أكيد- ترجمة: آية الخوالدة
كشفت صحيفة الغارديان البريطانية عن القواعد والمدونات التي طورتها شركة "فيسبوك" للتعامل مع العنف والإرهاب وخطاب الكراهية وأشكال أخرى من الاساءة التي تتم عبر الإنترنت، والتي من شأنها أن تعزز النقاش العالمي حول الأخلاق والمعايير.
وما يثير الاهتمام حول ملفات فيسبوك في هذا الشأن، أنها المرة الأولى التي يتم الكشف فيها عن طريقة إدارة المعلومات في مثل هذه الشركات التي تعد شديدة السرية.
وخلصت التحقيقات التي أجرتها الغارديان في هذا الشأن، الى أن "فيسبوك" يتحمل مسؤولية ألية استخدام تقنيات هذا الموقع، وإن لم يكن شركة إعلامية تقليدية، حيث صرح أحد المطلعين من داخل الشركة للغارديان "لا يمكن لفيسبوك أن يسيطر على مضمونه ومحتواه، لقد نمى بشكل كبير وبسرعة هائلة".
وتقول مديرة السياسات العالمية في فيسبوك مونيكا بيكرت ل"الغارديان"، "نحن نشعر بالمسؤولية تجاه مجتمعنا للحفاظ على سلامتهم ولذلك تلتزم الشركة بنظام المساءلة". لكن كلماتها تبدو جوفاء فارغة من المعنى، اذ أن فيسبوك نادرا ما يسعى لتغيير نهجه، كما أنه لا يستجيب إلى النداءات الرامية إلى إزالة المحتوى الخطير، الا في حالة أن تأتي هذه الشكاوى من المعلنين الأقوياء، أو القادة السياسيين أو عندما يحدث غضب في وسائل الإعلام، ومنها على سبيل المثال ما حدث العام الماضي من رقابة على صورة الطفلة "كيم فان"، فتاة حرب فيتنام الشهيرة.
حتى الأن أجرت شركة "فيسبوك" تغييرات متواضعة نتيجة للضغط الخارجي، وكما يكشف تقرير الغارديان لم تتم ازالة أشرطة الفيديو الخاصة بقطع الرؤوس، وفيديو يظهر اعتداء جنسيا على طفل، وفيديو أخر يظهر رجل يُطعن، الا حينما سأل الصحفيون عنها، على الرغم من أن العديد من المستخدمين أبلغوا عن الاساءة في هذه الفيديوهات جميعها.
والسبب الرئيسي لاستمرارية تدفق المعلومات المغلوطة والمضللة، عمل خوارزميات فيسبوك بطريقة غامضة ومثيرة للجدل، وترفض الشركة شرح كيفية عملها لأسباب تجارية، ولكن هذا لا يمكن أن يكون عذرا لعدم انفتاحها حول طريقة إدارة المعلومات.
ولذلك يواجه المشرفون الذين يعملون هناك مهمة مستحيلة لإبقاء الموقع خاليا من المحتوى المتطرف سواء أكان مصدره من الإرهابيين أو الاشخاص الذين ارتكبوا أعمال القتل والتعذيب. وعلى الرغم من أن فيسبوك يتفاعل وبذكاء اصطناعي جديد من أجل إزالة المحتوى غير المقبول بسرعة أكبر، الا أن ذلك وحده لا يكفي والشركة لا توظف ما يكفي من العاملين للمساعدة في إعادة الموقع الى مساره الصحيح.
وسبق أن صرحت الشركة نيتها تعيين 3 الاف مشرف على رأس الفريق الحالي المكون من 4 الاف، لكن ذلك لن يوفر سوى مشرف واحد لكل 250 الف مستخدم.
ويعد هذا التقرير مثالا جيدا على الصحافة الاستقصائية، إذ كشف لمئات الملايين من المستخدمين عن أسلوب الشركة في رصد وحذف المحتوى على صفحات فيسبوك وأنه ما يزال بعيدا عن الوصول إلى نقطة موثوقة للمساءلة الديمقراطية.
وقد أدانت الحكومات البريطانية والألمانية فشل شركات وسائل الإعلام الاجتماعية في عدم اتخاذ اجراءات كافية لمعالجة محتواها، ولذلك أصبحت تلك الحكومات مستعدة لفرض الغرامات والضوابط القانونية لإجبار فيسبوك وغيره على وقف تدفق الأخبار الوهمية والمحتوى المتطرف.
كما يدعو الناشرون التقليديون إلى اتخاذ اجراءات صارمة بحق شركات التواصل الاجتماعي المتعدية على حقوقهم والتي تقوم بإفقار الصحافة وغرف الأخبار من خلال استنزاف إيرادات الإعلانات من قبل محرك البحث غوغل وفيسبوك.
ومن هذا الباب عقدت الرابطة العالمية للصحف في جنوب افريقيا، اجتماعا ضم خبراء دوليين ومدراء تنفيذيين في شتى الوسائط الإعلامية من 50 دولة، من أجل إعادة تعريف العلاقة بين الإعلام المجتمعي وصناعة الأخبار، وأعدت الرابطة تقريرا حول "كيف يصنع فيسبوك أمواله"، وما يجمع هذا التقرير وذلك الذي نشرته الغارديان هو التركيز على ثقافة السرية التي تحيط بطبيعة عمل فيسبوك ويحتم عليه أن يلتزم الشفافية بعيدا عن البذخ والمبالغة والتهويل، ويصل الى قلب مصداقية الإعلام والديمقراطية.
ويثير عمل فيسبوك أسئلة مشروعة حول كيفية تعامله مع المحتوى، وكيف يتقاطع مع الديمقراطية وكيف يؤثر على المشهد العالمي للمعلومات. وبالرغم من وعود الشركة من بذل جهود أكبر الا أن عدم احترامها للشفافية والمعايير الأخلاقية لا يزال يشكل عقبة أمام بناء الثقة.
ومع ما يقرب من 2 مليار مستخدم، يعتبر فيسبوك أول شركة إعلام عالمية، لديه القدرة على تشكيل المشهد الاجتماعي والثقافي والسياسي في العالم الغربي ويخضع لتدقيق مكثف من قبل الحكومات في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. كما أنها تجارة رابحة، حيث بلغت قيمة الشركة في نيسان من هذا العام، أكثر من 350 بليون دولار، من خلال استخدامها للتكنولوجيا وبيع المعلومات الشخصية لمستخدميها.
ويرتكز النشاط التجاري لـ "فيسبوك" على كل ما يحفز الاهتمامات المشتركة بين المستخدمين، سواء كانت المعلومات أو الصور أو الفيديوهات المنشورة خاطئة ومسيئة، حيث لا يمنح الأولوية للمعلومات باعتبارها منفعة عامة، مثل الصحافة.
أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد
أحد مشاريع معهد الإعلام الأردني أسس بدعم من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، وهو أداة من أدوات مساءلة وسائل الإعلام, يعمل ضمن منهجية علمية في متابعة مصداقية ما ينشر على وسائل الإعلام الأردنية وفق معايير معلنة.
ادخل بريدك الإلكتروني لتصلك أخبارنا أولًا بأول
© 2024 جميع الحقوق محفوظة موقع أكيد الإلكتروني