أمانة عمان في الصحف: "الأمانة" تكتب أخبارها بنفسها!

أمانة عمان في الصحف: "الأمانة" تكتب أخبارها بنفسها!

  • 2015-11-15
  • 12

"عمان تغرق"..

كان هذا هو "الهاشتاج" الذي تداول من خلاله مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي آلاف الصور ومقاطع الفيديو لسيول مياه الأمطار التي اجتاحت شوارع عمان، وأغرقت أنفاقا وسيارات وطوابق سفلية من عمارات سكنية، وحصدت حياة أربعة ضحايا؛ طفلين وشابين.

المحور الأساسي للتفاعل الجماهيري مع الحدث كان الهجوم على أمانة عمان الكبرى، التي أعلنت منذ أسابيع، أنها أنجزت استعداداتها لفصل الشتاء، وأن البنية التحتية "جاهزة" للتعامل مع الظروف الجوية، لتحدث بعدها المفاجأة، التي اختصرها عنوان عريض تصدر الصفحة الأولى في صحيفة "الغد": "شتوة نصف ساعة تغرق عمان".

لقد كان لافتا في التغطية الإعلامية للحدث، هو أن الإعلام كان له ردّة فعل الجمهور نفسها، أي التفاجؤ، والهجوم التلقائي على أجهزة الأمانة، والتشكيك في جاهزيتها. لكنه كان الإعلام نفسه الذي كان لأيام وأسابيع مضت، ينقل  للجمهور تأكيدات مسؤولي الأمانة استعدادها للشتاء، بنشره البيانات الصحفية التي أرسلها المركز الإعلامي في أمانة عمان، كما هي، من دون استقصاء ولا متابعة ولا تثبّت من المصداقية. بالضبط كما يفعل كل عام، في "عادة" لم تغيرها إخفاقات سابقة لهذه الاستعدادات، كان "غرق عمان" هو حلقة أخيرة فيها.

لا يقف الأمر على تغطية استعدادات أمانة عمان للظروف الجوية، إن الصحف، في الأغلبية الساحقة من تغطيتها الإعلامية لمجمل شؤون "الأمانة" هي مجرد منصة لنشر البيانات الصحفية التي ترسلها هذه المؤسسة إلى وسائل الإعلام، وتسوّقها الأخيرة لجمهورها بوصفها "أخبارا"، لكنها في الحقيقة "أخبار" يكتبها موظفو الأمانة أنفسهم، فهم يختارون من بين الكم الهائل من القضايا المتعلقة بأداء الأمانة، تلك القضايا التي ستخرج إلى الجمهور، والمعلومات التي سيفُصح عنها، والطريقة التي تُصاغ بها هذه المعلومات.

لقد كشف رصد علمي أجري في سياق الإعداد لهذا التقرير وشمل عينة ممثلة للسبعة شهور الأخيرة[1]، أنه من بين 38 خبرا نشرتها صحف "الدستور" و"الرأي" و"السبيل" و"الغد"، كان هناك 27 خبرا هي بيانات صحفية صادرة عن "الأمانة"، إضافة إلى خبرين كانا في الحقيقة بيانين للأمانة، "طُعّما" بتغطية خاصة، شكّلت في أحدهما 36% من مجمل الخبر[2]، ولم تتجاوز في الآخر 13%[3]، أي أنهما عمليا، بيانان للأمانة يُضافان إلى الـ27 الأخرى، ما يجعل نسبة أخبار أمانة عمان التي كتبها موظفوها في الصحف الأربع 76% تقريبا من مجمل تغطية هذه الصحف لشؤون الأمانة.

جدول (1): توزيع الأخبار بحسب الصوت التي نقلته والجهة الأصلية المنتجة لها في كل صحيفة

الصحيفة

العدد الكلي لأخبار أمانة عمان

الصوت الذي نقلته الأخبار

توزيع الأخبار بحسب الجهة الأصلية المنتجة لها

مسؤولو أمانة عمان

آخرون

الصحيفة

بيان من أمانة عمان

بترا

خليط من التغطية الخاصة والبيان من دون الإشارة إلى البيان

عدد

%

عدد

%

عدد

%

عدد

%

عدد

%

عدد

%

الدستور

13

11

84.6

2

15.4

2

15.4

10

76.9

1

7.7

الرأي

9

7

77.8

2

22.2

1

11.1

6

66.7

1

11.1

1

11.1

السبيل

5

4

80

1

20

1

20

4

80

-

-

-

-

الغد

11

10

90.9

1

9.1

2

18.2

7

63.6

1

9.1

1

9.1

جدول (2): توزيع البيانات الصحفية بحسب الجهة التي نُسبت إليها في كل صحيفة

توزيع البيانات بحسب الجهة التي نُسبت إليها في كل صحيفة

الصحيفة

عدد البيانات الصحفية

نُسبت إلى صحافي في الصحيفة نفسها من دون إشارة إلى أنها بيانات

نُسبت إلى الصحيفة من دون إشارة إلى أنها بيانات من أمانة عمان

نُسبت إلى الصحيفة مع إشارة إلى أنها بيانات من أمانة عمان

نُسبت إلى بترا من دون إشارة إلى أن بترا نقلته عن بيان صحفي

عدد

%

عدد

%

عدد

%

عدد

%

الدستور

10

2

20

5

50

-

-

3

30

الرأي

7

1

14.3

5

71.4

-

-

1

14.3

السبيل

4

3

75

-

-

-

-

1

25

الغد

8

1

12.5

3

37.5

3

37.5

1

12.5

جدول 3): توزيع الأخبار بحسب الصوت التي نقلته والجهة الأصلية المنتجة لها في مجمل التغطية

العدد الكلي لأخبار أمانة عمان في الصحف

الصوت الذي نقلته الأخبار

توزيع الأخبار بحسب الجهة الأصلية المنتجة لها

مسؤولو أمانة عمان

آخرون

الصحيفة

بيان من أمانة عمان

بترا

خليط من التغطية الخاصة والبيان من دون الإشارة إلى البيان

عدد

%

عدد

%

عدد

%

عدد

%

عدد

%

عدد

%

38

32

84.2

6

15.8

6

15.8

27

71

3

7.9

2

5.3

جدول (4): توزيع البيانات الصحفية بحسب الجهة التي نُسبت إليها في كل صحيفة

عدد البيانات الصحفية في مجمل التغطية

توزيع البيانات بحسب الجهة التي نُسبت إليها في مجمل التغطية

 

نُسبت إلى صحافي في الصحيفة نفسها من دون إشارة إلى أنها بيانات

نُسبت إلى الصحيفة من دون إشارة إلى أنها بيانات من أمانة عمان

نُسبت إلى الصحيفة مع إشارة إلى أنها بيانات من أمانة عمان

نُسبت إلى بترا من دون إشارة إلى أن بترا نقلته عن بيان صحفي

 

عدد

%

عدد

%

عدد

%

عدد

%

29

7

24.2

13

44.8

3

10.3

6

20.7

          

كما سبق القول، تنقل الصحف بيانات المركز الإعلامي في أمانة عمان من دون استقصاء أو محاكمة لأي من المعلومات التي تتضمنها هذه البيانات، حتى إن بعض الصحف تذهب بعيدا، فلا تجري حتى التدقيق اللغوي لهذه البيانات، وتنقلها بأخطائها اللغوية والطباعية والأسلوبية. فتجد الخطأ ينتقل من بيان أمانة عمان إلى الصحيفة. بل قد تكون الصحيفة نقلت الخبر عن "بترا" التي تكون قد نقلته بأخطائه عن الأمانة، فتجده يرحّل بهذه الأخطاء في الحلقات الثلاث. مثال على ذلك، خبر تكريم الأمانة لعمال الوطن فيها، عندما نُقل الخطأ الطباعي "البية" بدلا من "البيئية" من الأمانة إلى "بترا" ثم إلى الصحيفة.

المركز الإعلامي لأمانة عمان الكبري، 3/5/2015

5

"بترا"، 3/5/2015.

6

"السبيل"، 4/5/2015، ص 5.

7

مثال آخر، خبر إعادة إنشاء شارع الأميرة بسمة، الذي نُقل من بيان الأمانة بجميع أخطائه الإملائية، الذي كان أوضحها "العباراة" بدلا من "العبارات":

المركز الإعلامي لأمانة عمان الكبرى، 31/5/2015.

2

"السبيل"، 1/6/2015، ص 6.

1

مثال ثالث، الخطأ في صياغة عبارة "وأضاف أن الأمانة لـ(بترا) باشرت منذ زيارة..." بدلا من: وأضاف لـ(بترا) أن الأمانة باشرت ...".

"بترا"، 2/9/2015.

3

"الرأي"، 3/9/2015، ص 6

4

تضليل الجمهور

ولأن البيانات الصحفية لأي مؤسسة هي روايتها الخاصة للأحداث، فإن من الطبيعي أن يكون الصوت الأوحد فيها هو صوت مسؤوليها. لكننا، إضافة إلى ذلك، نلاحظ في تغطية الصحف لشؤون الأمانة، أن اقتصار التغطية على صوت الأمانة امتد إلى جزء من التغطيات الخاصة لوسائل الإعلام، إذ سنجد أن نسبة الأخبار التي لم تنقل إلا صوت مسؤولي الأمانة كانت 84% من مجمل المواد المنشورة، من بيانات وتغطيات خاصة.

هذه الأخبارتمحورت حول مواضيع، يمكن تصنيفها إلى المحاور الآتية:

1- إنجازات الأمانة: وهي إتلاف لحوم مجمدة، ورفع هياكل سيارات مهجورة من الشوارع، وتكريم عمال وطن.

2- أخبار إدارية وعلاقات عامة وهي: صرف علاوات لموظفين، وتجديد عقود مدراء ومستشارين، وتحويل موظفي مياومة إلى راتب مقطوع، وزيارة وفد من بلدية مسقط إلى الأمانة.

3- تعليمات للمواطنين وهي: تحديد أماكن بيع الأضاحي، أماكن دفع المسقفات، تعليمات تركيب الخلايا الشمسية على أسطح المباني.

4- خطط الأمانة: توجهات لتنمية شرق عمان، إعادة إنشاء شارع الأميرة بسمة، توجه لتحويل دوار الداخلية إلى إشارة ضوئية، وتنمية منطقة بسمان وإعادة تأهيل شارع الملك غازي، والحفاظ على هوية عمان، وتوجه لتحديد ساعات إغلاق لمهن محددة.

وإضافة إلى ما سبق هناك خبر عن: إحالة عطاءات لمشاريع خدمية، وخبر عن تشكيل وزارة السياحة لجنة لدراسة تبعات توجه الأمانة نحو تحديد ساعات إغلاق لمهن معينة، وخبر ثالث عن "سوء" تعامل موظفي محكمة أمانة عمان مع المراجعين.

ولأن صوت الأمانة كان هو الصوت الأوحد في الأغلبية الساحقة من هذه الأخبار، فإن قارئها بالكاد سيجد أي نوع من محاولة تقييم الأداء، أو إدخال أصوات أخرى، يمكن أن يفضي إدخالها في الأخبار إلى تقديم نوع من المراقبة، ويكاد يكون هذا محصورا في خبرين، الأول خبر بالغ الاقتضاب في زاوية "زواريب" في صحيفة "الغد"، وينقل شكوى "مراجعين" لمحكمة أمانة عمان من "سوء" تعامل موظفي المحكمة. والخبر الآخر نية وزارة السياحة، تشكيل لجنة لدراسة تبعات قرار مرتقب للأمانة بتحديد ساعات إغلاق لمهن محددة مثل المطاعم.

اختلال تغطية أمانة عمان في الصحف لا يقف عند نقل صوتها الأوحد في الأغلبية الساحقة من التغطية، لكنه يمتد إلى ما يمكن عدّه "تضليل" الجمهور من خلال الطريقة التي تتبعها معظم الصحف في نشرها البيانات الصحفية للأمانة، وذلك عندما تنشرها من دون أن تنبه الجمهور، في الأغلبية الساحقة من الحالات، إلى أن هذه بيانات صحفية من الأمانة. فقد وجد هذا الرصد أنه من بين الـ29 بيانا صحفيا التي نشرتها الصحف بوصفها أخبارا، كان هناك 3 حالات، بنسبة 10% تقريبا، أُشير فيها إلى أن هذا الخبر هو بيان صحفي صادر عن أمانة عمان. وهذه الحالات الثلاثة كانت جميعها في صحيفة "الغد".

في المقابل سنجد أن بعض الصحف كانت تنشر هذه البيانات الصحفية باسم أحد صحافييها، أو تنشرها مسبوقة باسم الصحيفة من دون إشارة إلى أنها بيانات صحفية، أو تنشرها باسم "بترا" التي تكون قد نقلتها حرفيا عن بيان للأمانة. وهذه طريقة في نشر البيانات الصحفية تجعلها تبدو في نظر الجمهور مواد صحفية، كانت نتاج عمل صحفي مهني ومستقل. وهنا يكمن التضليل، لأن معرفة القارئ بهوية كاتب الخبر يحدد بدرجة كبيرة الكيفية التي سيستقبل فيها هذا القارئ هذا الخبر. فالخبر الذي يعرف الجمهور أن من كتبه هو موظف في المؤسسة التي يحكي الخبر عنها، سيُقرأ بتشكك، إذ سيكون معروفا أن لكاتبه "مصلحة" في الرواية التي يقدمها. وفي المقابل، فإن خبرا يُقدّم بوصفه عملا صحفيا محايدا، سيحظى بقراءة مطمئنة، وأكثر ثقة بالرواية التي يتضمنها.

[1]أُجري الرصد وفق عينة "الأسبوع الصناعي"، فاختير السبت الأول من شهر 4، ثم الأحد الأول من شهر 5، ثم الاثنين الأول من شهر 6، وهكذا حتى الوصول إلى الجمعة الأولى من شهر 10. وفق هذا الرصد كان يجب أن يكون يوم 3/5، من بين أيام العينة، لكن بسبب عدم وجود نسخة PDF لليوم المذكور على موقع "الدستور"، استعيض عنه باليوم التالي مباشرة وهو 4/5 للصحف جميعها.

[2]"تجديد عقود لمستشارين ومدراء في الأمانة"، الرأي، 5/8/2015.

[3]"مجلس الأمانة يحيل عطاءات لمشاريع خدمية بـ5 ملايين دينار" الغد، 5/8/2015"