إعلام يضلّل الباحثين وتضلّله البيانات: بيان "تضامن النساء" نموذجاً

إعلام يضلّل الباحثين وتضلّله البيانات: بيان "تضامن النساء" نموذجاً

  • 2015-11-03
  • 12

تداولت وسائل الإعلام على نطاق واسع البيان الذي أصدرته جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن"، يوم 28 تشرين الأول (أكتوبر)، ورصد الجرائم التي ارتُكبت بحق النساء في الأردن، خلال العشرة شهور الأولى من هذا العام، وقد اشتمل على ثمانية أخطاء، سبعة منها تتعلق بتواريخ 7 جرائم من الـ21 جريمة التي تضمنها الرصد، كان من بينها جريمتان لم تقعا أصلا هذه السنة.

البيان كان قد صدر بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف، الذي يصادف 29 تشرين الأول من كل عام، واستند في رصده، كما ذُكر فيه، إلى الأخبار التي تنشرها وسائل الإعلام. لكنه تضمن أخطاء، كان السبب في بعضها ممارسات مهنية خاطئة، ارتكبتها بعض وسائل الإعلام في تغطيتها أخبار الجرائم، وقد أدّت إلى التباس في تحديد زمن الجريمة لدى الراصد، في حين نجمت أخطاء أخرى عن خلل في دقة عملية المتابعة الصحفية نفسها، لم تنتبه إليها وسائل الإعلام.

لقد كان هذا البيان، بالأخطاء الذي اشتمل عليها، تمثيلا عمليا على الضرر الناجم، أولا: عن إخلال بعض وسائل الإعلام بمعياري "الدقة"، و"الوضوح" في تغطيتها لأخبار الجرائم، ما يحرمها من أن تكون مصدرا موثوقا للباحث. وثانيا: الضرر الناجم عن اتجاه وسائل الإعلام للتعامل مع نفسها بوصفها مجرد مستقبل سلبي للبيانات الصحفية، التي تصدرها المؤسسات الأخرى، فتنشرها من دون أن تحاكم المعلومات التي تتضمنها هذا البيانات. وفي المحصلة، يكون الجمهور هو ضحية هذا التضليل المزدوج.

وفق بيان "تضامن"، فقد وقعت 17 جريمة قتل لنساء خلال هذا العام، والحقيقة هي أنها 15 جريمة فقط، لأن الرصد تضمن جريمتين وقعتا في سنوات سابقة. أولهما جريمة في الزرقاء، ارتكبها رجل يعمل نجارا، اغتصب ابنته، ما نجم عنه حملها. وفي شهرها الخامس من الحمل، وخوفا من انكشاف أمره، أجرى لها بنفسه، عملية قيصرية في المنزل، أدّت إلى مقتل الفتاة. ووفق "تضامن" فقد وقعت الجريمة يوم 17 آب (أغسطس) الماضي، لكنها في الحقيقة وقعت في أيار (مايو) 2010، وغطّتها حينها بتوسّع وسائل الإعلام.

مصدر اللبس في الجريمة السابقة، هو أن موقع "سرايا" نشر يوم 16 آب الماضي، تقريرا عن هذه الجريمة بعنوان "قتل ابنته بديعة بعدما حملت منه بطريقة بشعة جدا"، وهو تقرير منقول عن موقع "جراسا"، الذي كان قد نشره ذاته، يوم 25 أيار 2010، تحت عنوان آخر "هكذا قتل النجار ابنته بديعة".

"سرايا" أعاد نشر التقرير القديم، الذي تضمّن سردا تفصيليا لأحداث الجريمة البشعة، من دون أن يذكر زمن وقوعها. بما أوحى لمن يقرأ الخبر بأن الجريمة حديثة. وهذا دفع صحيفة "القدس" اللندنية إلى إعادة نشر التقرير يوم 18 آب الماضي، تحت عنوان "جريمة هزت الأردن... قتل ابنته بطريقة بشعة جدا بعدما حملت منه". والمفارقة هنا، هو أن الأب الذي يذكر التقرير "الجديد" أن المدعي العام قرر توقيفه 15 يوما، كانت وسائل إعلام قد أعلنت، قبلها بثلاث سنوات تقريبا، وفاته في السجن.

لم يكن قد طرأ أي جديد على هذه القضية يبرر –مهنيا- إعادة الخوض فيها، إضافة إلى أن ذلك تمّ باستخدام مادة صحفية قديمة، أُعيد نشرها على أنها حديثة، وهذا ممارسة إعلامية مضللة. وكان واضحا أن إعادة الموقع نشر هذا التقرير بالذات، بما يتضمنه من سرد تفصيلي لعلاقة الأب بابنته، ولتفاصيل الجريمة البشعة، وهو من نوع الأخبار المثيرة، كان له هدف وحيد هو زيادة عدد المشاهدات.

الجريمة الأخرى، التي اتضح أنها قديمة، هي المتعلقة بإقدام رجل على   قتل وإحراق فتاة، ارتبط معها بعلاقة غير شرعية، ثم بعد أن اكتشف حملها، قتلها وشق بطنها وأخرج الجنين، وأشعل النار في الاثنين.  وفق "تضامن"، فقد وقعت الجريمة يوم 26 آب الماضي، والحقيقة أنها وقعت في نيسان (أبريل) 2013، ونُشر عنها في وسائل الإعلام حينها، كما نشرت بعدها خبر إلقاء القبض على القاتل.

الجديد في القضية السابقة، هو إصدار محكمة التمييز حكمها بإعدام القاتل، الذي نشره موقع "عمون"، لكن الموقع في تقريره، الذي نقلته عنه مواقع أخرى، لم يذكر زمن الجريمة. وهذه ممارسة إعلامية سبق لـ(أكيد) أن عرض لها في تقريرين سابقين، ومفادها أن تستغل بعض وسائل الإعلام صدور حكم جديد في قضية قديمة، فتعيد نشر تفاصيلها بطريقة توحي بأنها حدث جديد. وهذا يحدث بالتحديد في القضايا ذات التفاصيل الصادمة والمثيرة. علما بأن مواقع إلكترونية أخرى، نشرت خبر هذا الحكم، لكن مع إشارة إلى أن الجريمة "وقعت قبل سنوات".

ويشبه ما سبق الخطأ المتعلق بتاريخ مقتل سيدة على يد "مشعوذ" في مدينة إربد، خنقها بمنديل عندما كان يحاول، كما يقول "إخراج الجن منها". فوفق "تضامن"، ارتُكبت الجريمة يوم 25 أيلول (سبتمبر) الماضي، لكنها في الحقيقة وقعت يوم 5 آب (أغسطس) الماضي، وتوفيت السيدة في اليوم اللاحق (6 آب). وهي جريمة تداولت وسائل الإعلام خبرها على نطاق واسع في حينه.

اللبس في تاريخ الجريمة سببه أن صحيفة "الشاهد" نشرت تقريرا موسّعا عن الجريمة، يوم 22 أيلول، تحت عنوان "منى توفيت خنقا"، تضمّن لقاءات مع أقارب الضحية. لكن الصحيفة بدأت بسرد وقائع الحادثة، من دون أن تذكر زمنها في المقدمة، كما هو مفترض مهنيا، بل ذكرت ذلك، بشكل عابر، بعد أن تجاوز التقرير المكون من 840 كلمة  أكثر من نصفه. في حين أن العنوان والمقدمة، وصياغة التقرير بشكل عام، أوحوا بقوة بجدّة الحادثة. ثم أعادت مواقع إلكترونية، نشر التقرير السابق، يوم 25 أيلول، وهو اليوم الذي ذكرت "تضامن" أنه يوم الجريمة.

إضافة إلى ما سبق، كان هناك جريمة أخرى، غطّت بعض وسائل الإعلام زمنها بشكل خاطئ، هي  جريمة زوج قتل زوجته بالرصاص في منطقة ناعور، ثم ألقى جثّتها في حفرة امتصاصية. ووفق "تضامن"، فإن الجريمة وقعت يوم 24 تشرين الأول (يصادف يوم سبت). وبتتبع الأخبار التي تداولتها وسائل الإعلام عن الجريمة، يتّضح أن أيّها لم يذكر تاريخ ارتكاب الجريمة، لكنها ذكرت تاريخ اكتشاف الجثة في الحفرة، وكان يوم الخميس، الذي يصادف 22 تشرين الأول. ومصدر اللبس في بيان "تضامن"، هو أن بعض وسائل الإعلام أخطأت في تحديد الزمن، فنشرت أنها ارتُكبت "صباح السبت".

أيضا، كانت هناك معلومة خاطئة تتعلق بجريمة الرجل الذي قتل زوجته، وألقى، وفق "تضامن" بجثتها "أمام مستشفى الرمثا". في حين أن الصحيح أنه ألقى بها أمام مستشفى المفرق. الجريمة وقعت في آب الماضي. وذكرت وسائل الإعلام أنه مستشفى المفرق، لكن موقعا إلكترونيا واحدا، أمكن الوصول إليه أثناء الإعداد لهذا التقرير، هو "هلا نيوز"،  كان قد أخطأ في العنوان، فذكر أن الجثة ألقيت أمام مستشفى الرمثا، رغم أنه نفسه يذكر في متن خبره أنه مستشفى المفرق. ويبدو أنه الموقع الذي اعتمده البيان.

وفي السياق نفسه، كانت هناك أخطاء، بفارق يوم أو يومين، في تواريخ 3 جرائم أخرى، تعود إلى أخطاء في الرصد، إذ كان الزمن مذكورا في الأخبار التي تداولتها وسائل الإعلام. وهذه الجرائم هي، جريمة زوج قتل زوجته بإطلاق النار عليها في منطقة الحسينية، في الجنوب، ثم سلّم جثّتها للمركز الأمني في المنطقة، إذ ذكرت  "تضامن" أنها وقعت يوم 13 نيسان، في حين أنها وقعت يوم 11 نيسان. والثانية هي مقتل فتاة، عمرها 17 سنة، بعيار ناري، على يد مجهول في الرصيفة، ذكرت "تضامن"، أنها  وقعت يوم 7 أيار، لكنها وقعت يوم 6 أيار. والثالثة هي قتل رجل لزوجته بإطلاق النار عليها في أحراش ياجوز، في عمان، ثم انتحاره في اليوم ذاته. وذكرت "تضامن أنها وقعت يوم 5 حزيران (يونيو)، في حين أنها وقعت يوم 4 حزيران، لكن جثة الزوجة اكتُشفت في الأحراش يوم 5 حزيران.