احتجاج على مسؤولة تربوية "تخفّت" لتتفقّد مدرسة في العقبة

احتجاج على مسؤولة تربوية "تخفّت" لتتفقّد مدرسة في العقبة

  • 2015-04-12
  • 12

أكيد – دلال سلامة

ما الذي شاهدته مسؤولة وزارة التربية والتعليم، أثناء تفقدها لمدرسة أيلة الثانوية للذكور، في مدينة العقبة، ودفع الوزارة إلى معاقبة مدير المدرسة ومساعده وأحد المعلمين، بنقلهم إلى مدارس قرى، خارج قصبة المدينة؟

هذا هو السؤال الذي لم يفلح بالتغطية عليه، كل الضجيج في بيانات الاحتجاج، التي أصدرتها نقابة المعلمين، واحتجت فيها على أسلوب زيارة المسؤولة، التي دخلت المدرسة، كما قال البيان "منتحلة" صفة ولية أمر طالب، ووجهت للمعلمين "إهانات"، على مرأى من طلابهم.

لقد غُطّيت الحادثة السابقة في وسائل الإعلام بثلاث تغطيات خلال الأيام الماضية، لكن الجمهور احتاج إلى قرابة الأسبوع كي يحصل على الجواب، عندما نقلت صحيفة "الغد"، اليوم، عن صفحة "فيسبوك" الخاصة بالمسؤولة شهادتها عن الواقعة، وقالت فيها إنها عندما وصلت المدرسة، الساعة العاشرة صباحا، وجدت الطلاب يخرجون من باب المدرسة، من دون أي مساءلة من معلميهم الذين كانوا "يجلسون في الشمس". ثم قالت إنها شاهدت معلما يضرب بعنف تلميذا في الصف الخامس بعصا معدنية. ووصفت قذارة دورات المياه في المدرسة، التي تفوق بحسب قولها الخيال.

منذ 8 نيسان (أبريل) الجاري، إلى يوم أمس، ترك الإعلام نقابة المعلمين، تقود التغطية الإعلامية للحادثة،  عندما اكتفى بدور الناقل السلبي لبياناتها الصحفية، فلم يطرح هذا السؤال، لا على النقابة، ولا على وزارة التربية، في وقت لوّحت فيه النقابة باعتصام جماعي، لمعلمي مدارس العقبة كافة، ونفٌذه أمس، وفق الأخبار "العشرات" من معلمي المحافظة أمام مدير التربية في المحافظة. وباستثناء "الغد" التي نقلت اليوم شهادة المسؤولة، فإن تغطيات اليوم، ما زالت تواصل الدور نفسه.

بدأت القصة يوم الأربعاء، 8 نيسان (أبريل) الجاري، عندما أصدرت نقابة المعلمين بيانا، نشرته صحيفة "الغد"، وموقعا "السبيل" و"العرب اليوم" الإلكترونيان" ومواقع إخبارية، عن "وقفة احتجاجية" نفّذها معلمو مدرسة أيلة، في اليوم السابق، احتجاجا على "قيام إحدى المسؤولات في الوزارة بالإساءة إليهم والدخول إلى الغرف الصفية بطريقة استفزازية منتحلة شخصية ولي أمر طالب"، ونسب الخبر إلى المسؤولة "التلفّظ بألفاظ لا تليق بحق المعلمين والصراخ في غرفة الإدارة"، فطلبوا من مدير "تربية العقبة"، الذي جاء إثر الحادثة أن يوعز لها بأن تخرج من المدرسة، لكنه رفض، وهذا دفعهم، بحسب البيان، إلى تنفيذ الوقفة، في حين قدّمت نقابة المعلمين شكوى قضائية بحق المسؤولة في محكمة العقبة.

لم يوضّح البيان السابق للجمهور، ماهية اعتراضات المسؤولة، والسبب الذي دفعها لـ"الصراخ"، ولا حدّد الألفاظ "غير اللائقة" التي وجّهتها للمعلمين، لكن وسائل الإعلام، رغم هذا، نشرت البيان بغموضه، وأحادية روايته، من دون استيضاح موقف وزارة التربية، والتثبّت من صحة مضمونه. ورغم أن "الغد"، كانت الوسيلة الوحيدة التي استقصت موقف وزارة التربية من الحادثة، إلا أن هذا لم يضف شيئا للخبر، فقد نشرت الصحيفة البيان كما هو، ثم ذيّلته بسطرين تضمنا تصريحا "ملتبسا" لمدير "تربية العقبة"، جميل شقيرات، قال فيه إنه "التقى الهيئة التدريسية بالمدرسة، وتفهم موقفهم من دخول المسؤولة إلى المدرسة"، وهو تصريح لا يقدّم أي معلومة إضافية عن حيثيات الواقعة، ولا عن موقف الوزارة منها.

في اليوم التالي، أصدرت نقابة المعلمين بيانا ثانيا، تحدثت فيه عن اجتماع عقدته مع وزير التربية، ومسؤولي الوزارة، ليل الحادثة. ورغم أن البيان خاض في قضايا متنوعة، قالت إن الطرفين توافقا عليها أثناء الاجتماع، من دون أن يشير صراحة إلى الحادثة السابقة، لكنه تضمن ما كان واضحا أنه مرتبط بها، فقد ذكر أنه اتُفِّق على أن يوجه وزير التربية، الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس الوزراء، كتبا رسمية إلى جميع الجهات الرسمية، تقضي باستجواب أي موظف في القطاع العام "يعتدي على حرمة مدرسة من خلال دائرته". وهنا أيضا، نشرت وسائل الإعلام، من صحافة مطبوعة، ومواقع إلكترونية، البيان السابق بنصّه الحرفي، من دون ان تربطه بالحادثة، ومن دون أن تحلل موقف الوزارة هذا، من أجل استقصاء ما حدث في المدرسة.

بعدها بيوم، أصدرت النقابة بيانا ثالثا، نشرته "الدستور"، ومواقع إخبارية، وبدلا من النبرة الودية التوافقية التي طبعت البيان الثاني، كان هناك لغة تصعيد غاضبة ومفاجئة، احتجاجا على إصدار وزارة التربية قرارات نقل لمدير المدرسة ومساعده ومعلم الحاسوب فيها، والأخير هو عضو في نقابة المعلمين، إلى مدارس قرى خارج مدينة العقبة.

في هذا البيان ذكرت النقابة تفاصيل جديدة عن زيارة المسؤولة، لم تكن قد ذكرتها في بيانها السابق، هي أن المسؤولة كانت تلتقط الصور داخل المدرسة، وأنها كانت تفتح أبواب الغرف الصفية "برجلها"، وتستهزئ بالمعلمين، وأضاف البيان أن المعلمين عندما طلبوا من مدير التربية، الذي حضر إلى المدرسة بناء على اتصال من المسؤولة، أن يطلب منها الخروج، أجابهم "اخرجوا أنتم".

وكما حدث مع البيانات السابقة، فقد نشرت وسائل الإعلام هذا البيان الصادم بنصه، من دون أن تجعل الجمهور يفهم ما حدث، فقرارات نقل من هذا النوع، هي في العادة "عقوبات تأديبية" متقدمة، وما دامت الوزارة أوقعتها على كوادر في المدرسة، مباشرة بعد زيارة تفقدية لأحد مسؤوليها، فهذا يعني احتمالية وجود تجاوزات كبيرة فيها، من حق الجمهور أن يعرف بها، لكنه أمر لم تأت بيانات النقابة على ذكره، ووزارة التربية لم تعلنه، والإعلام لم يستقصه في حينه، لا من الوزارة ولا من طلبة المدرسة وأولياء أمورهم، ولا حتى من معلمي المدرسة أنفسهم، الذين تولت النقابة الحديث عنهم.

خلال الأيام الماضية، كان هناك اتهامات بتجاوزات خطيرة على كرامة المعلمين، وجهتها النقابة إلى مسؤولة وزارية، لكن الجمهور لم يسمع من وزارة التربية نفيا أو تأكيدا لها. وفي المقابل كان هناك عقوبات أوقعتها الوزارة، على كوادر مدرسة، عقب زيارة مسؤول لها، لكن الجمهور لم يتلق تفسيرا لها. وبدلا من أن توضح التغطيات الواقعة للجمهور، فقد فعلت العكس وأحاطتها بالضبابية، وهي ضبابية سببها أن الإعلام سمح لطرف وحيد من أطراف هذه الواقعة، هو نقابة المعلمين، أن يقود التغطية الإعلامية ببياناته، التي اتضح أخيرا أنها لم تقل كل شيء. وباستثناء تغطية "الغد" اليوم، فإن وسائل الإعلام واصلت في تغطيات اليوم الأمر ذاته، فقدمت "السبيل" و"الرأي" تغطية موحدة، خُصّص 80% منها أيضا لرواية النقابة، وفي السطرين الوحيدين الذين عُرض فيهما موقف الوزارة، استُخدمت لغة منحازة، عندما قيل إن قرار النقل كان "بحجة" الترهل الإداري والتطاول على مسؤول في التربية.