في آب (أغسطس) الماضي، أثناء إضراب المعلمين، ثارت ضجة كبيرة بسبب تقرير[1] نشرته صحيفة "الرأي"، ونقل معارضة أولياء أمور طلبة مدارس للإضراب، بعدما تبيّن أن التقرير المفترض - الذي يغُطي موقف الأهالي من الإضراب القائم - كان قد نُشر بنصّه الحرفي[2]، للصحفي نفسه، في إضراب سابق للمعلمين، قبلها بسنتين. وتناقل مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي صورتين للتقريرين، أظهرتا أن الفرق الوحيد بينهما كان في تاريخ النشر. ونقل موقع "حبر" الإلكتروني عن رئيس تحرير "الرأي" اعتذاره للقراء، وتأكيده "أن إدارة الصحيفة ستتخذ أشد الإجراءات القانونية والإدارية بحق الصحفي كاتب التقرير". لكن "الرأي"، لم تنشر، مع ذلك، اعتذارا للقرّاء على صفحاتها.
لقد أوحى التعامل مع الحادثة السابقة بأنها فردية، في حين أن إعادة نشر تغطية لحدث أو مناسبة سابقة، بوصفها تغطية حديثة للحدث أو المناسبة المشابهة، هي في الحقيقة، ممارسة كرّرها، قبل هذه الحادثة وبعدها، كثير من الصحفيين، في مختلف الصحف، وهناك شواهد عديدة على تقارير أعاد الصحفيون نشرها بكاملها، أو نسخوا أجزاء كبيرة منها، بعضها كان لهم، ومعظمها كان لغيرهم.
مرصد مصداقية الإعلام الأردني "أكيد" ينبه إلى سلبية هذه الممارسة، ويبحث فيها من باب توضيحها، وتأكيد أنها تمثّل اعتداء على حقوق الآخرين، كما تشكّل مخالفة لـمعيار الدقة؛ الذي ينص على إسناد الآراء إلى مصادرها، إضافة إلى أنها ليست عملا فرديا، كما تشير المتابعة والملاحظة، ومن ثم فإنها تضر بمصلحة المتلقي من الجمهور، الذي هو هدف الإعلام ومبتغاه، وتدخل في باب التضليل المعرفي، حيث سيكون لها عواقب وخيمة في المستقبل على الأطراف كافة.
في البداية نشير إلى أن كل الشواهد في هذا التقرير هي لتغطيات تتعلق بقضايا اجتماعية، أو مزيج من الاجتماعي والاقتصادي، وتخص تفاعل الناس مع أحداث أومناسبات متكررة، أو تغطيات لقضايا اجتماعية، غير مرتبطة بزمن محدد، مثل قضايا الزواج والطلاق وقضايا المرأة، والعلاقات الاجتماعية بشكل عام.
واللافت، كما سيتضح لاحقا، أن إعادة الصحفي نشر تقارير سابقة له، أو انتحاله تقارير غيره، لا يقتصر على ما نشرته الصحف المحلية، إذ انتُحلت تقارير أو أجزاء كبيرة من تقارير منشورة في صحف سعودية وإماراتية، مضى على نشر النصوص الأصلية لبعضها تسع سنوات، فغُيّرت أسماء المدن فيها إلى أسماء مدن أردنية، كما غُيّرت أسماء الأشخاص، ومُنح كثير منهم أسماء عائلات أردنية معروفة. أما الأكثر غرابة، فهو استخدام الاقتباسات نفسها التي وردت في التقارير العربية، منسوبة لخبراء عرب، ونسبتها في التقارير المنتَحلة إلى خبراء أردنيين معروفين.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المعيار الذي استُنِد إليه للحكم على نص بأنه منتَحل، هو أن يكون ما لا يقل عن 50% من مضمونه منسوخا حرفيا من تقرير سابق أو أكثر، علما بأن النسب المتعارف عليها عالميا في البحث العلمي – مثلا- تقع بين 20-30%، مع ضرورة نسبة الأفكار والأقوال إلى أصحابها.
كما تجدر الإشارة إلى أن الشواهد المذكورة هنا، هي مجرد أمثلة، ولا تمثل إلا جزءا من الشواهد التي عُثر عليها أثناء البحث، والتي يمكن أن تكون موضوع دراسة مستفيضة مستقبلا، أما في هذا التقرير، فقد اختيرت أكثر الشواهد تمثيلا لهذه الممارسة، خلال مدة زمنية لا تتجاوز عاما ونصف.
وقد حُصِرت الأمثلة بمواد صحفية نُشرت خلال عامي 2014 و2015، أي مواد حديثة نسبيا، إذ إن أحد النقاط التي يلفت إليها هذا التقرير هو أن ممارسة كهذه تعيق الإعلام عن التقاط التحولات المجتمعية، التي تتغير مع الزمن.
تتخذ هذه الممارسة صورا عدّة، من أهمها:
ومن الأمثلة على ذلك:
ومن الأمثلة على ذلك:
ومن الأمثلة على ذلك:
"تدوير الاقتباسات"
في التقارير السابقة، وفي أمثلة أخرى ستُعرض في السياق، كان هناك ما يمكن تسميته "تدوير الاقتباسات"، أي استخدام الفقرة نفسها المنسوبة لشخص ما، ونسبتها لآخر، سواء كان هذا شخصا يروي تجربته في قضية معينة، أو خبيرا يدلي برأيه في هذه القضية، وقد يحدث هذا "التدوير" للاقتباسات تلقائيا، في سياق النسخ الكامل للتقرير، عند تغيير أسماء المصادر في النص، ولكنه في حالات أخرى، يحدث بشكل قصدي، عندما يكتفي الصحفي بنقل اقتباسات محددة، يرى أنها تخدم تقريره، وتكون هذه الاقتباسات في العادة لنماذج اجتماعية ممثلة للقضية في التقرير الأصلي، أو لخبراء أدلوا برأيهم فيه. وفي حالات عدّة، كما سنرى، نسخ صحفيون الاقتباسات، وغيّروا جنس أصحابها.
ومن الأمثلة على ذلك، ما يأتي:
ولو تتبعنا هذه القضية على مجال أوسع لوجدنا مزيدا من "تدوير" الاقتباسات.
ومن الأمثلة على ذلك:
لقد ناقشت التقارير السابقة، قضايا مجتمعية، وعرضت من خلال هذا النقاش شهادات لأشخاص رووا تجاربهم ورؤاهم في القضية موضوع البحث، كما عرضت تحليلات علمية لمختصين. وهذه الشهادات والتحليلات، تسهم في النهاية في تشكيل صورة للواقع، ينقلها الإعلام للجمهور، لكن هذه الشهادات والتحليلات العلمية إذا كانت تخص مرحلة زمنية سابقة، أو كانت "مستعارة" من بيئة مختلفة، أو الاثنين معا، فإن المرء يتساءل عن صدق صورة الواقع التي ساهمت هذه الشهادات في تشكيله، ويتساءل، من ثم:
هل سيكون الإعلام، مع ممارسة كهذه، قادرا على التقاط التحولات الاجتماعية، وعلى النهوض بدوره في التنبيه المبكر لها، قبل خروجها إلى السطح؟.
[1] "أولياء أمور يرفضون إضراب المعلمين"، "الرأي"، 17/8/2014. غير موجود على الموقع الإلكتروني للصحيفة.
[2] "أولياء أمور يدعون نقابة المعلمين للعدول عن الإضراب رأفة بالطلبة"، الرأي"، 17/11/2012.
[3] أحيانا يعيد الصحفيون نشر فقرات من تقرير سابق بوصفها خلفية للتقرير الجديد، ليس هذا هو المقصود بإعادة النشر في هذا التقرير.
[4] "موسم قطاف الزيتون في إربد يتناغم مع أمطار تشرين"، "الرأي"، 17/11/2014.
[5] "موسم الزيتون على الأبواب والمعاصر تلبس زينتها"، "الرأي"، 14/10/2011.
[6] "بين المنزل والعمل.. من تختار الزوجة؟"، "الدستور"، 20/4/2015.
[7] "المرأة العاملة أكثر سعادة من ربة المنزل!"، "الدستور"، 9/11/2013.
[8] "المرأة العاملة.. هناك من لا يثق بها أيضا"، "الدستور"، 16/4/2015.
[9] "لماذا لا يكون وراء كل امرأة عظيمة رجل؟"، "الدستور"، 18/4/2011.
[10] "سلوكيات نسائية.. للرجال نصيب أيضا"، "الدستور"، 18/1/2015.
[11] "لماذا نتهم المرأة بفتعال الأكاذيب؟"، "الدستور"، 22/12/2009.
[12] "ثلاثية رمضان والعيد والمدارس تبدد رواتب المواطنين"، "الرأي"، 19/7/2014.
[13] "رمضان والعيد والمدارس تبخر رواتب الموظفين"، "الدستور"، 23/8/2010.
[14] "جفت الزيتون مهرب الفقراء من غلاء المحروقات"، "السبيل"، 20/1/2014.
[15] "جفت الزيتون وقود شتاء الفقراء والفارين من غلاء المحروقات".
[16] "أبناء يصارحون أمهاتهم خوا من سلطة الأب"، "الغد"، 17/3/2015.
[17] "راهقون يجدون في الأب السلطة الجافة ويلجأون إلى الأم لبث همومهم"، مؤرخ بحسب النسخة الإلكترونية 16/11/2007، ولم يمكن التأكد من السخة المطبوعة.
[18] "الجيران بين صفاء الماضي وجفاء الحاضر"، الغد"، 6/1/2014.
[19] "العلاقة بين الجيران: صباح الخير يا جاري أنت في حالك وأنا في حالي"، "الغد"، 22/12/2012. لم يمكن العثور عليه في الموقع الإلكتروني للصحيفة، لكن النسخة المنشورة في "المدينة نيوز" مطابقة للمطبوعة.
[20] "طلاق في شهر العسل .. الزواج السريع أبرز الأسباب"، "الدستور"، 15/4/2015.
[21] "مطلقات في شهر العسل"، "عكاظ"، 2/4/2010.
[22] "الزواج.. هل بات تقييدا لحرية الطرفين؟"، "الدستور"، 21/11/2014.
[23] "الزواج حرية أم تقييد للطموحات والآمال؟"، "لها"، 3/5/2014.
[24] "نساء يرفضن الغربة وأخريات مع الفكرة"، "الدستور"، 5/3/2015.
[25] "في السعودية.. لا لزواج السفر والابتعاث!"، "سيدتي"، 20/1/2015.
[26] "الانفصال بين الزفاف.. إنقاذ من ورطة أم تدمير لعلاقة يمكن أن تدوم؟"، "الغد"، 16/4/2014.
[27] "فتيات يرفضن طلاق "أيام العسل" ويفضلن الانفصال قبل زيارة المأذون"، "الاتحاد"، 17/3/2013.
[28] "تدمير لعلاقة كانت على وشك أن تتحقق.. أم إنقاذ قبل وقوع الفأس بالرأس؟ الانفصال قبل الزواج.. يا فرحة ما تمت"، "الرياض، 15/12/2011.
[29] "إربد: "حماية الأسرة" تتعامل مع 18 حالة تحرش جنسي العام الماضي"، "الغد"، 26/1/2015.
[30] "مستويات غير مسبوقة لحالات التحرش في الأردن.. وتعديلات قانونية لتشديد العقوبات"، "العرب اليوم"، 22/7/2014.
[31] "الدستور.. كشف خفايا المسكوت عنه في ملف التحرش الجنسي في الأردن"، "الدستور"، 4/2/2014.
[32] التقرير من مشروع "وثائقيات حقوق الإنسان" التابع لموقع "عمان نت"، لكن استخدمت النسخة المنشورة في "عين نيوز" لأنها تظهر تاريخ النشر.
[33] "علماء الدين: التحرش الجنسي فوضى أخلاقية تتطلب المواجهة"، "الأهرام"، 9/9/2012.
[34] "الجيران بين صفاء الماضي وجفاء الحاضر"، "الغد"، 6/1/2014.
[35] "الانفصال قبل الزفاف.. إنقاذ من ورطة أم تدمير لعلاقة يمكن أن تدوم؟"، "الغد"، 16/4/2014.
[36] "فتيات يرفضن طلاق "أيام العسل" ويفضلن الانفصال قبل زيارة المأذون"، "الاتحاد"، 17/3/
[37] "زواج العوض.. ملجأ اجتماعي يحافظ على كيان الأسر"، "الدستور"، 29/11/2014.
[38] "زواج العوض.. فزعة تسلب الزوجين حقهما في الاختيار"، "الوطن"، 30/12/2011.
[39] "البلاستيك والأحذية والإطارات وقود مجاني "خطر" لمدافئ الفقراء"، "الدستور"، 17/1/2015.
[40] "معظم الطلبة يتغيبون خلال المنخفضات.. وانبعاثا الكاز غير المحترق جيدا تهدد سلامتهم.. المدارس: طلاب على مقاعد البرد"، "الغد"، 8/12/2014.
[41] "تدفئة المدارس.. طلبة يشكون البرد القارس في الصوف وإداريون ومعلمون يستأثرون بالدفء"، "الغد"، 5/12/2011. لم يمكن العثور على التقرير في الموقع الإلكتروني للصحيفة.
[42] "نساء يرفضن الغربة وأخريات مع الفكرة"، "الدستور"، 5/3/2015.
[43] "في السعودية.. لا لزواج السفر والابتعاث!"، "سيدتي"، 20/1/2015.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني