تداولت وسائل إعلام محلية مطلع أيار (مايو) الماضي، خبر تمكن فريق طبي أردني من علاج حالات لمرضى مصابين بالسكري باستخدام تقنية زراعة الخلايا الجذعية. وشرح الخبر أن هذه التقنية تساعد على "إحياء البنكرياس"، الذي يؤدي إلى الشفاء التام، وعودة المريض إلى وضعه الطبيعي.
ووفق الخبر المنقول عن "الجزيرة نت"، فقد أعلن فريق طبي أردني نجاحه باستخدام هذه التقنية، في علاج أربعة مرضى بالسكرى، من النوع الأول، هم ثلاثة رجال، وطفلة عمرها 13 سنة، كانوا يتناولون جرعات من الأنسولين بمعدل ثلاث جرعات يوميا، تتراوح بين 20 و80 وحدة. ويؤكد الخبر أن ثلاثة من المرضى الأربعة شفوا تماما بعد ستة أشهر من زراعة الخلايا الجذعية، في حين ما زال الرابع قيد المتابعة.
وقد أطلق الخبر السابق على هذه التقنية وصف "التجربة الأردنية"، وقال: إن من المتوقع تعميمها عالميا، كما تضمن الخبر تقدير كلفة العلاج بـ 42 ألف دولار أميركي للراغبين باستخدامه.
ومن خلال متابعة الخبر السابق والتحقق منه، فإنه تضمن مغالطات علمية، وانطوى على مخالفات أخلاقية، وفق متخصصين، فقد طرح تقنية ما زالت في طور البحث عالميا، ولم تُعتمد بعد بوصفها وسيلة علاجية ناجعة. كما أنه صوّرها وسيلة علاجية آمنة، ومن دون آثار جانبية، وهو أمر، كما يقول الخبراء، ينافي الصواب، إذ يمكن أن تحدث مضاعفات تؤدي إلى الوفاة.
يذكر أن الخلايا الجذعية هي خلايا بدائية، تمتلك القدرة على الانقسام والتكاثر والتجدد، والتحول إلى خلايا متخصصة، بحسب المحيط الذي تزرع فيه، فتتطور مثلا إلى خلايا عضلات وكبد وخلايا عصبية وجلدية، وبنكرياس وغيرها. وهو أمر يمكن أن يسمح باستخدامها لإصلاح الأعضاء المعطوبة، فهي نظريا، إذا وضعت في قلب معطوب، فإن بإمكانها تكوين خلايا قلبية سليمة ما يؤدي إلى شفاء المريض، وينطبق الأمر ذاته على الخلايا العصبية، وخلايا البنكرياس والكبد وغيرها من الأعضاء.
ووفق موقع (Biotechnology Learning Hub ) العلمي المتخصص، فإن تقنية زراعة الخلايا الجذعية بدأت عمليا العام 1956، عندما نٌفّذت في نيويورك، أول عملية ناجحة لزراعة نخاع عظم، لمريض يعاني من سرطان الدم، تلقى النخاع العظمي من توأم مماثل. ثم تتالت بعدها البحوث والتجارب العلمية على هذه التقنية، لعلاج مختلف أنواع الأمراض.
رئيس الجمعية الأردنية للعناية بالسكري، الدكتور محمد الزاهري، يرى أن استخدام تقنية زراعة الخلايا الجذعية لمعالجة مرض السكري، وبخاصة من النوع الأول (سكري الأطفال) ما زال عالميا في دائرة التجربة والبحث. والمراكز البحثية العالمية لم تتوصل إلى درجة كافية من التقدم في هذا المجال، بما يسمح بتطبيق هذه التقنية كوسيلة علاجية ناجعة لهذا المرض.
وبحسب قوله، فإن ما أُعلن عنه بوصفه إنجازا أردنيا في هذا المجال لا يعدو كونه أبحاثا أولية، وليس إنجازا علميا، يمكن تطبيقه سريريا لمعالجة المرضى. فلا عدد المرضى الذين أٌعلن عن علاجهم كاف للحكم على صلاحية العلاج، ولا مدة المراقبة التي خضعوا لها كافية أيضا لمعرفة المضاعفات التي يمكن أن تنجم عن هذا النوع من الإجراءات.
ورغم أن صحيفة الرأي نشرت بعد ثلاثة أيام من خبر "الجزيرة" تغطية للموضوع ذاته، تضمنت المعلومات ذاتها التي تضمنتها تغطية "الجزيرة"، لكنها ضمّنتها تصريحا لأحد أعضاء الفريق الطبي يقول فيه: إن العلاج بهذه التقنية "ما زال قيد الدراسات والأبحاث لتطويره"، ولم يُعتمد بعد علاجا في الأردن". لكن التغطية ذاتها تضمنت للطبيب نفسه تأكيده أن هذه التقنية "آمنة وليس لها أعراض سلبية على المرضى، ويمكن أن يستفيد منها مريض السكري"، وهو أمر يناقض كونها ما زالت قيد الدراسة.
يذكر أن أحد المآخذ الأساسية على تغطية وسائل الإعلام لهذه القضية هو أنها تقريبا أغفلت المضاعفات التي يمكن أن تنجم عن هذه التقنية، في حين أن لها مضاعفات محتملة تتراوح في درجة شدتها. فبحسب الموقع الإلكتروني لمؤسسة الحسين للسرطان، فإن المضاعفات قد تشمل التهابات الفم والغثيان والقيء، وقد تصل إلى تسمم الكبد، أو العدوى الذي تصيب مجرى الدم، أو رفض أنسجة الجسم للخلايا المزروعة.
أما مركز مايو كلينيك (Mayo Clinic) الأميركي، فإنه يذكر على موقعه الإلكتروني أن العملية تنطوي على كثير من المخاطر، بعضها يمكن أن يكون قاتلا، ويعتمد هذا على نوع المرض، والحالة، ونوع عملية الزراعة، وعمر الشخص وحالته الصحية. ومن المضاعفات المحتملة التي يشير إليها المركز: السرطان، تلف الأعضاء، إعتام عدسة العين، العقم، الموت.
ويقول الزاهري إن اعتماد تقنية ما لتكون وسيلة علاجية، يجب أن يمر، بمراحل متعددة، أولها عرض نتائج هذه الأبحاث في مؤتمرات علمية، لمناقشتها من المختصين، وعند ثبوت صحتها، تُنشر في دوريات علمية محكّمة، لتطبّق بعد ذلك في مراكز بحثية أخرى، وعندما تتوصل هذه المراكز البحثية إلى النتائج ذاتها، حينها تُعتمد وسيلة علاج بعد إجازتها من الهيئات الصحية المسؤولة. وهذا جميعه، كما يقول الزاهري، لم يتحقق في هذه الحالة.
كلام الزاهري يؤكده تقرير نشره معهد هارفارد للخلايا الجذعية HARVARD STEM CELL INSTITUTE (HSCI)، التابع لجامعة هارفارد الأميركية (HARVARD UNIVERSITY)، بعنوان "سياحة الخلايا الجذعية، أمل كاذب مقابل مال حقيقي" (Stem cell tourism.. False hope for real money)، ويتحدث عن انتشار مراكز طبية منتشرة في مناطق مختلفة، تقول إنها تقدم علاجا بتقنية زراعة الخلايا الجذعية.
وفق التقرير السابق، فإن تقنية زراعة الخلايا الجذعية تُعد وسيلة علاجية معتمدة، في مرض واحد فقط هو السرطان، فهذه هي الفئة الوحيدة من الأمراض التي نُشر بخصوصها أدلة علمية صحيحة أثبتت أن تقنية زراعة الخلايا الجذعية تساهم في العلاج. أما عن الأمراض الأخرى، فإن الأمر يقتصر على "تجارب سريرية"، وبحسب التقرير فإن هناك شكوكا كبيرة حول توفر المعرفة العلمية الكافية للتكهن بفعالية هذه التقنية، الأمر الذي قد يحتاج إلى عقود.
وبحسب قول الزاهري، فإنه يجب أن تُوضّح للمريض وأهله الصورة الحقيقية، بأن ما سيخضع له ليس علاجا، بل "تجربة علاجية غير معروفة المضاعفات، بحيث يكون واعيا إلى أنه يدخل هذه التجربة متحملا مسؤولية نتائجها".
تقرير هارفارد السابق ينقل عن مختصين اتهامهم المراكز الطبية التي تروج لهذه التقنية بوصفها علاجا فعالا بـ"استغلال" الناس ماليا، وهو أمر يشير إليه الزاهري، الذي قال: لا يجوز استيفاء مبالغ مالية من الخاضعين لهذه الإجراءات، فما دامت التقنية لم تًعتمد علاجا، فإن هذا يعني أن الإجراءات المنضوية تحتها هي "تجارب طبية"، ومثل أي تجارب طبية هي جزء من البحث العلمي المفترض أن يكون مدعوما من جهات حكومية أو غير حكومية، ولا يجوز نهائيا تقاضي أي كلفة من الخاضعين لهذه التجارب.
مما سبق يتّضح أن تعاطي وسائل الإعلام مع هذه القضية أخل بأحد المعايير المهنية الأساسية، وهو معيار الدقة، الذي ينص على تجنب أخطاء المعلومات، وهو أمر قد يؤدي إلى تضليل الجمهور، والترويج لجماعات وأفراد يتكسبون على حساب صحة الناس وحاجاتهم.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني