ظاهرة "الأقلية الصارخة" تروّج لخطاب كراهية طائفي

ظاهرة "الأقلية الصارخة" تروّج لخطاب كراهية طائفي

  • 2016-08-03
  • 12

ثلاثة مواضيع شكلت ميداناً لخطاب كراهية واسع وملحوظ انتشر خلال الأيام الماضية، وقد تركزت جميعها حول الانقسام الطائفي في المجتمع الأردني.

آخرها وأبرزها ما تعلق بحادثة وفاة عازف الجيتار الاردني الشاب شادي ابو جابر في حادث سير، ورغم أن جانباً من النقاش في مواقع التواصل الاجتماعي، انصب بشكل إيجابي على خسارة موهبة أردنية شابة في مجال الفن والموسيقى، ولكن في المقابل فقد أثارت فئات أخرى نقاشاً دار حول جواز الترحم على الشاب بسبب ديانته (المسيحية).

التعليقات على شبكات التواصل كشفت عن وجود عدد غير قليل ممن يستدرجهم خطاب الكراهية، عندما يتعلق  الأمر بالجانب الديني، ويغلبون التشدد على التسامح والقيم الانسانية التي تجمع أفراد المجتمع في بوتقة واحدة، يجمعهم الانتماء للوطن.

الحالة الكبيرة من الجدل ورفض البعض إبداء الرحمة على الشاب المتوفي، وحديث البعض عن عدم جواز الترحم على غير المسلم، دفعت بوكالة الانباء الاردنية (بترا) لطلب رأي مفتي عام المملكة، ونشرت تقريرا بعنوان :"مفتي المملكة": لا يجوز بحث القضايا التي تثير الفتن وتمس وحدة الشعب قال فيها المفتي الشيخ عبدالكريم خصاونة أنه لا يجوز البحث والافتاء في القضايا العامة التي تمس وحدة الشعب الأردني وتعايشه المشترك، وخاصة تلك التي تؤدي إلى اثارة الفتنة بين أبناء الشعب الواحد, أشار الخصاونة إلى ان السنة أجازت تعزية غير المسلم بوفاة ميتهم، وكذلك تقبل التعازي من غير المسلمين بوفاة المسلم، فضلاً عن مشاركة المسلمين لغير المسلمين أفراحهم وأحزانهم، كلٍ بصيغته الدينية، مشددا على الابتعاد عن القضايا التي تمس وحدة الشعب الأردني وتماسكه والعيش المشترك بين أبنائه، هذه الفتوى لم تكن الأولى حول الموضوع، فقد تم نشر اكثر من فتوى من قبل دائرة الإفتاء حول هذا الموضوع، خلال سنوات سابقة وهذه المرة جاءت على شكل اجابة لسؤال إعلامي.

ولكن هذا الخبر الذي نشرته وكالة "بترا" أعاد نشره أكثر من 80 موقعا إلكترونيا" بعناوين مختلفة قادت بسبب ما احتوته من تمويه وغموض إلى مواصلة النقاش غير الإيجابي، وقد استطعنا رصد العناوين التالية لهذا الخبر:

"مفتي المملكة: تعزية المسلمين لغير المسلمين ومشاركتهم أفراحهم جائزة

و"مفتي المملكة": يجوز تعزية غير المسلمين،

تحذير من مفتي المملكة, الخصاونة : هذا حكم تعزية غير المسلم،

الخصاونة: لا مانع من تعزية غير المسلمين.. وبحث القضايا التي تثير الفتن غير جائز،

مفتي المملكة يصدر فتواه بخصوص تعزية غير المسلمين.

بعض هذه العناوين كان لها أثر سلبي على مواقع التواصل فبدلاً من قيامها بدورها المفترض في زيادة تماسك أفراد المجتمع، فإنها خلقت حساسية طائفية، روج لها ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي.

ماذا تقول دائرة الافتاء؟

الناطق الاعلامي باسم دائرة الافتاء العام الدكتور حسان أبو عرقوب أوضح في تصريحات هاتفية لـ(أكيد) ان الفتوى هي بيان حكم الشريعة، ورد الدائرة على أي سؤال يكون فتوى، سواء أكان من صحفي أو من مواطن أو بطلب من جهة رسمية أو حكومية.

وقال إن الكلمات التي يستخدمها المفتي لها معانٍ دقيقة، فكلمة "حلال" مثلاً تختلف عن كلمة "يجوز"، و"حرام" تختلف عن كلمة "لا يجوز"، مطالبا الإعلاميين إلتزام النص الموجود حتى لا يحدث خلالاً، مبينا أن استبدال بعض الكلمات بأخرى أحياناً يغير الفتوى كاملة، سواء كان بقصد او دون قصد.

وشدد على الدقة في نقل الأحكام الشرعية داعياً الإعلام  إلى تقديم الحس الوطني فيما ينشر والابتعاد عما يثير الفتنة مطالبا بمد جسور التواصل والمحبة والانصهار بين أبناء المجتمع الواحد.

قبل ذلك كان الرأي العام قد انشغل بخبر ينتمي إلى السياق ذاته بعنوان "مجموعة طلال أبو غزالة تحرم الجلباب على الموظفات"، هذا الخبر ورغم توضيح الشركة لمواقع إخبارية:" انها  تعتمد لباساً معيناً للموظفين مثل البدلات للموظفين والأطقم الرسمية للموظفات" إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي شهدت جدلاً كبيراً، واتهامات للشركة بانها تحارب، الزي الاسلامي، وبعد ذلك اشتعلت حرب كلامية بين مؤيد ومعارض.

وفي اطار مشابه نُشر خبر بعنوان " اعلان صادم يشترط المسيحية لإشغال وظيفة" تضمن نشر صحيفة أعلانية معروفة إعلاناً للمركز الثقافي الكوري التابع للسفارة الكورية يطلب مترجم وإداري، وكان واحد من ثلاثة شروط الديانة المسيحية للمتقدمين لإشغال هذه الوظيفة.

هذا الخبر خلق نوع من الجدل على صفحات التواصل الإجتماعي، وهاجمت صفحات على مواقع التواصل الصحيفة الإعلانية، والسفارة الكورية، كما اطلقت التهم الطائفية وخلق مثل هذا الخبر، توتر بين من يحاول تبرير الإعلان، والمنتقدين له.

مرصد – أكيد- حصل على رد رسمي مكتوب من السفارة الكورية في عمان ينفي تماما أي علاقة للسفارة الكورية بهذا الاعلان ويؤكد انه لم يصدر اي اعلان طلب وظائف من قبلهم.

الأقلية الصارخة!

مرصد (أكيد) تتبع مدى انطباق مفهوم "الأقلية الصارخة" الذي طورته الدراسات الإعلامية الجديدة، على ما يحدث على شبكات التواصل الأجتماعي في الأردن، حيث يشير هذا المفهوم إلى مجموعة صغيرة من الناشطين المعلومين أو المجهولين الذين يساهمون بتوجيه الرأي العام في قضايا محددة، ويخلقون ظاهرة استقطاب بين المؤيدين والمعارضين.

وتشير نتائج التتبع الكيفي على شبكة التواصل الأجتماعي "فيسبوك" التي نفذت للقضايا الثلاث المطروحة إلى دور واضح لمجموعة محددة من الناشطين على هذه الشبكة في خلق حالة من الاستقطاب في هذه الحالات وفي حالات مشابهة أخرى.

تم تتبع 22 (بوست) نشرت من قبل 19 حسابا خلال الفترة من 29 تموز الى 3 آب وشهدت نحو 7800 تعليقا، كانت معظم هذه التفاعلات الالكترونية وبنسبة في حدود 90% ايجابية وتترحم على الفقيد وتتفق مع القيم الانسانية والوطنية المشتركة.

التتبع أفاد أن الجدل على الشبكة بدأ من قبل أقلية من المعلقين بطرحهم اسئلة غريبة ومستفزة لتقاليد المجتمع الأردني وثقافته حول جواز الترحم على موتى غير المسلمين، الأمر الذي دفع بهجوم معاكس من التعليقات.

الموجة الثالثة من النشاط الالكتروني تركزت على نقد الحالة التي أوصلت المجتمع لطرح هذه القضايا ومنها إجابة مفتي المملكة على سؤال لوكالة الانباء الذي اعتبره بعض المعلقين غير جائز علاوة أن إجابة المفتي بحد ذاتها تعرضت للتشويه. 

وتوضح نتائج التتبع أن أقلية من الناشطين الذين يتمتعون بخصائص ترتبط بالقدرة على انتاج المحتوى المثير والجاذب، أو طرح القضايا الحساسة والمستفزة ولديهم ديناميكية التفاعل الذي يستجيب لطبيعة الشبكة، هم من يخلقون أحياناً حالة شبه افتراضية قد لا يكون لها معادل موضوعي في الواقع كما هو الحال في خطاب الكراهية الطائفي.

إن مرصد (أكيد) لاحظ وجود مؤشرات على خطاب الكراهية الطائفي على الشبكة (الإعلام الالكتروني) وهو الامر الذي لا توجد مؤشرات دالة عليه في وسائل الإعلام التقليدية او في الواقع الحياتي، ولكن المرصد يدرك ويؤكد الحاجة الى دراسات أكثر عمقا في هذا المجال.

إن القصص الثلاث المذكورة سابقاً، تشكل نماذج لخطاب يحث على الكراهية في الفضاء الإلكتروني بما يخالف المادة(4) من ميثاق الشرف الصحفي التي تقول: "يلتزم الصحفيون باحترام الأديان والعمل على عدم إثارة النعرات العنصرية أو الطائفية وعدم الاساءة الى قيم المجتمع أو التحريض على العصيان أو ارتكاب الجرائم ، كما يمتنعون عن تحقير السلطات والترويج لمناهضة المبادئ التي يقوم عليها الدستور الاردني".

إن المتتبع لمواقع التواصل الاجتماعي في الأردن يلاحظ ازدياد حدة النقاشات على هذه الصفحات، وتنامي خطاب التحريض والكراهية حتى بات هذا الخطاب ظاهرة مقلقة تهدد النسيج الاجتماعي والوطني والسلم الأهلي، وتهدد مجتمع التسامح الذي حافظ عليه الناس عقودا طويلة، لتتغذى من خطاب إقصائي يبث الفوضى ويقوض قيم التسامح، ويهدد السلم الاجتماعي.

وكان معهد الإعلام الأردني قد نظم في أواخر أيار الماضي مؤتمرا بعنوان:  خطاب الكراهية في الإعلام الرقمي والاجتماعي وبمشاركة نحو (200) من الأكاديميين والإعلاميين والخبراء والناشطين والمهتمين والذي تناول ملامح وموضوعات الكراهية في الإعلام الرقمي والاجتماعي في العالم العربي والمحتوى الذي ينتجه الجمهور العربي وخطاب الكراهية، و دور التربية الإعلامية الرقمية في الحد من خطاب الكراهية والأخلاقيات والقواعد المهنية في مواجهة خطاب الكراهية و الأُطر التشريعية والتنظيمية للحد من خطاب الكراهية.

وأوصى المؤتمر إلى إدخال "التربية الإعلامية" إلى النظم التعليمية في العالم العربي، وبناء قدرات إعلامية تنأى بالإعلام المهني عن خطاب الكراهية، ووضع ميثاق أخلاقي عام وقواعد مهنية في تعامل الصحافة ووسائل الإعلام المهنية مع المحتوى الذي ينتجه الجمهور والتأكيد على ضرورة أيجاد مبادرة أخلاقية عالمية جامعة تتصدى لمسألة تغطية الموضوعات الدينية وتجيب على أسئلة مركزية حول حدود الحرية وحدود احترام الأديان ، وإصدار قاموس أو دليل لألفاظ وتعبيرات الكراهية في وسائل الإعلام المهنية وفي وسائل الإعلام الاجتماعية.