من أسامة البطاينة إلى خلدون قبيعة....الإعلام بين المهنية والتسرّع في ملف الأسرى الأردنيّين العائدين من سوريا

من أسامة البطاينة إلى خلدون قبيعة....الإعلام بين المهنية والتسرّع في ملف الأسرى الأردنيّين العائدين من سوريا

  • 2024-12-15
  • 12

عمّان 12 كانون الأول (أكيد)- سوسن أبو السُّندس-بين قصص تُروى، ومشاعر تتدفّق، ومقابلات تُجرى، تصدرت قضية أسامة البطاينة عناوين الأخبار وأثارت تعاطف الرأي العام بعد إعلان عودته المفترضة من السجون السورية، والذي أمضى في غياهبها 38 عامًا، حيث واجهت عائلته حالة من الغموض حول مصيره عندما كان طالبًا في المرحلة الثانوية بعد زيارة فردية إلى سوريا، إلى أن أعلن مؤخرًا عن تسلمه من الجانب السوري عبر معبر جابر الحدودي، إلا أن الحقيقة جاءت صادمة،  وتم تسلم شخص لم يكن نفسه أسامة البطاينة بعد ظهور نتائج الفحص الجيني .DNA [1] [3] [2]

يشير مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) إلى أن طريقة تناول الإعلام لهذه القضية تعكس تعطّش بعض الوسائل الإعلامية إلى نشر القصص الإنسانية، ما دفعها إلى التسرّع في النشر وإجراء مقابلات متعددة مع أشخاص ذوي صلة دون تحقّق كافٍ، حيث اندفعت في نشر أخبار غير مؤكدة حول هوية الشخص العائد من الأسر، قبل التحقّق من نتائج الفحص الجيني، الأمر الذي  أسفر عن جملة من التداعيات السلبية أبرزها تشويش الرأي العام بمعلومات غير دقيقة، وزيادة معاناة عائلة البطاينة الوجدانية من خلال إثارة مشاعر مختلطة لديهم.[4]

بعض وسائل الإعلام تجاهلت التواصل المباشر مع العائلة التي تُعد المصدر الأساسي للمعلومات، الأمر الذي أدى إلى نشر تصريحات متضاربة، و أثار حالة من الإرباك، كما  أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تضخيم القضية من خلال تداول روايات غير موثّقة.                 

بنتيجة تضارب المعلومات المنشورة، تعرّضت العائلة لمزيد من الضغوط النفسية، وهذا أدى إلى تزايد مخاوفهم وشكوكهم بشأن مصير ابنهم، بسبب التعامل العاطفي الإعلامي الذي أسهم في خلق تصورات غير واقعية لدى الجمهور حول مجريات القضية، ما أضعف الثقة بالمصادر الإعلامية.

ويرى (أكيد) انه لا بد من الالتزام بالمعايير الإعلامية المهنية والأخلاقية التالية عند النشر في مواضيع الأسر والفقدان:

- التأكد من دقة المعلومات، وعدم نشر أي تفاصيل دون التحقق من مصداقيتها عبر مصادر موثوقة مثل الجهات الرسمية أو العائلة.

-احترام خصوصية العائلة والتنسيق معها قبل نشر أي تفاصيل تتعلق بالقضية، ومراعاة تأثير المعلومات على مشاعرهم.

-الابتعاد عن الإثارة الإعلامية، وتجنّب الخطاب العاطفي أو محاولة ركوب موجة التعاطف للحصول على مكاسب إعلامية.

- الالتزام بالموضوعية، وتقديم تغطية متوازنة تراعي الجوانب الإنسانية دون التأثير على سير الجهود الرسمية.

- تبني نهج استقصائي يعتمد على الأدلة والتحقّق العلمي بعيدًا عن التسرّع.

- تسليط الضوء على الجهود المحلية والدولية في معالجة الملف الحقوقي الإنساني، مع التركيز على الدور المحوري الذي تؤديه المنظمات الحقوقية المحلية في توثيق حالات المفقودين والمعتقلين، ودعم العائلات من خلال تقديم المساعدة في رفع الشكاوى الرسمية ومتابعة قضايا ذويهم بشكل منهجي يضمن حقوقهم ويعزز فرص الوصول إلى الحقيقة.

- ضرورة الحذر من نشر مواد بصيغة قد تؤدي إلى وصم الأسرى العائدين، حيث أثارت تقارير صحفية حول الفحوص الطبية المطلوبة للعائدين من السجون السورية جدلًا حول احتمال النظر إليهم كمصدر خطر صحي بدلًا من ضحايا لظروف غير إنسانية، وقد يسبب ذلك تمييزًا اجتماعيًا ويعمّق معاناتهم النفسية، والأصل أن تقدم التحذيرات ضمن سياق يبرز الفحوصات كإجراء وقائي لحماية العائدين أنفسهم، مع التركيز على الرعاية الصحية والنفسية كجزء من جهود شاملة لدعمهم ودمجهم كضحايا لظروف قاسية تستوجب التضامن والدعم الوطني.[5]

لم ينته (أكيد) من تتبع تفاصيل قصة أسامة البطاينة، حتى برزت قصة جديدة لعائلة خلدون قبيعة الذي اختفى في سوريا منذ عام 1996، والتي أبصرت بارقة أمل مع تداول صور المعتقل العائد، لكن سرعان ما تلاشى ذلك بعد ظهور نتائج الفحص الجيني والذي أكد على عدم تطابق العيّنة مع ابنهم المنتظر.[6]

هذه المشاعر الإنسانية العميقة تسلط الضوء على مدى التعقيد الذي يكتنف ملف المفقودين الأردنيين في سوريا، وتضع الإعلام أمام اختبار حقيقي حول كيفية التعامل مع قضايا بهذا الحجم من الحساسية، فهذه الملفات ليست مساحة للتسرّع أو السبق الصحفي الذي قد يضاعف معاناة العائلات المتضرّرة.

إن التعاطي مع قضايا المفقودين يتطلب خطابًا إعلاميًا يرتقي إلى أعلى درجات المهنية والمسؤولية، بعيدًا عن الإثارة والتسرّع،  فالإعلام في قضايا كهذه ليس مجرد ناقل للخبر، بل هو شريك في حماية حقوق الأفراد والدفاع عن كرامتهم، ورديف لتحقيق العدالة وخدمة الحقيقة.