أكيد – دلال سلامة
انتهت مشاجرة بين زوجين في الزرقاء أمس، بسقوط طفلتهما البالغة من العمر شهرين من يد والدها، ووفاتها إثر ارتطام رأسها بإسفلت الشارع، حيث كان الاثنان يتشاجران. وبحسب رواية الزوجة، فإن زوجها رمى الطفلة عامدا، لكن الزوج أنكر في التحقيق ذلك، وقال إن الطفلة وقعت من يده من دون قصد. ووفق الأخبار، فقد أسند المدعي العام للرجل تهمة القتل العمد، واحتجزه 14 يوما على ذمة التحقيق.
اليوم خرجت ثلاث من الصحف الأربع التي نشرت الخبر[1] بعناوين تثبّت على الوالد تهمة قتل ابنته، ورغم أن أخبار هذه الصحف جميعها، تضمنت معلومتين، هما أن الوالد أنكر التهمة، وأن القضية قيد التحقيق، ما يعني أنه ليس مجرما، بل "مشتبه به"، يمكن للتحقيق أن يثبت التهمة عليه، أو يبرئه منها، لكن هذه اعتبارات قانونية، لم تلتزم بها عناوين بعض الصحف، التي خرجت بعناوين تجرّم الوالد، كان أقساها عنوان "السبيل" الذي كان "أب يضرب رأس طفلته الرضيعة بالشارع ويقتلها في الزرقاء"، في حين عنونت"الرأي" خبرها بـ"وفاة رضيعة رماها والدها"، وكان عنوان "الغد" هو "الزرقاء: أب يقتل طفلته الرضيعة"[2].
وفي المقابل، كانت "الدستور"، التي عنونت خبرها بـ"التحقيق مع أب يشتبه بقتله لابنته الرضيعة في الزرقاء"، هي الصحيفة الوحيدة التي لم يتضمن عنوان خبرها حكما على الوالد، يسبق حكم القاضي نفسه.
وفق مدير مركز الدراسات والبحوث التشريعية، المحامي صدّام أبو عزام، فإن عناوين مثل هذه تعكس "تغطية صحفية غير احترافية"، تمنح فيها الصحافة لنفسها صلاحيات القاضي، فتصدر حكما بتجريم شخص، وهو أمر لا تكون الجهات المختصة، صاحبة الصلاحية في إصدار هذا الحكم، قد فعلته أصلا.
وفق أبو عزام، فإن تعامل الجهات المختصة مع أي جريمة، يمرّ بمراحل عدّة، أولها، وأكثرها حساسية، مرحلة "التحقيق الأولي"، وهي مرحلة تتولاها الشرطة والأجهزة الأمنية، التي تسجل روايات أطراف القضية، وترسلها إلى المدعي العام والنيابة العامة، الذي يبدأ المرحلة الثانية، وهي "التحقيق الابتدائي"، وفيها تُستكمل إجراءات التحقيق، وجمع البينات، والاستعانة بخبراء، وغيره، وبناء عليه، يسند المدعي العام إلى الشخص المعني التهمة المناسبة، ويحوّله إلى المحكمة صاحبة الاختصاص، حيث تبدأ المرحلة الثالثة وهي جلسات المحكمة، حيث يُعاد تقييم ملف القضية بأكملة، الذي ينتهي بإصدار ما يراه القاضي حكما مناسبا.
ويشدد أبو عزام على أن الصحافة ملزمة في تغطيتها لهذه المراحل بأن تكون بالغة الدقة في الأوصاف التي تستخدمها، ففي مرحلة التحقيق الأولى، لا يكون الشخص متهما، بل مجرد "مشتكى عليه"، أما في مرحلة التحقيق الابتدائي، فإن الشخص يأخذ وصف "المتهم" إذا كان الفعل الذي اتُهم بارتكابه مصنفا جناية، أما إذا كان "جنحة"، فإنه وصفه هو "ظنين".
بناء عليه، فإن على الصحافة أن تدرك، كما يقول أبو عزام، أن هناك مراحل تفصل بين اتهام شخص بارتكاب جريمة، وثبوت ارتكابه فعلا هذه الجريمة، وأنه ليس لها أن تنسب لشخص ارتكاب جريمة، ما لم يكن هناك حكم قطعي بذلك صادر عن محكمة التمييز، فأحكام الدرجة الأولى والثانية، قابلة للاستئناف، ويمكن لشخص أدين في أحدهما، أن يبرأ في الأخرى. ودور الصحافة هنا هو أن تنقل حكم المحكمة للجمهور، لا أن تجزم في تغطيتها بأن المتهم ارتكب فعلا ما اتهم به.
ويلفت أبو عزام، إلى أن القضايا في مراحل التحقيق، وعندما تكون منظورة أمام القضاء، فإنها تكون في "مراحل حساسة"، على تغطياتها أن تنقل الواقعة فقط، من دون الخوض في تفاصيلها، بطريقة قد تنتهك، من ناحية، خصوصيات الأفراد، ومن ناحية أخرى، قد تثير الجمهور فتحوّلها إلى قضية رأي عام، بما قد يؤثر على الادعاء العام، وعلى القناعة الوجدانية لدى القاضي، الأمر الذي يخلّ بسير العدالة
[1] "العرب اليوم" لم تنشره في نسختها المطبوعة.
[2] هذا هو العنوان في النسخة المطبوعة لـ"الغد"، وهو يختلف عن العنوان في موقعها الإلكتروني.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني