تغطية الاعتداء على طبيب في عمان.. حذف صوت "المعتدي" يعيق فهم الظاهرة ومعالجتها

تغطية الاعتداء على طبيب في عمان.. حذف صوت "المعتدي" يعيق فهم الظاهرة ومعالجتها

  • 2015-11-17
  • 12

أكيد – دلال سلامة

تناقلت مواقع إخبارية، على نطاق واسع أمس، خبر الاعتداء على طبيب في أحد المستشفيات الخاصة في عمّان. ووفق الأخبار، فقد تعرض طبيب، للضرب من والد طفل، كان الطبيب قد أجرى له قبل عام، جراحة في الدماغ. وأدّى الاعتداء إلى إدخال الطبيب إلى غرفة العناية الحثيثة، حيث وُصفت حالته، بحسب الأخبار، "ما بين حرجة إلى متوسطة".

في شهر أيار (مايو) الماضي، أعدّ مرصد (أكيد) تقريرا عن "ظاهرة" الاعتداء على الأطباء والمعلمين، وكشف الرصد وقتها أن الأغلبية الساحقة من تغطية الإعلامية لهذه الحوادث، تفتقر إلى التوازن، فهي تعتمد رواية طرف واحد هو المعتَدى عليه، مصدرا وحيدا للمعلومات، ما ينجم عنه نقص جوهري فيها، بالتحديد في الجانب المتعلق بدوافع الاعتداء. فقد وجد التقرير السابق أن التغطيات إما تغفل تماما ذكر دافع الاعتداء، فتجعله يبدو كما لو أنه قادم من فراغ، أو أنها تذكره، لكن بغموض وعلى لسان أطراف غير محايدين، هي غالبا المعتدى عليه أو نقابته. وهو غموض يثير الأسئلة أكثر مما يقدّم إجابات.

لم تشذّ تغطية حادثة الأمس عن ذلك، فقد تناقلت المواقع الإخبارية خبر الحادثة في تغطيتين، نقلت الأولى استنكار نقابة الأطباء الاعتداء. وتضمنت الثانية سردا لوقائع الحادثة على لسان عائلة الطبيب. وفي هذه التغطية يُذكر دافع الاعتداء، الذي ملخّصه أن الطبيب كان قد أجرى عملية جراحية للطفل ابن المعتدي قبل عام. وأنه نظرا لخطورة حالة الطفل آنذاك، فقد قرر الطبيب بالتوافق مع إدارة المستشفى تأجيل الخوض في أمر التكلفة المالية لما بعد العملية. وهذا ما حدث فعلا، إذ رفع المستشفى قضية على والد الطفل، يطالبة بدفع كلفة العملية، التي قالت عائلة الطبيب إنها "تكللت بالنجاح".

وفق ابن الطبيب، فإن المعتدي منذ رفع القضية "يقوم بالتردد" على  المستشفى حيث يعمل والده "متوعدا له موجّها الشتم والسباب". ونقلت تغطية ثانية عن الابن أن المعتدي كان يقوم "بشتم الممرضات وشتم الذات الالهية".

لم تنقل أي من التغطيات السابقة أي معلومة عن المعتدي أو عائلته، تسدّ الثغرات في تلك التغطيات، فلم نعرف –مثلا- فحوى الاتفاق القانوني الذي تمّ بين المستشفى ووالد الطفل، والذي بناء عليه وافق المستشفى على تأجيل دفع كلفة العملية. ولم تذكر أي من التغطيات هذه الكلفة. ولم نسمع رواية المعتدي، أو من يمثله، في الاتهامات التي وُجهت إليه بتكرار الاعتداء على الطبيب والممرضات بالسباب وشتم الذات الالهية. ولم نعرف إن كان الطبيب أو الممرضات أو إدارة المؤسسة الطبية التي جرت فيها هذه الاعتداءات قد قدّموا شكاوى سابقة، خصوصا أن سلسلة اعتداءات الشخص ذاته هذه، جرت، وفق الأخبار، على مدار شهر كامل. وفي وقت نقلت مواقع أن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على المعتدي في مستشفى آخر يحاول الحصول على "تقرير طبي مفبرك"، لم يسمع أحد من هذا المستشفى عن الحالة الجسدية التي وصل بها المعتدي إليه.

وكما شدد تقرير (أكيد) السابق، فإن المطالبة بإفساح المجال أمام المعتدي ليقول قصته لا يُقصد بها، بأي حال، منحه فرصة تبرير اعتدائه المرفوض بشكل مطلق وبغض النظر عن الأسباب. المسألة هي أن عرض الإعلام لدوافع الاعتداءات يوفر للجمهور وللمختصين والمسؤولين إمكانية فهمها، ويتيح لهم من ثمّ إمكانية التعاطي معها ومعالجتها، خصوصا في قضية مثل هذه باتت تُصنّف "ظاهرة". يُضاف إلى ذلك نقطة بالغة الأهمية، هي أن رواية المعتدي قد تكشف جوانب قصور في الأداء المهني للطرف المعتدى عليه، فتصبح بذلك التغطية الإعلامية أداة مراقبة ومحاسبة للطرفين، وخاصة عندما تحال الحادثة للقضاء، حيث لا يجوز أن يصدر الإعلام حكمه قبل "التقاضي".

(الصورة أعلاه من الإنترنت)