حوادث "شنق" الأطفال في وسائل الإعلام.. 62 حالة خلال (6) سنوات، والإعلام يمر عليها عابراً

حوادث "شنق" الأطفال في وسائل الإعلام.. 62 حالة خلال (6) سنوات، والإعلام يمر عليها عابراً

  • 12

يمر الإعلام الأردني على حادث شنق أو انتحار طفل كل شهر تقريبا بتغطية لا تتجاوز بضع كلمات بدون متابعة أو توقف لمعرفة خلفية تلك الحوادث أو متابعة التحقيقات فيها، بل ويتجاوز ذلك بوصف ما يقارب نصفها بأنها حوادث "انتحار"، اختارها أصحابها بمحض إرادتهم.

آخر هذه الحوادث كان يوم 24 حزيران (يونيو) الماضي (2015)، عندما تناقلت وسائل إعلام خبر وفاة طفل في الحادية عشرة من عمره  إثر "قيامه بتعليق نفسه بربطة عنق والده"، ما أدّى إلى اختناقه. ووفق التفاصيل التي أوردتها الأخبار، فقد سمع أهل الطفل صوتا صادرا من غرفته، وعندما دخلوها وجدوه معلقا بربطة العنق وفاقدا للوعي، فنقلوه إلى المستشفى، لكنه ما لبث أن فارق الحياة.

لم يتضمن الخبر السابق، الذي لم يتجاوز 60 كلمة، وتناقلته وسائل الإعلام بنص واحد، أي معلومة عن الكيفية التي علّق بها هذا الطفل نفسه بربطة العنق، كما لم يقدّم ما يبرر الحسم بأن الطفل هو من فعل ذلك بنفسه، وبخاصة أن الخبر نُشر بعد الحادثة بساعات قليلة، وهو زمن، ليس من المتوقع أن تكون التحقيقات كافية لحسم أي احتمال عن أسباب موته وطريقتها.

بعد مرور أسبوعين على هذه الواقعة، فإننا لا نجد متابعات تزوّد الجمهور، ولو بمعلومات أولية عن ملابساتها، وتفاصيلها، وربما نتائجها الأولية.  ورغم أن الوقت قد يكون مبكرا على توقع إعلان نتائج نهائية للتحقيق في هذا النوع من الحوادث، إلا أن ما يستدعي الإشارة إلى هذا الخبر هو أنه واحد من أخبار عديدة، نشرتها وسائل الإعلام المحلية، خلال السنوات القليلة الماضية، حيث هناك وقائع مشابهة، أي حوادث قضى فيها أطفال، نتيجة اختناقهم بحبال أو أسلاك، أو ستائر، أو قطع ملابس، التفت على أعناقهم.

ومجمل القول فإن هناك حوادث غير قليلة تعرض فيها أطفال لـ"الشنق"، غطّى الإعلام ما يقارب نصفها بوصفها حوادث "انتحار". ورغم ذلك، لم تتجاوز تغطية الغالبية الساحقة منها حدود الخبر السابق. فقد غطّى كل حادثة خبر وحيد مقتضب، هو خبر الإعلان عنها، وكان دائما، يفتقر إلى الحد الأدنى من التفاصيل التي تكفل فهم ما حدث. ولم يتبعه أخبار لاحقة، توضح للجمهور الملابسات. وبعد انقضاء سنوات، ما زالت هذه الحوادث، عند الجمهور، قصصا مفتوحة، وحالات موت غامض.

في إطار الإعداد لهذا التقرير، رُصدت[1] خلال السنوات الست الماضية 62 حادثة من هذا النوع، أسفرت عن وفاة  (55) طفلا. وفي الحوادث الـ7 الباقية، ذُكر أن الأطفال نقلوا إلى المستشفى، حيث ذُكر في 4 حالات أن الضحايا في حالة خطيرة، ولم تقدم في الحوادث الثلاث الباقية معلومات عن مستوى خطورة الوضع الصحي للضحايا. ولم يكن في كل الحالات أخبار لاحقة، توضح ما آل إليه حال هؤلاء.

وتشير الإحصائيات التي رصدها هذا التقرير إلى أن 48 ضحية كانوا ذكورا، و14 كانوا إناثا. جميع الإناث توفين، في حين توفي 41 ذكرا. و32 من الضحايا كانوا بعمر 12 فما دون، وباستثناء طفل عمره 9 شهور، اختنق بسلك تلفاز التف على عنقه، ورضيعة عمرها سنة واحدة، خنقها شقيقها البالغ من العمر 3 سنوات أثناء لهوه معها، فإن أقل عمر في هذه الفئة كان 5 سنوات.

كما تشير الإحصائية إلى أن عمان كانت الأعلى من بين المحافظات ، حيث وقع فيها 13 حادثة، تلتها إربد بـ10 حوادث، ثم مادبا 8 حوادث، ثم الطفيلة 6 حوادث، ثم المفرق ومعان 5 حوادث لكل منهما، تلتهما جرش والزرقاء والكرك بـ4 حوادث لكل منها، ثم البلقاء بحادثتين، وأخيرا العقبة بحادثة واحدة.

وتنبع أهمية متابعة هذه الوقائع من أنها تتعلق بفئة مستضعفة، تُشكل حمايتها رأس الأولويات في أي بلد أولا. وثانيا لأنها تتعلق بحوادث متكررة، إذ وقعت، بحسب الحوادث التي أمكن رصدها، بمعدل 10 حالات سنويا، خلال السنوات الست السابقة. وثالثا، وهو الأهم، أن التفسير الصادم الذي قدّمته وسائل الإعلام لما يقارب نصف هذه الحوادث، هو أنها كانت حوادث "انتحار".

من بين الحوادث الـ62، غطّت وسائل إعلام 48 حادثة بوصفها غير مقترنة بشبهة جنائية، إذ ذكرت الأخبار أن الأطفال هم من فعلوا ذلك بأنفسهم. إما بهدف الانتحار، أو أثناء لهوهم بالأراجيح والحبال والستائر والأسلاك وتقليدهم مشاهد تمثيلية، وكان هناك 27 حالة في التفسير الأول،  و17 حالة في التفسير الثاني، وفي 4 حالات ذُكر أن الأطفال شنقوا أنفسهم، لكن من دون توضيح أي ملابسات.

هل انتحر هؤلاء الأطفال فعلا؟

حسم وسائل إعلام بانتفاء الشبهة الجنائية عن كل هذه الحوادث، وإعلانها السريع على أنها حوادث انتحار، أو عبث أطفال، هو أحد أبرز اختلالات هذه التغطيات. وهو حسم تجلى في عناوين هذه الأخبار ومقدماتها. ولنأخذ حوادث الانتحار على سبيل المثال، بوصفها الأكثر إثارة للتساؤل، سنقرأ عناوين كالتالي: "طفلة تشنق نفسها في مادبا"، و"المفرق انتحار طفل شنقا"، و"انتحار فتاة مراهقة في بلدة الجوفة بالشونة الجنوبية"، و"الكورة.. انتحار حدث شنقا في مغارة"، و"انتحار فتاة شنقا داخل منزل ذويها في الحسينية".

لقد شكل هذا الحسم اختلالا، ليس لأنه كان يأتي بعد ساعات قليلة من الحادثة فقط ، بل لأن أيّا من هذه الأخبار، لم يسند هذا الحكم إلى المصدر الوحيد المخوّل بالإعلان عنه، وهو "المدعي العام"، إذ أسند في جميع الأخبار السابقة إلى مصادر من الأمن العام، والطب الشرعي، والدفاع المدني، وأقارب الضحية، وشهود عيان، وجميعها بحسب أستاذ تشريعات وأخلاقيات مهنة الصحافة، في معهد الإعلام الأردني، الدكتور صخر الخصاونة، غير مخوّلة بذلك.

وفق الخصاونة، فإن تحقيقات الشرطة، وتقارير الدفاع المدني، والطبّ الشرعي، وشهادات الشهود، هي أدوات يستخدمها المدعي العام للتحقيق في القضية، وبناء عليها يصدر قراره بـ"تكييف الحادثة"، أي إعطائها وصفا، فهو الفيصل في تقرير إن كانت هناك شبهة جنائية، فيأمر بمواصلة التحقيق، أو يقرر أنها حادثة انتحار مثلا، فتُحفظ أوراق القضية. وبذلك فإنه المصدر الوحيد الذي يحق له التصريح بهذا الشأن.

رغم ذلك، فإن أيّا من الأخبار السابقة لم ينسب هذا الحكم إلى هذا المصدر المختص. فمثلا نجد عنوان "الطفيلة ... انتحار طفل (14) عام شنقا"، يستند إلى تصريح من مصدر في مديرية الدفاع المدني في المدينة، الذي قال إن الطفل "أقدم (...) على الانتحار شنقا بواسطة حبل معلقا [معلق] على شباك منزل ذويه".

وفي خبر "انتحار" طفلة عمرها 11 سنة بحبل أرجوحة، فإن الحكم بالانتحار مبني على رواية "شهود عيان" قالوا إن الطفلة بعد مشادة مع والدتها "توجهت إلى الأرجوحة وقامت بلف حبل الأرجوحة على عنقها وقامت بخنق نفسها". ولم يفسر الخبر كيف ماتت الطفلة إذن، إذا كان هناك شهود عيان راقبوها وهي تتوجه إلى الأرجوحة وتلف الحبل على عنقها، وتخنق نفسها.

وفي خبر "انتحار" طفل عمره 13 سنة، عثر عليه ذووه ملقى في حديقة منزلهم، وحول عنقه حبل، ينسب هذا التصريح إلى مدير مستشفى جرش الحكومي.

وخبر "طفل يشنق نفسه في منطقة مليح بمادبا"، يبدأ بعبارة "أقدم طفل يبلغ من العمر 14 عاما إلى [على] شنق نفسه بحبل قام بربطه بسقف إحدى الغرف التابعة لمنزل ذويه". لكن عند قراءة الخبر، سنكتشف أن هذه كانت رواية الأهل في التحقيق. في حين أن المصادر طبية وأمنية، قالت إن الوفاة نجمت عن الاختناق بحبل، وأن التحقيقات ما زالت جارية.

قد يبدو مفهوما أن يلتبس الأمر على وسائل الإعلام في ما يتعلق باختصاص المصدر المخوّل بـ"تكييف" الحادثة، مع شيوع قناعة بأن المصادر الأمنية هي المصادر المختصة بذلك. لكن اللافت هو أن 12 حالة فقط من هذه الحوادث الـ27، التي تضمنت حسما بالانتحار اشتملت على تصريحات من مصادر أمنية تفيد بذلك. أما في بقية الأخبار، فقد كان المشهد مختلطا، ففي بعضها، لم يكن هذا الحكم منسوبا لأي مصدر، وفي بعضها الآخر، كان العنوان ومقدمة الخبر الجازمين بالانتحار يتعارضان مع تصريح المصدر الأمني داخل الخبر نفسه. إضافة إلى أن بعض التغطيات نسبت للمصدر الأمني إفادتين متناقضتين، في الخبر ذاته، إحداهما تجزم بالانتحار، والأخرى تشكك فيه.

ومن الأمثلة على ما سبق، خبر بعنوان "فتى يشنق نفسه بثنية الكرك"، يبدأ بـ"أقدمَ مراهق يبلغ من العمر 15 عاما على شنق نفسه مساء الثلاثاء في منزل والده"، لكننا لا نجد هذه المعلومة منسوبة إلى أي مصدر.

وفي خبر بعنوان "طفل ينهي حياته شنقا في المفرق"، لم نجد في تصريح المصدر الأمني ما يدعم هذا العنوان، فتصريح المصدر الأمني لا يقول أكثر من أن والد الطفل البالغ من العمر 12 سنة، عثر عليه معلقا بحبل في المنزل. وأن الجثة حُوّلت إلى الطب الشرعي.

وفي خبر بعنوان "انتحار طفلة بربط نفسها بحبل بلاستيكي بغرفة نومها"، يُشار إلى "إقدام طفلة في الثانية عشرة من العمر على الانتحار بربط نفسها بحبل بلاستيكي في غرفة نومها"، وتُسند هذه العبارة الحاسمة إلى "مصدر أمني"، لكن الخبر ينقل بعدها عن المصدر ذاته تصريحا يشكك في هذا الحسم، مُفاده أن الأهل عثروا على الطفلة معلقة من رقبتها بحبل بلاستيكي "يُعتقد" أنها ربطته في مسمار بالحائط.

لم يقف الإرباك في هذه التغطيات عند هذا الحدّ، فإضافة إلى جميع ما سبق، سنجد أن وسائل إعلام مختلفة في تعاطيها مع بعض الحوادث، ضمّنت تغطياتها المنشورة في وقت واحد، معلومات متضاربة. مثلا في حادثة شنق طفلة عمرها 10 سنوات، وجدها، بحسب الأخبار، شقيقها في ساعة متأخرة ليلا، معلقة بمنديل في باب غرفتها، نشرت وسائل إعلام الخبر بعنوان "طفلة مادبا توفيت شنقا"، من دون أي إشارة إلى احتمالية الانتحار، ونقلت عن "مصدر أمني" أن الطفلة "وصلت إلى المستشفى متوفاة في ظروف غامضة".

لكن وسائل أخرى، نشرت في اليوم نفسه، تغطية للواقعة بعنوان "مأدبا: انتحار طفلة تبلغ من العمر (10) سنوات شنقت نفسها بحبل". وفي هذا الخبر نُسب إلى مصدر أمني قوله إن "الطفلة وصلت إلى المستشفى متوفاة بعد أن شنقت نفسها بحبل قامت بتعليقه على باب غرفتها داخل منزل ذويها".

وفي خبر عن طفل عُثر عليه مشنوقا في منطقة الجفر في معان، نشرت بعض الوسائل الخبر بعنوان "العثور على جثة طفل مشنوقا في الجفر"، من دون إشارة إلى انتحار. لكن وسائل أخرى نشرته، في الوقت ذاته، بعنوان "طفل في العاشرة ينتحر شنقا في معان"، ونسبت ذلك إلى "مصادر رسمية مطلعة".

وفي حادثة لطفل عراقي، عمره 12 سنة، عُثر عليه مشنوقا أمام كراج والده في المنطقة الحرة في الزرقاء،  فقد تناقلت بعض الوسائل الخبر بعنوان "انتحار  طفل بـ"حرة" الزرقاء وترجيح تأثره بأفلام الرعب"، في حين لم يشر التصريح المنسوب إلى المصدر الأمني في هذا الخبر إلى الانتحار، ولا إلى "ترجيح" تأثره بالأفلام، إذ كان كل ما قاله المصدر، هو أن الناس عثروا على الطفل مشنوقا، وأن والده قال في التحقيق إن حالته النفسية ساءت خلال الأسابيع الأخيرة، بسبب مشاهدته لأفلام رعب أميركية. لكننا سنجد خبرا آخر عن الواقعة السابقة، نُشر في وسائل إعلام أخرى، بعنوان "انتحار طفل عراقي في الزرقاء"، وفيه يُنسب بوضوح إلى مصدر أمني قوله إن الطفل "أقدم (...) على الانتحار شنقا".

مثال آخر على تضارب التصريحات المنسوبة إلى مصادر أمنية، هو حادثة اختناق طفلة بحبل أرجوحة في منزلها، فقد نشرت وسائل إعلام الخبر بعنوان "العثور على طفلة مشنوقة بحبل أرجوحة في جبل الحسين"، من دون أي إشارة إلى احتمالية انتحار. لكن وسائل أخرى نشرت تغطية الواقعة في اليوم ذاته بعنوان "انتحار فتاة شنقا"، ونسب الخبر إلى مصدر أمني قوله إن "فتاة تبلغ من العمر 13 عاما، صباح اليوم انتحرت أمس الأربعاء في منزل أهلها الكائن في منطقة في جبل الحسين".

وفي حادثة وفاة طفل في الثامنة، وٌجد معلّقا بحزام في خزانة ملابس في منزل ذويه، نسبت التغطيات الأولى إلى مصدر أمني أن التحقيقات الأولية تشير إلى انتحار الطفل بسبب سخرية زملائه في المدرسة من يده التي تعاني تشوها خلقيا. لكن  تغطيات ظهرت في اليوم نفسه، أوردت نفي المركز الإعلامي في مديرية الأمن العام لـ"رواية السخرية"، التي قال إنها  لم ترد في الإفادات أثناء التحقيق. وقال إن الطفل توفي عندما كان "يلهو بإحدى غرف المنزل بدون انتباه ذويه".

ما سبق كان مجرد أمثلة على ما تضمنته تغطيات هذا النوع من الحوادث من تضارب وخلط، وهو أمر يضع كثيرا من علامات الاستفهام على دقة ما تتضمنه هذه التغطيات من حقائق.

المتابعة شبه معدومة

إن من أهم الاختلالات  في تغطية هذه القضايا، هو أن متابعتها شبه معدومة، فقد أمكن في إطار هذا التقرير رصد أربع حوادث حظيت، بعد خبر الإعلان عنهما، بخبر ثان أو أكثر. الأولى هي الحادثة التي سبقت الإشارة إليها وتتعلق بالطفل الذي قيل إنه انتحر بسبب سخرية زملائه. إذ رغم تضارب الروايتين المسندتين إلى مصدرين أمنيين، استمرت وسائل الإعلام بالتعامل مع هذه الحادثة بوصفها انتحارا، وعزز هذا التفسير، مقابلات أجرتها وسائل إعلام مع عائلة الطفل ومعلماته وزملائه في المدرسة. كما نٌشرت تقارير متابعة تناقش هذه الحادثة من زاوية نفسية.

الحادثة الثانية، تتعلق بطفل عمره 12 سنة، وُجد مشنوقا على سطح منزل ذويه في إربد، وذكر الخبر الأول أنه انتحر، لكن وسائل الإعلام نشرت بعد ثلاثة أيام من الحادثة نتيجة التحقيق  التي أفادت أن الطفل اختنق أثناء لهوه بحبل كان "على شكل دائرة".

الحادثة الثالثة، تتعلق بطفل عمره 14 سنة، عُثر عليه بحسب الأخبار مشنوقا في سقف غرفة في منزل عائلته. وكان هناك متابعة لإحدى الوسائل بمقابلة مع عائلته.

الحادثة الرابعة هي حادثة "خنق" طفل في الثالثة لشقيقته التي تبلغ من العمر سنة واحدة، إذ نشر تقرير متابعة لهذه الحادثة.

لكن هناك حادثة ، تتعلق بطفل عمره 11 سنة، عثر عليه ذووه مشنوقا بحبل في غرفة مهجورة قرب منزل أسرته في معان، وظل يومين قبل وفاته، في حالة موت دماغي، في غرفة العناية الحثيثة. فقد نشرت وسائل إعلام خبر وفاته، لكن كاتبة التقرير لم تتمكن من العثور على خبر الحادثة نفسها.

ما عدا ذلك، لم تزود وسائل الإعلام الجمهور بأي معلومات عمّا تمخّضت عنه التحقيقات في هذه الحوادث، وبقيت الأسئلة الآتية معلقة:

- كم منها كان حوادث جنائية؟ ومن ارتكبها؟ وما الدوافع؟

- كم منها كان انتحارا، ولماذا؟

- ما السيرة النفسية والاجتماعية لهؤلاء الأطفال المنتحرين ولعائلاتهم؟

لقد كانت إجابات هذه الأسئلة لو تمت ستساعد الجمهور على فهم مجتمعهم، وإدراك تغيراته، لكن ضعف المتابعة لم يتمثل في شبه انعدام التغطيات اللاحقة للحوادث فقط، بل في أخبار الإعلان عنها، من خلال شح التفاصيل الأولية الأساسية اللازمة لبناء أي خبر. فعلى خطورة هذه الحوادث، فإنها تأتي عادة في أخبار مقتضبة، إذ كان متوسط عدد كلمات الأخبار التي حصرها هذا الرصد 180 كلمة. وكان 46 خبرا منها، أي ما نسبته 74% من مجموع الحوادث أقل من 100 كلمة.

لقد اقتصرت الغالبية الساحقة لهذه الأخبار المقتضبة، على إعلان خبر العثور على جثة الطفل مشنوقة، وبدء التحقيقات في الحادثة، من دون تفاصيل توفر الحدّ الأدنى من فهم تفاصيل الحادثة. مثلا وقعت 42 حادثة منها، داخل منازل ذوي الضحايا، و9 بالقرب منها، أي أن ما نسبته 82% من هذه الحوادث تمّ في محيط الأسرة، لكن كل هذه الأخبار تقريبا، لم تتضمن إجابات عن أسئلة مثل:

- أين كان الأهل أثناء قيام الطفل بالعملية؟

- ما ملابسات العثور على الضحية؟

إضافة إلى أن عددا كبيرا من هذه الأخبار تضمن تفاصيل مبهمة، فلم يكن واضحا مثلا المقصود بأن الطفل البالغ من العمر 16 عاما "قام بشنق نفسه (...) بواسطة قميص وسلك نحاسي". ولا الكيفية التي خنق بها سلك فرامل دراجة هوائية طفلا عمره 10 أعوام. ولا كان واضحا المقصود بقطعة القماش التي "تستخدمها الطالبات للزي المدرسي (المريول)"، التي ربطها طفل عمره 10 سنوات بباب سطح منزل عائلته، وقيل إنه شنق بها نفسه.

ومن الحوادث اللافتة التي كشفها هذا الرصد، ولم تحظ رغم ذلك بمتابعة، هو تطابق سيناريو حادثتي شنق لطفلين في المنطقة ذاتها، بفارق سنة ونصف بينهما. الحادثة الأولى وقعت في آذار (مارس) 2011، وتتعلق بطفل عمره 12 عاما، في بلدة القادسية في محافظة الطفيلة، قالت الأخبار إنه لف حبلا حول عنقه، مقلدا، كما قال أهله، المسلسل التركي "وادي الذئاب". ما أدى إلى الاشتباه بإصابته بكسر في الرقبة.

والحادثة الثانية وقعت في آب (أغسطس) 2012، في البلدة ذاتها، لطفل في العمر ذاته، توفي بعد أن لفّ حبل أرجوحة على عنقه. وأيضا قال الخبر إنه كان يقلد مسلسلا تركيا.

مما سبق يتضح أن التغطية الإعلامية لحوادث "شنق " الأطفال، أخلت بعدة معايير مهنية، أولها "الدقة" إذ تضمنت التغطيات المختلفة معلومات متضاربة، ونسبت المعلومات فيها إلى مصادر غير مختصة. كما أخلت بمعيار "الوضوح"، إذ اشتملت في غالبيتها على اختصار مخلّ أوقعها في الإبهام، ومنعها من تقديم الحدّ الأدنى من المعلومات اللازمة لفهم الواقعة. كما أخلت بمعيار الإنصاف والنزاهة، عندما تضمنت كثيرا من التغطيات عناوين ومقدّمات تحرّف تصريحات المصادر الأمنية. كما أخلت بأحد معايير المصداقية والمهنية الإعلامية، وهو "المتابعة"، عندما اكتفت وسائل الإعلام في الغالبية الساحقة من هذه الحوادث بأخبار أولية.

إحصائية للحوادث التي رصدها التقرير

الرقمالتاريخالجنسالعمرالمنطقةوقائع الحادثة
18/3/2009ذكر14مخيم البقعة، عمانعثر عليه معلقا بحبل في شباك منزله، ويداه مقيدتان من الخلف. لا معلومات عن ملابسات العثور عليه.
230/4/2009ذكر13زحوم، الكركعثر عليه مخنوقا بسلك معدني، بالقرب من منزل ذويه. ولا معلومات عن كيفية الشنق، أو ملابسات العثور عليه.
323/5/2009أنثى12إربدعثرت عليها الخادمة مخنوقة بحبل الأرجوحة. وغير واضح أين كانت الأرجوحة.
414/7/2009أنثى13مخيم حطين، عمانعُثر عليها معلقة بمنديل في شباك داخل منزل ذويها. ولا معلومات عن ملابسات العثور عليها.
526/7/2009ذكر10عين الباشا، عمانعثر عليه مخنوقا بسلك فرامل (بريك) دراجته الهوائية. ولا معلومات عن ملابسات العثور عليه.
618/8/2009ذكر15الثنية، الكركعُثر عليه مشنوقا في منزل "والده". ولا معلومات عن كيفية الشنق، أو ملابسات العثور عليه.
716/11/2009ذكر13إربدذُكر أنه شنق نفسه، لكن من دون معلومات عن كيفية الشنق، أو مكانه، أو ملابسات العثور عليه.
84/12/2009ذكر14حي التركمان، إربدعثرت عليه الأجهزة الأمنية مشنوقا على عمود على سطح الجيران. ولا معلومات عن ملابسات العثور عليه.
925/3/2010ذكر8معاناختنق بحبل أرجوحة في منزل ذويه. ولا معلومات عن ملابسات العثور عليه.
1029/3/2010ذكر12دوقرا، إربدعُثر عليه مشنوقا بحبل على سطح منزل ذويه. ولا معلومات عن ملابسات العثور عليه.
1110/6/2010ذكر12كفر يوبا، إربدعثر عليه والده عليه مختنقا في بيت الدرج في منزله، وإلى جانبه حبل.
1212/8/2010ذكر9عين البيضاء، الطفيلةعُثر عليه مختنقا بحبل أرجوحة في منزل ذويه. ولا معلومات عن ملابسات العثور عليه.
1311/9/2010ذكر11بيادر واي السير، عمانعُثر عليه مختنقا بحبل أرجوحة في منزل ذويه. ولا معلومات عن ملابسات العثور عليه.
1423/12/2010ذكر9الجفر، معانعثرت عليه والدته معلقا بمنديل في سقف غرفة خشبية مجاورة لمنزله، فاستدعت الجيران لإنزاله.
155/7/2011ذكر14مليح، مادباعثر عليه ذووه معلقا بحبل من سقف غرفة في منزلهم.
168/8/2011أنثى12عين البيضاء، الطفيلةعثر عليها ذووها مخنوقة بحبل مربوط بمسمار يحمل ستارة في غرفتها في منزل العائلة.
179/10/2011أنثى11العقبةعُثر عليها بالقرب من منزل ذويها، مخنوقة وعلى رقبتها آثار حبل. وفي خبر آخر أن حبل غسيل التف على رقبتها. وليس هناك معلومات عن ملابسات العثور عليها.
1821/12/2011ذكر (عراقي الجنسية)12المنطقة الحرة، الزرقاءعثر عليه "مواطنون" في الصباح "مشنوقا" أمام كراج والده. ليس هناك معلومات عن كيفية الشنق.
1920/3/2012ذكر11الجبل الأخضر، عمانأُبلغت الأجهزة الأمنية بوجود طفل معلق بـ"شريط" من شرفة منزل ذويه. وليس واضحا من صاحب البلاغ.
2019/4/2012ذكر14جبل النزهة، عمانعُثر عليه معلقا بحبل خارج نافذة في منزل ذويه، وكان الحبل مربوطا داخل الغرفة. وليس واضحا من عثر عليه.
2130/4/2012ذكر14وادي الحجر، الزرقاءعثرت عليه والدته معلقا بحبل مربوط في خزانة ملابس في منزل العائلة.
227/6/2012أنثى13جبل الحسين، عمانعثرت عليها والدتها مخنوقة بحبل أرجوحة في منزل العائلة.
2329/6/2012أنثى16الجوفة، الشونة الجنوبية البلقاءوفق الخبر، الفتاة تعاني من إعاقة في النطق، وعائلتها كانت خارج المنزل، باستثناء شقيقها الأصغر، عندما أغلقت باب بيت الدرج في منزل العائلة، وشنقت نفسها بمنديل ربطته في عمود في بيت الدرج. فكسر شقيقها، بمساعدة آخرين، الباب وحاول إسعافها.
242/7/2012ذكر14الرصيفة، الزرقاءعُثر عليه مشنوقا في غرفة في منزل ذويه. ولا معلومات عن كيفية الشنق، ولا عمّن عثر عليه.
2523/8/2012ذكر17جملة، جرشاختنق بستارة في منزل ذويه. ولا معلومات عمّن عثر عليه.
2627/8/2012ذكر12القادسية، الطفيلةاختنق بحبل أرجوحة. لا معلومات عن ملابسات العثور عليه.
275/9/2012أنثى5سيحان، البلقاءعُثر عليها مخنوقة بحبل أرجوحة "صنعتها بنفسها" أمام منزل ذويها. ولا معلومات عن ملابسات العثور عليها.
2822/9/2012ذكر13بلدة الحدادة، جرشعثر عليه ذووه ملقى في حديقة منزل العائلة، وحول عنقه حبل.
2921/11/2012أنثى15مادبابحثت عنها والدتها بعد أن لاحظت تغيبها لنصف ساعة، فوجدتها مخنوقة بمنديل مربوط في مواسير الحمام في منزل العائلة.
306/12/2012ذكر11أذرح، معانعثر عليه ذووه مشنوقا بحبل في سقف غرفة مهجورة مجاورة لمنزل العائلة.
3131/12/2012ذكر14الكورة، إربدعثر عليه مشنوقا بحبل في مغارة قرب منزل ذويه. ولا معلومات عن ملابسات العثور عليه.
3220/1/2013ذكر15مخيم حطين، عمانعثر عليه مشنوقا بحبل في سقف منزل ذويه. ولا معلومات عن ملابسات العثور عليه.
3328/2/2013ذكر (سوري الجنسية)9بيت يافا إربدعثر عليه مختنقا بحبل في ساحة منزل ذويه. ولا معلومات عن كيفية الشنق، أو عمّن عثر عليه.
3418/6/2013ذكر11غور الصافي الكركعثر عليه ذووه مشنوقا بحبل في بيت الدرج في منزل العائلة. ولا معلومات عن كيفية الشنق.
3510/4/2013ذكر14الطفيلةعاد والده من صلاة العشاء، فوجده معلقا بحبل من نافذة في منزل العائلة.
3629/8/2013ذكر16أم السوس، بيادر وادي السير، عمانعثر عليه مخنوقا بـ"قميص وسلك نحاسي" في منزل ذويه. ولا توضيح لكيفية الشنق، أو لملابسات العثور عليه.
3720/9/2013ذكر15بليلا، جرشعثر عليه ذووه مشنوقا بحبل مربوط بعمود على سطح منزل العائلة.
3828/10/2013أنثى10مادباوجدها شقيقها مخنوقة بحبل (في أخبار أخرى بشال) مربوط في باب غرفتها في منزل العائلة.
3912/12/2013أنثى17حي الياسمين، عمانعثر عليها ذووها مشنوقة في منزل العائلة. ولا معلومات عن كيفية الشنق.
4031/12/2013ذكر8الزرقاء الجديدة، الزرقاءوجده شقيقه معلقا بحزام في خزانة الملابس في منزل العائلة.
4114/2/2014ذكر10حي نوارة، المفرقعُثر عليه مختنقا بـ"قطعة قماش" مربوطة بباب سطح منزل ذويه.  ولا معلومات عن ملابسات العثور عليه.
422/3/2014أنثى1مخيم سوف، جرشخنقها شقيقها 3 سنوات بـ"خيط" لفه على عنقها أثناء اللعب.
4331/3/2014ذكر9مغير السرحان، المفرقعُثر عليه مشنوقا. ولا معلومات محددة عن كيفية الشنق، فقد ذكر أنه ربما توفي أثناء لهوه، أو عبثه  بستارة في منزل ذويه. أيضا لا معلومات عمّن عثر عليه.
4410/4/2014ذكر14عين البيضاء، الطفيلةعثر عليه ذووه مشنوقا بستارة في منزل العائلة.
4527/4/2014ذكر13

القطرانة،

الكرك

عثر عليه مخنوقا بحبل أرجوجة قرب منزل ذويه. ولا معلومات عمّن عثر عليه.
4630/4/2014ذكر8مليح، مادباعُثر عليه مخنوقا بحبل أرجوحة في ساحة في منزل ذويه. ولا معلومات عن ملابسات العثور عليه.
479/6/2014ذكر12مغير السرحان، المفرقعثر عليه والده معلقا بحبل في منزل العائلة. ولا معلومات عن كيفية الشنق.
4817/6/2014ذكر7البادية الشمالية، المفرقعُثر عليه مخنوقا بحبل أرجوحة في منزل ذويه. ولا معلومات عن ملابسات العثور عليه.
496/8/2014ذكر12الخالدية، المفرقعُثر عليه مخنوقا بحبل في قن دجاج في منزل ذويه. ليس هنا معلومات محددة عن ملابسات العثور عليه.
5011/8/2014ذكر17دير أبو سعيد، إربدعثر عليه معلقا بحبل في منزل ذويه. ولا معلومات عمّن عثر عليه.
5114/10/2014أنثى17الحسينية، معانأبلغ ذووها الأجهزة الأمنية بوجودها مشنوقة بحبل في منزل العائلة. لا معلومات عن ملابسات العثور عليها.
5218/10/2014أنثى (سورية الجنسية)14وسط البلد، إربدعُثر عليها معلقة بشال في سقف غرفة في منزل ذويها. لا معلومات عمّن عثر عليها.
5323/10/2014أنثى11الرمثا، اربدعثر عليها معلقة بحبل في عمود على سطح منزل ذويها. وفي خبر آخر مخنوقة بحبل أرجوحة. لا معلومات عمّن عثر عليها.
5424/6/2015ذكر11طبربور،عمانعثر عليه ذووه معلقا بربطة عنق والده في منزل العائلة.
554/1/2015ذكر9 شهورعين الباشا، عماناختنق بسلك تلفاز، ولا معلومات عن ملابسات العثور عليه.
الحوادث التي لم تنجم عنها وفيات
13/4/2010ذكر12مادباعثر عليه مخنوقا بحبل أرجوحة. لا معلومات عن مكانها، او ملابسات العثور عليه. حالته خطيرة.
226/7/2010ذكر16مادباعُثر عليه مشنوقا بحبل ومتدليا من النافذة في منزل ذويه. ولا معلومات عن ملابسات العثور عليه. حالته خطيرة.
324/8/2010ذكر13حمام الشموط، مادباوصل إلى المستشفى مشنوقا بسلك هاتف، ولا معلومات عن ملابسات العثور عليه. حالته خطرة
46/3/2011ذكر12القادسية، الطفيلةوصل إلى المستشفى في حالة اختناق بحبل، بعد أن أسعفه أشقاؤه. لديه اشتباه بكسر في الرقبة، من دون تحديد لمستوى خطورة حالته.
514/6/2011ذكر9حي نزال، عمانكان وحده في منزل عائلته، وعندما عادت والدته وجدته معلقا بحبل، من دون توضيح لكيفية الشنق. حالته خطيرة.
617/9/2012ذكر15مادباوصل إلى المستشفى مشنوقا. ولا معلومات عن كيفية الشنق. ولا معلومات عن حالته الصحية.
721/8/2014ذكر17مركز إيواء المتسولين في الفيحاء، معانحزام التف حول عنقه، وتسبب بجرح قطعي في الوجه والرقبة. لا تحديد لمستوى خطورة وضعه الصحي.
          

[1] استخدمت آلية البحث المتقدم في غوغل، باستخدام الكلمات المفتاحية: اختناق، اختنق، اختناقا، شنقا، شنق، يشنق، مشنوقا، طفل، طفلة، فتى، شاب، فتاة، حدث، مراهق، مراهقة، انتحار، التفاف حبل، التفاف سلك.