أكيد- أنور الزيادات
أصبح المتصفح للمواقع الإخبارية المحلية يجد العديد من العناوين المثيرة خاصة المتعلقة بالجريمة "قتل، سرقة وفساد" تحتل مساحة واسعة من الصفحات الرئيسية لتلك المواقع.
مرصد مصداقية الإعلام الأردني "أكيد" رصد عددا من العناوين التي تصدرت أخبار المواقع الاخبارية، خلال الشهر الأخير، ومن خلال المتابعة تبين أن المواقع تعمل على وضع هذه الأخبار التي تحمل الإثارة على الصفحات الرئيسية فيما المواضيع الأقل إثارة تكون في الأبواب الأخرى.
وفي خضم البحث عن الإثارة، فإن بعض العناوين تخالف معايير الوضوح التي يجب أن تنطبق على الخبر وعنوانه، فهو جزء من المادة الخبرية، الا أن الإثارة تكون على حساب الدقة في عرض تقارير حول تفاصيل الجرائم المرتكبة، لتحظى باهتمام القراء ومتابعتهم، مهما اختلفت مستوياتهم.
ومن هذه العناوين التي نشرت الشهر الماضي :الأردنيون عبر مواقع التواصل يبحثون عن إجابة: من قتل العروس أروى؟ ،هكذا علق بطل "فيديو اعتداء اربد" على الحادثة !، جريمة قتل تهزّ "مخيم حطين"، هل أصبحنا نعيش في شيكاغو؟ ماذا يحدث في العاصمة عمان؟،العثور على جثة عشريني في السلط، صاحب سوابق في اربد يطلق عيار ناري على شاب عشريني ويضرم النار بمركبته بعد أن غضب، وفاة فتاة أردنية بعد خطبتها بيومين،عمان: زفاف في صالة أفراح ينقلب الى عزاء بسبب وفاة ام العريس، عصابات الوافدين تهدد منطقة الكوم في شفا بدران، عريس اردني بعد عودته من شهر العسل .. اكتشف الكارثة !!، فتاة تلقي نفسها فجراً من فوق بناية بالجامعة الاردنية، جبل الحسين .. شخص ينتقم من عشريني بطعنه في مقتل !جريمة قتل مروعة في عمان، شاهد الفيديو "العنيف" لرجال الامن الذي اثار حفيظة الاردنيين، الأمن يضبط مرتكب جريمة خلدا قبل هروبه خارج المملكة، جريمة مروعة .. مقتل رجل الاعمال "محمد" بماء النار، جريمة مروعة .. رجل يقتل زوجته بواسطة "سكين" بالزرقاء!، جريمة قتل طفلة بطريقة غريبة !!
ويقول عميد كلية الإعلام في جامعة الزرقاء الدكتور محمود شلبية ان مثل هذه الأخبار "تزيد نسب المتابعة لوسائل الإعلام سواء كانت مواقع إخبارية أو تلفزيونات شرائح "سلايد" أو أي وسائل أخرى"، موضحا أن "الهدف يكون حضور أكبر للوسيلة في الساحة الاعلامية وأذهان الجمهور ومن ثم المتابعة وجذب المعلنين".
ويضيف أن وسائل الإعلام الأمريكية تغطي عليها مثل هذه النوعية من الأخبار وتركز عليها خاصة جرائم القتل والاغتصاب، علما بان نقل هذه الأخبار هو واجب وسائل الأعلام لكن من دون تهويل، حيث أن الأخبار الغريبة وغير المتوقعة تثير فضول الناس وتكون مثيرة للاهتمام وتحقق نسب مشاهدة عالية، فيما المواضيع السياسية الاقتصادية بشكل عام أقل متابعة من قبل الجمهور.
ويوضح أن "بعض هذه الأخبار لا تتحرى الدقة ، وبعضها مضلل لكن يكون بالتركيز على إثارة فضول المتابعين، فهذه الأخبار مثل جرائم القتل والسرقة والاغتصاب لها متابعين كثر".
ويضيف "بالتأكيد أن المجتمع لا يخل من الجرائم وتغطيتها من صلب عمل الصحفي ، وتغطية الأخبار السلبية لا تخل من الفائدة فهي تشكل نداء وتحذيرا للمجتمع من الوقوع ضحايا لجرائم مشابهة وعلى سبيل المثل قصة مقتل الطفل السوري التي شغلت الرأي المحلي شكلت رسالة تحذيرية للأهالي بمتابعة أبنائهم الصغار والحفاظ عليهم".
وقال أن "بروز مثل هذه العناوين في أي وسيلة إعلامية يعود إلى سياسة الوسيلة التحريرية، فمثلا الصحف الورقية الرسمية تتسم بالوقار والمسؤولية، وأخبارها نتاج عمل مراسلين معتمدين في المواقع والأماكن المختلفة، وهي مختلفة عما يوصف بالصحافة الصفراء والتي تعتمد على المبالغة وأحيانا قصصا مترجمة من دول وبيئة أخرى ومن ثم لصقها بالأردن أو دول عربية أخرى، وهي قصص غريبة عن مجتمعنا، لكنها ترفع نسبة المتابعة".
ويضيف أن "بعض وسائل الاعلام تقوم بالتركيز على السلبيات والجرائم بشيء من المبالغة والتضليل"، مضيفا "اننا بتنا نشهد احيانا قصصا تسيء لبعض الاشخاص"، مؤكدا أن على الإعلامي أن يتمتع بالمسؤولية الهادفة وأن يحافظ على قيم واعراف المجتمع وان يتقيد بالمصداقية.
ويقول مدير التحرير في موقع الوكيل الإخباري مجدي الباطية، إن "المواقع الإخبارية تتقيد بالحدث، فالموقع لا يأت بجريمة بل ينقل الخبر، والمواقع تبحث عن الأخبار التي تثير الجمهور وليس شرطا ان تكون ذات مضمون سلبي ، لكن بالفعل المواقع تولي اهتماما أكبر للأخبار المشوقة للقراء، وتضع لها عناوين مثيرة".
ويضيف "اعداد المشاهدات تؤكد أن الجمهور يحب مثل هذه الأخبار المشوقة، ويبحث عنها خاصة التي تحمل كشفا للأسرار وبين طياتها الفضائح احيانا"، مشيرا الى "أن الجمهور الأكبر للمواقع الإخبارية هم من الشباب"، الان انه يؤكد بان "المواقع لا تهتم فقط بأخبار الجريمة والفساد لكن جميع الاخبار الجاذبة وحتى السياسية منها مثل أخبار تشكيل وتعديل الحكومات".
ويوضح ان "المواقع الاخبارية مثل أي مؤسسات إخبارية أخرى، فهناك المواقع المحترمة التي تحافظ على قيم المجتمع ،ولا تخرج عن النص لكن بالتأكيد فان المواقع تولي اهمية كبرى للعناوين الجاذبة التي تثير فضول المتابعين"، ولا ينفي وجود مواقع "لا تتقيد بأخلاقيات المهنة".
ويوضح الباطية بإن "المواقع الإخبارية تحاول مسايرة ومتابعة المتغيرات التي رافقت التطور التقني، وما تشهده مواقع التواصل الاجتماعي من انتشار، الأمر الذي فرض مزيدا من السرعة على أداء محرري المواقع الإخبارية وهو أمر ايجابي، لكن بعض الأحيان تنشر أخبارا غير دقيقة كما يجب لكون المعلومات أولية وبعد المتابعة مع الاطراف المختلفة يتم تحديث وتصويب أي خلل ومعلومة غير دقيقة".
ويقول رئيس لجنة التدريب في نقابة الصحفيين الأردنيين جمال شتيوي لمرصد (أكيد) إن "الاعلام لا يصنع الجريمة ولا يخلق الحدث بل يتابع الاحداث، لكن عند وقوع جريمة ما فان الإعلام يتناول الحدث بالشكل الذي يثير اهتمام الجمهور"، مضيفا أن "جرائم القتل الاغتصاب والفساد والسرقة تثير فضول الجمهور أكثر من الأخبار السياسية والاهتمام هو الذي يجعل هذه الاخبار لها صدى وأثرا أكبر في الرأي العام المحلي".
ويضيف "الاعلام القديم كان عاجزا عن كتابة ونقل كل ما يحدث في المملكة، بسبب انفصال المجتمع عن الإعلام، ففي السابق عند وقوع جريمة في قرية بعيدة عن العاصمة لا نجدها في الاعلام، أما الأن فالمواقع تغطي جميع الاحداث وتصل تفاصيلها إلى وسائل الاعلام".
وأشار الى أن وسائل التواصل الاجتماعي "أثرت بشكل عام على زيادة تداول مثل هذه الأخبار سواء بنقل التفاصيل عن أي حادث أو جريمة، أو عبر اعادة نشر مستخدمي هذه الوسائل لهذه الأخبار على وسائل التواصل".
وحول اهتمام المواقع بمثل هذه الأخبار يقول "ان من أهم معاير النشر كم شخص يهمه الخبر، وما هي الشريحة التي يوجه اليها الخبر، فالخبر الرياضي سيتابعه المهتمون بالرياضة، والخبر السياسي المهتمون بالسياسة أما خبر الجريمة المتعلق بحياة انسان أو اغتصاب فتاة فيهم جميع افراد المجتمع بمختلف اهتماماتهم وميولهم ودوافعهم وأعمارهم".
ويضيف "الجريمة تقع في جميع المجتمعات وعلى مر العصور، لكن وسائل الاعلام لم تكن تنقل كل ما يحدث، بالإضافة لذلك الآن اصبح الانترنت داخل كل منزل، وأصبح هناك كم هائل من الأخبار مما جعل البعض يشعر بتزايد للجريمة ومبالغة في هذه الاخبار"، ويضيف "عدم المعرفة لا يعني عدم وجود الشيء فسابقا لم يكن الناس يتحدثون عن مرض السرطان كما هو الان وكذلك الجلطات القلبية، ولكن هذا لا يعني عدم وجودها بالسابق".
ويشير الى أن "هناك اختلاف في اسلوب تغطية الجريمة فهناك مواقع تلجأ إلى الزركشة واطلاق العنان للخيال، وتأليف بعض الاخبار، ولكن على الصحفي التقيد بالدقة والامانة وان لا يقدم ما هو مغاير للواقع".
ويقول المحامي والباحث في حقوق الانسان صدام أبو عزام لمرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) إن التغطية الاعلامية للحوادث والجرائم محكومة بالعديد من الضوابط الاخلاقية والقانونية، ولعل الأخلاقيات الصحفية تبرز أكثر في تغطية في مثل هذا النوع من الأخبار، إذ أنها محكومة قبل أي شيء بالحقوق العامة للمجتمع ومسؤولية الصحافة الاجتماعية كمهنة ذات طابع انساني.
ويوضح أن أحد الاسباب الرئيسة التي تؤدي الى الإخلال بالمعايير المهنية هو تنازل الصحفي عن الموازنة بين ما يعتقد بأنه حق مطلق له في ممارسة المهنة والتضحية بالحقوق العامة الخاصة بالمجتمع بسبب عدم الوعي بمضمون هذه الحقيقية او الرغبة في السبق الصحفي أو السعي للوصول الى الشهرة.
ويضيف أن من المحددات القانونية والمهنية الواجب مراعاتها من قبل الصحفي أو المؤسسة الصحفية حق المجتمع في السلامة العامة والاطمئنان والسكينة وعدم تشويه وملئ الفضاء العام بالأخبار المتعلقة بخطابات الكراهية والتمييز على أي نوع كان أو تشويه الصورة أو التأثير على الإنماء الطبيعي للمدركات الفكرية للأجيال والمجتمع بشكل عام أو من شأنه تعكير سلامة المجتمع واطمئنانه وعدم الدعوة او التحريض على العنف بكافة اشكاله وحق المجتمع بالاطلاع دون تهويل أو تحريف أو مبالغة أو بث أي خبر من شأنه توجيه النشء الى العنف أو التشجيع على سلوكيات سلبية.
ويشير إلى أن تغطية الجرائم محكومة بالعديد من الضوابط والمعايير العامة التي من الواجب ادراكها من قبل الصحفيين والاعلاميين بإعتبارها جزء أًصيل من دوام تقدم المجتمع ولكن دون المساهمة أو التحريض بشكل مباشر او غير مباشر على العنف وانتشار الجريمة واعطاء صورة سلبية عن المجتمع بشكل عام مما يؤثر على الثقة العامة والشعور الوطني العام بالأمن والاستقرار والسكينة ودون إثارة الذعر أو الهلع أو الخوف أو التأثير على أنماط التنشئة الإجتماعية السليمة والقيمية والأخلاقية أو حتى المس بالضمير الجمعي.
ويوضح أن مسألة نشر الأخبار المتعلقة بالحوادث والجرائم دقيقة من حيث اخذ الحيطة والحذر من نشر تفاصيل ووقائع الجريمة واساليبها والوسائل والاجراءات التي اتبعها المتهم في ذلك، حيث أن الإغراق في نشر التفاصيل يحفز قرائح الافراد والاجيال والشباب حول تلك الاساليب ويكون مدعاة للتجربة من قبلهم أو يعطي فرصة للأشخاص الذي يعانون من مشاكل نفسية واجتماعية من اتباع ذات المسلك الاجرامي، وبالتالي تنتفي الغاية الاخلاقية والمهنية من عملية النشر برمتها بل ويصبح الاعلام عاملا سلبيا في المجتمع وتنتفي رسالته الانسانية.أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني