وصفي الخشمان
أبرزت وسائل إعلام محلية يومي الاثنين والثلاثاء عناوين تتحدث عن وجود "أرقام صادمة" وعمليات تعذيب "مؤلمة" في مؤسسات أمنية بالأردن.
وطبقاً للمعايير التي يستند إليها مرصد مصداقية الإعلام الأردني "أكيد"، فإن الأخبار التي تناولت المؤتمر الصحافي لتقرير مركز "عدالة" لدراسات حقوق الإنسان خالفت معايير الدقة عبر احتوائها معلومات ناقصة مثل الحديث عن أرقام "صادمة" دون عرضها.
وأغفلت وسائل إعلام الإشارة إلى أن بعض الأرقام الواردة في التقرير هي مواد نشرت سابقاً، بل تعاملت معها وكأنها أرقام جديدة.
ولم تتطرق بعض التغطيات الصحافية إلى عرض جميع تفاصيل المؤتمر، وأحجمت مثلاً عن نشر الدعوة إلى إلحاق القضاء الشرطي بالمحاكم النظامية.
وأخلت وسائل الإعلام تلك، بمعيار التوازن في بعض الأخبار، من خلال عدم فرد مساحة للطرف الآخر المتمثل بالحكومة أو مديرية الأمن العام للرد عما ورد في التقرير، إضافة إلى اختيار عناوين تحتوي على مبالغة وقيم حُكمية.
واعتمدت وسائل إعلام على جاذبية قضايا العنف بشكل عام، حيث تثير مثل هذه الموضوعات فضول الجمهور سواء أكان محلياً أم دولياً، وهو ما شجع بعض وسائل الإعلام على نشر مقتطفات مختصرة من روايات حول حالات عنف وتعذيب وردت في التقرير، دون الإشارة إلى أن هذه الروايات "قديمة" وسبق نشرها في تقارير حقوقية سابقة، كما أن بعضها منظور أمام القضاء ينتظر البت فيه، ومن شأن النشر التأثير في سير العدالة، وهو ما يخالف قانون انتهاك حرمة المحاكم.
ونقلت صحف ومواقع إخبارية الكترونية المؤتمر الصحافي الذي عقده المحامي عاصم الربابعة مدير مركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان لإطلاق التقرير الأول للمركز بعنوان (التعذيب في الأردن: محاسبة الجناة والعدالة المؤجلة).
وحظي المؤتمر بتغطية من وسائل إعلامية محلية وعالمية، بعضها استخدم صوراً ليست من الأردن، في حين غابت عنه وكالة الأنباء الأردنية (بترا) وصحف يومية.
وتفاوتت التغطيات بين متحيزة نشرت مقتطفات من التقرير وأبرزت عناوين "مثيرة"، ومتوازنة جمعت تصريحات الربابعة وردود جهات حكومية أبرزها رد المنسق الحكومي لحقوق الإنسان في رئاسة الوزراء باسل الطراونة.
ورفضت مفوض الحماية بالوكالة في المركز الوطني لحقوق الإنسان المحامية نسرين الزريقات استخدام عبارات مثل "أرقام صادمة"، قائلة إن جميع الإحصائيات التي تم الاستناد إليها مصدرها التقرير السنوي الثاني عشر للمركز الوطني لحقوق الإنسان.
وفيما يتعلق بأداء وسائل الإعلام، عبرت الزريقات عن اعتقادها بأنه اعتمد "أسلوب التهويل والإثارة غير الموضوعي"، على اعتبار أن هذه القضية تلفت نظر الجمهور بشكل ملحوظ.
ورأت أنه كان "يجب تناول التقرير من قبل الإعلام بشكل أكثر موضوعية وأكثر دقة، لأن هدف التقرير ليس إثارة الرأي العام، وإنما تقديم الحقائق".
واتفق الدكتور صخر الخصاونة أستاذ التشريعات الإعلامية في معهد الإعلام الأردني مع ما رأته الزريقات، حيث اعتبر أن العناوين كانت غير متوافقة مع مضمون التصريحات؛ إذ حوت عبارات حُكمية اتهامية مثل "أرقام صادمة" و"أساليب مؤلمة" على الرغم من أن الربابعة لم يفصح عن أعداد حالات التعذيب، لعدم اكتمال التحقيق في بعضها، في حين ما يزال بعض الحالات منظوراً أمام محكمة الشرطة، وهي المحكمة المختصة بمحاكمة أفراد قوة الأمن العام.
وأضاف الخصاونة أن الاستدلال بتصريحات الربابعة دون أخذ رأي آخر أي دون بيان وجهة نظر الأمن العام أو الحكومة يعد إخلالاً بتوازن الموضوع.
وعرج الخصاونة على إحصائية الشكاوى التي انفردت بنشرها صحيفة يومية واحدة، قائلاً إنها لا تشكل نسبة صادمة، بل إن نسبتها لا تذكر إذا ما قورنت بعدد المواطنين الأردنيين وغير الأردنيين الذين يتعاملون مع جهاز الأمن العام.
وأوردت الصحيفة نقلاً عن تقرير مركز عدالة، تسجيل 92 شكوى ذات علاقة بالضرب والتعذيب وسوء المعاملة خلال العام 2015، بينها 22 شكوى حفظت بناء على طلب المشتكي، 25 شكوى أغلقت لعدم ثبوت الانتهاك، فيما أحيلت شكويان إلى محكمة الشرطة، وما تزال 43 شكوى قيد المتابعة.
وترد هذه الإحصائية في التقرير السنوي الثاني عشر لحالة حقوق الإنسان للعام 2015، والذي أنجز في أكتوبر 2016، حيث بين أن المركز الوطني لحقوق الإنسان تلقى في العام 2015 ما مجموعه 92 شكوى تتضمن الادعاء بالتعرض للتعذيب وسوء المعاملة على أيدي موظفي إنفاذ القانون والإدارات الأمنية المختلفة.
وأوضح التقرير مجموع قضايا التعذيب وسوء المعاملة المسجلة بحق العاملين في مديرية الأمن العام بلغ 239 قضية في عام 2015، أحيل منها 45 قضية للمحاكمة أمام قائد الوحدة، و147 قضية تقرر فيها منع محاكمة المشتكى عليهم من قبل المدعي العام الشرطة، بينما أحيلت 20 قضية لمحكمة الشرطة، في حين ما تزال 27 شكوى قيد النظر.
أما قضايا سوء المعاملة المرتكبة بحق نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل عام 2015 فقد بلغت 38 قضية أدين فيها 12 شخصاً بينما منعت محاكمة 26 شخصا من قبل المدعي العام الشرطي.
وتابع الخصاونة أن ضآلة الأرقام التي أوردها تقرير مركز عدالة تؤكد ما تكرره أجهزة حكومية من أن حالات التعذيب وسوء المعاملة "ليست جزءاً من عملية ممنهجة"، بل "حالات فردية" يجري التحقيق معها والتحقق منها، ثم معاقبتها إذا ما ثبت تورطها.
بيْد أن الخصاونة عبر عن دعمه لما جاء في تقرير مركز عدالة من دعوة إلى فصل محكمة الشرطة وإلحاقها بالمحاكم النظامية، معتبراً أن هذه الدعوة تتوافق تماماً مع منظومة حقوق الإنسان والعدالة، بحيث يكون التحقيق في قضايا التعذيب أكثر شفافية والأحكام أكثر استقلالية.
التعذيب مرفوض
في المقابل، رفض المحامي عاصم الربابعة مدير مركز "عدالة" اعتبار عدد الشكاوى معياراً لعدم وجود مشكلة، قائلاً إن التعذيب "اعتداء مرفوض على الكرامة الإنسانية"، سواء وقع على شخص واحد أو على آلاف الأشخاص.
وأضاف الربابعة أن المركز لديه عدد الشكاوى، "وهي بالآلاف"، وسيعلن عنها تباعاً بعد التحقق منها.
قنوات مفتوحة
وفضل المقدم عامر السرطاوي الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام عدم الخوض في تغطيات وسائل الإعلام لتقرير "عدالة"، إلا أنه قال إن هناك تغطيات اتسمت بالمهنية، وأخرى كانت متحيزة.
وأكد السرطاوي أن جميع القنوات مفتوحة أمام أي شخص يود التقدم بشكوى ضد عناصر الأمن العام، حيث يتم استقبال جميع الشكاوى وتنظرها محكمة الشرطة.
وشرح السرطاوي لـ أكيد" أن جهاز الأمن العام أكثر جهة تتواصل مع المواطنين، باعتبارها الجهة المناط بها تطبيق القانون، ومن الطبيعي أن يحدث أحياناً احتكاك بين أفراد الشرطة ومطلوبين أو متهمين، لكنها تعد حالات فردية، مشدداً على أن" لدينا جهاز قضائي شرطي قادر على البت في أية شكوى باستقلالية وشفافية".
تقرير جديد
كذلك أقر باسل الطراونة المنسق الحكومي لحقوق الإنسان بوجود تصرفات فردية تكافح بخطط علاجية إضافة إلى القضاء، لافتاً إلى أن هناك عدداً من القضايا المنظورة أمام محكمة الشرطة ويسمح لأي جهة بحضور الجلسات ومتابعتها.
وقال الطراونة لـ "أكيد" إن هناك تقريراً سيصدر خلال الأيام المقبلة يتضمن أرقاماً وإحصائيات وتفاصيل حول شكاوى ذات علاقة بالتعذيب.
وذكر الطراونة بإطلاق الخطة الوطنية الشاملة لحقوق الإنسان قبل عام والتي شكلت بتوجيهات جلالة الملك، وتعد منهجية لتفعيل منظومة حقوق الإنسان خلال السنوات المقبلة.
وعبر الطراونة عن تقديره لجهود مؤسسات المجتمع المدني وأهميتها في الرقابة والتنمية، معرجاً على أهمية دور الإعلام في نقل الحقيقة بشكل مهني ومتوازن يعرض وجهات النظر كافة.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني