عندما يُطرح السؤال عن "خطاب كراهية" في تغطية الإعلام الأردني للاجئين السوريين، فإن الإجابة السريعة هي أنه غير موجود، فنحن إذا استثنينا بعض عناوين وعبارات تحريضية هنا وهناك، وإذا استثنينا، أيضا، ما تسمح بنشره بعض المواقع الإخبارية من تعليقات للقراء، فإنه لا أحد يمكنه أن يدعي أن اللغة القاسية المسيئة المحرضة مباشرة على الكراهية والعنف ضد اللاجئين السوريين في الأردن، تشكل "ظاهرة" في تعاطي الإعلام المحلي معهم.
لكن هذه هي الإجابة السهلة، ذلك أن إنتاج الإعلام خطاب كراهية ضد اللاجئين، يذهب إلى أعمق بكثير من استخدام اللغة القاسية والمحرّضة بشكل مباشر ضدهم، إذ يمكن للإعلام أن يفعل هذا من دون استخدام كلمة مسيئة واحدة. وهذا ما تفعله بالتحديد، الصحافة اليومية، إذ يلاحظ من يتتبع تغطية اللاجئين فيها، أن هذه التغطية، رغم أنها لم تستخدم لغة قاسية، إلا أنها تنطوي على خطاب كراهية "خفي"، أنتجته مجموعة انتهاكات لمبادئ مهنية أساسية، يُفترض أن تحكم تغطية أي قضية.
المبدأ الأول هو أن تكون التغطية إنسانية، لكن هذه التغطية تهمّش الجانب الإنساني من تجربة اللجوء، فلا تتعامل مع اللاجئين بوصفهم بشرا، أي كيانات إنسانية متفردة، بل تشير إليهم، في الغالبية الساحقة من المواد الصحفية بوصفهم مجرد كتلة جماعية صمّاء بلا ملامح، بما ينطوي عليه ذلك من تعتيم على معاناتهم، ويغطّي على حقيقة أساسية، هي أنهم "ضحايا".
المبدأ الثاني هو أن تكون التغطية متوازنة، فتمثّل بعدالة جميع أطرافها الرئيسية، لكن تغطية اللجوء السوري تهمّش أحد أهم أطرافها، وهم الضحايا، من لاجئين سوريين وأبناء المجتمعات المحلية المستضيفة، وتترك المسؤولين يحتكرون القسم الأعظم من الرواية.
المبدأ الثالث هو أن تقوم التغطية على الحقائق الصلبة، وهذا ما يفتقر إليه قسم كبير جدا من تغطيات اللاجئين السوريين، فهي تقوم بشكل أساسي على الشكوى من أعباء اللاجئين، وتحميلهم مسؤولية تردي الخدمات في مختلف القطاعات، لكنها لا تدعم ذلك بحقائق، فهي إما تستخدم لغة إنشائية لا تقدم أي معلومات محددة، أو تقدّم معلومات شحيحة جدا، بما لا يوفر الحدّ الأدني من الفهم، أو تتضمن معلومات غير دقيقة أو موثقة، وفي أحيان كثيرة، فإن الحقائق تُخرج من سياقها، لتقود الفهم في الاتجاه الخاطئ.
المبدأ الرابع هو أن تكون التغطية منصفة، لكن هذه التغطية، وفي وقت تواصل فيه الشكوى من أعباء اللاجئين، وتربطهم بما يكاد يكون معظم مظاهر تردي الخدمات في البلد، والضغط على الموارد الشحيحة، فهي تغفل الإشارة إلى أي أثر إيجابي لهم في محيطهم الجديد.
إذن، لدينا تغطية تقوم بشكل أساسي على تحميل اللاجئين السوريين الكثير من مظاهر الاختلال، من دون أن تدعم هذا بحقائق ومعلومات محددة ودقيقة. وهي تفعل ذلك في وقت تسلب فيه اللاجئين هويتهم الإنسانية، وتعتّم فيه على معاناتهم، وتهمّش أصواتهم. وهذا كله لا يفسح مجالا لأي مشاعر تعاطف معهم، بل هو وصفة مثالية لتهيئة أرض خصبة لنمو مشاعر كراهية ضدهم.
رُصد، في إطار الإعداد لهذا التقرير، عينة علمية[1] ممثلة للمحتوى الإخباري المحلي في أربع صحف هي "الدستور" و"الرأي" و"الغد" و"السبيل"، تغطي الفترة من 4 كانون الثاني (يناير) 2015 إلى 13 شباط (فبراير) 2016.
بلغ مجمل الأخبار المحلية (في مختلف المجالات) المنشورة خلال أيام العينة، 4552 خبرا، تراوح حجم الواحد منها بين 30 و1600 كلمة تقريبا. وبلغ عدد الأخبار التي أشارت إلى قضية اللجوء السوري 204 مادة إخبارية، تشكل 4.5% تقريبا من مجمل التغطية الإخبارية المحلية، منها 103 مادة خُصّصت بكاملها للجوء السوري، في حين كان اللجوء جزءا من الـ101 مادة أخرى.
تغطية اللاجئين السوريين ليست إنسانية
لم تفلح هذه التغطية في رسم صورة ذهنية للاجئين بوصفهم بشرا متفردين، فقد اختزلتهم 89% من التغطيات في كتلة جماعية غير محددة الملامح، كانت في الغالب كلمة "لاجئون". ورغم أنه كان هناك أحيانا بعض التحديد لأفراد هذه الكتلة الجماعية، فأشير إلى "أطفال" و"طلبة" و"نساء" و"شيوخ" وغيرها، لكن هذا التحديد لم يتجاوز 18% من هذه الأخبار، إضافة إلى أنه ظل في إطار التعامل معهم بوصفهم جماعة غير محددة الملامح.
يضاف إلى ذلك 5% من التغطيات أغفلت وجودهم حتى ككتلة بشرية، فكان الكلام عن عبء "اللجوء السوري"، وغاب اللاجئون البشر. وفي المقابل، لم تتعد نسبة التغطيات التي تضمنت إشارة إلى أفراد محددين 3% من مجمل التغطية، كانت في معظمها إشارات عابرة.
وتسجل النتائج التفصيلية للصحف هنا تفاوتا في في ما يتعلق بالإشارة إلى اللاجئين بوصفهم أفرادا، إذ سجلت "الدستور" النسبة الأدني، بخلو تغطياتها من أي إشارة من هذا النوع، في حين سجّلت "الغد" النسبة الأعلى، إذ تضمنت 7% من تغطياتها إشارات إلى أفراد من اللاجئين.
لقد اتّسمت التغطية، في المجمل، بضعف شديد في ما يتعلق بعرض قصص اللاجئين الفردية، ماضيهم قبل اللجوء، ومعاناتهم مع الحرب، وآليات تكيفهم، ونمط علاقاتهم في ما بينهم ومع المجتمعات المستضيفة. وبتهميش التغطية الجانب الإنساني من قضية اللجوء، وتحويلها اللاجئين إلى أرقام، فإنها همّشت بالتالي اللاجئين، أنفسهم بوصفهم بشرا.
ولعل أبلغ مثال على ذلك، الأخبار التي تنشرها وسائل الإعلام عن اجتياز مجموعات منهم الشيك الحدودي، قادمين من سورية إلى الأردن. فهذه الأخبار الذي تنشرها الصحف بشكل شبه يومي، هي في الأصل بيان صحفي عبارة عن نص مقتضب، مكون من نحو 40 كلمة، يكتفي بذكر عدد الداخلين، والخدمة التي قُدمت إليهم. وتنشره الصحف على شكل قالب (Template)، لا يتغير فيه كل يوم إلا عدد الداخلين، والفترة الزمنية التي دخلوا فيها. وقمة المفارقة هي عندما يصدف أن يدخل العدد ذاته في يومين مختلفين، فتكون النتيجة نشر الخبر، من دون أي تغيير.
الغد/ 27/7/2015
تهميش القصص الإنسانية للاجئين قاد مباشرة إلى تهميش معاناتهم والانتهاكات التي يتعرضون لها، فقد بلغ عدد المواد التي أشارت إلى أي نوع من المعاناة 28 مادة، بنسبة 14% تقريبا. لكن تجب الإشارة هنا، إلى أن معظم هذه الإشارات كانت عابرة وهامشية، فقد كان من بين الـ28 مادة التي أشارت إلى نوع من المعاناة 21 خبرا لاجتياز اللاجئين الحدود، المشار إليها سابقا. والإشارة، التي جعلت هذه الأخبار تُحتسب ضمن النسبة، هي عبارة تضمنها الخبر تقول إن الجهة المسؤولة قدمت العلاجات (للمرضى من اللاجئين)، فقد عُدّت الإشارة إلى وجود مرضى بين مجتازي الحدود ، بوصفه إشارة إلى معاناة. وهذا، كما هو واضح، يعني، أن تغطية معاناة اللاجئين في هذه العينة، لم تكن ضعيفة، بل هي عمليا شبه غائبة، إذ لو استثنينا أخبار اجتياز اللاجئين الحدود، فإن نسبة الإشارة إلى أي نوع من المعاناة ستكون 3% تقريبا.
بل إن الأمر، في بعض التغطيات، يتجاوز التعتيم على المعاناة، ليذهب إلى تجميل هذه المعاناة، وهذا يتعلق بالتحديد في ما يخص ظروف عمل اللاجئين، فكما لاحظ تقرير سابق لـ"أكيد" رصد تغطية العمالة السورية اللاجئة، التغطيات التي تنقل الشكوى من تفضيل أصحاب العمل اللاجئين، لقبولهم أجورا أقل، مقابل ساعات عمل أطول، لا تعرض، في الغالب، ظروف العمل غير اللائقة هذه، بوصفها انتهاكات عمالية، بل ميزة تنافسية يتمتع بها العمال اللاجئون. وفي هذه العينة، كان هناك ثلاثة تقارير أشارت إلى ذلك، واحد منها فقط أشار إلى ظروف العمل غير اللائقة بوصفها انتهاكا.
وواحد من الأمثلة "الطريفة" على ذلك تقرير، يناقش تأثير العمالة السورية اللاجئة في محافظة المفرق. هذا التقرير يتحدث عن اللاجئين الذين يسكنون في تجمع للخيام قريب من المصانع، لكنه لا يرى في سكنى اللاجئين الخيام سوى أنه يمنحهم ميزتين، الأولى هي أنهم غير مضطرين لدفع أجرة سكن، والثانية هي أنهم يصلون إلى عملهم في "وقت قياسي"، وهذا ما لا تستطيع ، كما يقول التقرير، العمالة المحلية أن تنافسهم فيه.
إن اختزال اللاجئين في كتلة جماعية، وتهميش قصصهم الإنسانية، يهيئ الأرض لنمو مشاعر كراهية، لا تزدهر، عادة، في أوساط يفهم فيها الناس معاناة بعضهم، ويدركون أنهم يتشاركون في الهوية الإنسانية، وهذا فهم لجانب من تجربة اللجوء لم توفره التغطية، لسبب أساسي هو أنها لم تفسح مكانا كما هو مفترض لأصوات اللاجئين، وهنا يأتي انتهاك المبدأ الثاني من مبادئ التغطية، وهو أن:
تغطية اللاجئين السوريين لم تكن متوازنة
لقد كانت الأطراف الأساسية التي احتكرت، تقريبا، رواية كامل القصة، هم المسؤولون، الرسميون والأمميون، المحليون والأجانب، فكانت أصوات هؤلاء في 97% من المواد الصحفية، تلتهم أطراف أخرى هي منظمات المجتمع المدني والبرلمانيون وشركات القطاع الخاص، الذي كانت أصواتهم في 22% من التغطية.
في المقابل، كانت أصوات الضحايا، من اللاجئين وأبناء المجتمع المحلي هي الأخفت، فقد كانت أصوات أبناء المجتمع المحلي، في 6% من المواد الصحفية، وأصوات اللاجئين في 4% فقط.
وفي ما يتعلق بأصوات أبناء المجتمع المحلي، فإن انخفاض أصواتهم هي مفارقة، ذلك أن التغطية، كما سنرى، تضمنت في أكثر من نصفها شكاوى من أعباء اللاجئين، ومسوؤليتهم عن تردي الخدمات في القطاعات المختلفة، ويستدعي هذا، نظريا، أن يكون صوت المجتمع المحلي عاليا، لكن الأمر لم يسر في هذه التغطية على هذا النحو، لأن الشكوى جاءت في الغالبية الساحقة من المسؤولين.
وقد سجّلت الصحف، هنا أيضا، فروقا في حضور الضحايا. ففي ما يتعلق باللاجئين، كانت "الدستور" هي الأدنى بغياب أصوات اللاجئين عن كل تغطياتها، في حين سجلت كل من "الرأي" و"الغد" النسبة الأعلى، وكانت 7% من تغطياتهما. أما حضور أبناء المجتمع المحلي، فكانت النسبة الأعلى لهم في "السبيل" وهي 23% من التغطيات، والأدنى في "الرأي" بنسبة 2% تقريبا.
ونلاحظ أن خفوت أصوات الضحايا كان سمة لتغطية اللجوء السوري منذ بدايته، ففي تقرير سابق لـ"أكيد" رصد تغطية القضية منذ بداية الأزمة في آذار (مارس) 2011 إلى تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، تولى المسؤولون، محليون وأجانب، القسم الأكبر من الرواية، فكانوا موجودين في 71% من المواد الصحفية، وكان اللاجئون في 9%، في حين كان أبناء المجتمع المحلي في 5% من التغطية.
السبب في تدني تمثيل اللاجئين وأبناء المجتمع المحلي، وهما ضحيتا اللجوء السوري، في الأخبار، تفسره معرفة مصادر هذه الأخبار.
لقد كانت الغالبية الساحقة من تغطيات اللجوء السوري في الصحف مواد إخبارية جاهزة، وردت إلى الصحف، ونشرتها كما هي. إذ لم تزد نسبة المواد التي أنجزها صحفيو هذه الوسائل بأنفسهم عن 21% من مجمل تغطية القضية. في حين احتلت أخبار وكالة الأنباء الأردنية "بترا" القسم الأكبر من التغطية بـ64% من التغطية، فيما بلغت نسبة البيانات الصحفية 13%، وتوزعت 2% من التغطيات على وسائل إعلام أخرى. وقد تفاوتت وسائل الإعلام في نسبة المواد الإخبارية التي أنجزها صحفيوها بأنفسهم، فكانت النسبة الأدنى في "الدستور" فبلغت 12% تقريبا، في حين سجلت "السبيل" النسبة الأعلى بـ32% من تغطياتها، تلتها بفارق قليل "الغد"، بنسبة 29% من تغطياتها.
لكن فهم مشهد توزيع مصادر الأخبار بشكل حقيقي، وانعكاسه على تمثيل الأطراف المختلفة للقضية، يستدعي شرح ماهية الأخبار التي تنشرها "بترا".
"بترا" هي، كما تعرُف بنفسها، وكالة الأنباء الرسمية، ودورها الأساسي هو أن تكون ناطقا باسم الحكومة، وبذلك فهي ليست وسيلة إعلام مستقلة. إضافة إلى ذلك، فإن ما تنشره من محتوى إخباري، هو أساسا بيانات صحفية، صادرة عن أقسام العلاقات العامة في الوزارات والمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية، إضافة إلى مؤسسات أخرى غير حكومية، مثل الهيئات الأممية، ومنظمات المجتمع المدني، وشركات القطاع الخاص، وغيرها. فتكون هذه البيانات الصحفية، التي تخضع إلى تحرير لغوي طفيف، هي "الأخبار" التي ترسلها "بترا" في ما بعد إلى وسائل الإعلام، لتنشرها الأخيرة كما هي.
وسواء كانت هذه "الأخبار" عن خدمات مقدمة أو من المخطط تقديمها لللاجئين السوريين والمجتمعات المستضيفة، أو عن اتفاقيات أو منح أو مشاركة في اجتماعات أو فعاليات محلية أو دولية...إلخ، فإنها، كُتبت، في الغالب، بواسطة المؤسسات المرتبطة بشكل أو بآخر في الحدث. وحتى في التغطيات التي تُنجز داخل الوكالة، فإنها لا تختلف عن البيانات الصحفية، إذ تعتمد اللغة "الترويجية"، ويكون صوت المسؤول فيها هو الأوحد.
وهذا يعني أن الحصة الفعلية للبيانات الصحفية هي 77%. ومن الطبيعي إزاء توجه تغطية كهذا، أن تكون الأصوات شبه الوحيدة في التغطيات هي أصوات المسؤولين، لا أصوات العامة من اللاجئين وأبناء المجتمع المحلي، الذين ليس لديهم موظفي علاقات عامة، أو ناطقين إعلاميين.
ولأن المسؤولين هم من قاد أساسا زمام التغطية، فإننا نجد أن التغطيات كانت في غالبيتها الساحقة، عدا أنها أحادية الرواية، فإنها كانت أيضا مصاغة بلغة "ترويجية"، بالتحديد في الأخبار التي موضوعها الخدمات أو المنح المقدمة للاجئين أو للمجتمع المستضيف.
ففي خبر عن دعم قدّمته كوريا لإنشاء مدرسة في إربد للتلاميذ من اللاجئين وأبناء المجتمع المحلي، يغيب اللاجئون وأبناء المجتمع المحلي، وليس هناك سوى الإشادة بالدور الكوري في دعم المجتمعات المتضررة من اللجوء، والإشادة بوزارة التربية وخططها لتطوير التعليم.
وفي خبر عن زيارة ممثل المفوضية العليا للاجئين للاطلاع على برامج رعاية اللاجئين بالتعاون مع الهيئة الدولية لإغاثة اللاجئين في محافظة، لا يقدم الخبر، على الإطلاق، أي معلومة محددة عن هذه البرامج، وليس هناك سوى "الإشادة بالجهود الواضحة والمميزة" التي تقوم بها الهيئتان لرعاية اللاجئين.
وفي خبر عن توزيع جمعية خيرية سعودية مستلزمات مدرسية على أطفال اللاجئين في مخيم الزعتري، ليس هناك أي طفل في الخبر، بل هناك فقط عدد الحقائب والأدوات المدرسية التي وُزّعت، وشرح مسهب للدور الإنساني الذي تقوم به هذه المنظمة للاجئين.
هذه التغطيات تكون غالبا، بغياب تام لمستقبلي الخدمة، فنقرأ (في حال كانت التغطية تقدم معلومات محددة، وهذا ما سنرى لاحقا أنه لم يكن قاعدة) نقرأ سردا للخدمة التي قدمت أو المخطط تقديمها، كيف ومتى، وعدد المستفيدين منها أو المتوقع استفادتهم، ونقرأ أكثر عن الدور الذي تقوم به الجهة المقدمة للخدمة، والتزامها وتحملها للمسؤولية وغير ذلك من "ترويج". وفي المقابل، فإن أصوات مستقبلي الخدمة غائبة. ولا أحد يذهب ليتأكد من الأمر على الأرض، ليرى إن كان قد تمّ بالصورة المثالية التي طرحها الخبر، الذي كانت قد كتبته الجهة التي قدمت الخدمة بنفسها.
في الوقت الذي صدّرت فيه التغطية اللاجئين لا بوصفهم أفرادا بل كتلة، وهمّشت فيه معاناتهم الإنسانية، وما يترتب على ذلك من تغطية على حقيقة كونهم ضحايا، فإنها في الوقت ذاته، واصلت الشكوى من عبئهم، ومن ضغطهم على قطاعات خدمات الصحة والتعليم ومياه الشرب، وسوق العمل وغيرها. فشكلت المواد التي تضمنّت شكوى مباشرة من كونهم عبئا 52% من مجمل التغطية، وهذا لا يشمل المواد التي أوصلت رسالة غير مباشرة بأنهم عبء من خلال عرضهم متلقين فقط للخدمة. إن الـ52% المقصودة هنا، هي نسبة المواد الصحفية التي قالت بلغة مباشرة إن اللاجئين عبء.
واللافت في هذه التغطيات هو أن الشكوى، في الأغلبية الساحقة منها، ليست مدعومة بحقائق، وهنا يأتي انتهاك المبدأ الثالث للتغطية، وهو أن:
تغطية اللاجئين السوريين لم تكن معتمدة على حقائق صلبة
فقد كانت، في غالبيتها، إما كلاما إنشائيا مفرّغا من أي معلومات، وهذا كان الغالب، أو أكتُفي فيها بذكر أرقام أو أحكام بالغة العمومية، ولم يكن هناك في المقابل معلومات محددة يمكن من خلالها فهم الأثر الفعلي الذي أوقعه اللجوء على الأرض، في القطاعات المختلفة.
لنأخذ مثلا التغطيات التي تربط اللاجئين السوريين بتردي الخدمات. إذا استثنينا المواد التي تضمنت شكوى عامة من عبء اللاجئين، وحللنا المواد التي ربطتهم بتردي خدمات قطاع معين، مثل الصحة والتعليم والمياه والأمن وغيرها، فإننا نجد أن هذه المواد، وعددها في العينة 40، من بينها 4 مواد، بنسبة 10% فقط، هي التي تضمنت أي نوع من المعلومات الموثقة، في حين أن الباقي كان إما خاليا تماما من الحقائق، أو كان هناك معلومات، لكنها غير دقيقة، أو غير موثقة.
فنجد مثلا تقريرا يقول إن 60% من الأدوية المخصصة لمحافظة المفرق تذهب إلى اللاجئين في المحافظة، ومصدر الرقم، في التقرير "مرضى" راجعوا مراكز صحية في المحافظة، ونقرأ في عنوان تقرير "اللاجئون السوريون يستحوذون على 8 آلاف فرصة عمل"، ولا يشرح التقرير من أين أتى رئيس البلدية الذي صرّح بالرقم به. ونقرأ في تقرير آخر أن اللاجئين تسببوا في زيادة "نسب الفقر والبطالة بين المواطنين"، من دون رقم يدعم ذلك.
يضاف إلى ما سبق ميل إلى إخراج الحقائق من سياقها، بالتحديد عند مناقشة تأثير العمالة السورية اللاحئة في سوق العمل، فنجد التقارير التي تستخدم مصطلحات مثل "استحواذ" و"غزو" و"طغيان" لوصف حجم العمالة السورية اللاجئة في سوق العمل المحلي، تجعل الأمر يبدو كما لو أن العمالة اللاجئة هي السبب الأوحد لبطالة العمالة المحلية، وتتجاهل،كما سبق أن أشار تقرير سابق لـ"أكيد"، حقيقة أثبتتها دراسات رصدت سوق العمل، ونصّت على أن الاختلالات التي يعاني منها سوق العمل الأردني سابقة على اللجوء السوري، و"سببتها "السياسات الاقتصادية الانتقائية التي نفذتها الحكومات المتعاقبة خلال العقدين الأخيرين، خاصة في ما يتعلق بتحرير التجارة الخارجية والأسعار، وتنفيذ سياسات ضريبية غير عادلة، إلى جانب سياسات الخصخصة العشوائية". كما تتجاهل هذه التغطيات حقيقة، أثبتتها دراسة أخرى، مفادها أن المتضرر الأساسي من العمالة اللاجئة كان العمالة الوافدة الأخرى، بالتحديد العمالة المصرية.
وخارج ملف العمالة اللاجئة، نجد هذا الميل إلى إخراج الحقائق من سياقها في تغطيات أخرى تعرض تأثير اللاجئين في مختلف القطاعات، منها على سبيل المثال، خبر عن اكتشاف حالات إصابة بمرض السل بين اللاجئين السوريين، ونقرأ فيه أن وزارة الصحة اكتشفت40 حالة إصابة جديدة بمرض السل، يلفت الخبر إلى أن "جميعهم من اللاجئين السوريين". وهي صياغة توحي بأن الوزارة أجرت رصدا عاما للمرض، وأن جميع الحالات المكتشفة هي حصرا بين اللاجئين السوريين، لكن الحقيقة التي يكتشفها من يقرأ الخبر في مصدر آخر، هي أن جميع الحالات كانت لسوريين، لأن الرصد الذي أجرته الوزارة، كان أصلا لتجمعات اللاجئين السوريين.
الخبر الذي يسترسل في سرد أعداد المصابين بالسل بين اللاجئين خلال السنوات، وكلفة علاجهم، التي تصل في بعض الحالات إلى 200 ألف دينار، لا يضع هذه الأرقام في سياقها العام، وهو حجم الإصابات بمرض السل عموما في الأردن، بما يربط هذا المرض باللاجئين حصرا.
وفي وقت تواصل فيه التغطيات الشكوى من أعباء اللاجئين، فإنها لا تعرض إضافاتهم للمحيط الجديد الذي حلّوا فيه، وهذا انتهاك للمبدأ الرابع وهو أن:
تغطية اللاجئين السوريين لم تكن منصفة
تخلو هذه العينة تماما من أي إشارة إلى أي تأثير إيجابي للاجئين السوريين، مثل إضافاتهم إلى سوق العمل، وتنشيطهم الحركة التجارية والعقارية في المجتمعات المستضيفة. ويمكن خارجها الإشارة، بالكاد، إلى مواد عرضت لهذا الجانب، في الصحافة اليومية والإعلام الإلكتروني، مثل تقرير يعرض أثر مخيم الزعتري للاجئين في تنشيط القطاعين التجاري والزراعي في المنطقة، وتقرير آخر يعرض أثرهم في تنشيط الحركة التجارية في محافظة المفرق، وفي مجال الصناعات المتوسطة والصغيرة، وتقرير ثالث يعرض أثرهم في الاستثمارات الصناعية .
كيف يثير هذا النمط من التغطية مشاعر الكراهية؟
لقد رأينا كيف همّشت التغطية الهوية الإنسانية للاجئين، وأغفلت قصصهم الفردية، وكيف قاد ذلك إلى التعتيم على معاناتهم، وهذا يهيئ الأرض، كما سبقت الإشارة، لنمو مشاعر كراهية لا تزدهر في العادة في أوساط يفهم فيها الناس بعضهم، ويدركون معاناة بعضهم. وهذه هي مهمة الصحافة، أن تعمل حلقة وصل بين الناس، وتوفر لهم من خلال تغطياتها الإنسانية فرصة أن يفهموا بعضهم البعض، وهو أمر لم تفعله هذه التغطية.
بل إن التغطية ذهبت أبعد من ذلك، فلم تكتف بالتعتيم على معاناة "الضحية"، بل هي واصلت الشكوى من عبء هذه الضحية، وحمّلتها مسؤولية التردي في مختلف القطاعات، فنقلتها بذلك إلى موقع "المذنب". وساعدها على ذلك أنها، في الغالب، لم تدعم هذه الشكوى بحقائق صلبة، ولا بأسلوب عرض للحقائق يوفر حدّا أدنى من الفهم لأثر اللجوء السوري على مختلف القطاعات.
إن تغطية ترصد علاقة اللاجئين السوريين بتردي الخدمات في مختلف القطاعات، ستوفر، عندما تكون مستندة إلى معلومات محددة ودقيقة، فهما حقيقيا للأثر الفعلي للاجئين السوريين، فهي ستحدد نصيبهم من مسؤولية هذا التردي، ونصيب عوامل أخرى مثل سوء إدارة الموارد، وسوء التخطيط وسوء التنفيذ، وهي عوامل يعاني منها الأردن تاريخيا، قبل اللجوء السوري. وكل الاختلالات الموجودة حاليا هي اختلالات قائمة قبل اللجوء السوري، الذي عمّقها، ولم يخلقها.
تغطية مستندة إلى معلومات محددة دقيقة، كانت ستوجّه نظر الجمهور إلى صنّاع السياسات ومنفّذيها، من الأطراف الداخلية والخارجية التي تدير ملف اللجوء السوري، وكانت سترصد نصيبهم من الاختلالات، لكن هذا لم يحدث، فالتغطية التي احتكر روايتها، كما رأينا صنّاع السياسات ومنفّذوها، بما تتسم به من فقر إلى الحقائق، تشتت الانتباه عن هؤلاء، وتحمل إلى الواجهة الضحية، لا لتبرز معاناتها، بل لتحمّلها المسؤولية، وتستثير مشاعر العداء ضدها، فتضعها في صدام مع الضحية الأخرى، وهي أبناء المجتمع المستضيف.
جدول (1): حجم تغطية اللجوء من مجمل تغطية كل صحيفة
الصحيفة |
اللجوء السوري من مجمل التغطية المحلية |
||
مجمل التغطية المحلية |
حجم تغطية اللجوء السوري منها |
||
العدد |
% |
||
الدستور |
1415 |
81 |
5.72 |
الرأي |
1327 |
43 |
3.24 |
الغد |
1254 |
58 |
4.62 |
السبيل |
556 |
22 |
3.95 |
المجموع |
4552 |
204 |
4.48 |
جدول (2): حجم تغطية اللجوء السوري من المواد الصحفية الخاصة التي وردت فيها إشارة إلى اللجوء السوري
الصحيفة |
مجمل تغطية اللجوء السوري |
حجم اللجوء السوري من المواد الصحفية |
|||
كل المادة |
جزء منها |
||||
عدد |
% |
عدد |
% |
||
الدستور |
81 |
33 |
40.74 |
48 |
59.26 |
الرأي |
43 |
23 |
53.48 |
20 |
46.52 |
الغد |
58 |
32 |
55.17 |
26 |
44.82 |
السبيل |
22 |
15 |
68.18 |
7 |
31.81 |
المجموع |
204 |
103 |
50.49 |
101 |
49.5 |
جدول (3): صورة اللاجئين في التغطيات
الرقم |
الصحيفة |
مجمل تغطيات اللجوء السوري |
كتلة جماعية |
غياب البشر اللجوء السوري أو الأزمة السورية |
قصص فردية أو ملامح إنسانية |
أخرى |
|||||||
اللاجئون |
أطفال شباب نساء لاجئات شيوخ نازحون تلاميذ أشقاء |
||||||||||||
العدد |
% |
العدد |
% |
العدد |
% |
العدد |
% |
العدد |
% |
||||
1 |
الدستور |
81 |
65 |
80.24 |
11 |
13.58 |
4 |
4.93 |
- |
- |
1 |
1.23 |
|
2 |
الرأي |
43 |
25 |
58.13 |
12 |
27.9 |
4 |
9.3 |
1 |
2.3 |
1 |
2.32 |
|
3 |
الغد |
58 |
42 |
72.4 |
9 |
15.5 |
1 |
1.72 |
4 |
6.89 |
2 |
3.44 |
|
4 |
السبيل |
22 |
14 |
63.63 |
4 |
18.18 |
2 |
9.09 |
1 |
4.54 |
1 |
4.54 |
|
|
المجموع |
204 |
146 |
71.56 |
36 |
17.6 |
11 |
5.39 |
6 |
2.94 |
5 |
2.45 |
|
جدول (4): الأصوات في التغطيات (قد يكون في التغطية الواحدة أكثر من صوت)
الصحيفة |
عدد تغطيات اللجوء السوري |
رسميون محليون وأجانب وأمميون |
منظمات مجتمع مدني |
مؤسسات قطاع خاص |
أبناء مجتمع محلي |
لاجئون |
برلمانيون |
أخرى |
|||||||
عدد |
% |
عدد |
% |
عدد |
% |
عدد |
% |
عدد |
% |
عدد |
% |
عدد |
% |
||
الدستور |
81 |
81 |
100 |
6 |
7.4 |
7 |
8.64 |
3 |
3.7 |
- |
- |
7 |
8.64 |
6 |
7.4 |
الرأي |
43 |
39 |
90.69 |
4 |
9.3 |
4 |
9.3 |
1 |
2.3 |
3 |
6.97 |
5 |
11.62 |
1 |
2.3 |
الغد |
58 |
58 |
100 |
5 |
8.62 |
- |
- |
4 |
6.89 |
4 |
6.89 |
3 |
5.17 |
5 |
8.62 |
السبيل |
22 |
19 |
86.36 |
5 |
22.7 |
- |
- |
5 |
22.72 |
1 |
4.54 |
- |
- |
1 |
4.54 |
المجموع |
204 |
197 |
96.5 |
22 |
10.78 |
11 |
5.39 |
13 |
6.37 |
8 |
3.92 |
15 |
7.35 |
11 |
5.39 |
جدول (5): مصادر الأخبار
الصحيفة |
عدد تغطيات اللجوء السوري |
تغطيات أنجزها صحفيو الوسيلة |
بترا |
بيان صحفي |
وسائل إعلام أخرى |
||||
العدد |
% |
العدد |
% |
العدد |
% |
العدد |
% |
||
الدستور |
81 |
10 |
12.3 |
54 |
66.7 |
17 |
21 |
- |
- |
الرأي |
43 |
8 |
18.6 |
29 |
67.44 |
4 |
9.3 |
2 |
4.65 |
الغد |
58 |
17 |
29.3 |
37 |
63.8 |
4 |
6.9 |
- |
- |
السبيل |
22 |
7 |
31.8 |
12 |
54.54 |
1 |
4.54 |
2 |
9 |
المجموع |
204 |
42 |
20.58 |
132 |
64.7 |
26 |
12.74 |
4 |
1.96 |
[1] نُظّمت العينة وفق "الأسبوع الصناعي"، فاختير الأحد الأول من شهر كانون الثاني 2015، ثم الاثنين الثاني من شباط 2015، ثم الثلاثاء الثالث من آذار 2015، الأربعاء الرابع من نيسان 2015، الخميس الأول من أيار 2015، الجمعة الثانية حزيران 2015، وهكذا وصولا إلى 13 شباط 2016، حيث تكمل العينة 14 يوما.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني