"تضامن الكالوتي مع غزَّة" .. صحافة الواقع تغيب لتظهر اتهامات بكتَّاب تدخل سريع وموالاة للخارج ومقاطع مصورة مجتزأة

"تضامن الكالوتي مع غزَّة" .. صحافة الواقع تغيب لتظهر اتهامات بكتَّاب تدخل سريع وموالاة للخارج ومقاطع مصورة مجتزأة

  • 2024-04-04
  • 12

عمَّان 4 نيسان (أكيد)- الهدف الرَّئيس الذي تعمل عليه محركات التَّغطية الصَّحفية والإعلامية في كل حدث، هو نقل الواقع لجمهور المتلقين ضمن معايير المهنة التي يعلمها العاملون في هذا الميدان، ومن بينها الحياد والدِّقة والموضوعية والمهنية والتَّوازن والوضوح والشمول والابتعاد عن الاجتزاء والعناوين المضلِّلة. ويصمن الالتزام بهذه المعايير وصول المعلومات للجمهور دون تضليل وتشكيل رأي عام صحّي وسليم في المجتمع.

أسقط مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) هذه المعايير على تغطيات وسائل الإعلام الأردنية والعربية والإقليمية والدَّولية التي رافقت تضامن أردنيين في ساحة مسجد الكالوتي غرب العاصمة عمَّان مع أحداث القتل والتنكيل والإبادة الجماعية التي تتواصل في قطاع غزّة لليوم الثاني والثمانين بعد المئة على التَّوالي،  ثُمَّ أسقط (أكيد) هذه المعايير على النَّشر الذي تواصل على منصَّات التَّواصل الاجتماعي، وتبيّن أنَّ هذه التَّغطيات والنَّشر تسبَّبت بانقسام حاد في المجتمع، وتصاعد خطاب الكراهية والعنصرية بين الجمهور من خلال منشورات وتعليقات قاسية بعضها حسابات وهمية ليست موثقة بأسماء ومعلومات صريحة.

ووجد (أكيد) أنَّ المعلومات والمقاطع المصوّرة التي انتشرت، تسبَّبت بانقسام حاد بين الجمهور، قسم اتُّهم بانَّه من "كُتَّاب التَّدخل السَّريع"، والقسم الآخر بأنَّه "معارض وموالٍ لجهات خارجية غير أردنية". وبين الانقسامين، غابت الصِّحافة الواقعية التي تصف المشهد، وتناول كل طرف ما يدعم روايته، سواء بصور أو مقاطع مصوّرة مجتزأة من حدث أكبر وبه آلاف الأشخاص وأجهزة أمنية، وليس فرد أو إثنين قاما بسلوك قد يستدعي من وسائل الإعلام خفض الصَّوت به لأجل مصلحة أكبر وقضية أهم، حيث إنَّ ما يجري في قطاع غزَّة يفوق الوصف، وموقف الأردن منذ البداية كان منحازًا لهذه القضية قولًا وفعلًا.

رصد (أكيد) منشورات محدودة جدًا وصفت الواقع، وكان أحدها لصحفي على منصَّة التَّواصل الاجتماعي، فيسبوك، ولم يرتبط اسمه بوسيلة إعلام محدَّدة، وبيّن للجمهور تفاصيل مشاركته وتغطيته الواقعية لتضامن الكالوتي مع غزَّة، بدءًا من لحظة وصوله واصطفافه بعيدًا عن الموقع، وسؤاله النقاط الأمنية عن موقع الاعتصام، وصولًا إلى الاعتصام ورصد المشهد وسؤال الصِّحفيين عن بعض التَّفاصيل، وقد خرج برسالة إعلامية من موقع الحدث مليئة بالتَّوازن والموضوعية والحياد والشمول، وعاش المشهد بنفسه بعيدًا عن وجهات النَّظر المتباينة التي كانت تمر عبر وسائل إعلام مختلفة.

لاحظ (أكيد) أنَّ عددًا من جمهور المتلقين على منصَّات التَّواصل الاجتماعي حصل على مقاطع محدَّدة ومجتزأة من الحدث الذي استمر لساعات، وتخلَّله بعض المشاهد التي لم تعجب بعضهم وهي خاطئة، فنقلتها وسائل إعلام كما هي، وكل منها نقل ما يخدم سياسته التَّحريرية، ثمَّ نقلتها حسابات مشتركين على منصَّات التَّواصل الاجتماعي، ونجم عنها خطاب كراهية كبير وانقسام حاد، ولجأ بعض المشتركين إلى وحدة الجرائم الإلكترونية بمديرية الأمن العام، وقدَّم شكوى بما تعرَّض له، ونشر ذلك على صفحته الشَّخصية.

وبعد رصد التَّغطية الصّحفية وما جرى تداوله على منصَّات التَّواصل الاجتماعي، يرى (أكيد) ما يلي:

أولًا: غاب التَّوازن عن تغطية الحدث بشمول وتكامل، وقرَّر كثير من الصِّحفيين نقل ما يخدم سياسة وسيلة الإعلام التَّحريرية، وهذا يشمل وسائل الإعلام الخارجية التي اهتمت بتغطية الحدث.

ثانيًا: تناوب صحفيون على نقل مقاطع مصوّرة ونشرها على حساباتهم الشَّخصية على منصَّات التَّواصل الاجتماعي، بما يخدم أيضًا ميولهم الأيديولوجية دون حياد ووضوح وتوازن.

ثالثًا: تسبَّب غياب الصَّحافة الواقعية والتَّوازن من انتشار خطاب كراهية عميق وانقسام حاد بين جمهور المتلقين، وهنا انصرفت الأنظار عن المصلحة العليا العامة للأردن وفلسطين وعمّا يجري في غزَّة من تدمير وقتل.

رابعًا: كان على وسائل الإعلام تغطية كل تفاصيل الحدث والإشارة إلى بعض التَّصرفات التي قد تسبّب بها الغضب الذي يجتاح النَّاس في العالم في ظل الإبادة الجماعية والجوع الذي يلحق بقطاع غزَّة منذ نحو 200 يوم.

خامسًا: الانقسام الذي حدث بسبب تغطية تضامن الكالوتي مع غزَّة، فتح الباب واسعًا لحسابات غير معروفة على منصَّات التَّواصل الاجتماعي بالنَّشر لتوسيع الخرق على الرَّاتق، وهذا ما حدث فعلًا خصوصًا بعد ظهور فريقين كل منهما يبحث عن إدانة الطَّرف الآخر بما فعل.

سادسًا: دور الصّحفي في مثل هذه الأحداث أن ينقل الحدث كما هو بلغة صحفية وبشكل متكامل غير مجتزأ، وأن لا ينشر ما يدل على عدم حياديته وابتعاده عن الموضوعية على صفحته الخاصة على مواقع التَّواصل الاجتماعي، حيث إنَّ جمهور المتلقين سيقارنون بين ذلك وسيعرفون أنَّ هناك اجتزاء واضحًا وأيدولوجيا تحكَّمت بما ينشر على وسيلة الإعلام التي يعمل بها وفق سياسة تحريرية محدَّدة، وبين صفحته الشَّخصية التي يتحكم هو بسياستها التَّحريرية، مع مراعاة العقوبات الواردة في قانون الجرائم الإلكترونية.

سابعًا: من المفيد خفض صوت الإعلام في المخالفات التي تحدث في مثل هذه الأحداث حماية لحق عام وكبير، وهنا يكمن الحقّ للأردن بمواقفه الثَّابتة والمنحازة لغزَّة وفلسطين، والحقّ للجمهور بمعرفة الواقع والتَّضامن مع قضية أكبر وأسمى من الخلافات، مع الحاجة لمنع خطاب كراهية كبير لا يتوجب ظهوره مطلقًا لخدمة الهدف الأسمى.