم يصدر أي ردّ رسمي، بل نقلت عنه بعض وسائل الإعلام ما قالت إنه كتبه على موقع فيسبوك، تعليقا على كتاب مؤسسة الغذاء والدواء، وهي إفادة مثيرة للجدل، قال فيها: "لا أخضع لنفوذ الامبراطوريات الاقتصادية المالية"، ويشير فيها إلى أن هناك من "يجزم أنه فوق القانون لتخطيه تجاوزات قانونية جسيمة تتعلق بصحة المواطن وغذاؤه"، ثم يختم "أدافع عن الشعب والوطن بما يرضي ضميري وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".

لقد فسّرت بعض هذه التغطيات هذه العبارات بأنها تأتي في إطار مواجهة يخوضها رئيس البلدية مع ما قالت إنه "الشريحة الأخطر في حلقات الفساد والإفساد المغطاة قانونا". لكن هذا بالطبع لم يكن أكثر من تكهّن.

تعليق رئيس البلدية عماد المومني
تعليق رئيس البلدية عماد المومني

[1] حذف موقع "عمون" الخبر"، وهذه نسخة مخبأة من غوغل.