أطفال قرية "البربيطة" ضحايا تجاوزات إعلامية

أطفال قرية "البربيطة" ضحايا تجاوزات إعلامية

  • 2015-11-10
  • 12

استعداداً لالتقاط الصورة، تمد سيدة يدها بعد أن غطتها بمنديل أبيض لتمسك من خلف المنديل القدمَ الحافية لطفلة ظهرت بائسة وهي تنتظر الحذاء المقدم من مبادرة اسمها "معاً من أجل الخير" ترأسها تلك السيدة الظاهرة في الصورة الكبيرة.

احتلت الصورة كامل النصف العلوي من الصفحة الأولى لملحق "أبواب"  في صحيفة "الرأي" الصادرة يوم الاثنين 9 تشرين ثاني. أما النصف السفلي من الصفحة فقد احتل جزءاً منه نص فني فيه كثير من الأشعار، كُتب لوصف زيارة أعضاء المبادرة وطريقة استقبالهم، فيما غطت سبع صور أخرى من الزيارة ذاتها باقي الصفحة.

عَرَضت الصور عشرات الأطفال من تلاميذ مدرسة قرية "البربيطة" في محافظة الطفيلة، وظهر التلاميذ وقد انسدلت على أكتافهم سلاسل من أكياس حليب على شكل "أوشحة" يغلب عليها اللون الأصفر، وللنظرة الأولى يعتقد القارئ أن الأوشحة وضعت للزينة أو للتكريم، لكن التدقيق يظهر ماركة حليب "نيدو" على الأكياس الصغيرة المتصلة ببعضها، يكفي كل كيس منها لعمل كوب كبير من الحليب، وقد وزعت بواقع عشرة أكياس لكل طفل، ووضعت على شكل "أوشحة" على أكتاف الأطفال لغايات التصوير!

عنوان المادة الذي امتد على كامل "ترويسة" الملحق يقول: "المحبة تعيد لطلبة البربيطة الأساسية المختلطة معالم الطريق"، وفي التفاصيل أن مبادرة بعنوان: "معاً من أجل الخير" استطاعت تنظيم حملة لجمع المعونات من عدة جهات وأشخاص في العاصمة لصالح تلاميذ تلك القرية الفقيرة، وشملت المعونات إلى جانب الأحذية والحليب، كميات من القرطاسية والحقائب وفراشي الأسنان...

من المؤكد أن مساعدة الفقراء أمر محمود ويشكر عليه القائمون به ويثابون بإذن الله على ما يفعلونه، غير أن الإثارة كانت في الخلل في طبيعة المادة الإعلامية المنشورة التي تحتوي على مخالفات واضحة لمعايير وأسس العمل الإعلامي بين الأطفال خاصة منهم المنتمون إلى أوساط فقيرة:

لقد عُرضت صور الأطفال مكشوفة الوجوه وواضحة، وصُورت أقدامهم التي ترتدي الأحذية البالية، ثم عرضت صور لهم وهو يرتدون الأحذية المقدمة من المبادرة، وظهر المشرفون وهم يوزعون المعونات على الأطفال المندهشين. هذا فضلاً عن النص الذي أفاض في شرح السعادة التي حلت على الأطفال، بعد تناول الحليب.

هذه المشاهد تنطوي على مخالفات صارخة لأخلاقيات العمل الإعلامي في أوساط الأطفال وأواسط الفقراء عموماً.

كان مرصد مصداقية الإعلام الأردني "أكيد" قد نشر تقريراً مفصلاً عن هذه القضية الحساسة بعنوان: "هل تنتهك الصحف خصوصية الفقراء وتهدر كرامتهم؟" وهو تقرير مزود بالكثير من الأمثلة المنشورة في مختلف الصحف الأردنية، وأشار إلى ما وقعت به هذه الصحف من مخالفات وتجاوزات لأسس العمل الإعلامي بين الأطفال.

وبالعودة الى المبادئ الاخلاقية المحلية والمتبعة في العالم،  تضع منظمة اليونسف مجموعة لمبادئ الأخلاقية المتَّبعة في إعداد التقارير الإعلامية حول الأطفال، أهمها: احترام كرامة جميع الأطفال في جميع الظروف، وتشترط أنه عند مقابلة الأطفال أو إعداد التقارير عنهم، ينبغي إيلاء اهتمام خاص بحق جميع الأطفال في الخصوصية الشخصية والسرِّية.

 وتؤكد توجيهات المنظمة الاممية على أنه ينبغي حماية المصالح الفضلى لجميع الأطفال وإعطاؤها الأولوية على أي اعتبار آخر، بما فيها اعتبارات كسب الدعم والتأييد لقضايا الأطفال وتعزيز حقوقهم، وعند محاولة تقرير المصالح الفضلى للطفل، ينبغي إعطاء حق الطفل في أَخذ وجهات نظره، ما يستحقه من الاهتمام الواجب وفقاً لعمره ومستوى نضجه.