تناقلت وسائل إعلام سعودية الأسبوع الماضي خبر دخول مريض سعودي في غيبوبة بعد أن أجريت له عملية جراحية في أحد مستشفيات عَمّان الخاصة، وقد حظيت تلك القضية باهتمام من وسائل الإعلام السعودية، في الوقت الذي اتسمت فيه تغطية وسائل الإعلام الأردنية بالاعتماد على ما تردده وسائل الإعلام السعودية، أو بالتجاهل الكامل للقضية، وبدون نشر أي أخبار أو تفاصيل خاصة بها.
ومع تأكيد مرصد مصداقية الإعلام الأردني" أكيد"، على أهمية تحري الدقة في نشر القضايا المتصلة بما يسمى الأخطاء الطبية، والإهمال الطبي، وما قد ينجم عن التدخلات الجراحية والعلاجية من مضاعفات، إلا أن ذلك لا يعني تجاهلها وإهمالها، حيث يبقى دور الإعلام في هذه القضايا أساسياً من خلال نقل أخبار مستندة إلى معايير الدقة وعدم التسرع في النشر؛ ذلك أن أخبار الصحة وما يتعلق بها تحتل مكانة بارزة واهتماما خاصا لدى الجمهور، يفوق الاهتمام بالمجالات الأخرى، نظراً لحساسية هذه الموضوعات، وارتباطها المباشر بالأفراد والمجتمع.
وفي الوقت الذي انشغلت فيه وسائل إعلام أردنية بنشر مزاعم عن وجود هاتف خلوي في بطن مريضة إثر عملية ولادة قيصيرية ، جاءت تغطية قضية المريض السعودي على استحياء، ولم تكن موضوعاً بارزا في وسائل الإعلام، ولم تحظ بتغطية مناسبة لحجم ما أحدثته من تساؤلات وأخبار في الصحف السعودية والمواقع الإلكترونية هناك. وكأنها قصة إخبارية غير أردنية .
مرصد "أكيد" قام بمتابعة القضية من خلال ما نشر في وسائل الإعلام السعودية، حيث تبين أنها اعتمدت على تصريحات نسبت إلى السفير السعودي في عمان، ونقلت ما ورد على لسانه، حين قال: "إن السفارة قد بدأت بإجراءات التقاضي ضد المستشفى الأردني".
بعض وسائل الإعلام الأردنية نشرت خبرا، يقول: تعرض مريض سعودي لـ"خطأ طبي"، حيث يتبين من العنوان أنها قد أعطت حُكماً مسبقاً على أن المريض قد تعرض لخطأ طبي. وهو خبر منقول بكل تفاصيله عن وسائل إعلام سعودية، فقد نشرت صحيفتا "الرياض" و"عكاظ"، خبر متابعة لحالة المريض، أوردتا فيه تصريحات للسفير السعودي في عمان، بأن السفارة بدأت بإجراءات التقاضي ضد المستشفى الأردني. ويظهر أن النقل الحرفي ودون التدقيق والتحقق مما ورد قد جعل وسائل الإعلام الأردنية تخطئ باسم الطبيب الأردني المشهور الذي أجرى العملية .
مواقع إلكترونية أردنية نقلت عن الصحيفتين أن " القضاء الأردني ينظر بقضية وفاة سعودي نتيجة خطأ طبي"، مع أن الخبر فيه تناقض واضح، حيث يشير تصريح السفير السعودي إلى "أنه تم تكليف محامي السفارة وأسرة المريض بتقديم عريضة دعوى للمدعي العام"، وتشير الفقرة نفسها إلى أن "السفارة لا تزال تنتظر تقرير نتائج التحقيق من وزارة الصحة الأردنية"، فيما لم تقم تلك المواقع التي نشرت ذلك التصريح، بالتحقق من السفارة السعودية بشكل مباشر عن دقة التصريحات المذكورة.
"أكيد" اتصل بالناطق الإعلامي في السفارة السعودية في عمان محمد البلوي، الذي أوضح أن السفارة لم تقم بأي إجراءات للتقاضي ضد أحد في تلك القضية، مضيفاً أن "السفارة تنتظر قرار اللجنة المشكّلة من وزارة الصحة الأردنية، للبحث في احتمالية وجود خطأ طبي من عدمه".
وأشار البلوي إلى أن السفارة ستنظر بالإجراء الذي سيتم اتخاذه بناءً على تحقيقات تلك اللجنة، موضحاً أنه " لا يمكن اتخاذ إجراء مسبق، وأن السفارة لن تقرر عن اللجنة الطبية". أما عن التصريحات التي نقلتها بعض المواقع الإلكترونية الأردنية عن صحف سعودية، فقد قال البلوي "إن السفارة لم تُصدر أي تصريحات أو بيانات صحفية، ولن نصدر أي تصريح قبل قرار اللجنة".
كما تواصل "أكيد" مع نقيب الأطباء الدكتور هاشم أبو حسان، لبيان الفرق بين الخطأ الطبي والإهمال الطبي. حيث أوضح أبو حسان أن الخطأ الطبي هو "خروج الطبيب أو مساعديه عن الأصول الطبية المتعارف عليها أثناء مزاولة الأعمال الطبية، دون قصد الإضرار بالمريض، وإنما نتيجة لعدم اليقظة والتبصر، والتي ينبغي توافرها في الطبيب، أما الإهمال الطبي فهو الفشل في توفير الرعاية الطبية، سواءً كان خلال فترة العلاج، أو كانت نتائجه ظاهره بعد العلاج، نتيجة لذلك، ما يُسبب ضررا للمريض من قبل المُعالج أو الطاقم".
ويشير أبو حسان إلى أن مضاعفات المرض أو العلاج التي لا يمكن للطبيب تفاديها، قد تحدث أثناء المعالجة أو بعدها مثل عدم الاستجابة للعلاج أو عدم التئام الجرح رغم قيام الكادر الطبي بالخدمة الطبية الكاملة، والكادر الطبي من المفترض بالضرورة أن يكون مؤهلا وملما بخطوات طبية متعارف عليها ضمن المراجع المتخصصة.
ومن خلال متابعة قام بها مرصد "أكيد" فقد لاحظنا أن نقابة الأطباء قد أصدرت بياناً استنكرت فيه نشر وسائل إعلام أردنية عن "المريضة التي ادعى أهلها بوجود هاتف خلوي في بطنها" في حين لم تُصدر النقابة أي بيان يوضح حقيقة ما جرى للمريض السعودي. وفي تعليقه على هذه الملاحظة، قال أبو حسان " النقابة أصدرت بيانا بخصوص الخلوي كون القضية افتراء وتشويه فاضح ومكشوف ولا يمكن أن يقره عقل". وأضاف "لذلك وحرصا على سمعة الطب المتقدم في الأردن أوضحت النقابة الأمر، أما المريض السعودي فالقضية فيها أطباء، وتحتاج إلى تحقيق كامل ولجان فنية متخصصة.
ومن خلال متابعة هذه القضية ومثيلاتها فإن "أكيد" يشير إلى أن ذلك يمثل نموذجا لنمط من التغطية الإعلامية غير المهنية في القضايا الصحية، وذلك لعدم اتباع المعايير المهنية، وأصول تغطية الأخبار ذات الصلة بالشؤون الصحية يوضح " أكيد " أبرز التجاوزات المهنية التي وقعت بها وسائل الإعلام في تغطية موضوع المريض السعودي .
أولا : إن قضية المريض السعودي حدثت في مستشفى أردني وعلى أيدي أطباء أردنيين هي بالتالي قصة إخبارية أردنية ومصادر معلوماتها في الأغلب أردنية ولا ينتظر من وسائل الإعلام أن تتعامل معها وكأنها قصة خارجية وتعيد ما نشرتها الصحف السعودية بدون العودة إلى المصادر الأردنية .
ثانيا : عدم التحقق من المعلومات التي أوردتها وسائل الإعلام السعودية وتحري مستوى الدقة فيها حيث أعادت وسائل الإعلام الأردنية ما نشر حتى بما فيه من أخطاء .
ثالثا: لم تتابع وسائل الإعلام هذه القضية بشكل مناسب ولم تمنحها الاهتمام الكاف باعتبارها قضية تمس الصالح العام وسمعة القطاع الصحي الأردني وصحة الأردنيين .
رابعا : لم تراع التغطية الإخبارية الحدود القانونية والمعرفية في وصف ما حدث ؛ فثمة فرق بين الخطأ الطبي، والإهمال الطبي، والمضاعفات الطبية، مثلما أنه لا يجوز للإعلام أن يصدر حكما دون نتائج تحقيقات أو آراء أصحاب الاختصاص، أو التحقق من التصريحات، وبخاصة أن مصدرها موجود في الأردن، ولا تحتاج إلى جهود شاقة.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني