صحافة من السماء.. طائرات بدون طيار في مهمات صحفية

صحافة من السماء.. طائرات بدون طيار في مهمات صحفية

  • 2016-01-26
  • 12

بنيامين مولين - شبكة بوينتر الصحافية

ترجمة: سعد الفاعور / خاص بـ "أكيد"

يبدو أن الصحافة الرقمية، في عام 2016، ستشهد انفتاحاً على أداة جديدة من أدوات المعرفة وجمع المعلومات، وهي (الدرون) الطائرات بدون طيار، التي تم حظر استخدامها سابقاً، بسبب مخاوف أمنية أو بسبب تعليمات بعض الوكالات الفيدرالية الحكومية الأميركية. وهو ما يوضحه "بنيامين مولين"، في هذا التقرير، وفيما يلي ترجمة خاصة ب – أكيد -  لأبرز ما جاء فيه:

من صحفي إلى مدرب:

قبل ثلاث سنوات ونصف، حصل الصحفي "مات وايت"، الذي تحول إلى قطاع البحث العلمي والتعليم، على 50 ألف دولار، منحة مقدمة من مؤسسة "الفارس"، لمساعدته على استئناف برنامجه الوليد: "طائرات بدون طيار" في جامعة نبراسكا لنكولن. الذي يطلق عليه أيضاً اسم "مختبر صحافة الدرون". سعى البرنامج، في وقتٍ مبكر، إلى إنشاء موطئ قدم بين مجموعة صغيرة من الصحفيين، لكنها مجموعة متزايدة العدد، تقدم التقارير والتغطيات الصحفية للأحداث، بواسطة طائرات (الدرون).

بالفعل، تمكن وايت وطلابه، وفي غضون أشهر فقط، من فعل ذلك. وقد صمموا طائرات بدون طيار قادرة على التحليق ومسح مناطق الأحداث من الجو وتصوير ما يجري فيها. أحد المشاريع، الذي يحاكي عين الطائر المحلق في الأعلى، تمكن من رصد المناظر الطبيعية المحيطة بمركز الأبحاث في نبراسكا، التي تعاني من الجفاف بسبب العواصف الترابية.

اشعار بوقف الأبحاث:

في صيف عام 2013، تلقى وايت اشعاراً من "وكالة إدارة الطيران الاتحادية" التي كانت قد علمت بنشاطاته في مجال صناعة وبناء طائرات "الدرون" أو الطائرات بدون طيار، وطالبته بالتوقف عن هذا النشاط. في غضون ذلك، كان مختبر جامعة نبراسكا وجهود بحثية أخرى مشابهة في جامعة ميسوري قد تبلغت بأن جهودهما في هذا المجال تتعارض مع تعليمات الوكالة التي تحظر استخدام "الدرون" لأغراض تجارية دون الحصول على إذن، وهو ما دفع وايت وطلابه لاتباع تعليمات وكالة الطيران الاتحادية والانحناء قليلاً للاستجابة للقواعد الناظمة، ورغم ذلك، فإن وايت الذي أعلن أنه "لا يمكن لمركز أبحاث يتبع جامعة حكومية، أن يعارض توصيات الوكالات الحكومية"، قد قرر المضي في مشروعه البحثي.

منذ ذلك الحين، أوقف مختبر الأبحاث في جامعة نبراسكا، ارسال طائرات (الدرون) إلى السماء في الولايات المتحدة، إلا أن هذا الأمر قد يتغير، بالنسبة إلى "وايت" وأتباعه من صحفيي (الدرون) هذا العام، في ظل توجه وكالة اتحاد الطيران الفيدرالية، نحو اصدار تعليمات جديدة من شأنها تقنين الاستخدام التجاري للطائرات بدون طيار. وإذا ما التزمت الوكالة بالموعد النهائي في ربيع 2016، لإصدار حزمة التعليمات الجديدة، فإن هذا سيكون خطوة كبيرة نحو إسدال الستار على سنوات طويلة من الحظر على نشاطات وأبحاث "وايت" وتلاميذه، التي نجم عنها بحسب "وايت" مضاعفات وتعقيدات غير مبررة.

رفع القيود عن صحافة الدرون:

رفع القيود عن صحافة طائرات (الدرون) سيكون تطوراً مفصلياً، وسيخفض بشكل كبير نفقات التصوير الجوي الذي يعتمد على "المروحيات" ذات الكلفة الباهظة، عن طريق استخدام طائرات بدون طيار خفيفة الوزن، ومزودة بكاميرات الفيديو وأجهزة استشعار، وهو ما سيمكن الصحفيين من الحصول على تغطية شاملة ومباشرة لكافة أنحاء الولايات المتحدة، وقدرة على الوصول إلى مكان الحدث في أي وقت، ومن دون عناء.

هناك الكثير من الطائرات (الدرون) التي يمكن تفعيلها في مجالات الإعلام وأبحاث ودراسات الزراعة والبنية التحتية والبيئة ومراقبة الجسور والطرق وغيرها، وفقاً للخبير "بن كرايمر" الذي له باع طويلة في التجارب العلمية مع الطائرات بدون طيار، من خلال زمالته في مختبر (BuzzFeed) لأبحاث التكنولوجيا والصحافة والفنون. قائلاً: "عندما يتعلق الأمر بالصحافة، فإن تركيزي ينصب على استكشاف الاحتمالات".

يرى "كرايمر" أن التطبيقات المحتملة لصحافة (الدرون) متنوعة. ومنذ وصوله إلى مختبر (BuzzFeed) في يونيو الماضي، وهو يركز على استكشاف قدرات أجهزة الاستشعار التي تحملها الطائرات بدون طيار في رصد الظروف المناخية والبيئية. مستلهما ذلك، من وحي مشروع سابق في نيروبي، قدم من خلاله "كرايمر" إمكانية إعادة إعمار مطمر النفايات بواسطة الابعاد الثلاثية، عن طريق صور يتم التقاطها من طائرة بدون طيار. لقد كانت تلك التجربة دافعاً له كي ينظر إلى احتمالية استخدام طائرات بدون طيار، مزودة بأجهزة استشعار، يمكن لها أن ترصد الملوثات  البيئية.

أما "وايت"، فإنه يرى أن الاستخدام الأكثر شيوعاً لطائرات (الدرون) بين الصحفيين، من المرجح أن ينحصر في التقاط صور ومقاطع فيديو لمساحات شاسعة من الأراضي من الأعلى. لافتاً إلى أن طائرات (الدرون) هي الأكثر فعالية وفائدة في تغطية القصص والأحداث في المساحات المكانية الشاسعة، وخاصة الكوارث الطبيعية أو حتى الكوارث الناجمة عن صنع الإنسان نفسه. موضحاً: "من الصعب أن أنقل نطاق الضرر الذي أحدثه إعصار عن طريق التصوير الفوتوغرافي أو بواسطة كاميرا الفيديو وأنا أقف في الشارع، لكن إذا توفرت لي تغطية جوية عن ارتفاع 50 أو 100 قدم من الجو، فهذه صور يمكن استخدامها لإنشاء خرائط للمناطق المنكوبة، وعرضها في بث مباشر جنباً إلى جنب مع بيانات لشرح ما تتعرض له شرائح من المجتمع بفعل عاصفة أو اعصار أو بركان أو زلزال".

صدور لائحة تنظيمية:

وايت وكرايمر، يأملان بأن يتم الانتهاء من اللوائح التنظيمية في غضون 2016، لكنهما استدركا، أن وكالة اتحاد الطيران الفيدرالية، أغفلت في أكتوبر الماضي، مهلة سابقة، للانتهاء من الجدول الزمني الأصلي لرفع الحظر. مشيرين إلى مخاوف السلامة العامة وتراكم 4 آلاف و600 تعليق تتطلب مراجعة شاملة قبل إصدار الصيغة النهائية لقواعد وتعليمات السماح بتحليق طائرات (الدرون).

وفي بارقة أمل جديدة، وصلت رسالة بالبريد الإلكتروني، إلى شبكة "بوينتر" العالمية الرائدة في مجال الصحافة، قال فيها المتحدث باسم وكالة اتحاد الطيران الفيدرالية، أليسون ديكوتييه، إن "الوكالة لا تزال على الطريق الصحيح لإصدار حزمة مبادئ توجيهية تنظم آلية تحليق الطائرات بدون طيار للاستخدامات الصحفية، في صيغتها النهائية وقبل ربيع العام 2016.

وبحسب الرسالة، ذاتها، فإنه وعلى الرغم من نقص التشريعات المتعلقة بتنظيم اقلاع الطائرات بدون طيار، فإن أعداداً من طائرات (الدرون) وجدت طريقها ونشطت في مجال خدمة أهداف الصحافة الأميركية. كما تم منح 3 آلاف تصريح لمشغلي طائرات بدون طيار، استفاد منها محطات (سي إن إن)، (فوكس نيوز)، (كوكس جروب)، (اتحاد إذاعات دبليو إس بي) في أتلانتا، واتحاد إذاعات (دبليو إف إكس تي) في بوسطن، واتحاد إذاعات (دبليو إف تي في) في أورلاندو، في التغطية الصحفية، سواء فيما يتعلق بالتغطية الإخبارية أو الظروف الجوية أو القصص الخبرية المميزة.

رخصة الطيار شرطاً:

بموجب القواعد الحالية، فإن الصحفي الساعي للحصول على إعفاء من وكالة اتحاد الطيران الفيدرالي، يجب أن يكون حاصلاً على رخصة تدريب طيران من قبل الوكالة، وهو ما يرى "وايت" أنه شرط باهظ ومكلف وله تأثير كبير، لافتاً إلى أن تدريب الصحفي على قيادة الطائرة يستغرق وقتاً طويلاً، وهو لن يجعل منه صحفياً قادراً على تطيير طائرة بدون طيار بأمان أكبر. كما يشير "وايت" إلى أنه نتيجة متطلبات الترخيص التي تفرضها الوكالة، فإن العديد من الاعفاءات استفادت منها وسائل اعلام ومحطات تلفزيون كبرى، التي تملك قدرة مالية على دفع رواتب طياري مروحيات.

يضيف "وايت" إنني "لا استطيع القول إنني تعلمت الكثير من خلال جلوسي في مقعد طائرة حقيقية تزن نصف طن وهي جاثمة على الأرض، ومن غير الممكن القول إن كل ذلك كان بلا جدوى، لكن كل ما تعلمته في الطائرة الحقيقية على الأرض لم يفعل الكثير لمساعدتي على تعلم كيفية قيادة طائرة بدون طيار".

المتحدث الرسمي باسم وكالة الطيران الفيدرالية يقول: "من المهم لمشغلي الطائرات بدون طيار، أن تتوفر لديهم معرفة أساسية في أنظمة الطيران الأميركية، وكيف تعمل ولو جزئياً، وذلك بسبب الخطر المحتمل على الطيارين والركاب في الطائرات المأهولة. موضحاً أن المئات من الحالات خلال العام الماضي سجلت وأفادت بوجود مخاطر حقيقية على حركة الطيران التجاري، بسبب تحليق طائرات (الدرون) التي انتهكت القانون. مشيراً إلى أن القواعد الناظمة المقترحة، تقدم للصحفيين بديلاً أقل تكلفة للحصول على رخصة طيار.

مخاطر الاصطدام الجوي:

وبحسب – ديكوتييه – فإنه وبسبب العدد الكبير من المستخدمين الجدد، لأنظمة الطيران من غير طيار، الذين لديهم خبرة قليلة أو معدومة مع نظام الطيران الأميركي، فإن التعليم والتدريب هو عنصر حيوي في جهود السلامة، نحن نركز على التعليم الأولي، ولكن يمكننا أيضاً اتخاذ اجراءات قسرية لإنفاذ القانون.

ووفقاً لما تظهره نتائج دراسة حديثة أجرتها أكاديمية الملاحة الجوية النموذجية، حول تحليل سجلات وكالة اتحاد الطيران الفيدرالي، فإنه كان هناك بعض الخلاف بين المستخدمين لطائرات بدون طيار وقائدي الطائرات المأهولة، فيما يتعلق بعدد مرات التبليغ عن حوادث اقتراب خطر قد يتسبب بحوادث الاصطدام، فإنه من بين 764 بلاغاً، كان هناك فقط 27 حادثة، وصفت فعلياً من قبل الطيارين بأنها شكلت أو أوشكت أن تشكل كارثة.

سلبيات محتملة:

يرى "وايت" أن هناك سلبيات محتملة لطفرة (صحافة الدرون) قادمة. وأنها خطوة قد تؤذن ببداية عهد جديد من التغطية التي ستشكل قواعد جديدة في غرف الأخبار وأساليب تغطية الأحداث من قبل الطائرات بدون طيار في كل منعطف وحدث جديد. ويشير "وايت" هنا، إلى برامج تلفزيون الواقع التي نجحت في الحصول على اعفاءات من وكالة اتحاد الطيران الفيدرالي. خاصة أنه بالنسبة للكثير من هذه البرامج، فإن لقطات الكاميرات من الطائرات بدون طيار، قد حلت بالفعل، بديلاً عن لقطات الكاميرات التي يتم استخدامها بواسطة رافعات أو طائرات الهليكوبتر، وعلى صعيد تغطية نشرات الأخبار، فإنه من غير المستبعد أن نرى طائرات (الدرون) تستخدم في تصوير حرائق المنازل والأحداث الروتينية الأخرى، من أجل اضفاء نوع من الحيوية والحداثة على النمط التقليدي لنشرات الأخبار.

محاذير أخلاقية:

يحذر مراقبون من احتمال استخدام الصحفيون لطائرات (الدرون) لأغراض غير مهنية بشكل مفرط. ففي يونيو 2013، أشار تقرير صدر عن "معهد رويترز للصحافة" إلى أن صحفيي ومصوري الفضائح (باباراتزي)، لن يردعهم الغرامات، لكي يتوقفوا عن استخدام طائرات بدون طيار لالتقاط صور قيمة وفريدة للمشاهير ونجوم الفن والرياضة والمجتمع في حالات ووضعيات خاصة ومثيرة.

إن توفر طائرات (الدرون) يفرض على المؤسسات الصحفية ووكالات الأنباء أن تفكر جدياً، فيما إذا كانت مطالبة بالنظر في فرض قيود ومواثيق أخلاقية، تقنن استخدام الطائرات بدون طيار، في تسجيل الأحداث المهمة، وأسرار النجوم والمشاهير، خاصة عند تحليق هذه الطائرات فوق ملكيات خاصة، عندما لا يكون صحفيو ومصورو الفضائح والإثارة (باباراتزي) مرحباً بهم.

صحافة الدرون والباباراتزي:

وفي هذا الإطار، فإن ولاية كاليفورنيا، قد أجازت بالفعل قانوناً يهدف إلى الحد من استخدام الطائرات بدون طيار من قبل الـ (باباراتزي). يقول "وايت" إنه "منذ فترة طويلة، تعرضت "صحافة الدرون" إلى سيل من الأسئلة التي تتعلق بالخصوصية والمسؤولية الأخلاقية، وهي مسألة لا يمكن فصلها عن المسؤولية الأخلاقية للصحفيين الأفراد، فالمسؤولية الأخلاقية المترتبة عن استخدامه أو استخدامها للتكنولوجيا لن تغير شيئاً. وإن لم تلتزم بالمعايير الأخلاقية كصحفي يجري تغطيته من خلال الشارع والأرض، فهل يمكن أن تلتزم بالمعايير الأخلاقية عند استخدام "صحافة الدرون". إن الطريقة التي يتم من خلالها انتهاك خصوصية الأفراد، هي الأهم، سواء كان الانتهاك تكنولوجياً أو عبر الوسائل التقليدية.

يقول "وايت" إنه الآن قد حصل على رخصة طيار، وأن جميع العقبات التي كانت تقف بين تلاميذه ووكالة اتحاد الطيران الفيدرالي قد تلاشت. لكن العديد من الصحفيين الآخرين لا زالوا عالقين، بانتظار أن تنتهي الوكالة من سن التشريعات الجديدة قبل الربيع المقبل، وفي حال تعذر ذلك، أن تتمكن من اصدار التشريعات الجديدة قبل انتهاء حقبة رئاسة أوباما. ويضيف، ضاحكاً: "الأمل هو كل شيء لدينا".

1- رغم أن كرايمر، تمكن فعلياً من اطلاق طائرة بدون طيار في نيروبي، ورغم اهتمامه بقدرات أجهزة الاستشعار في هذه الطائرات، إلا ان التجربة التي أجراها في نيروبي، بواسطة طائرة (درون) كانت تخلو من أجهزة استشعار.