أكيد – دلال سلامة
تجري حاليا محاكمة المتهمين الثلاثة بقتل رجليّ الأمن، جمال الدراوشة وأسامة الجراروة، اللذين استُهدفت دوريتهما بالرصاص، في الساعات الأولى من فجر (1/12/2015)، بالقرب من مثلث بلدة صمّا في محافظة إربد.
نود الإشارة مسبقاً إلى أن الملاحظات التالية تتعلق بأمور مهنية فقط، وبالذات فيما يتصل بالمفردات الصحيحة التي يتوجب على الإعلام اعتمادها عند تغطية القضايا المنظورة أمام المحاكم.
ففي المثال الذي نتاناوله هنا، ورغم أن المتهمين نفوا في الجلسة الأولى التي انعقدت يوم (27/12/2015) التهم الموجهة إليهم، إلا أن وسائل إعلام خرجت عقب الجلسة بعناوين من مثل "القتلة ينفون التهم"، و"تفاصيل محاكمة قتلة شهيدي الأمن والقاتل الرئيسي قناص" و"تفاصيل ما جرى في محاكمة قتلة الدراوشة والجراروة"، وهي عناوين تحمل إدانة مكتملة لمتهمين ما زالت محاكمتهم قائمة، ولم يصدر بعد حكم قضائي في حقهم.
في الحقيقة، فإن إدانة الإعلام للمتهمين بدأت منذ الساعات الأولى للقبض عليهم، وكان هذا صباح اليوم التالي للجريمة، عندما تداولت صحف ومواقع إلكترونية نبأ القبض عليهم، تحت عناوين منها: "القبض على قاتلي الشهيدين الدراوشة والجراروة"، و"توقيف قتلة الدراوشة والجراروة"، و"الأمن العام يلقي القبض على قاتلي الشهيدين الدراوشة والجراروة"، و"إلقاء القبض على قاتلي رجليّ الأمن". في حين أن أخبار قليلة هي التي لم تتورط في عناوين مشابهة، ووصفت المقبوض عليهم بالـ"مشتبة بهم"، وهو المفهوم القانوني الصحيح عند هذه المرحلة.
وتوسّعت بعض الوسائل بمتابعات حملت المزيد من تثبيت الإدانة، فنشرت في اليوم التالي للقبض عليهم ردّة فعل "الأوساط الشعبية" على القبض عليهم، تحت عنوان "ارتياح شعبي بعد القبض على قتلة الشهيدين"، نقلت فيه مطالبة جماعية بـ"اتخاذ أقصى العقوبات بحق مرتكبي هذا العمل الإجرامي".
ونشرت أخرى خبر قيام مواطنين بـ"توزيع الحلوى بعد القبض على قاتلي الدراوشة والجراروة". ونشرت ثالثة متابعة تحت عنوان "اثنان من قتلة الشهيدين الدراوشة والجراروة من أصحاب الأسبقيات"، نقلت عن مصدر جماعي من أبناء بلدة صمّا، التي ينتمي إليها المتهمون تأكيدهم أن ما ارتكبه هؤلاء حادثة "فردية ولا تمثّل أبناء البلدة".
ثم بعدها بأيام، عندما تحدد موعد بدء المحاكمة، تداولت الكثير من وسائل الإعلام الخبر تحت العناوين ذاتها، فنشرت "أمن الدولة تحدد موعد محاكمة قاتلي الدراوشة والجراروة"، و"محاكمة قتلة الشهيدين الدراوشة والجراروة تبدأ الأحد المقبل"، و"محاكمة قاتلي رجليّ الأمن الدراوشة والجراروة الأحد". ومن اللافت هنا، أن الخبر السابق الذي نقلته هذه الوسائل عن وكالة الأنباء الرسمية "بترا"، لم يصف في نصه الأصلي المقبوض عليهم بأنهم "قتلة" بل "متهمين"، لكن الوسائل التي نقلت النصّ، غيّرت العنوان، وذلك على ما يبدو، لكي يصبح، أكثر جاذبية.
واستمر هذا التحشيد باتجاه الإدانة المسبقة إلى ما قبيل الجلسة الأولى، عندما أعلنت وسائل إعلام بدء المحاكمة المقررة، فنشرت "أمن الدولة تباشر بمحاكمة قتلة شهيدي الأمن .. اليوم"، و"بدء محاكمة قتلة شهيدي الأمن الدراوشة والجراروة اليوم".
وقد ترافق نشر ما سبق، في العديد من وسائل الإعلام، مع فتح باب التعليقات واسعا لحشود القرّاء الذين طالبوا بإعدام علني لـ"الإرهابيين"، و"تعذيبهم قبل إعدامهم" و"جرّهم في شوارع عمان حتى الموت".
أن تأخذ بعض وسائل الإعلام دور القاضي، فتصدر حكما بالإدانة على المتهم قبل أن يصدر القضاء نفسه أي حكم، هي ممارسة إعلامية منتشرة، كان "أكيد" قد نبّه إليها في تقرير له قبل أكثر من عام، تحت عنوان "عناوين خبر مقتل رضيعة.. الصحف تأخذ دور القاضي"، كما نبّه إليها تقرير آخر لموقع "حبر"، بعنوان "أخبار الجرائم: الحكم قبل المحاكمة".
إنها ممارسة مستمرة، رغم التنبيه إليها، وتعكس، كما سبق أن قال لـ"أكيد" في التقرير السابق، الخبير القانوني، صدّام أبو عزام، تغطية إعلامية "غير احترافية"، يمنح فيها الإعلام لنفسه صلاحيات القاضي، فيصدر حكما بتجريم شخص، لا تكون الجهات المختصة، صاحبة الصلاحية في إصدار هذا الحكم، قد فعلته أصلا.
التغطية الإعلامية للجرائم، وفق أبو عزام، هي مسألة بالغة الحساسية، ولا يجوز لأي وسيلة أن تصف المتّهم بصفة تشتمل على إدانة، إلا بعد صدور حكم قطعي من محكمة التمييز.
وهذا يعني أنه حتى بعد إصدار محكمتيّ البداية والاستئناف حكما بإدانة المتهم، فإن هذا لا يعطي الإعلام الحقّ في أن يشير إلى المحكوم بصفة تثبّت هذه الإدانة عليه، فلا يُوصف بأنه قاتل مثلا، بل يُشار إليه بوصفه محكوما، ولا تثبّت إدانته إلا بعد استنفاذ كل فرص التقاضي، كما سبقت الإشارة.
وبحسب أبو عزام، فإن الإعلام مطالب بأن يكون بالغ الدقة في استخدام الأوصاف التي يستخدمها، بحسب مراحل التحقيق، ففي مرحلة "التحقيق الأوّلي" التي تتولاها الأجهزة الأمنية، وتسبق إجراءات المدعي العام، فإن الوصف لمن يُشتبه تورّطه في القضية هو "مشتَكى عليه"، ولا يجوز استخدام وصف "متهم".
أما عند إحالة ملف القضية إلى المدّعي العام، وهذه كما يوضّح أبو عزام، مرحلة "التحقيق الابتدائي" فإن المدعي العام إذا قرر إسناد تهمة إلى "المشتكى عليه"، وتحويله من ثم إلى محكمة الاختصاص، فإن وصفه هنا يصبح "المتهم"، إذا كان الفعل مصنّفا "جناية"، أو "الظنين" إذا كان تصنيف الفعل "جنحة".
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني