صور وفيديو اغتيال الكساسبة: عندما تقود المنظمات الإرهابية الأجندة التحريرية لوسائل إعلامية

صور وفيديو اغتيال الكساسبة: عندما تقود المنظمات الإرهابية الأجندة التحريرية لوسائل إعلامية

  • 2015-02-04
  • 12

تصدر خبر اغتيال الشهيد النقيب معاذ الكساسبة من قبل تنظيم داعش الارهابي، اهتمامات وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية، في تغطية انطوت على العديد من المسائل المهنية  الاخلاقية والانسانية بما احتوته من مشاهد مأساوية للعملية البشعة والتي وصفها العالم بانها وحشية وهمجية.

مرصد مصداقية الإعلام الاردني" أكيد"  ومنذ نشر التنظيم الارهابي الصور والفيديوهات، عمل على متابعة عدد من وسائل الإعلام في تعاطيها مع القضية سيما  المحطات الفضائية  العالمية والعربية والصحف والمواقع الالكترونية ، وما نشر في مواقع التواصل الاجتماعي عبر الجمهور    ، وذلك انطلاقا من المبادئ المهنية والاخلاقية الاساسية التي توافقت عليها فرف الاخبار في اعرق وسائل الإعلام في تعامل مع تغطيات مثل هذه الوضاع واهمها :

  • حماية كرامة الضحايا وكرامة ذويهم وعدم واظهارهم بصورة قاسية او بشعة او مؤلمة .
  • التوازن بين حق الجمهور بالمعرفة وحرية التعبير من جهة وبين القيم الاخلاقية والمهنية والانسانية من جهة أخرى
  • الابتعاد عن ان تتحول الاخبار إلى مجرد ترديد لدعاية الارهابين ونشر رسائلهم إلى الجمهور على حساب القيمة الاخبارية  .

التغطية المحلية : التزام وانفلات

لاحظ "أكيد" ان العديد من وسائل الإعلام الالكترونية تنبهت وتعاملت بحرفية مع الخبر ومارست دورها بمهنية عالية، لكن مواقع إلكترونية أخرى اندفعت نحو السبق على حساب الاعتبارات المهنية والاخلاقية  والمصلحة العامة، دون الاكتراث للجوانب الإنسانية والاخلاقية في بث صور ومشاهد بهذه البشاعة.

فكانت فيديوهات الاغتيال وصور الشهيد الملازم اول معاذ الكساسبة في آخر لحظاته وهو يرتدي الزي البرتقالي في صدارة  المواد التي نشرتها تلك المواقع، بل وصل التجاوز اخلاقيا في بعض وسائل الإعلام  الى نشر  كامل الفيديو بكل بشاعته، والذي لا يحمل أي قيمة إخبارية، باستثناء تأكيد الجريمة، في حين ان  اعادة نشره ينسجم مع أهداف التنظيم الارهابي في نشر دعايته الهدامة.

ذلك المشهد تكرر وبشكل فج على مواقع التواصل الاجتماعي، فكانت صور الحرق وفيديوهات الاغتيال تسيطر على تلك الصفحات، الامر الذي يضع الإعلام أمام مهمة بناء ثقافة اعلامية وتوعية الجماهير عبر التذكير بأخلاقيات استخدام هذه المواقع.

ورصد "أكيد" عشرات الصور والفيديوهات التي تناقلتها مواقع الكترونية محلية رغم بشاعتها، لكن المواقع تلك عملت على شطبها وازالتها  لاحقا من مواقعها، ويمتنع " اكيد" عن وضع روابط للمواقع  التي نشرت تلك الصور انسجاما مع المعايير الاخلاقية التي يعتمدها المرصد. ورغم  الحذف والشطب، الا ان الضرر قد وقع وانتقل الى الجمهور الذي عمل هو بدوره على نقلها إلى الآخرين.

كما لاحظ " اكيد " تجاوزات مهنية واخلاقية في تعامل بعض المواقع الالكترونية وبعض المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي في نشر صور ذوي الشهيد واسرته في لحظات توصف عادة بأنها اوقات ضعف انساني لا يجوز لوسائل الإعلام استغلالها ، حيث نشرت بعض المواقع وتناقل مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي صورا  لوالدة الشهيد وهي في المستشفي وهي صور غير مبررة مهنيا واخلاقيا .

أن احترام كرامة البشر أحياء وأمواتا هو جوهر عمل الصحافي، وعلى وسيلة الإعلام أن تتذكر أن هذه المشاهد تترك آثارا نفسية مؤلمة عند المشاهدين، خصوصا لدى ذوي الضحية ومعارفه، وتساهم في نشر دعاية الإرهابين، ورسائلهم المخفية التي ربما تكون موجودة في تلك الصور أو الفيديو أو حتى المقاطع الصوتية.

ومن خلال مطالعة الصحف اليومية الاردنية، لاحظ "أكيد" انها كانت اكثر حزما في تطبيق المبادئ الاخلاقية، فظهرت صحف اليوم الأربعاء بصورالشهيد  معاذ وهو يلبس بزته العسكرية، وفي أفضل حالاته وهي بذلك انحازت اخلاقياً ومهنياً وانسانياً لجهة التخفيف من الاذى، واظهار معاذ بالصورة التي يرتضيها أهله ويتقبلها الجمهور.

التغطية على المستوى الدولي : المهنية العريقة والاجندات الغامضة .

تؤكد الممارسات المهنية العالمية في التعامل مع هذه القضايا، في حال إعدام أو قتل الرهينة أو الأسير بأي طريقة، إلى عدم نشر صور أومقاطع الفيديو الخاصة بتلك العملية، بل وأن لا تظهر إطلاقا في وسائل الإعلام.

في الوقت الذي امتنعت  وسائل الإعلام الامريكية الكبرى عن بث شريط الفيديو قامت قناة " فوكس نيوز " ببث الفيديو كامل على موقعها الالكتروني مع اشارة للمشاهدين " تنبيه: فيديو صادم للغاية " وفي بيان مكتوب نشرته القناة قال رئيس القناة جون موردي مبررا قرارالبث ( ارتأينا ان نمنح قراء فوكس نيوز دوت كوم امكانية ان يحكموا بانفسهم على وحشية التنظيم  ... وبامكان رواد الانترنت ان يختاروا مشاهدة او عدم مشاهدة هذه المقاطع الصادمة ) كما قامت المحطة ببث مقاطع مطولة من الفيديو في فترات بثها.

ولاحظ "أكيد" ان  محطتي (البي بي سي) البريطانية  و(السي إن إن) الامريكية  التزمتا بعدم بث أي مادة منسوبة للتنظيم، وقامت بنشر صور الطيار البطل وهو في حالاته الطبيعية قبل الاختطاف، وهي بذلك فوتت الفرصة على التنظيم لنشر دعايته مثلما عملت التقليل من الصدمة والالم التي يخلفها مثل هكذا مشاهد.

ويعلق مدير محطة (السي إن إن)  توني مادوكس في مقابلة له بثتها المحطة  تعليقا على عدم بث المحطة لفيديو اغتيال الشهيد معاذ "أنه في بعض الأحيان يكون من الضروري إظهار صور أو مقطع من الفيديو ليخدم غرض القصة أو المقال.. ولكن في هذه الحالة (الطيار الاردني) لم نجد ضرورة تحريرية، علما أنّ هدف تنظيم داعش هو الدعاية".

وقال يجب ان تكون لدينا مبادئ توجيهية رئيسية لاعتمادها في مثل هذه الظروف، وينبغي ان تكون مرنه بحسب الموضوع، مؤكدا ان "اول واجب يحكم علاقتنا بجمهورنا هو عرض القصة وطريقة تفسيرنا لها، وثانياً اننا لا نريد أن نكون جزءاً من أي تنظيم وفي هذه الحالة تنظيم داعش".

وشدد مادوكس على "اننا في (السي ان ان) لا نريدهم ان يقودوا أجندتنا التحريرية ويجب علينا السيطرة عليه بقدر ما استطعنا".

وطرحت صحيفة النيويورك تايمز في تقرير لها تساؤلات حول نشر وسائل الإعلام  للصور البشعة لاغتيال الكساسبة.

وأشارت الى طريقة تعاطي بعض وسائل الإعلام العالمية مع الخبر، وقالت إن بعضها نشر صوراً لألسنة اللهب وهي تحيط بمعاذ، وفيما إلتزم البعض الأخر بنشر صورة وهو يقف أمام مجموعة من المسلحين الملثمين، في حين أن بعضها نشر صورة لمعاذ وهو داخل القفص، بينما إلتزمت وسائل إعلام أخرى بنشر صور عائلة  واصدقاء الشهيد وهم يحملون صور معاذ ويطالبون بإطلاق سراحه.

ونقلت الصحيفة رأياً للمدير التنفيذي في جامعة كولومبيا الامريكية "بروس شابيرو" قوله " ان نشر الصور والفيديوهات التي تتضمن لقطات بشعه ينشرها التنظيم لا تقدم قيمة إخبارية كبيرة".

ويضيف شابيرو " نشر الصور يتسبب بالاسى لكل من يعرف الكساسبة، مثلما انه يحقق رغابة التنظيم الارهابي في تحقيق غايته من النشر".

اما صحيفة "الغاردين" البريطانية نشرت صورة الملازم أول معاذ الكساسبة باللباس العسكري على صفحتها الاولى، وعرضت رويترز بتغطيتها للحدث صورة  من مظاهرة سابقة لأفراد عائلته وهم يحملون صورته ويطالبون بالافراج عنه. فيما استخدمت وكالة الاسوشيتد برس صورة مماثلة مرافقة  للموضوع الذي نشرته.

اما صحيفة " الديلى نيوز"  بالرغم من تحذيرها للقراء بمضمون الصور فقد قامت بنشر الصور عملية الحرق كما هي بدون تعطية او حجب .

التغطية العربية : تفاوت وارباك

أما قناة العربية فقد نشرت أجزاءً من  الفيديو الذي نشره التنظيم ومدته 22 دقيقة تقريباً، خصوصاً حين كان يقف الشهيد مرتديا الزي البرتقالي في ساحة، وخلفه مجموعة من المسلحين، وصورته وهو ينظر في أرجاء المكان وآثار الكدمات ظاهرة في وجهه، وبعض المقاطع الصوتية له والتي جرى كتمها من قبل المحطة.

الجزيرة بدورها نشرت صورًا تم تداولها سابقاً للشهيد الكساسبة، وقت أسره، وكذلك الصورة التي نشرها التنظيم وهو مرتدياً البدلة البرتقالية، ثم عادت بنشر مقاطع من الفيديو الذي نشره التنظيم تظهر الكساسبة في لحظاته الأخيرة ولحظة إشعال النار من قبل أحد أفراد التنظيم، لكن موقع الجزيرة نت نشر صوراً للكساسبة وهو في القفص قبل اشتعاله.

أما محطة سكاي نيوز فنشرت أجزاءً من الفيديو حين كان الكساسبة في القفص  بينما ألسنة اللهب تقترب منه.

لكن قناة "اليوم" المصرية وضمن برنامج المذيع عمرو أديب "القاهرة اليوم" بثت مقاطع من الفيديو، أظهرت فيه لحظة احتراق الشهيد الكساسبة، مع صوت عمرو أديب يتحدث عن الجماعات الإسلامية والإخوان المسلمين والربط بين الفيديو وبين ما يحدث في مصر حالياً بقوله "لازم تشوفوا وتعرفوا الجماعات الإسلامية دي عامله إزاي "، وكذلك " إن شهداءنا الذين ماتوا في سيناء على يد فرع داعش في مصر" المهم ان القناة بثت معظم الفيديو وفي بث الاعادة قامت بالتغطية على مشاهد عملية الحرق .

وكان "أكيد" نشر تقريراً بعنوان" التغطية الإعلامية لقضايا الأسرى والرهائن"، تضمن مجموعة من الارشادات  التي طورها المرصد لوسائل الإعلام والصحافيين والناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي، تحدد الممارسات الفضلى في التعاطي الإعلامي مع قضايا الأسرى والرهائن ورسائل الجماعات الارهابية، وذلك من عدد من بيوت الخبرة الصحافية في العالم، والمؤسسات الإعلامية المستقلة، التي اتصل بها "أكيد" لإعداد هذا التقرير.

وبما أن التنظيمات الإرهابية لا تراعي الجوانب الأخلاقية والإنسانية في التعامل مع الرهائن، فإن الإعلام في مثل هذه الحالات، يجب أن يكون صارما في تطبيق المعايير المهنية والأخلاقية أكثر من أي وقت آخر، للتخفيف من الأذى قدر المستطاع.

كما أن على الصحافي أن يبقى متنبها لأي تفاصيل جديدة أو تطورات للقضية، لكن نشرها يجب أن يكون مشروطا بقيمتها الإخبارية، في حين يجب الحذر من نشر أو بث الأخبار، فقط بهدف لفت انتباه الجمهور، وجلب المزيد من المتابعين للوسيلة الإعلامية، فهذه ممارسة تقع في خانة ” الخداع والتضليل”.

ومن بين الجوانب التي ركز عليها التقرير نقل رسائل الإرهابيين، في حالات الأسر أو الخطف، حيث تتابع الجماعات الارهابية وسائل الإعلام، وتبحث عن منافذ لنقل رسائلها، بل تستثمر أوقات الأزمات في استغلال حالة تعطش الجمهور والتماسه المعلومات، بتمرير رسائلها وفكرها ودعايتها من خلال المعلومات والمواقف والرموز، وهنا يتطلب من وسائل الإعلام حرصا على المهنية، وإحاطة الجمهور بالمعلومات، وأن لا تتحول  دون إدراك منها إلى منبر لنقل رسائل الإرهابين:

إن المسؤولية المهنية والأخلاقية تتطلب من وسائل الإعلام الابتعاد عن نشر أو بث رسائل الجماعات الإرهابية بشكل مباشر أثناء معالجة أزمة أمنية. ويجب أن تغطي أخبار تلك الجماعات إذا كانت ذات قيمة إخبارية،  من خلال تناول نبذة مختصرة من رسائلها أو أخبارها، وإعادة صياغتها، لأن إعطاء المساحة للجماعات الإرهابية أو الإجرامية سيعطيها دفعاً معنوياً، يؤدي إلى تعقيد الوضع وتعريض حياة الجمهور إلى خطر أكبر.

على وسائل الإعلام أن تتجنب نشر الأخبار التي تحمل طابعاً دعائياً تسعى الجهات الخاطفة الى ترويجها من صور وتهديدات وفيديوهات.

إبداء أقصى درجات الحرص في تقديم المواد أو المقابلات التي قد تتضمن وجهات نظر لأشخاص، أو منظمات أو جماعات، تستخدم العنف أو النشاطات الإجرامية، أو تدعو أو تروج له، فعند اتخاذ قرار تحريري بنشر أو بث مادة صادرة عن تلك الجماعات، يجب التأكد من أنها مادة خبرية وليست دعائية، وأنها لن تؤدي الى خدمة أهداف الإرهابين.

أما القاعدة الاساسية وفقا لـ "اكيد" أن لا تنشر صورا أو فيديوهات للشخص الرهينة أو المختطف وهو في حالة ضعف وانكسار بين أيدي معتقليه، لكن  وسائل الإعلام تجد نفسها أحيانا مضطرة لنشر صورة المختطف لكن ضمن معايير محدد وأهمها:

ـ نشر الصورة التي تؤكد الاختطاف لتحقيق المصداقية وعدم تكررها في النشرات لمرات متعددة.

ـ إظهار وجه الرهينة فقط، وتغطية أجزاء جسده إن كان عاريا أو في صورة مهينة.

ـ في حال تكرار الخبر، يجب مراعاة نشر صور الرهينة وهو في حالاته الطبيعية قبل الاختطاف.

ـ عدم نشر الصور والفيديوهات التي يحاول من خلالها مختطفو أو محتجزو الرهينة الترويج لفكرهم، وهي في العادة تظهر الشخص بصورة مهينة وتعمل على بث الذعر والهلع في نفوس المشاهدين.

وعلى وسائل الإعلام أن تطرح دوما تساؤلات عن مدى الأذى الذي يمكن أن يخلقه نشر مثل هذه الصور في نفوس أسر وأقرباء الرهينة، وعن القيمة الإخبارية لهذه الصور والفيديوهات، وكيف يمكن حماية الفئات الضعيفة من هكذا مشاهد، خصوصا الأطفال.

في حال إعدام أو قتل الرهينة أو الأسير بأي طريقة، فالأصل عدم نشر هذه  الصور ومقاطع الفيديو، وأن لا تظهر إطلاقا في وسائل الإعلام، فاحترام كرامة البشر أحياء وأمواتا هو جوهر عمل الصحافي، وعلى وسيلة الإعلام أن تتذكر أن هذه المشاهد تترك آثارا نفسية مؤلمة عند المشاهدين، خصوصا لدى ذوي الضحية ومعارفه، وتساهم في إضفاء القوة على الإرهابين.