تفاعلت وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية بسرعة مع الحملة الأمنية النوعية، التي نفذتها الأجهزة الأمنية الأردنية، مساء الثلاثاء (1/3/2016)، في أحد أحياء مدينة إربد، لإفشال مخططات لمجموعة إرهابية. وفي الوقت الذي وفرت فيه وسائل الإعلام إحاطة جارية بالأحداث من خلال التدفق السريع للمعلومات، فإن بعض التغطيات الإعلامية وقعت في أخطاء مهنية وأخلاقية، إلى جانب أن تغطيات أخرى عبرت بشكل موارب عن أجندات سياسية.
ولأن التغطية الإعلامية للحملات الأمنية تُعدّ من التغطيات الحساسة، يقدم مرصد مصداقية الإعلام الأردني " أكيد" رصدا لأهم ملامح هذه التغطية، والدروس المهنية المستفادة منها، والمبادئ التي يجب الالتفات إليها في مثل هذه الحالات؛ انطلاقا من أن حماية المهنية الإعلامية، وحق المجتمع في معرفة نزيهه، هو جزء لا يتجزأ من حماية الوطن.
إحاطة إخبارية وتأخر معلوماتي رسمي
قامت وسائل الإعلام الأردنية بمواكبة مكثفة للعملية الأمنية النوعية، وإن تأخرت هذه المواكبة لساعات نظرا لتأخر المعلومات الرسمية، فيسجل لهذه الوسائل متابعتها المكثفة للعملية الأمنية وتداعياتها، سواء بالخدمة الإخبارية المعلوماتية من المصادر المتاحة وشهود العيان، أو بالتحليلات ومواد الرأي، وبرصد التداعيات على مختلف المستويات.
ويلاحظ أن أبرز ملامح هذه التغطية أنها كانت مشحونة بالكثير من العاطفة الجماعية، تحديدا فيما يخص خبر استشهاد الرائد راشد الزيود، ثم خبر وتفاصيل التشييع، وصولا إلى متابعة الأخبار من ديوان العزاء. فقد أسهم الإعلام في عكس وتدعيم صورة وطنية متماسكة ضد الإرهاب، والوقوف إلى جانب القيم الإيجابية التي تحرص عليها الصحافة الاندماجية. ومن هذه الزاوية بالذات، فإن الأداء الإعلامي لم يناقض مبادئ المهنية، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار طبيعة الأدوار التي يقوم بها الإعلام على مستوى العالم عند تناول القضايا المماثلة.
نشرت الصحف اليومية الصادرة باللغة العربية في الأيام الثلاثة الأولى (الأربعاء والخميس والجمعة)، في تغطية الحملة الأمنية وتداعياتها، نحو 295 مادة صحفية إخبارية، ونحو 87 مادة رأي، على شكل مقالات وتحليلات، فيما نشرت المواقع الإلكترونية الإخبارية، في الأيام ذاتها، نحو 870 مادة إخبارية وتحليلة، تناولت الحملة الأمنية وتداعياتها، رُصدت في حوالي 25 موقعا إخباريا، هي الأكثر مشاهدة، حسب قواعد بيانات "أكيد" مع مطلع عام 2016.
الاستجابة الإعلامية الرسمية جاءت متأخرة، فالملاحظة الأبرز تكمن في تأخر صدور موقف رسمي واضح عدة ساعات، على الرغم من تسرب معلومات منسوبة إلى مصادر رسمية، إلا أن الملمح الواضح كان غياب سرعة الاستجابة الإعلامية الرسمية، فقد بدأت العملية بُعيد الخامسة مساء الثلاثاء، ونُقلت الأخبار الأولى في بعض المواقع منسوبة إلى "مصادر"، أو إلى "شهود عيان". ولم تقدم معلومات رسمية إلا في ساعة متأخرة قبيل منتصف الليل. وإلى تلك اللحظة ظلت شاشة التلفزيون الرسمي تنقل على شريطها الإخباري عبارة غير مفهومة، تدعو المشاهدين إلى انتظار بيان رسمي، كما لم يُمنح الخبر أهمية تذكر خلال نشرات ذلك المساء.
الخبر الأول عن الحملة بُثّ من قبل مواقع إلكترونية بعد السادسة والنصف مساء يوم الثلاثاء، واستند في أحدها إلى شهود عيان في المنطقة قالوا: أغلقت الأجهزة الأمنية منطقة في مدينة إربد شمالي الأردن مساء الثلاثاء، إثر مداهمة تنفذها قوات خاصة لاعتقال مطلوبين في مخيم إربد، وإن اشتباكات مسلحة وقعت أثناء مداهمة القوات لمطلوبين، يُعتقد انهم إرهابيون، قرب دوار شركة الكهرباء ومنطقة شارع الهاشمي، وأدت لانقطاع الكهرباء تزامنا مع هذه الاشتباكات. وأن الأجهزة الأمنية أغلقت المنطقة المستهدفة، وسط أنباء عن وقوع إصابات بين الأجهزة الأمنية. ونُقل عن شهود قولهم إنه تم إغلاق مخيم إربد، وتم تنفيذ إنزال مظلي. وهي تفاصيل لم تثبت صحتها بشكل كامل لاحقا.
صحيفة " الغد" نشرت في الساعة السابعة و40 دقيقة مساء الثلاثاء خبرا بعنوان "اعتقال نحو 20 متطرفا في مداهمات مستمرة في إربد، وقالت فيه: علمت "الغد" أن الأجهزة الأمنية اعتقلت أكثر من 20 شخصا ينتمون لتنظيمات متطرفة.
وفي تحديث للخبر حوالي العاشرة مساء جاء في الصحيفة: "وردا على استفسارات "الغد"، قال مصدر أمني مسؤول إن المداهمات مستمرة حاليا، بدون إعطاء مزيد من التفاصيل". وقد حصل هذا مع أن مواقع أخرى كانت تنقل عن مصادر أمنية، وُصفت أحيانا بأنها "مأذون لها". وهذا قد يشير إلى أن مصادر الأمن لم تقدم معلومات مركزية موحدة. فيما استطاعت صحيفة " الغد" صبيحة يوم الأربعاء (حوالي الثانية فجرا) من تقديم مادة بصيغة أكثر وضوحا، قالت فيها إن "مصادر مطلعة" أوضحت أن العملية بدأت منذ أكثر من أسبوعين، وأن المعتقلين 20، بينهم 10 على الأٌقل اعتُقلوا يوم الحادث، كما نقلت روايات شهود عيان من الميدان.
بيان الأمن العام الأول مساء الثلاثاء نوّه إلى أن "بعض وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي تنشر معلومات تؤثر سلبا على العملية الأمنية بما في ذلك عرض بعض الأسماء، وستتخذ بحقها أشد الإجراءات القانونية".
الحكومة لم تعلن أي موقف إلا صباح يوم الأربعاء في تصريح للناطق الرسمي وزير الدولة لشؤون الاتصال، الدكتور محمد المومني، قدم فيه حصيلة الحملة الأمنية كما قيّم الأداء الإعلامي قائلا إن "الغالبية العظمى من التغطية الإعلامية التي تبعت العملية كانت بصف الوطن، باستثناء موقعين قاما بنشر اسم شهيد الوطن قبل تبليغ ذويه، وسيتم اتخاذ الاجراءات بحقهم".
بيان "الأمن العام" عن حصيلة الحملة صدر صباح الأربعاء، تبعه بيان دائرة المخابرات العامة الذي ذكر لأول مرة أن متابعة دائرة المخابرات العامة للمجموعة الإرهابية سبقت حادث المداهمة، وأن اعتقال 13 عنصرا متورطا بالمخطط الإجرامي تم قبل ذلك، كما ذكر أن المداهمة نفذتها أجهزة الأمن.
الاستجابة الإعلامية الرسمية في ميزان المهنية وحماية الوطن.
هل كان من الممكن أن تكون الاستجابة الإعلامية في توفير المعلومات لوسائل الإعلام مبكرة وأكثر إحاطة؟ وهل كان تأخر المعلومات الرسمية لخدمة أهداف الحملة الأمنية؟ ولم يكن تأخر البيان الرسمي أكثر من إجراء احترازي؟
قد تتطلب الحاجات الأمنية في مثل هذه الأحداث التأخر في تدفق المعلومات إلى الجمهور، لكن الرصد السابق يظهر أن جهات رسمية قدمت معلومات وصفت بـ" المأذونة " لبعض وسائل الإعلام، ما يفيد أنه لم يكن هناك رواية مركزية لتدفق المعلومات. في حين أن إدارة المعلومات الرسمية في هذا النوع من التغطيات، يحتاج في العادة إلى رواية رسمية مركزية وشبه موحدة، إلا إذا كانت التسريبات والمعلومات المتعددة المصادر تخدم أهدافا أمنية.
من المنظور الإعلامي، فقد فتح تأخر الرواية الرسمية المجال واسعا أمام الإشاعات والتكهنات، التي انتشرت، خصوصا على شبكات الإعلام الاجتماعي، في حين أن استجابة إعلامية رسمية موحدة ومتماسكة، كان يمكن أن توفر رواية حاسمة، تليق بالأداء الأمني الرفيع، الذي اتّسمت به العملية الأمنية.
إن الاستجابة الإعلامية الرسمية السريعة في مثل هذه الظروف، علاوة على أنها تحقق نوعا من ملء الفراغ الإعلامي والمعلوماتي، فإنها أيضا توفر مادة للتفاعلية على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تُعدّ اليوم الأداة الأخطر في توجية الرأي العام من جهة، أو في توفير بيئة للأجندات السياسية المناوئة من جهة من أخرى.
وإلي اليوم، ما يزال هناك فقر معلوماتي بخصوص خلفية الحملة الأمنية وأبعادها، وخلفية الخلية الإرهاية وانتماءات عناصرها.
تجاوزات مهنية كان من الممكن تجاوزها
وقعت بعض التغطيات الإعلامية في تجاوزات مهنية وأخلاقية كان يمكن تجاوزها، ويرصد "أكيد " أبرز هذه التجاوزات:
أما الصحف اليومية، فقد اكتفى بعضها بمواد صحفية ترصد التداعيات وردود الأفعال عن بُعد، مع ندرة في التقارير والقصص الإخبارية من موقع الأحداث ومن ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، أن "الرأي" نشرت يوم الخميس (3/3/2016) نحو 38 مادة صحفية، من بينها مادة واحدة من إربد، بينما نشرت " الغد " في اليوم ذاته (3) تقارير من مدينة إربد، في حين لم تنشر صحف يومية أخرى أي مادة ميدانية من موقع الأحداث.
بشكل عام اتسمت التغطية الميدانية من موقع الحدث بالضعف، فلم يحصل المتابع من خارج المدينة على إجابات أسئلة تخص الموقع والجغرافيا والحياة اليومية وخلفية الأحداث. وقد وصلت مادة صحفية وحيدة في "الغد" إلى موقع الحدث، والتقطت صورا، وقابلت مجاورين للمبنى، الذين قدموا شهاداتهم عمّا سبق العملية، وطبيعة سكان العمارة الذين تبين لاحقا أنهم من الإرهابيين.
دروس إعلامية من حملة إربد
في سبيل نشر أفضل الممارسات المهنية والأخلاقية في تغطية الحملات الأمنية، التي توصف أحيانا بالتغطيات الحساسة، وفي ضوء الدروس المستفادة من تغطية الأيام الثلاثة الأولي من الحملة النوعية في إربد، يقدم مرصد " أكيد" بعض المبادئ المهنية التي تتطلبها تغطية الحالات الأمنية المشابهة.
إن وسائل الإعلام، في أوقات دقيقة كهذه، تنزلق أحيانا إلى ترديد الشائعات، وغيرها من أخطاء وممارسات، قد لا تكون مقصودة، لكنها قد تخدم أهداف الإرهابين أو المجرمين والخارجين عن القانون، أو تُضعف، وربما تُفشل العمليات الأمنية.
ويذكّر " أكيد " بالمعايير الدولية لحجب المعلومت وتداولها على أساس حماية مصالح الأمن الوطني، فطبقا للمعايير الدولية، تم النص على الآتي[i]:
معلومات يجوز حجبها (لمدد محددة ومعلنة)، وتشمل الآتي:
2- معلومات ينبغي الإفصاح الفوري عنها، وتشمل المعلومات الخاصة بالمشاركة السياسية في عمليات صنع القرار، والمعلومات الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، التي لا يجوز حجبها على أساس حماية مصالح الأمن القومي أو منع محاسبة من قاموا بتلك الانتهاكات
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني