تناقلت مواقع إخبارية، يوم الجمعة الماضي، خبر وفاة سيدة، من البادية الشمالية، أثناء الولادة، نتيجة ما قالت هذه المواقع إنه "خطأ طبي" ارتكبه الطبيب، الذي أجرى لها عملية ولادة قيصرية. ووفق الخبر، فقد أعطى الطبيب السيدة "جرعة زائدة من الطلق الصناعي ما أدى إلى انفجار المثانة".
الخبر الذي نشرته، بالنص ذاته، ثلاثة عشر موقعا هي جراسا ورم وهلا نيوز وبوابة الأردن وصامد نيوز وأنباء الوطن، وشيحان جو، وشاهد جو، وع النار، والبلقا نت، والوقائع ، والكون نيوز، ووطنا نيوز[1]، حمل عنوانا موحدا هو "خطأ طبي ينهي حياة سيدة خلال عملية ولادة"، وهو عنوان يتضمن حكما بأن الوفاة كانت نتيجة خطأ طبي، رغم أن التفاصيل لم تدل على ما يثبت صحة ذلك، فجميع المعلومات في الخبر، بما فيها الحسم بوجود خطأ، منسوبة إلى مصدر مبهم هو "مصدر مقرب للسيدة"، من دون أن يكون هناك في المقابل، أي إفادة للجهات الأخرى ذات العلاقة بالقصة، وهي وزارة الصحة، ونقابة الأطباء ومستشفى المفرق، الذي ذُكر أن السيدة نُقلت إليه بعد العملية، ولم يكن هناك أيضا أي إفادة لمختصين مستقلين.
الاختلال المهني الأساسي لم يكن فقط في أن حسم سبب الوفاة لم يكن منسوبا لجهة مختصة، أيضا الخبر نُشر بعد ساعات فقط من حادثة الوفاة، وهي فترة غير كافية لأن تُتخذ الإجراءات التي تُتخذ في مثل هذه الحالات، وتشمل تقدم المتضرر بشكوى رسمية، والتحقيق من قبل لجان فنية، ليكون للقضاء في النهاية الكلمة الفصل، وهي إجراءات قد تمتد لأشهر، حتى تصل إلى حكم بأن الوفاة أو الضرر كان فعلا نتيجة خطأ في الإجراءات التي اتخذها الطبيب.
وفي وقت نجد فيه أن الخبر بكامله بُني على رواية طمقربين" من المتوفاة، الذين خاضوا في تفاصيل طبية دقيقة، فإنه مرّ في الوقت نفسه بشكل عابر على أحد التفاصيل الصادمة التي تضمنها، وهي أن الطبيب أجرى للسيدة عملية قيصرية في "عيادته الخاصة"، من دون أي استقصاء لهذا الجانب المهم من القصة، فهل كانت العملية فعلا قيصرية؟ وما هي التجهيزات الموجودة في العيادة؟ وهل أجرى هذا الطبيب قبل ذلك عمليات قيصرية في عيادته؟ ومنذ متى يحدث ذلك؟
ما سبق هو مثال على تعاطي بعض المواقع الإخبارية مع حالات الوفاة، أو الضرر الشديد، التي تعقب العمليات الجراحية بالتحديد، عندما تسارع بنقل رواية وحيدة، هي رواية العائلة أو المقربين، من المريض، الذين يكونون في الغالب في حالة صدمة عاطفية، ولا توازن هذه المواقع رواية العائلة بإفادات لمتخصصين، يقدمون وجهة النظر العلمية في الحادثة، ومنها على سبيل المثال ضرورة التفرقة بين الأخطاء الطبية ومضاعفات الإجراءات الجراحية.
ومن الأمثلة على هذه الأخبار: تدهور حالة مريض دخل مستشفى خاصا لإجراء عملية غسيل كلى، ووفاة شاب يقول أهله إن الأطباء تأخروا في معاينته، ووفاة سيدة خلال بعد عملية قيصرية.
هذه الأخبار وغيرها، بتسرعها في نقل ردّات الفعل العاطفية للأهل، وجعلها أساس التغطية، وقفزها إلى نتائج يحتاج الوصول إليها إلى تحقيقات متخصصة، وفي إغفالها روايات الأطراف الأخرى الأساسية في القصة، فإنها تنتهك مجموعة من المعايير المهنية الأساسية، هي: الدقة والتوازن والشمولية والوضوح، وهذا كله يخلّ بمصداقية هذه الأخبار، وفي هذه القضية بالذات، فإنه يقود إلى نمط تغطيات لا يزود الجمهور بمعلومات دقيقة عن واقع الأخطاء الطبية، وإجراءات التعامل معها، بما يفقد هذه التغطيات، في النهاية، تأثيرها المفترض، كأداة توعية وتغيير.
[1] هذه هي المواقع التي أمكن الوصول إليها من خلال استخدام آلية البحث المتقدم في غوغل.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني