أبو مسمح) يفند مزاعم إعلامية حول -دواء ثوري لعلاج السرطان

أبو مسمح) يفند مزاعم إعلامية حول -دواء ثوري لعلاج السرطان

  • 2016-02-23
  • 12

دلال سلامه

تحت عنوان "دواء جديد للسرطان حقق الشفاء لـ94% ممن كانوا على وشك الموت"، تداولت مواقع إلكترونية، خبرا عن دواء اسمه "Keytruda"، قال الخبر إنه اكتشف حديثا، وتمكن من تحقيق الشفاء التام لـ94% من مرضى خمسة أنواع سرطان هي: الجلد والرئة والكلى والمعدة والمثانة. ووفق الخبر فإن النتائج "المذهلة" لهذا الدواء،، جعلت وكالة الغذاء والدواء الأميركية (FDA)  توافق على إجازته، من دون أن يمرّ بالمراحل العلمية اللازمة لاعتماد الأدوية. ويضيف الخبر أن أطباء اجتمعوا الأسبوع الماضي في مؤتمر خاص بمرض السرطان، في العاصمة الإسبانية مدريد، وصفوا هذا الدواء بأنه "ثوري".

وفق الدكتور رامي أبو مسمح، مستشار أورام السرطان، في مركز الحسين للسرطان، والحاصل على البورد الأميركي، فإن هذا الخبر مليء بـ"المغالطات العلمية"، وكان الهدف منه "الترويج التجاري" له، لكنه ترويج تضمن معلومات غير دقيقة، شملت تقريبا مضمون الخبر كله. فلا نسب "الشفاء التي ذكرها الخبر صحيحة، ولا أنواع الأمراض التي أثبت فعاليته في معالجتها صحيحة، كما أنه ليس صحيحا أن الـ(FDA) أجازته من دون أن يجتاز المراحل المقررة لاعتماد الأدوية.

أبو مسمح قال لـ"أكيد" في مقابلة خاصة يوم 23 شباط (فبراير) الجاري، في مركز الحسين للسرطان، إنه وزملاءه استقبلوا منذ نشر الخبر ما لا يقل عن 30 استفسارا من مرضى سرطان بخصوص هذا الدواء، قال إن بعضهم جاؤوا إلى المركز حاملين معهم نص الخبر، وبعضهم اتصل من خارج الأردن، مضيفا أنه يعرف شخصيا مريض سرطان أردني، يعمل في الإمارات العربية، باع منزله في الأردن، ليخضع للعلاج بهذا الدواء، الذي يبلغ ثمن الجرعة الواحدة منه 7 آلاف دينار، ويحتاج المريض منه، في المتوسط، من أجل "كورس" علاج يستمر من 4-6 أشهر، ما بين 60 -70 ألف دينار، غير شاملة لأجور إعطائه للمريض من قبل مختص.

الخبر الذي نشرته يومي 16 و17 وشباط (فبراير) الجاري مواقع إخبارية، منقول أصلا من مواقع إخبارية فلسطينية نشرته قبلها، منها: "وكالة معا" و"عرب إندكس" و"فلسطين اليوم" و"وطن نيوز" وغيرها. وهو ما يفسّر ما ذكره الخبر من أن "عشرات الإسرائيليين" خضعوا للعلاج به، فهذا الخبر موجه أصلا للجمهور العربي في فلسطين المحتلة، وقد نقلته المواقع المحلية حرفيا. من دون أن تلتفت إلى حقيقة أن هذا الدواء لم يُجز أصلا في الأردن.

وفي ما يأتي نص الخبر في فقرات، ويجد القارئ تحت كل فقرة تفنيد ما ورد فيها من معلومات، وذلك استنادا إلى الدكتور أبو مسمح:

"أدى دواء جديد باسم "كيدروديا" الى تراجع كبير في حجم الخلايا السرطانية التي تسبب خمسة انواع من السرطان، وفقا لما قاله علماء واطباء من انحاء العالم يشاركون في مؤتمر "الجمعية الاوروبية لمحاربة السرطان" المنعقد حاليا في العاصمة الاسبانية مدريد".

ليس صحيحا أن هناك مؤتمرا طبيا خاصا بالسرطان انعقد في مدريد خلال فترة نشر الخبر. الصحيح أنه كان هناك مؤتمر طبي خاص بمرض السرطان نظمته، العام 2014، في مدريد الجمعية الأوروبية لأبحاث السرطان (The European Association for Cancer Research(EACR)، والجمعية الأوروبية لطب أورام السرطان (EUROPEAN SOCIETY FOR MEDICAL ONCOLOGY)(ESMO). وهما أبرز هيئتين علميتين في مجال أبحاث وعلاج السرطان في أوروبا . وهناك مؤتمر آخر ستنظمه الجمعيتان في مدريد العام 2017.


"وعملت شركة "
MSD" على تطوير هذا العلاج الذي وصفه الاطباء بالثوري لاكثر من 5 سنوات في البحث والدراسة، التي أسفرت عن هذا الدواء الذي يقوم على فكرة اكتشاف الأورام السرطانية المتسللة الى نظام المناعة ومهاجمتها وتدميرها".

ليس صحيحا أن هناك أطباء أطلقوا وصف "ثوري" على هذا الدواء، فلم يرد ذلك في أي من المقالات العلمية التي كُتبت عن هذا الدواء. وليس هناك أصلا أي دواء لعلاج السرطان يمكن أن يوصف بـ"الثورية". 


"وترتبط الخلايا السرطانية خلال اختفائها داخل جهاز المناعة بنقطة معينة تدعى "
PD1" ما يؤدي الى شل نظام المناعة، ما يتيح للخلايا السرطانية النجاة من التدمير والتكاثر والانتشار داخل الجسم.
واكتشف البحث الجديد "ذرات" تدعى "
pembrolizumab" تقوم بتعطيل وعرقلة عملية اتصال الخلايا السرطانية وارتباطها بنقطة "PD1"."

المعلومات السابقة  المتعلقة بآلية عمل الخلايا السرطانية وآلية محاربة الدواء لها صحيحة، لكن التضليل يكمن في أن المعلومة المتعلقة بآلية عمل الخلايا السرطانية المرتبطة بـ(PD1)، صيغت بطريقة تجعل القارئ غير المتخصص يعتقد أنها هذه هي الآلية التي تعمل بها الخلايا السرطانية بشكل عام، في كل أنواع السرطانات، وهذا خطأ، لأن هذا مقتصر على حالات معينة فقط من أمراض السرطان، هي التي تكون فيها المستقبلات الجينية (PD1) في الورم ضمن نسبة معينة، أي أكثر من 50%، وهذا يحدده فحص مخبري.

"واظهرت تجربة العلاج الجديد على بني البشر نتائج اذهلت الاطباء خاصة في معالجة 5 انواع من مرض السرطان هي: سرطان الجلد، والعنق، والرئة، والمعدة، والمثانة حيث انكمشت الخلايا السرطانية ومن ثم اختفت تماما."

ليس صحيحا أن هذا الدواء حقق نتائج في معالجة أنواع السرطان الخمسة المذكورة. الصحيح هو أن وكالة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) اعتمدت هذا الدواء في شهر أيلول (سبتمبر) 2014، لمعالجة الحالات المتقدمة من سرطان الجلد (melanoma)، وذلك شريطة أن يكون المريض قد خضع لإجراءات العلاج التقليدية، وأن تكون هذه الإجراءات قد فشلت.

وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2015، اعتمدت الوكالة نفسها هذا الدواء لعلاج بعض أنواع الحالات المتقدمة من سرطان الرئة، وهي الحالات التي تكون فيها المستقبلات الجينية (PD1)، كما تقدم أكثر من 50%. وهنا أيضا يشترط أن تكون إجراءات العلاج التقليدي قد فشلت في تحسين حالة المريض.

وبذلك يكون هذا الخبر مضللا، فالترويج التجاري للدواء، استنادا إلى أنه مجاز من الـ(FDA)، يجب أن يلتزم الاشتراطات التي أجازت وفقها الوكالة هذا الدواء. وكما يتضح مما سبق فالوكالة لم تجز هذا الدواء لجميع أنواع السرطان التي ذكرها الخبر.

"وخضع خلال السنتين الماضيتين عشرات الاسرائيليين للعلاج بدواء "كيدروديا" وذلك في سياق البحث وأظهرت النتائج استجابة 75% من المرضى سجل بين نصفهم اختفاء المرض تماما.
وحقق الدواء نسبة شفاء بلغت 94% بين المرضى الذين كانوا يعانون سكرات الموت بالسرطان، ما شكل ثورة حقيقية في مكافحة هذا المرض القاتل حسب وصف الاطباء المشاركين في مؤتمر مدريد".

أولا: وفق الأخلاقيات الطبية، لا يجوز أن يكون المرضى في مراحل متقدمة جدا، أي الذين يعانون من "سكرات الموت"، كما ذكر الخبر، لا يجوز أن يكونوا جزءا من أي دراسة.

ثانيا: رغم أن هذا الدواء حقق نتائج "مشجعة"، فإنه لا هو، ولا أي دواء آخر لمعالجة السرطان، تمكن من تحقيق "الشفاء" لمريض سرطان، ولا أدى إلى "اختفاء المرض تماما" كما يقول الخبر. والأرقام المتداولة في الدراسات التي أُجريت على هذا الدواء هي لـ"الاستجابة"، التي تعني أن يقلّ حجم الورم بأي نسبة كانت، لكن هذا لم يعن أبدا أنه كان هناك حالات "شفاء".

 أما بخصوص الأرقام السابقة فهي خاطئة تماما، حتى بالنسبة لوصف حجم الاستجابة. والصحيح أن نسب الاستجابة العامة للعلاج في في الدراسات المتعددة، التي اعتمدت للموافقة على الدواء، لم تتجاوز في أحسن الحالات 50%. وفي ما يلي نموذجان (رابطان)، أحدهما لدراسة عن فعاليته في علاج سرطان الجلد[1] (melanoma)، والثانية لدراسة عن فعاليته في علاج سرطان الرئة.

"وهذه النتائج الرائعة سجلت في كافة الدول التي شملتها الدراسة والبحث ما جعل ادارة الدواء والغذاء "FDA" تصادق فورا على تسويق هذا العقار المذهل دون حاجة للمرور بالمراحل المتقدمة من البحث".

هذا ليس صحيحا، فهذا الدواء اجتاز جميع مراحل البحث المقررة لاعتماده. ولا يمكن أصلا لوكالة الغذاء والدواء والأميركية (FDA) أن توافق على دواء لم يجتز المراحل العلمية المقررة لاعتماده. لكن ما يحدث أحيانا في حالة الأدوية التي تحقق نتائج "استثنائية"، هو أن يكون هناك "تسريع" لإجراءات إجازة الدواء داخل الوكالة نفسها، فتُشكل لجنة لإجراء دراسة تقييم سريعة للدواء، تمهيدا لاعتماده. وهذا لم يحدث مع هذا الدواء.

أخيرا، يشدد أبو مسمح على أن النشر بخصوص الأدوية يجب أن يلتزم بضوابط صارمة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمرضى مرض مثل السرطان، الذي يتعلق ضحاياه بأوهى أمل يلوح لهم.

ويمثل على صرامة الإجراءات المتبعة في العالم، بحادثة، وقعت في الولايات المتحدة، العام 2015، عندما كان يعمل هناك؛ ففي لقاء مصغّر ضمّ أطباء سرطان ومندوب شركة أدوية، روّج مندوب الشركة، أمام الأطباء، لنوع من الأدوية، لم تكن الـ(FDA) قد أجازته لنوع العلاج الذي عرض له المندوب. وفق أبو مسمح، فقد رفعت الحكومة الأميركية قضية على الشركة، واضطرت الشركة إلى دفع مبلغ 287 مليون دولار غرامة للحكومة، في تسوية تمّت خارج المحكمة. كما أٌلزمت الحكومة الشركة بتوزيع بيان على أطباء السرطان في الولايات المتحدة، يتضمن إقرارا بالمخالفة التي ارتكبتها، والعقوبة التي أوقعت عليها.

[1] Sharma, Pamanee; Allison, James P. (April 3, 2015). "The future of immune checkpoint therapy". Science 348: 56–61.