أكيد – دلال سلامة
الوحشية الاستثنائية التي اغتيل بها الشهيد معاذ الكساسبة، جعلت للحدث وقعا، على الأردنيين والعالم، يشبه إلى حدّ كبير وقع تفجيرات فنادق عمان، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2005. وقتها، كان العنصر الأساسي في مشهد ردود الفعل هو توحّد الأردنيين في موقف واحد مستنكر للفعل. الأمر الذي تكرر في استشهاد الكساسبة، إذ كانت الوحدة هي أيضا السمة الأساسية لمشهد ردود الفعل الأردنية، ليس شعبيا فقط، بل إعلاميا أيضا، عندما خرجت وسائل الإعلام، وعلى امتداد الأيام القليلة التي تلت الحادثة، في تغطية تكاد تكون موحدة المحتوى، يمكن لمن تابعها أن يستخلص ثلاث سمات أساسية لها:
طريقة اغتيال الشهيد، خلقت صدمة، كان واضحا أنه لم يكن الجمهور فقط من عاناها، بل بدا الإعلام في تغطياته بشكل عام، كما لو أنه فرد من هذا الجمهور المصدوم، فقدم، بشكل عام، في الأيام القليلة التي تلت الحادثة، تغطية بالغة العاطفية. فالمواد الإخبارية التي غطّت الحدث وتداعياته، وتمحورت بشكل أساسي حول المسيرات والوقفات التضامنية، وارتياد جموع المواطنين والمسؤولين بيت عزاء الشهيد في مسقط رأسه، وافتتاح بيوت عزاء له في المدن والمحافظات الأردنية والخارج، وبيانات الاستنكار الصادرة عن الفعاليات المجتمعية المختلفة، والمهرجانات الخطابية التي أقيمت، لم تنقل في أغلبيتها الساحقة غير "المشاعر"، مشاعر الغضب والحزن والاستنكار والرغبة في الانتقام.
لقد اتّسمت الأصوات التي نقلتها التغطيات بالتنوع الشديد، وكان هناك تقارير مطوّلة استطلعت آراء أفراد من خلفيات مختلفة، وكان هناك أصوات لما كاد أن يكون كل الأفراد والجماعات المؤثرين في المجتمع، من سياسيين وعسكريين وأكاديميين وحقوقيين ومثقفين وفنانين ونقابيين واقتصاديين ورياضيين وممثلي عشائر ومحافظات أردنية، ومغتربين أردنيين في بلدان العالم، ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، وغيرهم.
لقد كان هناك مساحة في التغطية لكل هؤلاء، لكن المواد الإخبارية التي نقلت تداعيات الحادثة، اقتصرت في معظمها، على تكرار عبارات التعبير عن الحزن والغضب والشجب، بما جعل هذه المواد شبه متطابقة، إذ كان لها المحتوى نفسه، بالعبارات ذاتها، لكن مع اختلاف أسماء الأشخاص وخلفياتهم المناطقية أو العائلية أو المهنية وغيرها. وشبه التطابق هذا، كان سمة للمواد الإخبارية في وسيلة الإعلام الواحدة، كما كان سمة للمحتوى الإخباري في هذه الوسائل مجتمعة.
ومن هنا، لم يلعب تنوع الأصوات التي نقلها الإعلام دورا في تقديم صورة متكاملة لوقع الحدث وتداعياته، التي كان يمكن أن ترسمها روايات الأفراد، كلّ من موقعه الخاص.
حشدت التغطية الإعلامية، بشكل عام، لدعم الخيار العسكري، في مواجهة الإرهاب، وتكررت فكرة مفادها أن حادثة الاغتيال أثبتت صواب قرار الانضمام إلى التحالف. وفي حشدها للخيار العسكري، ربطت الكثير من المواد الإخبارية بين الموقف الشعبي الموحد، ودعم المواجهة العسكرية، فصار الأخير من متطلبات الأول، ما أعطى انطباعا بأن مناهضة المواجهة العسكرية، هي خروج عن الإجماع الوطني.
وفي بعض هذه التغطيات، كان هناك خلط بين مفهوم "الحرب على الإرهاب"، والخيار العسكري، بوصفه أحد وسائل هذه الحرب، فتعاملت معهما كما لو أنهما شيئا، واحدا، فبدا كما لو أن معارضي الخيار العسكري، معارضون للحرب على الإرهاب.
ورغم الغلبة الساحقة للتغطيات التي حشدت للخيار العسكري، فقد أشارت بعض التغطيات إلى أن الحرب على الإرهاب فكرية وسياسية أيضا، وخُصّصت تقارير ناقشت هذه الجوانب، لكن السمة العامة، في جزء كبير من هذا النقاش هو أنه في الغالب لم يقدم معرفة حقيقية، فهو اقتصر على ترديد عناوين شديدة العمومية، بعضها أصبحت لكثرة ترداده "كليشيهات"، ومنها "ضرورة تجفيف منابع التطرف"، وإعادة النظر في المناهج التربوية"، "وضرورة الانفتاح على الآخر"، وغيرها، من عناوين عامة.
لكن، تجب الإشارة إلى أن صحيفة الرأي، قدّمت يوم 6 شباط (فبراير) الجاري، ملفا خاصا عن التكفير، قدمت فيه تحليلات معمقة للأساس التاريخي للتكفير وأسئلة العيش المشترك، وغيرها.
في جزء كبير من التغطية، كان هناك ارتكاز إلى فكرة "الانتقام"، وتتالت مواد إخبارية بدأت تطرح الحرب من هذا المنطلق، ومنها أخبار جولات قصف "داعش" التي تلت حادثة الاغتيال، بوصفها "ثأرا لدماء الشهيد".
وفي السياق نفسه، تكررت فكرة "الانتقام"، عندما ربطت بعض التغطيات بين قتل الكساسبة، وإعدام العراقيين المنتميين إلى تنظيم القاعدة ، ساجدة الريشاوي، المتهمة في تفجيرات فنادق عمان 2005، وزياد الكربولي، المتهم بقتل سائق أردني في العراق، العام 2005، وقبض عليه العام 2006. ورغم أن مصدرا أمنيا رفض في إحدى التغطيات الربط بين تنفيذ الحكم، وحادثة الكساسبة، إلا أن تغطية أخرى، نسبت إلى "مصادر حكومية" قولها إن "مرجعيات سياسية عليا" أوعزت بتنفيذ حكم الإعدام في حال أعلن تنظيم داعش عن قتل الكساسبة.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني