تتبع مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) نماذج مختلفة من عناوين الأخبار والتقارير التي تصدرت مواقع إلكترونية محلية، خلال شهر آذار (مارس) 2016، واتسمت بالغموض، فتسببت أحيانا بإثارة الفضول لدى الجمهور. فوقف المرصد على الخلل المهني الذي شابها، من جهة ابتعاد عناوينها عن محتوى وتفاصيل المادة الإخبارية المتصلة بكل عنوان.
من بين تلك النماذج عنوان يقول: "خبر مفرح لجميع الأردنيين"، الذي جاء في تفاصيله "توقع مراقبون أن تصدر خلال الأربع وعشرين ساعة المقبلة قرارات في غاية الأهمية، وأشارت تسريبات إلى أن هذه القرارات ذات أهمية كبرى وستُفرح الأردنيين"، فيلاحظ هنا أن العنوان مبهم ويخاطب العواطف، وهو عنوان غير واضح، ولا دليل على ارتباطه بالمادة، ولا يشتمل على أي مضمون يبلغ عن المادة الإخبارية.
نموذج آخر بعنوان: "غضب شعبي ومطالبة النسور بإصدار قرار هام اليوم وللضرورة"، وفي تفاصيله، مطالبة العديد من المواطنين رئيس الوزراء، الدكتور عبد الله النسور، بضرورة إصدار قرار بتعطيل كافة المؤسسات والدوائر الحكومية والخاصة في المملكة، وجاءت هذه المطالب تزامنا مع قرار تعطيل المدارس الحكومية والخاصة في المملكة، بسبب انتخابات نقابة المعلمين، وأشار المواطنون إلى أن كثيرا منهم عاملون، وأن قرار تعطيل المدارس وضعهم في حيرة، لجهة ترك أبنائهم بخاصة الأطفال منهم وحدهم. هذا العنوان، رغم طوله، لا يشير إلى أي مطلب معين، وهنا يقع القارئ ضحية لعدم الوضوح.
"تحذير هام" عنوان عام مبهم آخر، حيث تكشف تفاصيل الخبر ذي الصلة أن التحذير صادر عن إدارة الإعلام الأمني بسبب الظروف الجوية على الطرق الخارجية خصوصا الصحراوية، وهو خبر يهم بشكل أساسي سالكي الطرق الصحراوية.
عنوان آخر "هيئة “همم” قلقة" عنوان غير واضح، ومبهم، ولا يدل على تفاصيل ومضمون الخبر، ويتسبب بحيرة للقارئ. ومثله عنوان يقول: "في الأردن حقوق الغش محفوظة". هذا العنوان يمثل إخلالا بمعايير المهنة من زاوية اسقاط الرأي الشخصي على مضمون الخبر، إذ استُخْدم رأي ناشط على "فيسبوك" عنوانا.
ومن بين العناوين التي رُصدت أيضا: " يستحقون الاحترام"، " أمطار غزيرة" و" لماذا الأردن 53 مليون يورو"، "المدارس الخاصة ترفض"، "خبر هام وعاجل.... لكافة العاطلين عن العمل في الأردن"، وجميعها نماذج لا تشير بشكل عام إلى المضمون، وتبقي تفاصيل الخبر خاضعة لتوقعات القراء أنفسهم، وفي أحيان أخرى، يتضح أن العنوان لا يعكس حقيقة المضمون.
يستند مرصد "أكيد" إلى عدد من المعايير المهنية المتعلقة بصياغة عناوين المواد الإخبارية، إذ يتعين طرح العديد من الأسئلة مثل:
1) هل العنوان واضح؟
2) هل العنوان مرتبط بالمادة؟
3) هل العنوان دال على المادة؟
4) هل العنوان مبلغ عن محتوى المادة؟
5) هل العنوان منحاز إلى جهة؟
6) وهل العنوان يحضّ على الكراهية أو يحرض عليها؟
. وهي أسئلة تساعد القارئ والصحفي المتخصص على تحديد مدى انسجام العنوان مع المحتوى أو ابتعاده عن المضمون.
في الإطار ذاته، ينشر موقع "BBC" العربي، نقلا عن رئيس تحريره، مصطفى كاظم، أهم مواصفات العنوان المهني/ مثل: أن يكون واضحا، وجاذبا للمتابعة ومستحثا لها، وأن لا يتسبب في تضليل القارئ، فضلا عن ضرورة اشتماله على الكلمات الدالّة لأغراض البحث.
ويضيف كاظم: "سواء كنا نكتب قصة سياسية أو علمية أو رياضية أو اقتصادية أو غيرها، يظل للعنوان في جميع الحالات دور مهم في إيصال المعلومة التي يريد المتصفح اصطيادها، فمن خلاله يتضح مضمون القصة ومحتواها، ومن المهم أن لا يكتشف القارئ، عند دخوله إلى تفاصيل المحتوى، أي معنى مغاير، لم يكن العنوان الذي اخترناه قد أوحى به، فذلك أمر منفّر للقارئ".
ووفق دراسة بعنوان (العنوان الصحفي: دراسة نظرية تطبيقية)، لخالد بن الشريف، (تشرين الأول) أكتوبر 2014، فإنه لا يصلح العنوان الصحفي الذي يكون عاما، ولا يفيد معنى جديرا بأن يسمعه القارئ ويستفيد منه، لذلك ينصح بالابتعاد عن العناوين السلبية التي لا تفيد أي معنى، ويبقى تحري الدقة ورصد الجزئية الجوهرية والمتميزة في الموضوع أساسا لصياغة عناوين صحفية بعيدة عن السلبية.
الأكاديمي والخبير الإعلامي، أيمن مسنات قال في اتصال مع (أكيد): يجب أن يعبر العنوان عن الموضوع، والمضمون، وأن يكون هناك تناسب بين العنوان وتفاصيل المادة، وتجب مراعاة عدم التهويل، وتحديد المفاهيم حسب أصولها اللغوية. فالعنوان يعبر عن سياسة تحريرية للوسيلة الإعلامية، لكن خلال رصدنا للمواقع نجد أن هناك أحيانا تهويلا، ومبالغة وعناوين ترتكز على الإثارة، فيما يغيب العنصر الإخباري عن المادة الصحفية، إضافة إلى المبالغة في استخدام العناوين الاستفهامية.
مسنات لفت إلى أن دور الصحافي، في المادة الإخبارية هو الإجابة عن الأسئلة لا طرحها. مبينا أن الصحافة الصفراء "الشعبية" تتبع مثل هذه العناوين المثيرة، لكنه يطالب المواقع الرقمية، التي يتميز جمهورها بأنه اكثر اتساعا، بالاتزان والموضوعية، لتكسب جمهورا نوعيا. كما يطالبها بالابتعاد عن التقليد، ومراعاة أن مواصفات العناوين تختلف باختلاف طبيعة المادة الصحفية؛ خبرا كانت أم تحقيقا أو مقالا.
كما يلفت مسنات إلى أخبار من طبيعة مختلفة مثل المنوعات، التي تستخدم لها عناوين طريفة وجذابة، وقد يعتمد بعضها على المفارقات، كما أن هناك نمطا من العناوين يشتمل على اقتباسات، فيشدد على ضرورة أن تظل هذه العناوين في إطار الموضوع ذاته، وأن توضع الاقتباسات في سياقها الحقيقي.
ويدعو مسنات إلى تجنّب العناوين الطويلة، التي يقترب حجمها، في بعض الأحيان، من حجم الخبر نفسه. ويختم بالإشارة إلى ضرر الركون إلى اللهجة العامية في صياغة العناوين.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني