أكيد – دلال سلامة
في تقرير عن معاناة أسواق العقبة وزوارها من ظاهرة البسطات العشوائية، نقل التقرير شكوى "آلاف الزوار من فوضى الأسواق وعشوائية البسطات"، وشكواهم من صعوبة التنقل وسط المدينة، على أرصفة انتشرت عليها "البراميل والكراتين والألواح"، كما نقل استغراب هؤلاء الزوار من "صمت الجهات المعنية" في المدينة.
لكن من بين هؤلاء "الآلاف" الذين نقل التقرير شكواهم، لم يكن هناك أي إشارة إلى شخص بعينة، فقد استند التقرير في كل المعلومات المتعلقة بشكاوى المواطنين، إلى مصدر جماعي مبهم هو "آلاف الزوار"، من دون أن يُوضّح للقارئ، كيف وصلت شكوى آلاف الزوار إلى كاتب التقرير، هل التقاهم شخصيا، أم كان هناك عريضة شكوى، تحمل تواقيعهم؟ أم كان هذا الرقم حصيلة استطلاع ما أجرته جهة معينة؟
وجميع ما سبق هو أسئلة مشروعة، فالصحفي بامتلاكه أدوات تمكنه الوصول إلى معلومات، لا يمتلك الجمهور أدوات الوصول إليها، يصبح بهذه الصفة عين الجمهور ونائبه، لكن هذا لا يمنحه، في المقابل، مصداقية غير مشروطة، إذ هو مطالب بأن يوضح لقرّائه بدقة كيفية حصوله على هذه المعلومات، التي صدّرها إليهم بوصفها حقائق، ومن ذلك أن يحدد بدقة هوية مصادره، فهوية المصدر هي أحد العوامل الأساسية التي تساعد الجمهور على محاكمة المعلومات التي تُنسب إلى هذه المصادر، واتخاذ قرار تصديقها أو التشكيك فيها. وتساعد هوية المصدر القارئ في معرفة مدى اطلاع هذا المصدر، وما إذا كان له مصلحة في الترويج للمعلومة التي أدلى بها. وإذا كان المصدر جماعيا، فإن للقارئ الحق في أن يعرف حجم هذه المصادر الجماعية، فهذا يساعده على التأكد من أن الشكوى أو المطلب الذي يطرحه الخبر بوصفه شكوى أو مطلبا جماعيا، هو كذلك فعلا.
النسبة إلى مصدر جماعي مبهم، لم يكن حالة فردية في المحتوى الإخباري المحلي لصحف هذا اليوم، فقد نشرت الصحف الأربع[1]، "الدستور" و"الرأي" و"السبيل" و"الغد"، ما مجموعه 21 خبرا وقصة إخبارية، نُسبت فيها معلومات أساسية إلى مصادر جماعية مبهمة.
في 17 من المواد الصحفية السابقة، كان المصدر الجماعي المبهم هو "مواطنون، ومنهم أهالي العالوك وجبة، الذين اشتكوا من إلقاء النفايات في منطقتهم، ومواطنون في إربد اشتكوا من ذبح الأضاحي في الشوارع[2]، وأهالي الرصيفة يشتكون من اهتراء شبكات المياه، وزوار للبحر الميت اشتكوا من ظاهرة الذباب المنزلي في المنطقة، ومواطنون شكروا جهات مانحة قدّمت لهم لحوم أضاح.
ما تبقى من أخبار وتقارير، تخص أنواعا مختلفة من المصادر، منها مصادر وزارة الخارجية التي تؤكد أن الوزارة "تقوم بجهود كبيرة لمتابعة حل ملف المعتقلين الأردنيين في الخارج"، وتجار يطالبون الحكومة بحلّ مشكلة الإضرابات العمالية المتكررة في ميناء حاويات العقبة.
وفق ميثاق الشرف الصحفي الأردني، فإن على الصحفيين "أن يراعوا عدم العزو إلى مصادر مجهولة، إلا إذا حقق هدفا وصالحا عاما، أو استحال الحصول على المعلومات بغير هذه الوسيلة"، ويُلاحظ هنا أن النص لم يضع قيدا حقيقيا على استخدام الصحفيين للمصادر المجهولة، فحرف "أو" جعل تحقيق الصالح العام، واستحالة الحصول على المعلومات بغير المصادر المجهولة، حالتين منفصلتين، أي أن للصحفي أن يستخدم مصادر مجهولة، إذا كان ذلك يحقق صالحا عاما، دون أن يكون ذلك مشروطا بعدم إمكانية الحصول على المعلومات بغير هذه الوسيلة.
[1] لم تصدر "العرب اليوم" مطبوعة لهذا اليوم
[2] التقرير منشور في "الغد" المطبوعة اليوم
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني