مرّ بهدوء، في الصحف والمواقع الإخبارية، خبر قرار مجلس التعليم العالي، قبل أربعة أيام، قبول الطلبة العائدين من هنغاريا في الجامعات الأردنية، للفصل الثاني، من العام الدراسي الحالي. هدوء لا يتناسب والضجة الإعلامية التي أُحيط بها حدث ابتعاث هؤلاء الطلبة إلى هنغاريا، وتابعته الصحف اليومية، ومواقع إخبارية، خلال خمسة أشهر ونصف، بتغطية مفصّلة، نُقلت أغلبيتها الساحقة حرفيا عن وكالة الأنباء الأردنية "بترا"، من دون أي محاكمة لمحتوى هذه التغطية، الذي سنرى أنه كان محاطا، منذ البداية، بالعديد من علامات الاستفهام، إذ كان هناك ضبابية حول ماهية هذه البعثات، وشروط التقدم إليها، وآليات القبول في الجامعات الهنغارية. والأهم، كان هناك "تهميش" لحضور وزارة التعليم العالي، وهي الجهة صاحبة الاختصاص في هذه القضية، إذ تصدّر المشهد الإعلامي، قنصل الأردن الفخرى لدى هنغاريا.
نُشر خبر قبول العائدين من هنغاريا، المنقول عن "بترا"، بصيغة مقتضبة، ومن دون أي خلفية، وكان ضمن تغطية الجلسة الأخيرة لمجلس التعليم العالي، التي تضمنت ثمانية قرارات غيره. وبالنسبة لقارئ لم يتابع القضية منذ بدايتها، فإن الخبر بدا مطابقا لأخبار قرارات سابقة أصدرتها "التعليم العالي" خلال الفترة الماضية، بقبول طلبة عائدين من بلدان تشهد اضطرابات سياسية، مثل سوريا وليبيا وأوكرانيا واليمن، في حين أن عودة طلبة هنغاريا قضية مختلفة تماما، إذ ترتبط بما تدّل مؤشرات قوية على أنه "تقصير رسمي" في إدارة قضية هذه البعثات، من قبل وزارة التعليم العالي. الأمر الذي لم يتابعه الإعلام بدقة.
بدأت القصة يوم 8 آب (أغسطس) الماضي، عندما نشر موقع عمون الإخباري خبرا مفاده أن القنصل الفخري، في هنغاريا، زيد نفاع "استطاع جلب 100 منحة من الجامعات المجرية[1] لطلبتنا"، وأنه ينسق مع وزارة التعليم العالي لتنظيم قبول هؤلاء الطلبة. ثم في يوم 3 أيلول (سبتمبر الماضي)، نشر عمون "نداء عاجلا" من القنصل، للطبة الذين تقدموا بطلبات لهذه المنح إرسال بياناتهم إلى عنوان البريد الإلكتروني، للقنصلية الأردنية في هنغاريا، من دون أن يتضمن الخبران السابقان، أي معلومات عن هذه المنح، فلم تُحدد التخصصات، ولا أسماء الجامعات، أو أي معلومات أخرى.
وفي 15 أيلول الماضي، نشرت وكالة الأنباء الأردنية "بترا"، النداء السابق، مع معلومات عن هذه المنح، أُعلنت لأول مرة، وهي أنها "تشمل قسط الدراسة والسكن والتأمين الصحي و200 دولار مصروف للطلبة شهريا من الحكومة الهنغارية و500 دولار لطلبة الدكتوراه". وأكّد الخبر، أن "الطلبة المقبولين سيلتحقون بالدراسة خلال عشرة أيام من الآن". لكن الخبر لم يتضمن أي تحديد للتخصصات، ولم يأت على ذكر وزارة التعليم العالي. وقد تناقلت هذا الخبر مواقع إخبارية وصحيفتا "الرأي"، و"الدستور".
يوم 29 أيلول، نشرت "بترا" تصريحا للقنصل عن وصول قوائم أسماء الطلبة المقبولين لهذه المنح إلى السفارة الهنغارية في عمان، ودعوته الطلبة إلى مراجعة السفارة، لبدء معاملة الفيزا، مؤكدا أن "جميع الترتيبات اللازمة لذلك اتخذت مع الجانب الهنغاري للتسهيل على الطلبة بإجراءات الفيزا"، ومشيرا إلى وجود "مساع حثيثة من قبل سفارتنا هناك لزيادة عدد المنح في ظل وجود تفاهم وقبول من الجانب الهنغاري ورغبته بتوطيد العلاقات الأردنية الهنغارية". وهنا أيضا، يخلو هذا الخبر، الذي نقلته عن "بترا" إلى جانب مواقع إخبارية، صحف "الرأي" و"السبيل" و"العرب اليوم"، يخلو من أي إشارة إلى أي دور لوزارة التعليم العالي، لا في تأمين المنح، ولا في إجراءات السير فيها.
يوم 1 تشرين الأول (أكتوبر)، نشرت "بترا" خبر زيادة البعثات من 226 إلى 400، الذي نقلته، إضافة إلى مواقع إخبارية، صحف "الرأي" و"الدستور" و"السبيل" و"العرب اليوم" و"الغد". ونُقل خبر هذه الزيادة في إعلان مشترك لوزير التعليم العالي، أمين محمود، والقنصل الأردني. وبدا أن هذه الزيادة ستكون الحلّ للطلبة العائدين من اليمن الذي يشهد اضطرابات سياسية، فنشرت "بترا، خبرا، نقلته مواقع إخبارية، إضافة إلى "الرأي"، و"السبيل" و"الغد" يتضمن اقتراحا للنائب محمد القطاطشة، بتحويل القادمين من اليمن إلى هنغاريا.
خبر زيادة عدد المنح، الذي أفردت مساحة كبيرة منه لإشادة الوزير بجهود القنصل، يمثل الظهور الأول لوزارة التعليم العالي، في مسلسل أخبار بعثات هنغاريا، الذي استمر ما يقارب الشهرين في الصحف والمواقع الإخبارية، وحُصر فيها تعامل الطلبة مع قنصلية الأردن في هنغاريا، وسفارة هنغاريا في الأردن. وكان لافتا أنه في وقت نشرت المواقع والصحف بما فيها "العرب اليوم"، نص خبر "بترا"، فإن "العرب اليوم"، وحدها، عادت في اليوم التالي، ونشرت على موقعها الإلكتروني خبر الزيادة مرة أخرى، ولكن بصيغة أخرى، فهذه المرة، حُصر الخبر بوزير التعليم العالي، الذي شكر الحكومة الهنغارية، وقال معلقا على الزيادة، إن "زيارته الحالية لهنجاريا حققت أهدافها".
في ما سبق، فإنه عدا عن الظهور المتأخر لوزارة التعليم العالي، فقد كان مثيرا للتساؤل أن الإعلان عن زيادة المنح من (226) إلى (400)، لم يسبقه إعلان عن رفعها أصلا من (100) إلى (226).
يوم 3 تشرين الأول، نشر "عمون" خبرا "همّش" وزارة التعليم العالي، وكان عنوانه "نفاع يعلن أسماء مقبولين بمنح هنغاريا"، وتضمن الخبر قائمة بأسماء 24 طالبا. ثم بعدها بأيام، نشرت "بترا" نقلا عن القنصل دعوته الطلبة الحاصلين على منح سرعة مراجعة السفارة الهنغارية في عمان، لإتمام معاملات سفرهم، مشيرا في الخبر الذي خلا أيضا من وزارة التعليم العالي، إلى أن هنغاريا أمنت طائرتين لنقل الطلبة، وأن شركة "جت" ستنقل الطلبة "مجانا" من عمان إلى العقبة، حيث سيسافر الطلبة من مطار الملك حسين في المدينة. وهو خبر نقلته، إضافة إلى مواقع إخبارية، "الغد" و"العرب اليوم"، و"السبيل"، و"الرأي" و"الدستور"[2].
يوم 8 تشرين الأول، ظهرت وزارة التعليم العالي في الأخبار، عندما نشرت "بترا" دعوة من القنصل للراغبين بالدراسة في هنغاريا، ممن لم يتقدموا بطلبات منح، مراجعة "التعليم العالي"، والتقدم بطلب. وهو خبر نشرته إضافة إلى مواقع إخبارية، صحيفة "الرأي".
في ما بعد، وإلى منتصف كانون الأول (ديسمبر الماضي)، تابعت المواقع الإخبارية، والصحف اليومية، غالبا نقلا عن "بترا"، تفاصيل بعثات هنغاريا، فنشرت نداءات القنصل للطلبة استكمال إجراءات البعثات، وغطّت سفر الدفعات الأولى والثانية، مع إشادة بالشركة التي نقلتهم مجانا، ونشرت أسماء المقبولين للبعثات، وأعلنت قائمة مقبولين لدراسة الطب. بل ونقلت مواقع صراعا على "كعكة" البعثات، عندما نشر بعضها اتهامات للقنصل بأنه تعامل مع المنح كـ"عطايا" قام بـ"توزيعها" على النواب".
ثم في منتصف كانون الأول، استدارت الأخبار فجأة، فنشرت الصحف، نقلا عن "بترا" خبرا يتعلق بمباحثات أجراها وفد من "التعليم العالي"، تتعلق بـ"ترتيب أوضاع" مبعوثي هنغاريا، أسفرت عن منح المبتعثين ثلاث فرص لاجتياز امتحان الكفاءة الجامعية، الذي اتضح من سياق الخبر أنه شرط للقبول، وأنه يتم باللغة الإنجليزية، وفي مواد العلوم الأساسية.
في اليوم التاليين لهذا الخبر، نشرت "العرب اليوم" تقريرا متابعة للقضية، في حين نشرت "الرأي" تقريرا. ونقلت هذه التقارير عن الطلبة شكواهم من أحدا لم يخبرهم بآليات القبول في الجامعات الهنغارية، وبأن هناك امتحانا باللغة الإنجليزية، لا يؤمن النجاح فيه القبول لهم، بل يمنحهم فرصة التنافس مع أعداد كبيرة من المتقدمين لذات المنح من مختلف أنحاء العالم، كثير منهم لغتهم الإنجليزية هي اللغة الأم، كما نقلت التقارير شكوى الطلبة من أنهم تخلوا عن مقاعد قبلوا فيها في الجامعات الأردنية، مقابل بعثة اتضح لكثير منهم أنهم غير قادرين على الاستفادة منها.
بعد شهرين تقريبا من هذا الخبر، نشرت مواقع إخبارية والصحف الخمس، نقلا عن "بترا"، الخبر السابق المتعلق بموافقة مجلس التعليم العالي على قبول الراغبين من الطلبة المبتعثين إلى هنغاريا في الجامعات الأردنية "وفق أسس وشروط محددة، للفصل الدراسي الثاني لهذا العام فقط". من دون أن يتضمن الخبر أي معلومات عن هذه "الأسس والشروط" التي سيتم وفقها قبول الطلبة.
الأسئلة التي لم يسألها الإعلام
الأخبار السابقة التي نشرت في المواقع والصحف اليومية، على مدار خمسة أشهر ونصف تقريبا، نُقلت في غالبيتها الساحقة عن "بترا"، ونشرت بالنص، من دون أي محاكمة لمحتواها الذي كان مثيرا للتساؤل في عدة جوانب:
ما سبق هي الأسئلة التي كان متوقعا من الإعلام أن يسألها منذ بداية توالي أخبار هذه البعثات، وكان يمكن لإجابات هذه الأسئلة لو جاءت في الوقت المناسب أن توفّر على الطلبة وأهاليهم ما عانوه من خسارة.
إضافة إلى ما سبق، كان هناك أيضا خلل في التغطية اللاحقة لتَكشُّف وجود خطأ في هذه القضية، فبعد تفاجؤ الطلبة بوجود امتحان قبول، تابعت صحيفتان فقط القضية، هما، "الرأي" التي أشار تقريرها السابق الذكر، إلى "تقصير من قبل وزارة التعليم العالي (...) لجهة عدم علم الوزارة بإجراءات القبول، التي لم تتضمنها مذكرة التفاهم"، وأيضا "لعدم المتابعة" من قبل الوزارة. كما نقل تقرير "العرب اليوم" عن الطلبة اتهامهم وزارة التعليم العالي بـ"التضليل".
ورغم ذلك، فإن هذه التقارير لم تقدم للجمهور أجوبة شافية توضح له ما حدث بدقة، إذ أن الاتهامات بـ"التقصير" و"التضليل"، جاءت فضفاضة، ولم تقدم معلومات محددة، عن الخلل، أين وقع بالتحديد، ومن ارتكبه. وهي أسئلة لا يمكن الإجابة عليها، إلا إذا قُدّمت للجمهور معلومات محددة عن الإجراءات المؤسسية التي تُدار وفقها البعثات في العادة، ومعلومات محددة عن الطريقة التي أُديرت بها بعثات هنغاريا بالذات، وبذلك يتوفر للجمهور المعلومات التي تمكنه من معرفة إن كان الخلل في هذه الإجراءات ذاتها، أم أن ما حدث سببه انتهاكها.
[1] "المجر" هو اسم آخر لهنغاريا
[2] يبدو أن التاريخ على الموقع الإلكتروني خطأ فني، لأن الخبر منشور في النسخة الورقية يوم 8/10/2014
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني