أخبار "المسؤولية الاجتماعية" للشركات في الصحف اليومية .. أعلانات غير مدفوعة الأجر

أخبار "المسؤولية الاجتماعية" للشركات في الصحف اليومية .. أعلانات غير مدفوعة الأجر

  • 2014-12-30
  • 12

أكيد – دلال سلامة

يوم 28 نيسان (أبريل) الماضي، نشرت إحدى الصحف خبرا تحت عنوان "ميناء حاويات العقبة تسهم في تطوير معايير ومستوى التعليم لمرحلة ما قبل المدرسة"، لكن ما نُشر تحت هذا العنوان "الكبير"، لم يقدم أي معلومة محددة تثبت ذلك، فالخبر يتحدث عن حفل خيري أقيم في منتجع إنتركونتننتال العقبة، وخُصص لجمع تبرعات "لإعادة تأهيل رياض الأطفال القائمة (...) من الفئات الأقل حظا في مختلف مناطق العقبة"، ويذكر الخبر أن حضور الحفل كانوا "مجموعة من الضيوف والشخصيات العامة ورجال الأعمال وممثلي العديد من الهيئات والمؤسسات من القطاعين العام والخاص"، وأن "عددا كبيرا" من المؤسسات قدّمت "تبرعاتها السخية"، ثم يضيف أن شركة ميناء حاويات العقبة، شكّلت بالتعاون مع المنتجع "فريقا من المتطوعين لتولي مهام صيانة وتجديد رياض الأطفال والمرافق المنوي إعادة تأهيلها".

لقد نوّه الخبر على لسان الرئيس التنفيذي للشركة إلى أن هذا الحدث يأتي "انطلاقا من نهجنا الاستباقي الذي نتبعه فيما يتعلق بمسؤوليتنا الاجتماعية، والذي يدفعنا للمساهمة في إيجاد الحلول الكفؤة لمختلف القضايا والتحديات التي تؤثر على تقدم المجتمع المحلي"، لكن من دون أن تكون هناك معلومة واحدة محددة، تخبرنا ما هو الحلّ  الذي قدمته الشركة لإحدى هذه القضايا، وهي تعليم ما قبل المدرسة للأطفال الأقل حظا في العقبة، فنحن لم نعرف حجم "التبرعات السخية" التي قُدمت، ولا عدد رياض الأطفال المنوي تأهيلها، ولا نوعية هذا التأهيل، ولا عدد ومؤهلات فريق المتطوعين الذين سينجزون أعمال التأهيل، كما لم يقدم الخبر برنامجا زمنيا لتنفيذ هذه الأعمال.

ما سبق هو مثال على أخبار تنشرها الصحف اليومية،  تخصّ ما يُسمى "المسؤولية الاجتماعية" للشركات، وهو مصطلح يعني توظيف الشركات جزءا من عوائد أرباحها للمضصلحة العامة، تحديدا في تنمية المجتمعات المحلية التي تعمل فيها، وتحقق من خلالها هذه الأرباح، ففي هذه الأخبار لن يجد القارئ في الغالب معلومات محددة عن الحدث المحوري، بل كل ما سيجده هو ترويج إنشائي للشركة صاحبة المساهمة.

ويمكن ضرب عشرات الأمثلة المشابهة لما سبق، ففي خبر[1] عن تمويل شركة البوتاس العربية إجراء 50 عملية جراحية لأطفال يعانون تشوهات خلقية في الكرك، ليس هناك كلمة واحدة عن هؤلاء الأطفال، أعمارهم وخلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية، ونوعية تشوهاتهم، وليس هناك توضيح لآلية اختيارهم، ولا زمن إجراء العمليات لهم، فكل الخبر كان سردا، من دون تفاصيل، لمساهمات الشركة المجتمعية.

وفي خبر[2] عن مساهمة شركة "أورانج" للاتصالات في مبادرة إسكان للأسر العفيفة، خٌصّصت 30 كلمة فقط من الخبر المكون من 205 كلمات، لمساهمة الشركة، التي ذُكر أنها تمثّلت في تجهيز المنازل التي سًلّمت بالأجهزة الكهربائية والإلكترنية، أما ما تبقى، فكان تأكيدا على تحمل الشركة مسؤوليتها الاجتماعية، من دون حتى أن تُذكر قيمة المبلغ الذي دُفع لتجهيز المنازل بالأجهزة الكهربائية والإلكترونية.

وفي خبر[3] رعاية بنك (ABC) حملة نظافة في مدينة إربد، فإن المعلومات الوحيدة عن الحملة، كانت تاريخها، والمدينة التي أقيمت فيها، في حين كان الخبر كله عن مدى التزام البنك بخدمة المجتمع المحلي.

ولأن "الترويج" كان هو الموضوع الأساسي في هذه الأخبار، فقد اختلت القيمة الإخبارية في معظمها، وتراجع الحدث الأساسي، وهو المساهمة المجتمعية للشركة، لتتصدر لغة إنشائية فضفاضة، لا تزوّد القارئ بمعلومات محددة، تسّوغ هذا الترويج، وهي معلومات غائبة لأن هذه الأخبار ببساطة ليست نتاج استقصاء صحفي مهني، بل هي في أغلبيتها الساحقة بيانات علاقات عامة، صادرة عن هذه الشركات نفسها.

فقد أثبت رصد علمي أُجري في سياق الإعداد لهذا التقرير، لعينة ممثلة للأشهر السبعة الأخيرة[4]، خلال الفترة ما بين حزيران (يونيو) الماضي، وكانون الثاني (ديسمبر) الحالي، في صحف "الدستور" و"الرأي" و"السبيل" و"العرب اليوم" و"الغد"، أنه من بين 63 خبرا تخص المسؤولية الاجتماعية للشركات، نٌشرت خلال هذه الفترة، كان هناك 59 خبرا، أي ما نسبته 93.7% بيانات علاقات عامة، في حين كانت هناك 3 أخبار لوكالة الأنباء الأنباء الأردنية "بترا"، بنسبة 4.7% تقريبا، وخبر واحد أصيل، شكّل 1.6% من مجمل هذه الأخبار.

ونتيجة لذلك، ووفق نتائج الرصد ذاته، فإنه لم يكن هناك في أي من أخبار هذا الرصد، صوت لأي منتفع من المساهمات التي تحدثت عنها، وسواء كان الخبر عن "مول"[5] يوزع طرودا غذائية، أو فندق[6] يرعى احتفالا بيوم اللاجئ العالمي، أو بنك[7] يرعى بازارا خيريا، فإنه ليس هناك أصوات لمن استهدفتهم هذه المساهمات، ليخبروا الجمهور  عن الخدمة التي تلقوها، وليوضحوا التفاصيل الأساسية التي تغفلها هذه النوعية من الأخبار عادة، بما يوازن الرواية، ويساعد الجمهور على تقييم أداء الشركة.

لقد كان الصوت شبه الوحيد في هذه الأخبار هو صوت الشركة، إما بشكل مباشر، من خلال تصريحات لمسؤولين أو ناطقين إعلاميين فيها، أو غير مباشر، تمثل في أن من كتب الخبر، كما أشير سابقا، كان الشركة نفسها. ولكننا سنجد في 8 أخبار من الـ63 خبرا، أي بما نسبته 12.7%، أصواتا لمن يمكن تسميتهم حلقات الوصل بين الشركة والمنتفعين المفترضين، مثلا: وزير الأوقاف[8] يعلق على إقامة البنك الإسلامي محاضرات تتعلق بالمعاملات المالية الإسلامية، لأئمة ووعّاظ الوزارة، ومدير هيئة خيرية[9]، يعلق على حملة تبرعات بالملابس، ينظمها مركز تجاري، أو رئيس جمعية المحافظة على القرآن[10]، يعلق على رعاية البنك الإسلامي حملة "رمضان يحلو بالقرآن"، وفي 4 من هذه الأخبار الـ8،  كانت تصريحات هؤلاء إشادة بمساهمة الشركة.

لماذا أخبار المسؤولية الاجتماعية للشركات؟

في مسح أصدرته مؤسسة نيلسن الأميركية (NIELSEN)[11]، في حزيران الماضي، قال 55% من العينة المكونة من 30 ألف شخص من 60 بلدا في مختلف أنحاء العالم، إنهم مستعدون لدفع مبالغ أعلى، مقابل خدمات وسلع تنتجها شركات تخدم المجتمعات التي تعمل فيها، بارتفاع قدره 10 درجات عن مسح مشابه أجرته المؤسسة ذاتها العام 2011، وكانت نسبة من قالوا ذلك من أفراد العينة المنتمين إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، هي 63%. وفي دراسة أطلقتها مؤسسة غرانت ثورنتون البريطانية (Grant Thornton) في آب (أغسطس) الماضي، قال 64% من أصحاب الأعمال في العينة المكونة من 2500 شركة، تمثل 34 اقتصادا، إن دافعهم للقيام بأعمال مسؤولية اجتماعية هو مطالبة المستهلكين بذلك، وهو أمر كانت قد لفت إليه مسح أجرته "المجموعة الاستشارية للاستدامة"، العام 2010، وشمل 151 شركة، في ثماني دول من بينها الأردن، إذ  قال 90% من أصحاب الأعمال إنهم يعتقدون إن برامج المسؤولية الاجتماعية تساهم في "تعزيز السمعة التجارية لشركاتهم".

إذن، المستهلكون، الذين يأخذون في اعتبارهم، في كل مرة يشترون سلعا أو خدمات، التوجه إلى شركات تتحمل مسؤوليتها الاجتماعية، هم عامل أساسي فاعل في حفز هذه الشركات على ذلك، وهو عامل يعزز فعاليته وعي المستهلكين بأثر المساهمات المجتمعية للشركات في حياتهم اليومية، وإدراكهم أن جوهر المسؤولية الاجتماعية، يتجاوز الأعمال الخيرية المتقطعة، إلى المساهمة في مشاريع تنموية، تقدم خدمات طويلة الأمد، في قطاعات مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية والبيئة وغيرها، الأمر الذي لا يشير هذا الرصد إلى أنه متحقق، إذ أن 70% تقريبا من المساهمات التي تناولتها الأخبار، كانت تتعلق بأعمال خيرية آنية الأثر، من قبيل توزيع الطرود الغذائية، وحملات التبرع بالملابس، ورعاية الاحتفلات، وما شابه.

لكن المستهلكين، لكي يكونوا عاملا فاعلا في حفز الشركات، يحتاجون إلى معلومات تساعدهم على تمييز الشركات التي تستثمر في عمل يقدم خدمة حقيقية، من الشركات التي يقول الصحفي الاقتصادي في "الرأي"، عصام قضماني، إنها في ممارستها أعمال المسؤولية الاجتماعية تحرص "على صورتها أكثر مما تهتم بنتائج وآثار وأهداف ما تفعل"، مضيفا في مقاله "انحراف مسؤولية الشركات الاجتماعية"، إنه "تنفق بعض الشركات للترويج لبرنامج اجتماعي أو خدمة قدمتها للمجتمع أكثر مما تخصصه من مال للعمل ذاته".

صحيفة "الغد" كانت انفردت في أنها التفتت إلى هذا الأمر، فخصصت زاوية في ملحقها الاقتصادي، تحت عنوان "مسؤوليتك الاجتماعية". الزاوية، وهي غير منتظمة، تلفت في نص ثابت، يُنشر مع كل تقرير جديد، إلى أنها "تتناول حالات لبرامج، أو تعدّ تقارير إخبارية ومقابلات تتضمن المفاهيم الحقيقية للمسؤولية الاجتماعية لشركات من قطاعات اقتصادية مختلفة تعمل في السوق المحلية".

لكن هذه الزاوية[12] التي يُذكر أعلاها أنها "برعاية البنك العربي"، وتُنشر تحت شعاره، وخصصت 11 تقريرا من أصل 17 نُشرت منذ بداية العام لهذا البنك، ليست مختلفة كثيرا عما سبق ذكره من أخبار، سوى أنها أطول، وأغلبها أغنى بالمعلومات من ناحية الأرقام، وتفاصيل البرامج، ولكنها تشترك مع الأخبار السابقة في أنها مكتوبة بلغة بيانات العلاقات العامة، ففي الجزء المتعلق بالنشاط المجتمعي للشركة، فإن هناك رواية وحيدة، هي رواية الشركة، وأحيانا يكون هناك رواية للهيئة الخيرية التي نسقت الشركة النشاط معها،  ولكن لا استقصاء، ولا أصوات للناس الذي تستهدفهم هذه الأعمال، بما يساعد على تقييم أثرها، فمن بين الـ17 تقريرا، كان هناك تقرير[13] واحد كان فيه صوت لمنتفعين.

إذن، يمكن للإعلام أن يشكل رافعة حقيقية تدعم نهوض الشركات في الأردن بمسؤوليتها في تنمية المجتمع شحيح الموارد الذي تعمل فيه، بل ويساهم كثير منها في استنزاف هذه الموارد. ويمكن للإعلام أن يحقق ذلك عندما يزوّد الناس بالمعلومات اللازمة عن المساهمات المجتمعية لهذه الشركات، معلومات تكون حصيلة استقصاء صحفي محايد ومستقل، وهو دور لن يلعبه الإعلام إذا كان كل ما ينشره في هذا الخصوص هو "إعلانات" غير مدفوعة الأجر.

جدول عدد أخبار المسؤولية الاجتماعية للشركات، ومصادرها، وديمومة أثر المساهمات التي قدمتها، بحسب  كل صحيفة:

الصحيفةعدد الأخبارمصادر الأخبارديمومة أثر المساهمة المجتمعية
بيان علاقات عامةبتراأصيلأثر مؤقتأثر طويل الأمد
عدد%عدد%عدد%عدد%عدد%
الدستور1088022000440660
الرأي232295.714.300834.81565.2
السبيل111000000001100
العرب اليوم9888.900111.1333.3666.7
الغد202010000004201680
المجموع635993.734.711.61930.24469.8

[1] "العرب اليوم"، 15/6/2014.

[2] "الدستور"، 9/7/2014.

[3] "العرب اليوم"، 6/11/2014.

[4] طبق الرصد طريقة "الأسبوع الصناعي"، فاختار السبت الأول من حزيران (يونيو) الماضي، ثم الأحد الأول من تموز (يوليو) الذي يليه، حتى الوصول إلى الجمعة الأولى من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

[5] "الدستور"، 4/8/2014

[6] "العرب اليوم"، 4/8/2014

[7] "الغد"، 2/9/2014

[8] "السبيل"، 6/11/2014

[9] "الدستور"، 1/10/2014

[10] "الغد"، 6/7/2014

[11] “Doing Well by Doing Good”, increasingly, consumers care about corporate social responsibility, but does concern convert to consumption? June 2014.

[12] الحديث عن هذه الزاوية في هذا التقرير، يخص التقارير المنشورة خلال العام 2014، وعددها 17.

[13] "الغد"، 20/3/2014

يوم 28 نيسان (أبريل) الماضي، نشرت إحدى الصحف خبرا تحت عنوان "ميناء حاويات العقبة تسهم في تطوير معايير ومستوى التعليم لمرحلة ما قبل المدرسة"، لكن ما نُشر تحت هذا العنوان "الكبير"، لم يقدم أي معلومة محددة تثبت ذلك، فالخبر يتحدث عن حفل خيري أقيم في منتجع إنتركونتننتال العقبة، وخُصص لجمع تبرعات "لإعادة تأهيل رياض الأطفال القائمة (...) من الفئات الأقل حظا في مختلف مناطق العقبة"، ويذكر الخبر أن حضور الحفل كانوا "مجموعة من الضيوف والشخصيات العامة ورجال الأعمال وممثلي العديد من الهيئات والمؤسسات من القطاعين العام والخاص"، وأن "عددا كبيرا" من المؤسسات قدّمت "تبرعاتها السخية"، ثم يضيف أن شركة ميناء حاويات العقبة، شكّلت بالتعاون مع المنتجع "فريقا من المتطوعين لتولي مهام صيانة وتجديد رياض الأطفال والمرافق المنوي إعادة تأهيلها".

لقد نوّه الخبر على لسان الرئيس التنفيذي للشركة إلى أن هذا الحدث يأتي "انطلاقا من نهجنا الاستباقي الذي نتبعه فيما يتعلق بمسؤوليتنا الاجتماعية، والذي يدفعنا للمساهمة في إيجاد الحلول الكفؤة لمختلف القضايا والتحديات التي تؤثر على تقدم المجتمع المحلي"، لكن من دون أن تكون هناك معلومة واحدة محددة، تخبرنا ما هو الحلّ  الذي قدمته الشركة لإحدى هذه القضايا، وهي تعليم ما قبل المدرسة للأطفال الأقل حظا في العقبة، فنحن لم نعرف حجم "التبرعات السخية" التي قُدمت، ولا عدد رياض الأطفال المنوي تأهيلها، ولا نوعية هذا التأهيل، ولا عدد ومؤهلات فريق المتطوعين الذين سينجزون أعمال التأهيل، كما لم يقدم الخبر برنامجا زمنيا لتنفيذ هذه الأعمال.

ما سبق هو مثال على أخبار تنشرها الصحف اليومية،  تخصّ ما يُسمى "المسؤولية الاجتماعية" للشركات، وهو مصطلح يعني توظيف الشركات جزءا من عوائد أرباحها للمضصلحة العامة، تحديدا في تنمية المجتمعات المحلية التي تعمل فيها، وتحقق من خلالها هذه الأرباح، ففي هذه الأخبار لن يجد القارئ في الغالب معلومات محددة عن الحدث المحوري، بل كل ما سيجده هو ترويج إنشائي للشركة صاحبة المساهمة.

ويمكن ضرب عشرات الأمثلة المشابهة لما سبق، ففي خبر[1] عن تمويل شركة البوتاس العربية إجراء 50 عملية جراحية لأطفال يعانون تشوهات خلقية في الكرك، ليس هناك كلمة واحدة عن هؤلاء الأطفال، أعمارهم وخلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية، ونوعية تشوهاتهم، وليس هناك توضيح لآلية اختيارهم، ولا زمن إجراء العمليات لهم، فكل الخبر كان سردا، من دون تفاصيل، لمساهمات الشركة المجتمعية.

وفي خبر[2] عن مساهمة شركة "أورانج" للاتصالات في مبادرة إسكان للأسر العفيفة، خٌصّصت 30 كلمة فقط من الخبر المكون من 205 كلمات، لمساهمة الشركة، التي ذُكر أنها تمثّلت في تجهيز المنازل التي سًلّمت بالأجهزة الكهربائية والإلكترنية، أما ما تبقى، فكان تأكيدا على تحمل الشركة مسؤوليتها الاجتماعية، من دون حتى أن تُذكر قيمة المبلغ الذي دُفع لتجهيز المنازل بالأجهزة الكهربائية والإلكترونية.

وفي خبر[3] رعاية بنك (ABC) حملة نظافة في مدينة إربد، فإن المعلومات الوحيدة عن الحملة، كانت تاريخها، والمدينة التي أقيمت فيها، في حين كان الخبر كله عن مدى التزام البنك بخدمة المجتمع المحلي.

ولأن "الترويج" كان هو الموضوع الأساسي في هذه الأخبار، فقد اختلت القيمة الإخبارية في معظمها، وتراجع الحدث الأساسي، وهو المساهمة المجتمعية للشركة، لتتصدر لغة إنشائية فضفاضة، لا تزوّد القارئ بمعلومات محددة، تسّوغ هذا الترويج، وهي معلومات غائبة لأن هذه الأخبار ببساطة ليست نتاج استقصاء صحفي مهني، بل هي في أغلبيتها الساحقة بيانات علاقات عامة، صادرة عن هذه الشركات نفسها.

فقد أثبت رصد علمي أُجري في سياق الإعداد لهذا التقرير، لعينة ممثلة للأشهر السبعة الأخيرة[4]، خلال الفترة ما بين حزيران (يونيو) الماضي، وكانون الثاني (ديسمبر) الحالي، في صحف "الدستور" و"الرأي" و"السبيل" و"العرب اليوم" و"الغد"، أنه من بين 63 خبرا تخص المسؤولية الاجتماعية للشركات، نٌشرت خلال هذه الفترة، كان هناك 59 خبرا، أي ما نسبته 93.7% بيانات علاقات عامة، في حين كانت هناك 3 أخبار لوكالة الأنباء الأنباء الأردنية "بترا"، بنسبة 4.7% تقريبا، وخبر واحد أصيل، شكّل 1.6% من مجمل هذه الأخبار.

ونتيجة لذلك، ووفق نتائج الرصد ذاته، فإنه لم يكن هناك في أي من أخبار هذا الرصد، صوت لأي منتفع من المساهمات التي تحدثت عنها، وسواء كان الخبر عن "مول"[5] يوزع طرودا غذائية، أو فندق[6] يرعى احتفالا بيوم اللاجئ العالمي، أو بنك[7] يرعى بازارا خيريا، فإنه ليس هناك أصوات لمن استهدفتهم هذه المساهمات، ليخبروا الجمهور  عن الخدمة التي تلقوها، وليوضحوا التفاصيل الأساسية التي تغفلها هذه النوعية من الأخبار عادة، بما يوازن الرواية، ويساعد الجمهور على تقييم أداء الشركة.

لقد كان الصوت شبه الوحيد في هذه الأخبار هو صوت الشركة، إما بشكل مباشر، من خلال تصريحات لمسؤولين أو ناطقين إعلاميين فيها، أو غير مباشر، تمثل في أن من كتب الخبر، كما أشير سابقا، كان الشركة نفسها. ولكننا سنجد في 8 أخبار من الـ63 خبرا، أي بما نسبته 12.7%، أصواتا لمن يمكن تسميتهم حلقات الوصل بين الشركة والمنتفعين المفترضين، مثلا: وزير الأوقاف[8] يعلق على إقامة البنك الإسلامي محاضرات تتعلق بالمعاملات المالية الإسلامية، لأئمة ووعّاظ الوزارة، ومدير هيئة خيرية[9]، يعلق على حملة تبرعات بالملابس، ينظمها مركز تجاري، أو رئيس جمعية المحافظة على القرآن[10]، يعلق على رعاية البنك الإسلامي حملة "رمضان يحلو بالقرآن"، وفي 4 من هذه الأخبار الـ8،  كانت تصريحات هؤلاء إشادة بمساهمة الشركة.

لماذا أخبار المسؤولية الاجتماعية للشركات؟

في مسح أصدرته مؤسسة نيلسن الأميركية (NIELSEN)[11]، في حزيران الماضي، قال 55% من العينة المكونة من 30 ألف شخص من 60 بلدا في مختلف أنحاء العالم، إنهم مستعدون لدفع مبالغ أعلى، مقابل خدمات وسلع تنتجها شركات تخدم المجتمعات التي تعمل فيها، بارتفاع قدره 10 درجات عن مسح مشابه أجرته المؤسسة ذاتها العام 2011، وكانت نسبة من قالوا ذلك من أفراد العينة المنتمين إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، هي 63%. وفي دراسة أطلقتها مؤسسة غرانت ثورنتون البريطانية (Grant Thornton) في آب (أغسطس) الماضي، قال 64% من أصحاب الأعمال في العينة المكونة من 2500 شركة، تمثل 34 اقتصادا، إن دافعهم للقيام بأعمال مسؤولية اجتماعية هو مطالبة المستهلكين بذلك، وهو أمر كانت قد لفت إليه مسح أجرته "المجموعة الاستشارية للاستدامة"، العام 2010، وشمل 151 شركة، في ثماني دول من بينها الأردن، إذ  قال 90% من أصحاب الأعمال إنهم يعتقدون إن برامج المسؤولية الاجتماعية تساهم في "تعزيز السمعة التجارية لشركاتهم".

إذن، المستهلكون، الذين يأخذون في اعتبارهم، في كل مرة يشترون سلعا أو خدمات، التوجه إلى شركات تتحمل مسؤوليتها الاجتماعية، هم عامل أساسي فاعل في حفز هذه الشركات على ذلك، وهو عامل يعزز فعاليته وعي المستهلكين بأثر المساهمات المجتمعية للشركات في حياتهم اليومية، وإدراكهم أن جوهر المسؤولية الاجتماعية، يتجاوز الأعمال الخيرية المتقطعة، إلى المساهمة في مشاريع تنموية، تقدم خدمات طويلة الأمد، في قطاعات مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية والبيئة وغيرها، الأمر الذي لا يشير هذا الرصد إلى أنه متحقق، إذ أن 70% تقريبا من المساهمات التي تناولتها الأخبار، كانت تتعلق بأعمال خيرية آنية الأثر، من قبيل توزيع الطرود الغذائية، وحملات التبرع بالملابس، ورعاية الاحتفلات، وما شابه.

لكن المستهلكين، لكي يكونوا عاملا فاعلا في حفز الشركات، يحتاجون إلى معلومات تساعدهم على تمييز الشركات التي تستثمر في عمل يقدم خدمة حقيقية، من الشركات التي يقول الصحفي الاقتصادي في "الرأي"، عصام قضماني، إنها في ممارستها أعمال المسؤولية الاجتماعية تحرص "على صورتها أكثر مما تهتم بنتائج وآثار وأهداف ما تفعل"، مضيفا في مقاله "انحراف مسؤولية الشركات الاجتماعية"، إنه "تنفق بعض الشركات للترويج لبرنامج اجتماعي أو خدمة قدمتها للمجتمع أكثر مما تخصصه من مال للعمل ذاته".

صحيفة "الغد" كانت انفردت في أنها التفتت إلى هذا الأمر، فخصصت زاوية في ملحقها الاقتصادي، تحت عنوان "مسؤوليتك الاجتماعية". الزاوية، وهي غير منتظمة، تلفت في نص ثابت، يُنشر مع كل تقرير جديد، إلى أنها "تتناول حالات لبرامج، أو تعدّ تقارير إخبارية ومقابلات تتضمن المفاهيم الحقيقية للمسؤولية الاجتماعية لشركات من قطاعات اقتصادية مختلفة تعمل في السوق المحلية".

لكن هذه الزاوية[12] التي يُذكر أعلاها أنها "برعاية البنك العربي"، وتُنشر تحت شعاره، وخصصت 11 تقريرا من أصل 17 نُشرت منذ بداية العام لهذا البنك، ليست مختلفة كثيرا عما سبق ذكره من أخبار، سوى أنها أطول، وأغلبها أغنى بالمعلومات من ناحية الأرقام، وتفاصيل البرامج، ولكنها تشترك مع الأخبار السابقة في أنها مكتوبة بلغة بيانات العلاقات العامة، ففي الجزء المتعلق بالنشاط المجتمعي للشركة، فإن هناك رواية وحيدة، هي رواية الشركة، وأحيانا يكون هناك رواية للهيئة الخيرية التي نسقت الشركة النشاط معها،  ولكن لا استقصاء، ولا أصوات للناس الذي تستهدفهم هذه الأعمال، بما يساعد على تقييم أثرها، فمن بين الـ17 تقريرا، كان هناك تقرير[13] واحد كان فيه صوت لمنتفعين.

إذن، يمكن للإعلام أن يشكل رافعة حقيقية تدعم نهوض الشركات في الأردن بمسؤوليتها في تنمية المجتمع شحيح الموارد الذي تعمل فيه، بل ويساهم كثير منها في استنزاف هذه الموارد. ويمكن للإعلام أن يحقق ذلك عندما يزوّد الناس بالمعلومات اللازمة عن المساهمات المجتمعية لهذه الشركات، معلومات تكون حصيلة استقصاء صحفي محايد ومستقل، وهو دور لن يلعبه الإعلام إذا كان كل ما ينشره في هذا الخصوص هو "إعلانات" غير مدفوعة الأجر.

جدول عدد أخبار المسؤولية الاجتماعية للشركات، ومصادرها، وديمومة أثر المساهمات التي قدمتها، بحسب  كل صحيفة:

الصحيفةعدد الأخبارمصادر الأخبارديمومة أثر المساهمة المجتمعية
بيان علاقات عامةبتراأصيلأثر مؤقتأثر طويل الأمد
عدد%عدد%عدد%عدد%عدد%
الدستور1088022000440660
الرأي232295.714.300834.81565.2
السبيل111000000001100
العرب اليوم9888.900111.1333.3666.7
الغد202010000004201680
المجموع635993.734.711.61930.24469.8

[1] "العرب اليوم"، 15/6/2014.

[2] "الدستور"، 9/7/2014.

[3] "العرب اليوم"، 6/11/2014.

[4] طبق الرصد طريقة "الأسبوع الصناعي"، فاختار السبت الأول من حزيران (يونيو) الماضي، ثم الأحد الأول من تموز (يوليو) الذي يليه، حتى الوصول إلى الجمعة الأولى من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

[5] "الدستور"، 4/8/2014

[6] "العرب اليوم"، 4/8/2014

[7] "الغد"، 2/9/2014

[8] "السبيل"، 6/11/2014

[9] "الدستور"، 1/10/2014

[10] "الغد"، 6/7/2014

[11] “Doing Well by Doing Good”, increasingly, consumers care about corporate social responsibility, but does concern convert to consumption? June 2014.

[12] الحديث عن هذه الزاوية في هذا التقرير، يخص التقارير المنشورة خلال العام 2014، وعددها 17.

[13] "الغد"، 20/3/2014

يوم 28 نيسان (أبريل) الماضي، نشرت إحدى الصحف خبرا تحت عنوان "ميناء حاويات العقبة تسهم في تطوير معايير ومستوى التعليم لمرحلة ما قبل المدرسة"، لكن ما نُشر تحت هذا العنوان "الكبير"، لم يقدم أي معلومة محددة تثبت ذلك، فالخبر يتحدث عن حفل خيري أقيم في منتجع إنتركونتننتال العقبة، وخُصص لجمع تبرعات "لإعادة تأهيل رياض الأطفال القائمة (...) من الفئات الأقل حظا في مختلف مناطق العقبة"، ويذكر الخبر أن حضور الحفل كانوا "مجموعة من الضيوف والشخصيات العامة ورجال الأعمال وممثلي العديد من الهيئات والمؤسسات من القطاعين العام والخاص"، وأن "عددا كبيرا" من المؤسسات قدّمت "تبرعاتها السخية"، ثم يضيف أن شركة ميناء حاويات العقبة، شكّلت بالتعاون مع المنتجع "فريقا من المتطوعين لتولي مهام صيانة وتجديد رياض الأطفال والمرافق المنوي إعادة تأهيلها".

لقد نوّه الخبر على لسان الرئيس التنفيذي للشركة إلى أن هذا الحدث يأتي "انطلاقا من نهجنا الاستباقي الذي نتبعه فيما يتعلق بمسؤوليتنا الاجتماعية، والذي يدفعنا للمساهمة في إيجاد الحلول الكفؤة لمختلف القضايا والتحديات التي تؤثر على تقدم المجتمع المحلي"، لكن من دون أن تكون هناك معلومة واحدة محددة، تخبرنا ما هو الحلّ  الذي قدمته الشركة لإحدى هذه القضايا، وهي تعليم ما قبل المدرسة للأطفال الأقل حظا في العقبة، فنحن لم نعرف حجم "التبرعات السخية" التي قُدمت، ولا عدد رياض الأطفال المنوي تأهيلها، ولا نوعية هذا التأهيل، ولا عدد ومؤهلات فريق المتطوعين الذين سينجزون أعمال التأهيل، كما لم يقدم الخبر برنامجا زمنيا لتنفيذ هذه الأعمال.

ما سبق هو مثال على أخبار تنشرها الصحف اليومية،  تخصّ ما يُسمى "المسؤولية الاجتماعية" للشركات، وهو مصطلح يعني توظيف الشركات جزءا من عوائد أرباحها للمضصلحة العامة، تحديدا في تنمية المجتمعات المحلية التي تعمل فيها، وتحقق من خلالها هذه الأرباح، ففي هذه الأخبار لن يجد القارئ في الغالب معلومات محددة عن الحدث المحوري، بل كل ما سيجده هو ترويج إنشائي للشركة صاحبة المساهمة.

ويمكن ضرب عشرات الأمثلة المشابهة لما سبق، ففي خبر[1] عن تمويل شركة البوتاس العربية إجراء 50 عملية جراحية لأطفال يعانون تشوهات خلقية في الكرك، ليس هناك كلمة واحدة عن هؤلاء الأطفال، أعمارهم وخلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية، ونوعية تشوهاتهم، وليس هناك توضيح لآلية اختيارهم، ولا زمن إجراء العمليات لهم، فكل الخبر كان سردا، من دون تفاصيل، لمساهمات الشركة المجتمعية.

وفي خبر[2] عن مساهمة شركة "أورانج" للاتصالات في مبادرة إسكان للأسر العفيفة، خٌصّصت 30 كلمة فقط من الخبر المكون من 205 كلمات، لمساهمة الشركة، التي ذُكر أنها تمثّلت في تجهيز المنازل التي سًلّمت بالأجهزة الكهربائية والإلكترنية، أما ما تبقى، فكان تأكيدا على تحمل الشركة مسؤوليتها الاجتماعية، من دون حتى أن تُذكر قيمة المبلغ الذي دُفع لتجهيز المنازل بالأجهزة الكهربائية والإلكترونية.

وفي خبر[3] رعاية بنك (ABC) حملة نظافة في مدينة إربد، فإن المعلومات الوحيدة عن الحملة، كانت تاريخها، والمدينة التي أقيمت فيها، في حين كان الخبر كله عن مدى التزام البنك بخدمة المجتمع المحلي.

ولأن "الترويج" كان هو الموضوع الأساسي في هذه الأخبار، فقد اختلت القيمة الإخبارية في معظمها، وتراجع الحدث الأساسي، وهو المساهمة المجتمعية للشركة، لتتصدر لغة إنشائية فضفاضة، لا تزوّد القارئ بمعلومات محددة، تسّوغ هذا الترويج، وهي معلومات غائبة لأن هذه الأخبار ببساطة ليست نتاج استقصاء صحفي مهني، بل هي في أغلبيتها الساحقة بيانات علاقات عامة، صادرة عن هذه الشركات نفسها.

فقد أثبت رصد علمي أُجري في سياق الإعداد لهذا التقرير، لعينة ممثلة للأشهر السبعة الأخيرة[4]، خلال الفترة ما بين حزيران (يونيو) الماضي، وكانون الثاني (ديسمبر) الحالي، في صحف "الدستور" و"الرأي" و"السبيل" و"العرب اليوم" و"الغد"، أنه من بين 63 خبرا تخص المسؤولية الاجتماعية للشركات، نٌشرت خلال هذه الفترة، كان هناك 59 خبرا، أي ما نسبته 93.7% بيانات علاقات عامة، في حين كانت هناك 3 أخبار لوكالة الأنباء الأنباء الأردنية "بترا"، بنسبة 4.7% تقريبا، وخبر واحد أصيل، شكّل 1.6% من مجمل هذه الأخبار.

ونتيجة لذلك، ووفق نتائج الرصد ذاته، فإنه لم يكن هناك في أي من أخبار هذا الرصد، صوت لأي منتفع من المساهمات التي تحدثت عنها، وسواء كان الخبر عن "مول"[5] يوزع طرودا غذائية، أو فندق[6] يرعى احتفالا بيوم اللاجئ العالمي، أو بنك[7] يرعى بازارا خيريا، فإنه ليس هناك أصوات لمن استهدفتهم هذه المساهمات، ليخبروا الجمهور  عن الخدمة التي تلقوها، وليوضحوا التفاصيل الأساسية التي تغفلها هذه النوعية من الأخبار عادة، بما يوازن الرواية، ويساعد الجمهور على تقييم أداء الشركة.

لقد كان الصوت شبه الوحيد في هذه الأخبار هو صوت الشركة، إما بشكل مباشر، من خلال تصريحات لمسؤولين أو ناطقين إعلاميين فيها، أو غير مباشر، تمثل في أن من كتب الخبر، كما أشير سابقا، كان الشركة نفسها. ولكننا سنجد في 8 أخبار من الـ63 خبرا، أي بما نسبته 12.7%، أصواتا لمن يمكن تسميتهم حلقات الوصل بين الشركة والمنتفعين المفترضين، مثلا: وزير الأوقاف[8] يعلق على إقامة البنك الإسلامي محاضرات تتعلق بالمعاملات المالية الإسلامية، لأئمة ووعّاظ الوزارة، ومدير هيئة خيرية[9]، يعلق على حملة تبرعات بالملابس، ينظمها مركز تجاري، أو رئيس جمعية المحافظة على القرآن[10]، يعلق على رعاية البنك الإسلامي حملة "رمضان يحلو بالقرآن"، وفي 4 من هذه الأخبار الـ8،  كانت تصريحات هؤلاء إشادة بمساهمة الشركة.

لماذا أخبار المسؤولية الاجتماعية للشركات؟

في مسح أصدرته مؤسسة نيلسن الأميركية (NIELSEN)[11]، في حزيران الماضي، قال 55% من العينة المكونة من 30 ألف شخص من 60 بلدا في مختلف أنحاء العالم، إنهم مستعدون لدفع مبالغ أعلى، مقابل خدمات وسلع تنتجها شركات تخدم المجتمعات التي تعمل فيها، بارتفاع قدره 10 درجات عن مسح مشابه أجرته المؤسسة ذاتها العام 2011، وكانت نسبة من قالوا ذلك من أفراد العينة المنتمين إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، هي 63%. وفي دراسة أطلقتها مؤسسة غرانت ثورنتون البريطانية (Grant Thornton) في آب (أغسطس) الماضي، قال 64% من أصحاب الأعمال في العينة المكونة من 2500 شركة، تمثل 34 اقتصادا، إن دافعهم للقيام بأعمال مسؤولية اجتماعية هو مطالبة المستهلكين بذلك، وهو أمر كانت قد لفت إليه مسح أجرته "المجموعة الاستشارية للاستدامة"، العام 2010، وشمل 151 شركة، في ثماني دول من بينها الأردن، إذ  قال 90% من أصحاب الأعمال إنهم يعتقدون إن برامج المسؤولية الاجتماعية تساهم في "تعزيز السمعة التجارية لشركاتهم".

إذن، المستهلكون، الذين يأخذون في اعتبارهم، في كل مرة يشترون سلعا أو خدمات، التوجه إلى شركات تتحمل مسؤوليتها الاجتماعية، هم عامل أساسي فاعل في حفز هذه الشركات على ذلك، وهو عامل يعزز فعاليته وعي المستهلكين بأثر المساهمات المجتمعية للشركات في حياتهم اليومية، وإدراكهم أن جوهر المسؤولية الاجتماعية، يتجاوز الأعمال الخيرية المتقطعة، إلى المساهمة في مشاريع تنموية، تقدم خدمات طويلة الأمد، في قطاعات مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية والبيئة وغيرها، الأمر الذي لا يشير هذا الرصد إلى أنه متحقق، إذ أن 70% تقريبا من المساهمات التي تناولتها الأخبار، كانت تتعلق بأعمال خيرية آنية الأثر، من قبيل توزيع الطرود الغذائية، وحملات التبرع بالملابس، ورعاية الاحتفلات، وما شابه.

لكن المستهلكين، لكي يكونوا عاملا فاعلا في حفز الشركات، يحتاجون إلى معلومات تساعدهم على تمييز الشركات التي تستثمر في عمل يقدم خدمة حقيقية، من الشركات التي يقول الصحفي الاقتصادي في "الرأي"، عصام قضماني، إنها في ممارستها أعمال المسؤولية الاجتماعية تحرص "على صورتها أكثر مما تهتم بنتائج وآثار وأهداف ما تفعل"، مضيفا في مقاله "انحراف مسؤولية الشركات الاجتماعية"، إنه "تنفق بعض الشركات للترويج لبرنامج اجتماعي أو خدمة قدمتها للمجتمع أكثر مما تخصصه من مال للعمل ذاته".

صحيفة "الغد" كانت انفردت في أنها التفتت إلى هذا الأمر، فخصصت زاوية في ملحقها الاقتصادي، تحت عنوان "مسؤوليتك الاجتماعية". الزاوية، وهي غير منتظمة، تلفت في نص ثابت، يُنشر مع كل تقرير جديد، إلى أنها "تتناول حالات لبرامج، أو تعدّ تقارير إخبارية ومقابلات تتضمن المفاهيم الحقيقية للمسؤولية الاجتماعية لشركات من قطاعات اقتصادية مختلفة تعمل في السوق المحلية".

لكن هذه الزاوية[12] التي يُذكر أعلاها أنها "برعاية البنك العربي"، وتُنشر تحت شعاره، وخصصت 11 تقريرا من أصل 17 نُشرت منذ بداية العام لهذا البنك، ليست مختلفة كثيرا عما سبق ذكره من أخبار، سوى أنها أطول، وأغلبها أغنى بالمعلومات من ناحية الأرقام، وتفاصيل البرامج، ولكنها تشترك مع الأخبار السابقة في أنها مكتوبة بلغة بيانات العلاقات العامة، ففي الجزء المتعلق بالنشاط المجتمعي للشركة، فإن هناك رواية وحيدة، هي رواية الشركة، وأحيانا يكون هناك رواية للهيئة الخيرية التي نسقت الشركة النشاط معها،  ولكن لا استقصاء، ولا أصوات للناس الذي تستهدفهم هذه الأعمال، بما يساعد على تقييم أثرها، فمن بين الـ17 تقريرا، كان هناك تقرير[13] واحد كان فيه صوت لمنتفعين.

إذن، يمكن للإعلام أن يشكل رافعة حقيقية تدعم نهوض الشركات في الأردن بمسؤوليتها في تنمية المجتمع شحيح الموارد الذي تعمل فيه، بل ويساهم كثير منها في استنزاف هذه الموارد. ويمكن للإعلام أن يحقق ذلك عندما يزوّد الناس بالمعلومات اللازمة عن المساهمات المجتمعية لهذه الشركات، معلومات تكون حصيلة استقصاء صحفي محايد ومستقل، وهو دور لن يلعبه الإعلام إذا كان كل ما ينشره في هذا الخصوص هو "إعلانات" غير مدفوعة الأجر.

جدول عدد أخبار المسؤولية الاجتماعية للشركات، ومصادرها، وديمومة أثر المساهمات التي قدمتها، بحسب  كل صحيفة:

الصحيفةعدد الأخبارمصادر الأخبارديمومة أثر المساهمة المجتمعية
بيان علاقات عامةبتراأصيلأثر مؤقتأثر طويل الأمد
عدد%عدد%عدد%عدد%عدد%
الدستور1088022000440660
الرأي232295.714.300834.81565.2
السبيل111000000001100
العرب اليوم9888.900111.1333.3666.7
الغد202010000004201680
المجموع635993.734.711.61930.24469.8

[1] "العرب اليوم"، 15/6/2014.

[2] "الدستور"، 9/7/2014.

[3] "العرب اليوم"، 6/11/2014.

[4] طبق الرصد طريقة "الأسبوع الصناعي"، فاختار السبت الأول من حزيران (يونيو) الماضي، ثم الأحد الأول من تموز (يوليو) الذي يليه، حتى الوصول إلى الجمعة الأولى من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

[5] "الدستور"، 4/8/2014

[6] "العرب اليوم"، 4/8/2014

[7] "الغد"، 2/9/2014

[8] "السبيل"، 6/11/2014

[9] "الدستور"، 1/10/2014

[10] "الغد"، 6/7/2014

[11] “Doing Well by Doing Good”, increasingly, consumers care about corporate social responsibility, but does concern convert to consumption? June 2014.

[12] الحديث عن هذه الزاوية في هذا التقرير، يخص التقارير المنشورة خلال العام 2014، وعددها 17.

[13] "الغد"، 20/3/2014

يوم 28 نيسان (أبريل) الماضي، نشرت إحدى الصحف خبرا تحت عنوان "ميناء حاويات العقبة تسهم في تطوير معايير ومستوى التعليم لمرحلة ما قبل المدرسة"، لكن ما نُشر تحت هذا العنوان "الكبير"، لم يقدم أي معلومة محددة تثبت ذلك، فالخبر يتحدث عن حفل خيري أقيم في منتجع إنتركونتننتال العقبة، وخُصص لجمع تبرعات "لإعادة تأهيل رياض الأطفال القائمة (...) من الفئات الأقل حظا في مختلف مناطق العقبة"، ويذكر الخبر أن حضور الحفل كانوا "مجموعة من الضيوف والشخصيات العامة ورجال الأعمال وممثلي العديد من الهيئات والمؤسسات من القطاعين العام والخاص"، وأن "عددا كبيرا" من المؤسسات قدّمت "تبرعاتها السخية"، ثم يضيف أن شركة ميناء حاويات العقبة، شكّلت بالتعاون مع المنتجع "فريقا من المتطوعين لتولي مهام صيانة وتجديد رياض الأطفال والمرافق المنوي إعادة تأهيلها".

لقد نوّه الخبر على لسان الرئيس التنفيذي للشركة إلى أن هذا الحدث يأتي "انطلاقا من نهجنا الاستباقي الذي نتبعه فيما يتعلق بمسؤوليتنا الاجتماعية، والذي يدفعنا للمساهمة في إيجاد الحلول الكفؤة لمختلف القضايا والتحديات التي تؤثر على تقدم المجتمع المحلي"، لكن من دون أن تكون هناك معلومة واحدة محددة، تخبرنا ما هو الحلّ  الذي قدمته الشركة لإحدى هذه القضايا، وهي تعليم ما قبل المدرسة للأطفال الأقل حظا في العقبة، فنحن لم نعرف حجم "التبرعات السخية" التي قُدمت، ولا عدد رياض الأطفال المنوي تأهيلها، ولا نوعية هذا التأهيل، ولا عدد ومؤهلات فريق المتطوعين الذين سينجزون أعمال التأهيل، كما لم يقدم الخبر برنامجا زمنيا لتنفيذ هذه الأعمال.

ما سبق هو مثال على أخبار تنشرها الصحف اليومية،  تخصّ ما يُسمى "المسؤولية الاجتماعية" للشركات، وهو مصطلح يعني توظيف الشركات جزءا من عوائد أرباحها للمضصلحة العامة، تحديدا في تنمية المجتمعات المحلية التي تعمل فيها، وتحقق من خلالها هذه الأرباح، ففي هذه الأخبار لن يجد القارئ في الغالب معلومات محددة عن الحدث المحوري، بل كل ما سيجده هو ترويج إنشائي للشركة صاحبة المساهمة.

ويمكن ضرب عشرات الأمثلة المشابهة لما سبق، ففي خبر[1] عن تمويل شركة البوتاس العربية إجراء 50 عملية جراحية لأطفال يعانون تشوهات خلقية في الكرك، ليس هناك كلمة واحدة عن هؤلاء الأطفال، أعمارهم وخلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية، ونوعية تشوهاتهم، وليس هناك توضيح لآلية اختيارهم، ولا زمن إجراء العمليات لهم، فكل الخبر كان سردا، من دون تفاصيل، لمساهمات الشركة المجتمعية.

وفي خبر[2] عن مساهمة شركة "أورانج" للاتصالات في مبادرة إسكان للأسر العفيفة، خٌصّصت 30 كلمة فقط من الخبر المكون من 205 كلمات، لمساهمة الشركة، التي ذُكر أنها تمثّلت في تجهيز المنازل التي سًلّمت بالأجهزة الكهربائية والإلكترنية، أما ما تبقى، فكان تأكيدا على تحمل الشركة مسؤوليتها الاجتماعية، من دون حتى أن تُذكر قيمة المبلغ الذي دُفع لتجهيز المنازل بالأجهزة الكهربائية والإلكترونية.

وفي خبر[3] رعاية بنك (ABC) حملة نظافة في مدينة إربد، فإن المعلومات الوحيدة عن الحملة، كانت تاريخها، والمدينة التي أقيمت فيها، في حين كان الخبر كله عن مدى التزام البنك بخدمة المجتمع المحلي.

ولأن "الترويج" كان هو الموضوع الأساسي في هذه الأخبار، فقد اختلت القيمة الإخبارية في معظمها، وتراجع الحدث الأساسي، وهو المساهمة المجتمعية للشركة، لتتصدر لغة إنشائية فضفاضة، لا تزوّد القارئ بمعلومات محددة، تسّوغ هذا الترويج، وهي معلومات غائبة لأن هذه الأخبار ببساطة ليست نتاج استقصاء صحفي مهني، بل هي في أغلبيتها الساحقة بيانات علاقات عامة، صادرة عن هذه الشركات نفسها.

فقد أثبت رصد علمي أُجري في سياق الإعداد لهذا التقرير، لعينة ممثلة للأشهر السبعة الأخيرة[4]، خلال الفترة ما بين حزيران (يونيو) الماضي، وكانون الثاني (ديسمبر) الحالي، في صحف "الدستور" و"الرأي" و"السبيل" و"العرب اليوم" و"الغد"، أنه من بين 63 خبرا تخص المسؤولية الاجتماعية للشركات، نٌشرت خلال هذه الفترة، كان هناك 59 خبرا، أي ما نسبته 93.7% بيانات علاقات عامة، في حين كانت هناك 3 أخبار لوكالة الأنباء الأنباء الأردنية "بترا"، بنسبة 4.7% تقريبا، وخبر واحد أصيل، شكّل 1.6% من مجمل هذه الأخبار.

ونتيجة لذلك، ووفق نتائج الرصد ذاته، فإنه لم يكن هناك في أي من أخبار هذا الرصد، صوت لأي منتفع من المساهمات التي تحدثت عنها، وسواء كان الخبر عن "مول"[5] يوزع طرودا غذائية، أو فندق[6] يرعى احتفالا بيوم اللاجئ العالمي، أو بنك[7] يرعى بازارا خيريا، فإنه ليس هناك أصوات لمن استهدفتهم هذه المساهمات، ليخبروا الجمهور  عن الخدمة التي تلقوها، وليوضحوا التفاصيل الأساسية التي تغفلها هذه النوعية من الأخبار عادة، بما يوازن الرواية، ويساعد الجمهور على تقييم أداء الشركة.

لقد كان الصوت شبه الوحيد في هذه الأخبار هو صوت الشركة، إما بشكل مباشر، من خلال تصريحات لمسؤولين أو ناطقين إعلاميين فيها، أو غير مباشر، تمثل في أن من كتب الخبر، كما أشير سابقا، كان الشركة نفسها. ولكننا سنجد في 8 أخبار من الـ63 خبرا، أي بما نسبته 12.7%، أصواتا لمن يمكن تسميتهم حلقات الوصل بين الشركة والمنتفعين المفترضين، مثلا: وزير الأوقاف[8] يعلق على إقامة البنك الإسلامي محاضرات تتعلق بالمعاملات المالية الإسلامية، لأئمة ووعّاظ الوزارة، ومدير هيئة خيرية[9]، يعلق على حملة تبرعات بالملابس، ينظمها مركز تجاري، أو رئيس جمعية المحافظة على القرآن[10]، يعلق على رعاية البنك الإسلامي حملة "رمضان يحلو بالقرآن"، وفي 4 من هذه الأخبار الـ8،  كانت تصريحات هؤلاء إشادة بمساهمة الشركة.

لماذا أخبار المسؤولية الاجتماعية للشركات؟

في مسح أصدرته مؤسسة نيلسن الأميركية (NIELSEN)[11]، في حزيران الماضي، قال 55% من العينة المكونة من 30 ألف شخص من 60 بلدا في مختلف أنحاء العالم، إنهم مستعدون لدفع مبالغ أعلى، مقابل خدمات وسلع تنتجها شركات تخدم المجتمعات التي تعمل فيها، بارتفاع قدره 10 درجات عن مسح مشابه أجرته المؤسسة ذاتها العام 2011، وكانت نسبة من قالوا ذلك من أفراد العينة المنتمين إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، هي 63%. وفي دراسة أطلقتها مؤسسة غرانت ثورنتون البريطانية (Grant Thornton) في آب (أغسطس) الماضي، قال 64% من أصحاب الأعمال في العينة المكونة من 2500 شركة، تمثل 34 اقتصادا، إن دافعهم للقيام بأعمال مسؤولية اجتماعية هو مطالبة المستهلكين بذلك، وهو أمر كانت قد لفت إليه مسح أجرته "المجموعة الاستشارية للاستدامة"، العام 2010، وشمل 151 شركة، في ثماني دول من بينها الأردن، إذ  قال 90% من أصحاب الأعمال إنهم يعتقدون إن برامج المسؤولية الاجتماعية تساهم في "تعزيز السمعة التجارية لشركاتهم".

إذن، المستهلكون، الذين يأخذون في اعتبارهم، في كل مرة يشترون سلعا أو خدمات، التوجه إلى شركات تتحمل مسؤوليتها الاجتماعية، هم عامل أساسي فاعل في حفز هذه الشركات على ذلك، وهو عامل يعزز فعاليته وعي المستهلكين بأثر المساهمات المجتمعية للشركات في حياتهم اليومية، وإدراكهم أن جوهر المسؤولية الاجتماعية، يتجاوز الأعمال الخيرية المتقطعة، إلى المساهمة في مشاريع تنموية، تقدم خدمات طويلة الأمد، في قطاعات مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية والبيئة وغيرها، الأمر الذي لا يشير هذا الرصد إلى أنه متحقق، إذ أن 70% تقريبا من المساهمات التي تناولتها الأخبار، كانت تتعلق بأعمال خيرية آنية الأثر، من قبيل توزيع الطرود الغذائية، وحملات التبرع بالملابس، ورعاية الاحتفلات، وما شابه.

لكن المستهلكين، لكي يكونوا عاملا فاعلا في حفز الشركات، يحتاجون إلى معلومات تساعدهم على تمييز الشركات التي تستثمر في عمل يقدم خدمة حقيقية، من الشركات التي يقول الصحفي الاقتصادي في "الرأي"، عصام قضماني، إنها في ممارستها أعمال المسؤولية الاجتماعية تحرص "على صورتها أكثر مما تهتم بنتائج وآثار وأهداف ما تفعل"، مضيفا في مقاله "انحراف مسؤولية الشركات الاجتماعية"، إنه "تنفق بعض الشركات للترويج لبرنامج اجتماعي أو خدمة قدمتها للمجتمع أكثر مما تخصصه من مال للعمل ذاته".

صحيفة "الغد" كانت انفردت في أنها التفتت إلى هذا الأمر، فخصصت زاوية في ملحقها الاقتصادي، تحت عنوان "مسؤوليتك الاجتماعية". الزاوية، وهي غير منتظمة، تلفت في نص ثابت، يُنشر مع كل تقرير جديد، إلى أنها "تتناول حالات لبرامج، أو تعدّ تقارير إخبارية ومقابلات تتضمن المفاهيم الحقيقية للمسؤولية الاجتماعية لشركات من قطاعات اقتصادية مختلفة تعمل في السوق المحلية".

لكن هذه الزاوية[12] التي يُذكر أعلاها أنها "برعاية البنك العربي"، وتُنشر تحت شعاره، وخصصت 11 تقريرا من أصل 17 نُشرت منذ بداية العام لهذا البنك، ليست مختلفة كثيرا عما سبق ذكره من أخبار، سوى أنها أطول، وأغلبها أغنى بالمعلومات من ناحية الأرقام، وتفاصيل البرامج، ولكنها تشترك مع الأخبار السابقة في أنها مكتوبة بلغة بيانات العلاقات العامة، ففي الجزء المتعلق بالنشاط المجتمعي للشركة، فإن هناك رواية وحيدة، هي رواية الشركة، وأحيانا يكون هناك رواية للهيئة الخيرية التي نسقت الشركة النشاط معها،  ولكن لا استقصاء، ولا أصوات للناس الذي تستهدفهم هذه الأعمال، بما يساعد على تقييم أثرها، فمن بين الـ17 تقريرا، كان هناك تقرير[13] واحد كان فيه صوت لمنتفعين.

إذن، يمكن للإعلام أن يشكل رافعة حقيقية تدعم نهوض الشركات في الأردن بمسؤوليتها في تنمية المجتمع شحيح الموارد الذي تعمل فيه، بل ويساهم كثير منها في استنزاف هذه الموارد. ويمكن للإعلام أن يحقق ذلك عندما يزوّد الناس بالمعلومات اللازمة عن المساهمات المجتمعية لهذه الشركات، معلومات تكون حصيلة استقصاء صحفي محايد ومستقل، وهو دور لن يلعبه الإعلام إذا كان كل ما ينشره في هذا الخصوص هو "إعلانات" غير مدفوعة الأجر.

جدول عدد أخبار المسؤولية الاجتماعية للشركات، ومصادرها، وديمومة أثر المساهمات التي قدمتها، بحسب  كل صحيفة:

الصحيفةعدد الأخبارمصادر الأخبارديمومة أثر المساهمة المجتمعية
بيان علاقات عامةبتراأصيلأثر مؤقتأثر طويل الأمد
عدد%عدد%عدد%عدد%عدد%
الدستور1088022000440660
الرأي232295.714.300834.81565.2
السبيل111000000001100
العرب اليوم9888.900111.1333.3666.7
الغد202010000004201680
المجموع635993.734.711.61930.24469.8

[1] "العرب اليوم"، 15/6/2014.

[2] "الدستور"، 9/7/2014.

[3] "العرب اليوم"، 6/11/2014.

[4] طبق الرصد طريقة "الأسبوع الصناعي"، فاختار السبت الأول من حزيران (يونيو) الماضي، ثم الأحد الأول من تموز (يوليو) الذي يليه، حتى الوصول إلى الجمعة الأولى من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

[5] "الدستور"، 4/8/2014

[6] "العرب اليوم"، 4/8/2014

[7] "الغد"، 2/9/2014

[8] "السبيل"، 6/11/2014

[9] "الدستور"، 1/10/2014

[10] "الغد"، 6/7/2014

[11] “Doing Well by Doing Good”, increasingly, consumers care about corporate social responsibility, but does concern convert to consumption? June 2014.

[12] الحديث عن هذه الزاوية في هذا التقرير، يخص التقارير المنشورة خلال العام 2014، وعددها 17.

[13] "الغد"، 20/3/2014

يوم 28 نيسان (أبريل) الماضي، نشرت إحدى الصحف خبرا تحت عنوان "ميناء حاويات العقبة تسهم في تطوير معايير ومستوى التعليم لمرحلة ما قبل المدرسة"، لكن ما نُشر تحت هذا العنوان "الكبير"، لم يقدم أي معلومة محددة تثبت ذلك، فالخبر يتحدث عن حفل خيري أقيم في منتجع إنتركونتننتال العقبة، وخُصص لجمع تبرعات "لإعادة تأهيل رياض الأطفال القائمة (...) من الفئات الأقل حظا في مختلف مناطق العقبة"، ويذكر الخبر أن حضور الحفل كانوا "مجموعة من الضيوف والشخصيات العامة ورجال الأعمال وممثلي العديد من الهيئات والمؤسسات من القطاعين العام والخاص"، وأن "عددا كبيرا" من المؤسسات قدّمت "تبرعاتها السخية"، ثم يضيف أن شركة ميناء حاويات العقبة، شكّلت بالتعاون مع المنتجع "فريقا من المتطوعين لتولي مهام صيانة وتجديد رياض الأطفال والمرافق المنوي إعادة تأهيلها".

لقد نوّه الخبر على لسان الرئيس التنفيذي للشركة إلى أن هذا الحدث يأتي "انطلاقا من نهجنا الاستباقي الذي نتبعه فيما يتعلق بمسؤوليتنا الاجتماعية، والذي يدفعنا للمساهمة في إيجاد الحلول الكفؤة لمختلف القضايا والتحديات التي تؤثر على تقدم المجتمع المحلي"، لكن من دون أن تكون هناك معلومة واحدة محددة، تخبرنا ما هو الحلّ  الذي قدمته الشركة لإحدى هذه القضايا، وهي تعليم ما قبل المدرسة للأطفال الأقل حظا في العقبة، فنحن لم نعرف حجم "التبرعات السخية" التي قُدمت، ولا عدد رياض الأطفال المنوي تأهيلها، ولا نوعية هذا التأهيل، ولا عدد ومؤهلات فريق المتطوعين الذين سينجزون أعمال التأهيل، كما لم يقدم الخبر برنامجا زمنيا لتنفيذ هذه الأعمال.

ما سبق هو مثال على أخبار تنشرها الصحف اليومية،  تخصّ ما يُسمى "المسؤولية الاجتماعية" للشركات، وهو مصطلح يعني توظيف الشركات جزءا من عوائد أرباحها للمضصلحة العامة، تحديدا في تنمية المجتمعات المحلية التي تعمل فيها، وتحقق من خلالها هذه الأرباح، ففي هذه الأخبار لن يجد القارئ في الغالب معلومات محددة عن الحدث المحوري، بل كل ما سيجده هو ترويج إنشائي للشركة صاحبة المساهمة.

ويمكن ضرب عشرات الأمثلة المشابهة لما سبق، ففي خبر[1] عن تمويل شركة البوتاس العربية إجراء 50 عملية جراحية لأطفال يعانون تشوهات خلقية في الكرك، ليس هناك كلمة واحدة عن هؤلاء الأطفال، أعمارهم وخلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية، ونوعية تشوهاتهم، وليس هناك توضيح لآلية اختيارهم، ولا زمن إجراء العمليات لهم، فكل الخبر كان سردا، من دون تفاصيل، لمساهمات الشركة المجتمعية.

وفي خبر[2] عن مساهمة شركة "أورانج" للاتصالات في مبادرة إسكان للأسر العفيفة، خٌصّصت 30 كلمة فقط من الخبر المكون من 205 كلمات، لمساهمة الشركة، التي ذُكر أنها تمثّلت في تجهيز المنازل التي سًلّمت بالأجهزة الكهربائية والإلكترنية، أما ما تبقى، فكان تأكيدا على تحمل الشركة مسؤوليتها الاجتماعية، من دون حتى أن تُذكر قيمة المبلغ الذي دُفع لتجهيز المنازل بالأجهزة الكهربائية والإلكترونية.

وفي خبر[3] رعاية بنك (ABC) حملة نظافة في مدينة إربد، فإن المعلومات الوحيدة عن الحملة، كانت تاريخها، والمدينة التي أقيمت فيها، في حين كان الخبر كله عن مدى التزام البنك بخدمة المجتمع المحلي.

ولأن "الترويج" كان هو الموضوع الأساسي في هذه الأخبار، فقد اختلت القيمة الإخبارية في معظمها، وتراجع الحدث الأساسي، وهو المساهمة المجتمعية للشركة، لتتصدر لغة إنشائية فضفاضة، لا تزوّد القارئ بمعلومات محددة، تسّوغ هذا الترويج، وهي معلومات غائبة لأن هذه الأخبار ببساطة ليست نتاج استقصاء صحفي مهني، بل هي في أغلبيتها الساحقة بيانات علاقات عامة، صادرة عن هذه الشركات نفسها.

فقد أثبت رصد علمي أُجري في سياق الإعداد لهذا التقرير، لعينة ممثلة للأشهر السبعة الأخيرة[4]، خلال الفترة ما بين حزيران (يونيو) الماضي، وكانون الثاني (ديسمبر) الحالي، في صحف "الدستور" و"الرأي" و"السبيل" و"العرب اليوم" و"الغد"، أنه من بين 63 خبرا تخص المسؤولية الاجتماعية للشركات، نٌشرت خلال هذه الفترة، كان هناك 59 خبرا، أي ما نسبته 93.7% بيانات علاقات عامة، في حين كانت هناك 3 أخبار لوكالة الأنباء الأنباء الأردنية "بترا"، بنسبة 4.7% تقريبا، وخبر واحد أصيل، شكّل 1.6% من مجمل هذه الأخبار.

ونتيجة لذلك، ووفق نتائج الرصد ذاته، فإنه لم يكن هناك في أي من أخبار هذا الرصد، صوت لأي منتفع من المساهمات التي تحدثت عنها، وسواء كان الخبر عن "مول"[5] يوزع طرودا غذائية، أو فندق[6] يرعى احتفالا بيوم اللاجئ العالمي، أو بنك[7] يرعى بازارا خيريا، فإنه ليس هناك أصوات لمن استهدفتهم هذه المساهمات، ليخبروا الجمهور  عن الخدمة التي تلقوها، وليوضحوا التفاصيل الأساسية التي تغفلها هذه النوعية من الأخبار عادة، بما يوازن الرواية، ويساعد الجمهور على تقييم أداء الشركة.

لقد كان الصوت شبه الوحيد في هذه الأخبار هو صوت الشركة، إما بشكل مباشر، من خلال تصريحات لمسؤولين أو ناطقين إعلاميين فيها، أو غير مباشر، تمثل في أن من كتب الخبر، كما أشير سابقا، كان الشركة نفسها. ولكننا سنجد في 8 أخبار من الـ63 خبرا، أي بما نسبته 12.7%، أصواتا لمن يمكن تسميتهم حلقات الوصل بين الشركة والمنتفعين المفترضين، مثلا: وزير الأوقاف[8] يعلق على إقامة البنك الإسلامي محاضرات تتعلق بالمعاملات المالية الإسلامية، لأئمة ووعّاظ الوزارة، ومدير هيئة خيرية[9]، يعلق على حملة تبرعات بالملابس، ينظمها مركز تجاري، أو رئيس جمعية المحافظة على القرآن[10]، يعلق على رعاية البنك الإسلامي حملة "رمضان يحلو بالقرآن"، وفي 4 من هذه الأخبار الـ8،  كانت تصريحات هؤلاء إشادة بمساهمة الشركة.

لماذا أخبار المسؤولية الاجتماعية للشركات؟

في مسح أصدرته مؤسسة نيلسن الأميركية (NIELSEN)[11]، في حزيران الماضي، قال 55% من العينة المكونة من 30 ألف شخص من 60 بلدا في مختلف أنحاء العالم، إنهم مستعدون لدفع مبالغ أعلى، مقابل خدمات وسلع تنتجها شركات تخدم المجتمعات التي تعمل فيها، بارتفاع قدره 10 درجات عن مسح مشابه أجرته المؤسسة ذاتها العام 2011، وكانت نسبة من قالوا ذلك من أفراد العينة المنتمين إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، هي 63%. وفي دراسة أطلقتها مؤسسة غرانت ثورنتون البريطانية (Grant Thornton) في آب (أغسطس) الماضي، قال 64% من أصحاب الأعمال في العينة المكونة من 2500 شركة، تمثل 34 اقتصادا، إن دافعهم للقيام بأعمال مسؤولية اجتماعية هو مطالبة المستهلكين بذلك، وهو أمر كانت قد لفت إليه مسح أجرته "المجموعة الاستشارية للاستدامة"، العام 2010، وشمل 151 شركة، في ثماني دول من بينها الأردن، إذ  قال 90% من أصحاب الأعمال إنهم يعتقدون إن برامج المسؤولية الاجتماعية تساهم في "تعزيز السمعة التجارية لشركاتهم".

إذن، المستهلكون، الذين يأخذون في اعتبارهم، في كل مرة يشترون سلعا أو خدمات، التوجه إلى شركات تتحمل مسؤوليتها الاجتماعية، هم عامل أساسي فاعل في حفز هذه الشركات على ذلك، وهو عامل يعزز فعاليته وعي المستهلكين بأثر المساهمات المجتمعية للشركات في حياتهم اليومية، وإدراكهم أن جوهر المسؤولية الاجتماعية، يتجاوز الأعمال الخيرية المتقطعة، إلى المساهمة في مشاريع تنموية، تقدم خدمات طويلة الأمد، في قطاعات مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية والبيئة وغيرها، الأمر الذي لا يشير هذا الرصد إلى أنه متحقق، إذ أن 70% تقريبا من المساهمات التي تناولتها الأخبار، كانت تتعلق بأعمال خيرية آنية الأثر، من قبيل توزيع الطرود الغذائية، وحملات التبرع بالملابس، ورعاية الاحتفلات، وما شابه.

لكن المستهلكين، لكي يكونوا عاملا فاعلا في حفز الشركات، يحتاجون إلى معلومات تساعدهم على تمييز الشركات التي تستثمر في عمل يقدم خدمة حقيقية، من الشركات التي يقول الصحفي الاقتصادي في "الرأي"، عصام قضماني، إنها في ممارستها أعمال المسؤولية الاجتماعية تحرص "على صورتها أكثر مما تهتم بنتائج وآثار وأهداف ما تفعل"، مضيفا في مقاله "انحراف مسؤولية الشركات الاجتماعية"، إنه "تنفق بعض الشركات للترويج لبرنامج اجتماعي أو خدمة قدمتها للمجتمع أكثر مما تخصصه من مال للعمل ذاته".

صحيفة "الغد" كانت انفردت في أنها التفتت إلى هذا الأمر، فخصصت زاوية في ملحقها الاقتصادي، تحت عنوان "مسؤوليتك الاجتماعية". الزاوية، وهي غير منتظمة، تلفت في نص ثابت، يُنشر مع كل تقرير جديد، إلى أنها "تتناول حالات لبرامج، أو تعدّ تقارير إخبارية ومقابلات تتضمن المفاهيم الحقيقية للمسؤولية الاجتماعية لشركات من قطاعات اقتصادية مختلفة تعمل في السوق المحلية".

لكن هذه الزاوية[12] التي يُذكر أعلاها أنها "برعاية البنك العربي"، وتُنشر تحت شعاره، وخصصت 11 تقريرا من أصل 17 نُشرت منذ بداية العام لهذا البنك، ليست مختلفة كثيرا عما سبق ذكره من أخبار، سوى أنها أطول، وأغلبها أغنى بالمعلومات من ناحية الأرقام، وتفاصيل البرامج، ولكنها تشترك مع الأخبار السابقة في أنها مكتوبة بلغة بيانات العلاقات العامة، ففي الجزء المتعلق بالنشاط المجتمعي للشركة، فإن هناك رواية وحيدة، هي رواية الشركة، وأحيانا يكون هناك رواية للهيئة الخيرية التي نسقت الشركة النشاط معها،  ولكن لا استقصاء، ولا أصوات للناس الذي تستهدفهم هذه الأعمال، بما يساعد على تقييم أثرها، فمن بين الـ17 تقريرا، كان هناك تقرير[13] واحد كان فيه صوت لمنتفعين.

إذن، يمكن للإعلام أن يشكل رافعة حقيقية تدعم نهوض الشركات في الأردن بمسؤوليتها في تنمية المجتمع شحيح الموارد الذي تعمل فيه، بل ويساهم كثير منها في استنزاف هذه الموارد. ويمكن للإعلام أن يحقق ذلك عندما يزوّد الناس بالمعلومات اللازمة عن المساهمات المجتمعية لهذه الشركات، معلومات تكون حصيلة استقصاء صحفي محايد ومستقل، وهو دور لن يلعبه الإعلام إذا كان كل ما ينشره في هذا الخصوص هو "إعلانات" غير مدفوعة الأجر.

جدول عدد أخبار المسؤولية الاجتماعية للشركات، ومصادرها، وديمومة أثر المساهمات التي قدمتها، بحسب  كل صحيفة:

الصحيفةعدد الأخبارمصادر الأخبارديمومة أثر المساهمة المجتمعية
بيان علاقات عامةبتراأصيلأثر مؤقتأثر طويل الأمد
عدد%عدد%عدد%عدد%عدد%
الدستور1088022000440660
الرأي232295.714.300834.81565.2
السبيل111000000001100
العرب اليوم9888.900111.1333.3666.7
الغد202010000004201680
المجموع635993.734.711.61930.24469.8

[1] "العرب اليوم"، 15/6/2014.

[2] "الدستور"، 9/7/2014.

[3] "العرب اليوم"، 6/11/2014.

[4] طبق الرصد طريقة "الأسبوع الصناعي"، فاختار السبت الأول من حزيران (يونيو) الماضي، ثم الأحد الأول من تموز (يوليو) الذي يليه، حتى الوصول إلى الجمعة الأولى من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

[5] "الدستور"، 4/8/2014

[6] "العرب اليوم"، 4/8/2014

[7] "الغد"، 2/9/2014

[8] "السبيل"، 6/11/2014

[9] "الدستور"، 1/10/2014

[10] "الغد"، 6/7/2014

[11] “Doing Well by Doing Good”, increasingly, consumers care about corporate social responsibility, but does concern convert to consumption? June 2014.

[12] الحديث عن هذه الزاوية في هذا التقرير، يخص التقارير المنشورة خلال العام 2014، وعددها 17.

[13] "الغد"، 20/3/2014

يوم 28 نيسان (أبريل) الماضي، نشرت إحدى الصحف خبرا تحت عنوان "ميناء حاويات العقبة تسهم في تطوير معايير ومستوى التعليم لمرحلة ما قبل المدرسة"، لكن ما نُشر تحت هذا العنوان "الكبير"، لم يقدم أي معلومة محددة تثبت ذلك، فالخبر يتحدث عن حفل خيري أقيم في منتجع إنتركونتننتال العقبة، وخُصص لجمع تبرعات "لإعادة تأهيل رياض الأطفال القائمة (...) من الفئات الأقل حظا في مختلف مناطق العقبة"، ويذكر الخبر أن حضور الحفل كانوا "مجموعة من الضيوف والشخصيات العامة ورجال الأعمال وممثلي العديد من الهيئات والمؤسسات من القطاعين العام والخاص"، وأن "عددا كبيرا" من المؤسسات قدّمت "تبرعاتها السخية"، ثم يضيف أن شركة ميناء حاويات العقبة، شكّلت بالتعاون مع المنتجع "فريقا من المتطوعين لتولي مهام صيانة وتجديد رياض الأطفال والمرافق المنوي إعادة تأهيلها".

لقد نوّه الخبر على لسان الرئيس التنفيذي للشركة إلى أن هذا الحدث يأتي "انطلاقا من نهجنا الاستباقي الذي نتبعه فيما يتعلق بمسؤوليتنا الاجتماعية، والذي يدفعنا للمساهمة في إيجاد الحلول الكفؤة لمختلف القضايا والتحديات التي تؤثر على تقدم المجتمع المحلي"، لكن من دون أن تكون هناك معلومة واحدة محددة، تخبرنا ما هو الحلّ  الذي قدمته الشركة لإحدى هذه القضايا، وهي تعليم ما قبل المدرسة للأطفال الأقل حظا في العقبة، فنحن لم نعرف حجم "التبرعات السخية" التي قُدمت، ولا عدد رياض الأطفال المنوي تأهيلها، ولا نوعية هذا التأهيل، ولا عدد ومؤهلات فريق المتطوعين الذين سينجزون أعمال التأهيل، كما لم يقدم الخبر برنامجا زمنيا لتنفيذ هذه الأعمال.

ما سبق هو مثال على أخبار تنشرها الصحف اليومية،  تخصّ ما يُسمى "المسؤولية الاجتماعية" للشركات، وهو مصطلح يعني توظيف الشركات جزءا من عوائد أرباحها للمضصلحة العامة، تحديدا في تنمية المجتمعات المحلية التي تعمل فيها، وتحقق من خلالها هذه الأرباح، ففي هذه الأخبار لن يجد القارئ في الغالب معلومات محددة عن الحدث المحوري، بل كل ما سيجده هو ترويج إنشائي للشركة صاحبة المساهمة.

ويمكن ضرب عشرات الأمثلة المشابهة لما سبق، ففي خبر[1] عن تمويل شركة البوتاس العربية إجراء 50 عملية جراحية لأطفال يعانون تشوهات خلقية في الكرك، ليس هناك كلمة واحدة عن هؤلاء الأطفال، أعمارهم وخلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية، ونوعية تشوهاتهم، وليس هناك توضيح لآلية اختيارهم، ولا زمن إجراء العمليات لهم، فكل الخبر كان سردا، من دون تفاصيل، لمساهمات الشركة المجتمعية.

وفي خبر[2] عن مساهمة شركة "أورانج" للاتصالات في مبادرة إسكان للأسر العفيفة، خٌصّصت 30 كلمة فقط من الخبر المكون من 205 كلمات، لمساهمة الشركة، التي ذُكر أنها تمثّلت في تجهيز المنازل التي سًلّمت بالأجهزة الكهربائية والإلكترنية، أما ما تبقى، فكان تأكيدا على تحمل الشركة مسؤوليتها الاجتماعية، من دون حتى أن تُذكر قيمة المبلغ الذي دُفع لتجهيز المنازل بالأجهزة الكهربائية والإلكترونية.

وفي خبر[3] رعاية بنك (ABC) حملة نظافة في مدينة إربد، فإن المعلومات الوحيدة عن الحملة، كانت تاريخها، والمدينة التي أقيمت فيها، في حين كان الخبر كله عن مدى التزام البنك بخدمة المجتمع المحلي.

ولأن "الترويج" كان هو الموضوع الأساسي في هذه الأخبار، فقد اختلت القيمة الإخبارية في معظمها، وتراجع الحدث الأساسي، وهو المساهمة المجتمعية للشركة، لتتصدر لغة إنشائية فضفاضة، لا تزوّد القارئ بمعلومات محددة، تسّوغ هذا الترويج، وهي معلومات غائبة لأن هذه الأخبار ببساطة ليست نتاج استقصاء صحفي مهني، بل هي في أغلبيتها الساحقة بيانات علاقات عامة، صادرة عن هذه الشركات نفسها.

فقد أثبت رصد علمي أُجري في سياق الإعداد لهذا التقرير، لعينة ممثلة للأشهر السبعة الأخيرة[4]، خلال الفترة ما بين حزيران (يونيو) الماضي، وكانون الثاني (ديسمبر) الحالي، في صحف "الدستور" و"الرأي" و"السبيل" و"العرب اليوم" و"الغد"، أنه من بين 63 خبرا تخص المسؤولية الاجتماعية للشركات، نٌشرت خلال هذه الفترة، كان هناك 59 خبرا، أي ما نسبته 93.7% بيانات علاقات عامة، في حين كانت هناك 3 أخبار لوكالة الأنباء الأنباء الأردنية "بترا"، بنسبة 4.7% تقريبا، وخبر واحد أصيل، شكّل 1.6% من مجمل هذه الأخبار.

ونتيجة لذلك، ووفق نتائج الرصد ذاته، فإنه لم يكن هناك في أي من أخبار هذا الرصد، صوت لأي منتفع من المساهمات التي تحدثت عنها، وسواء كان الخبر عن "مول"[5] يوزع طرودا غذائية، أو فندق[6] يرعى احتفالا بيوم اللاجئ العالمي، أو بنك[7] يرعى بازارا خيريا، فإنه ليس هناك أصوات لمن استهدفتهم هذه المساهمات، ليخبروا الجمهور  عن الخدمة التي تلقوها، وليوضحوا التفاصيل الأساسية التي تغفلها هذه النوعية من الأخبار عادة، بما يوازن الرواية، ويساعد الجمهور على تقييم أداء الشركة.

لقد كان الصوت شبه الوحيد في هذه الأخبار هو صوت الشركة، إما بشكل مباشر، من خلال تصريحات لمسؤولين أو ناطقين إعلاميين فيها، أو غير مباشر، تمثل في أن من كتب الخبر، كما أشير سابقا، كان الشركة نفسها. ولكننا سنجد في 8 أخبار من الـ63 خبرا، أي بما نسبته 12.7%، أصواتا لمن يمكن تسميتهم حلقات الوصل بين الشركة والمنتفعين المفترضين، مثلا: وزير الأوقاف[8] يعلق على إقامة البنك الإسلامي محاضرات تتعلق بالمعاملات المالية الإسلامية، لأئمة ووعّاظ الوزارة، ومدير هيئة خيرية[9]، يعلق على حملة تبرعات بالملابس، ينظمها مركز تجاري، أو رئيس جمعية المحافظة على القرآن[10]، يعلق على رعاية البنك الإسلامي حملة "رمضان يحلو بالقرآن"، وفي 4 من هذه الأخبار الـ8،  كانت تصريحات هؤلاء إشادة بمساهمة الشركة.

لماذا أخبار المسؤولية الاجتماعية للشركات؟

في مسح أصدرته مؤسسة نيلسن الأميركية (NIELSEN)[11]، في حزيران الماضي، قال 55% من العينة المكونة من 30 ألف شخص من 60 بلدا في مختلف أنحاء العالم، إنهم مستعدون لدفع مبالغ أعلى، مقابل خدمات وسلع تنتجها شركات تخدم المجتمعات التي تعمل فيها، بارتفاع قدره 10 درجات عن مسح مشابه أجرته المؤسسة ذاتها العام 2011، وكانت نسبة من قالوا ذلك من أفراد العينة المنتمين إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، هي 63%. وفي دراسة أطلقتها مؤسسة غرانت ثورنتون البريطانية (Grant Thornton) في آب (أغسطس) الماضي، قال 64% من أصحاب الأعمال في العينة المكونة من 2500 شركة، تمثل 34 اقتصادا، إن دافعهم للقيام بأعمال مسؤولية اجتماعية هو مطالبة المستهلكين بذلك، وهو أمر كانت قد لفت إليه مسح أجرته "المجموعة الاستشارية للاستدامة"، العام 2010، وشمل 151 شركة، في ثماني دول من بينها الأردن، إذ  قال 90% من أصحاب الأعمال إنهم يعتقدون إن برامج المسؤولية الاجتماعية تساهم في "تعزيز السمعة التجارية لشركاتهم".

إذن، المستهلكون، الذين يأخذون في اعتبارهم، في كل مرة يشترون سلعا أو خدمات، التوجه إلى شركات تتحمل مسؤوليتها الاجتماعية، هم عامل أساسي فاعل في حفز هذه الشركات على ذلك، وهو عامل يعزز فعاليته وعي المستهلكين بأثر المساهمات المجتمعية للشركات في حياتهم اليومية، وإدراكهم أن جوهر المسؤولية الاجتماعية، يتجاوز الأعمال الخيرية المتقطعة، إلى المساهمة في مشاريع تنموية، تقدم خدمات طويلة الأمد، في قطاعات مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية والبيئة وغيرها، الأمر الذي لا يشير هذا الرصد إلى أنه متحقق، إذ أن 70% تقريبا من المساهمات التي تناولتها الأخبار، كانت تتعلق بأعمال خيرية آنية الأثر، من قبيل توزيع الطرود الغذائية، وحملات التبرع بالملابس، ورعاية الاحتفلات، وما شابه.

لكن المستهلكين، لكي يكونوا عاملا فاعلا في حفز الشركات، يحتاجون إلى معلومات تساعدهم على تمييز الشركات التي تستثمر في عمل يقدم خدمة حقيقية، من الشركات التي يقول الصحفي الاقتصادي في "الرأي"، عصام قضماني، إنها في ممارستها أعمال المسؤولية الاجتماعية تحرص "على صورتها أكثر مما تهتم بنتائج وآثار وأهداف ما تفعل"، مضيفا في مقاله "انحراف مسؤولية الشركات الاجتماعية"، إنه "تنفق بعض الشركات للترويج لبرنامج اجتماعي أو خدمة قدمتها للمجتمع أكثر مما تخصصه من مال للعمل ذاته".

صحيفة "الغد" كانت انفردت في أنها التفتت إلى هذا الأمر، فخصصت زاوية في ملحقها الاقتصادي، تحت عنوان "مسؤوليتك الاجتماعية". الزاوية، وهي غير منتظمة، تلفت في نص ثابت، يُنشر مع كل تقرير جديد، إلى أنها "تتناول حالات لبرامج، أو تعدّ تقارير إخبارية ومقابلات تتضمن المفاهيم الحقيقية للمسؤولية الاجتماعية لشركات من قطاعات اقتصادية مختلفة تعمل في السوق المحلية".

لكن هذه الزاوية[12] التي يُذكر أعلاها أنها "برعاية البنك العربي"، وتُنشر تحت شعاره، وخصصت 11 تقريرا من أصل 17 نُشرت منذ بداية العام لهذا البنك، ليست مختلفة كثيرا عما سبق ذكره من أخبار، سوى أنها أطول، وأغلبها أغنى بالمعلومات من ناحية الأرقام، وتفاصيل البرامج، ولكنها تشترك مع الأخبار السابقة في أنها مكتوبة بلغة بيانات العلاقات العامة، ففي الجزء المتعلق بالنشاط المجتمعي للشركة، فإن هناك رواية وحيدة، هي رواية الشركة، وأحيانا يكون هناك رواية للهيئة الخيرية التي نسقت الشركة النشاط معها،  ولكن لا استقصاء، ولا أصوات للناس الذي تستهدفهم هذه الأعمال، بما يساعد على تقييم أثرها، فمن بين الـ17 تقريرا، كان هناك تقرير[13] واحد كان فيه صوت لمنتفعين.

إذن، يمكن للإعلام أن يشكل رافعة حقيقية تدعم نهوض الشركات في الأردن بمسؤوليتها في تنمية المجتمع شحيح الموارد الذي تعمل فيه، بل ويساهم كثير منها في استنزاف هذه الموارد. ويمكن للإعلام أن يحقق ذلك عندما يزوّد الناس بالمعلومات اللازمة عن المساهمات المجتمعية لهذه الشركات، معلومات تكون حصيلة استقصاء صحفي محايد ومستقل، وهو دور لن يلعبه الإعلام إذا كان كل ما ينشره في هذا الخصوص هو "إعلانات" غير مدفوعة الأجر.

جدول عدد أخبار المسؤولية الاجتماعية للشركات، ومصادرها، وديمومة أثر المساهمات التي قدمتها، بحسب  كل صحيفة:

الصحيفةعدد الأخبارمصادر الأخبارديمومة أثر المساهمة المجتمعية
بيان علاقات عامةبتراأصيلأثر مؤقتأثر طويل الأمد
عدد%عدد%عدد%عدد%عدد%
الدستور1088022000440660
الرأي232295.714.300834.81565.2
السبيل111000000001100
العرب اليوم9888.900111.1333.3666.7
الغد202010000004201680
المجموع635993.734.711.61930.24469.8

[1] "العرب اليوم"، 15/6/2014.

[2] "الدستور"، 9/7/2014.

[3] "العرب اليوم"، 6/11/2014.

[4] طبق الرصد طريقة "الأسبوع الصناعي"، فاختار السبت الأول من حزيران (يونيو) الماضي، ثم الأحد الأول من تموز (يوليو) الذي يليه، حتى الوصول إلى الجمعة الأولى من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

[5] "الدستور"، 4/8/2014

[6] "العرب اليوم"، 4/8/2014

[7] "الغد"، 2/9/2014

[8] "السبيل"، 6/11/2014

[9] "الدستور"، 1/10/2014

[10] "الغد"، 6/7/2014

[11] “Doing Well by Doing Good”, increasingly, consumers care about corporate social responsibility, but does concern convert to consumption? June 2014.

[12] الحديث عن هذه الزاوية في هذا التقرير، يخص التقارير المنشورة خلال العام 2014، وعددها 17.

[13] "الغد"، 20/3/2014