التغطية الإعلامية المشوشة لمخاطر استخدام الحليب المجفف في صناعة الألبان

التغطية الإعلامية المشوشة لمخاطر استخدام الحليب المجفف في صناعة الألبان

  • 12

في سياق تغطية وسائل الإعلام لاعتصام مربي الأبقار وتصريحات رئيس جمعيتهم ورد وزارة الزراعة على احتجاجهم للسماح لمصانع الألبان باستخدام الحليب المجفف، مُررت مجموعة الأخبار والمعلومات عبر وسائل الإعلام دون  أن تأخذ نصيبها الكافي من التحقق والتأكد.

نموذج على تلك الأخبار، مقابلة أجرتها صحيفة السبيل بتاريخ 13 نيسان 2015 مع رئيس الجمعية التعاونية لمربي الأبقار عطية إبراهيم، حيث طالب فيها "الجهات الرسمية بوقف إدخال وتصنيع ما يعرف بـ(اللبنة التركية أو الطرية)، مؤكدا أن هذه اللبنة لا تمت للبنة بأي صلة، وتتكون من الزيوت المهدرجة التي تؤدي للسرطان".

هذه المعلومة الخطيرة، التي تشكل تهديدا على صحة الإنسان، لم تكن كافية لتجعل الصحيفة تتحقق منها بشكل علمي، واكتفت بترديد ما قاله رئيس الجمعية، وهو ليس صاحب اختصاص طبي أو علمي ليحكم على أن تلك الألبان تؤدي إلى السرطان، كما أن هذه المعلومة مررت في سياق احتجاج على استخدام الحليب المجفف في صناعة الألبان الذي أثر على مبيعات مربي الأبقار.

إن مثل هذه المعلومة يتوجب أن تكون في صلب تغطية متواصلة ومتابعة معمقة تقوم بها وسائل الإعلام، وأن تتسند في تغطيتها لفحوصات مخبرية، وتحقق ميداني، واستطلاع آراء أصحاب الاختصاص، والمصادر ذات الخبرة في هذا المجال.

وهذا ما لم تفعله الصحيفة، ولا حتى وسائل الإعلام الأخرى، وطبقا لمعاير مرصد مصداقية الإعلام الأردني، فإن الصحيفة في نشرها هذه المعلومات خالفت معيار الشمولية والتكامل الذي يقصد به أن تكون المادة الإخبارية شاملة ومكتملة وغير مجزأة أو انتقائية، وتضمن تتبع الخبر من نشأته حتى نهايته، والبحث عن العناصر المكملة له، سواء عن طريق المصادر الأصلية أو أقسام المعلومات. كما أنها تخالف معيار الإنصاف والنزاهة، الذي ينص على عدم نشر الاتهامات غير الصادرة عن مصدر مختص، وبدون أدلة واضحة.

ومن دون أن تطرح الصحيفة الأسئلة الأساسية ( ما مصدرك؟ وأين وثائقك؟) تضمن الخبر فقرة نسبت إلى رئيس الجمعية يقول فيها "إن هذه اللبنة المستخرجة من الزيوت المهدرجة لها الكثير من المخاطر على صحة المواطن، وعلى الاستثمار في قطاعات تربية الأبقار المنتجة للحليب، مؤكدا أنه يتم توزيع وبيع 60 طن من هذه اللبنة في الأسواق".

ونقل موقع خبرني وجهات نظر متضاربة عن الموضوع، فوزارة الزراعة قالت: إن استخدام الحليب المجفف والزيوت النباتية المهدرجة بصناعة اللبنة قد( قد تفيد التشكيك) يسبب أمراضا سرطانية، بينما قالت مؤسسة الغذاء والدواء: إن الدراسات لم توكد صحة المعلومة بعد، ما يعني أن القضية تحتاج إلى جهد إعلامي معمق.

وغاب عن تغطية الإعلام صوت طرف مهم في القضية وهم مستوردو الحليب المجفف، باستثناء موقع خبرني الإلكتروني الذي أورد العبارة التالية عنهم في خبر مقتضب عن القضية، جاء فيه" اعتبر مستوردون للحليب المجفف أن مطالب مربي قطاع الأبقار ما هي إلا دعم لمصالحهم كمنتجين".

وفي خبر آخر نشرته  وكالة الأنباء الأردنية  بتاريخ 12نيسان 2015 قالت وزارة الزراعة: إن ما يستورده الأردن من الحليب المجفف يستخدم في صناعة جبنة " فيتا " والشوكلاته، وليس له علاقة بصناعات الحليب الطازج ومشتقاته، مشيرة إلى أن عدد الرخص المُعطاة للمستوردين بلغت 19 رخصة استيراد، وأنه ومنذ بداية العام تم استيراد ألف طن فقط.

هذا الخبر الذي يشكل ردة فعل من الوزارة على الاعتصام الذي نفذه مربو الأبقار، نقل في كثير من وسائل الإعلام كما هو، على الرغم من احتوائه على معلومات تستوجب التحقق والتأكد، وهو جهد لم تقم به أي وسيلة إعلام، حيث كان من الممكن التوجه إلى مصانع الألبان، ومعرفة ما إذا كانت تستخدم الحليب المجفف أم لا.

ويبدو لنا من النظر في تلك القضية أن الصحافة مارست دورا سلبيا في التعامل مع القضايا التي تعني الشأن العام، واكتفت بجهد المقلّ، واقتصر دورها على ترديد ما يقال، دون تقديم المعلومة الصحيحة والمعرفة الواضحة للمواطن.