بعد أقل من شهر على تداول مواقع إلكترونية خبرا مضللا عن دواء لعلاج السرطان، قالت هذه المواقع إنه حقق "الشفاء التام" لـ94% من مستخدميه، عادت وسائل إعلام فتداولت، ما بين 11 و13 آذار (مارس) الجاري، خبرا عن اكتشاف علاج جديد لسرطان الثدي، قالت إنه قادر على "القضاء" على الأورام، أو "تقليص" حجمها، خلال 11 يوما فقط، ما يغني عن العلاج الكيميائي والجراحة. وهو خبر تقول اختصاصية الأورام في مركز الحسين للسرطان، الدكتورة لينا مرعي، إنه نُشر في معظم وسائل الإعلام المحلية بأسلوب "مضلل".
ينقل الخبر أن دراسة بريطانية أثبتت فعالية علاج أُعطيت -وفقه- المريضاتُ مزيجا من عقارين، هما "Herceptin"[1] و"Tyverb"[2]، فاختفت الأورام تماما، لدى ما نسبته 11% من النساء اللواتي خضعن للعلاج، في حين تقلّص حجم الورم لدى 17% منهن. وقد تحقق هذا خلال فترة علاج استمرت 11 يوما. ووفق الخبر، فإن هذا العلاج يغني عن العلاج الكيميائي والجراحة.
خبر هذا العلاج، متضمّنا تفاصيل الدراسة، كان نُشر أولا، في وسائل إعلام غربية، منها"The Independent"
و"BBC"، و"Guardian"، ونشرته بالتزامن، بصيغ مختلفة، وسائل إعلام عربية أو صادرة بالعربية، منها "الجزيرة" و"العربي الجديد" و"روسيا اليوم" و"BBC العربية". وقد انقسمت وسائل الإعلام المحلية في المصادر التي نقلت عنها الخبر، فنقل معظمها الصيغة بالغة الاختصار التي نشرتها "روسيا اليوم" و"العربي الجديد"، في حين نقل البعض الآخر صيغة تضمّنت حدّا من التفصيل، كالتي نشرتها "BBC العربية".
التضليل في الخبر السابق يتمثّل، كما شرحت مرعي لـ"أكيد"، في ما يأتي:
1- في معظم المواقع التي نشرت الخبر، كان العنوان ومتن الخبر، يوحيان بأن العلاج المقصود مناسب لسرطان الثدي بشكل عام، في حين أنه في الحقيقة خاص بنوع معين من سرطانات الثدي هو النوع المسمّى بـ(HER2).
ورغم أن جميع الأخبار أشارت إلى هذا النوع من سرطانات الثدي في متنها، لكن بعضها فقط هو من قال صراحة إن العلاج المذكور خاص بهذا النوع فقط، ففي الصيغة التي نقلتها معظم الوسائل المحلية، أُشير إلى (HER2) ضمن عرض معلومة عامة تتحدث عن نسبة الإصابة بسرطان الثدي لدى النساء في العالم، ولم يقل الخبر صراحة إن العلاج مخصص لهذا النوع فقط.
2- عدد النساء اللواتي خضعن للدراسة هو 127 امرأة، قُسّمن إلى 3 مجموعات، عولجت إحداها بالـ"Herceptin" وحده، والثانية بالـ"Herceptin" و"Tyverb"، في حين لم تتلق الثالثة أي دواء. ووفق مرعي، فإننا عندما نقول إن الورم اختفى في 11%، وتقلص في 17% ضمن المجموعة التي عولجت بالعقارين، فإننا نتحدث عن مجموع للحالتين لا يتجاوز 12 امرأة حقق لهن العلاج نتائج جيدة.
وهذه الأرقام، كما تقول مرعي، تُعدّ وفق المعايير العلمية للدراسات، "قليلة جدا"، وغير كافية أبدا للوصول إلى نتائج صالحة للتعميم بالأسلوب الذي مارسته بعض وسائل الإعلام. فضمن هذه الأرقام تكون النتائج، "مبشرة" لكن فقط بوصفها بداية يمكن البناء عليها، من خلال المزيد من الأبحاث والدراسات.
يُذكر أن بعض التغطيات أوردت تنويه الباحثين بأن هناك حاجة إلى المزيد من الدراسات، لكن الصيغة التي نقلتها معظم المواقع المحلية أغفلت ذلك، بل صوّرت هذا العلاج بوصفه مكتملا وجاهزا للتعميم.
3- تقول معظم الأخبار، التي تداولتها المواقع المحلية، إن هذه الطريقة في العلاج تغني عن إجراءات العلاج الكيميائي والجراحة، وهذا ادعاء مضلل لسببين. أولهما، كما تشرح مرعي، يتعلق بالعلاج الكيميائي، الذي لم يكن من بين الإجراءات العلاجية التي بحثتها الدراسة المذكورة. ولا يجوز بالتالي، الحكم بأفضلية العلاج المذكور عليه، فالعينة، كما شُرح سابقا، قسّمت إلى 3 مجموعات، عولجت إحداها بعقار واحد، والثانية بعقارين، والثالثة لم تُعط أي عقار. وعلميا فإن المقارنة تكون بين نتائج هذه الإجراءات الثلاثة فقط، فإذا أُريد المقارنة بنتائج العلاج الكيميائي فإنه يجب أن تكون الدراسة قد تضمنت أصلا مجموعة أُخضعت لهذا الإجراء، وهذا لم يحدث.
السبب الثاني يتعلق بالجراحة، فهناك، كما تشير مرعي، معلومة تضمنتها الدراسة لم تذكرها الأخبار، هي أن جميع النساء المشمولات بالدراسة أخضعن في النهاية للجراحة، وبذلك ليس صحيحا أن هذا العلاج يغني عن الجراحة.
وفي كلّ الأحوال، كما تؤكد مرعي، نحن نحتاج للحكم على فعالية النتائج، إلى فترة زمنية طويلة، تُستكمل خلالها عمليات البحث، ومتابعة أحوال هؤلاء المريضات بعد خضوعهن للجراحة، لمعرفة إن كان الورم قد عاد إليهن أم لا.
وفي هذا السياق، تنوّه مرعي إلى أن الاختصاصي الذي يقرأ هذا النوع من الأخبار تثور في ذهنه مباشرة أسئلة تتعلق بإجراءات الدراسة، وحجم العينة ونوعها، والفترة الزمنية، وغيرها من تفاصيل أساسية لتقييم أهمية النتائج ومصداقيتها، لكن القارئ العادي لا يفعل ذلك، بل إنه يستقبل المعلومات بوصفها حقائق مسلّما بها. ومن هنا، تأتي ضرورة أن تلتزم وسائل الإعلام الحذر في تعاطيها مع الأخبار الطبية، بخاصة تلك التي تروّج لأنواع معينة من الأدوية والإجراءات العلاجية، فلا تنشرها إلا بعد عرضها على اختصاصيين للتثبت من صحة المعلومات الواردة فيها.
[1] الاسم العلمي له (trastuzumab).
[2] الاسم العلمي له (lapatinib).
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني