تعاملت وسائل إعلام محلية مع خبر تسليم تقرير هيئة مكافحة الفساد لعام 2014، لرئيسي مجلسي الأعيان والنواب، بوصفها ناقلا للخبر، لا مستقصيا لما ورد في التقرير نفسه من قضايا فساد.
واعتمد جلّ المواد الإخبارية المنشورة على ما جاء في خبر وكالة الأنباء الأردنية "بترا". وجاء هذا العنوان الأخير في سياق خبر عن تسلم رئيس مجلس الأعيان للتقرير، حيث ورد فيه أن مجموع المبالغ التي استردتها الهيئة لعام 2014 هو نحو 17 مليون دينار، إضافة إلى استردادها 65 دونماً في العقبة. لكن مواقع إلكترونية خلطت المعلومتين، فذكرت أن مبلغ الـ17مليون دينار استُردّ من العقبة فقط، ونُشر هذا تحت عنوان مبهم، هو: "المكافحة تسترد أراضٍ وملايين في العقبة"، في حين أن التقرير كان قد تضمن التفصيل الكامل للمبلغ، والجهات التي استُردّ منها {1} .
رغم أن المواقع الأربعة نشرت قسما كبيرا مما جاء في التقرير عن إنجازات الهيئة، إلا أنها نشرته بصورة سردية، من دون تركيز على قضايا تراها مهمة، ومن دون طرح أية أسئلة.
إضافة إلى ما سبق، فقد نشر موقع "عمون" بتاريخ 12 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، خبرا بعنوان "هل سينشر تقرير مكافحة الفساد؟"، من دون اعتبار لحقيقة أن التقرير كان قد نُشر فعلاً على الموقع الإلكتروني للهيئة بتاريخ 10 تشرين الأول، ولم يعدّل الخبر في ما بعد بما يشير إلى أن التقرير متوفر على موقع الهيئة.
وكان التقرير قد جاء في 66 صفحة، حسب نسخةPDF منشورة على الموقع الإلكتروني للهيئة، منها 8 صفحات خُصّصت لعرض القضايا التي تعاملت معها الهيئة، وجاء هذا العرض تحت عنوان "إنجازات هيئة مكافحة الفساد". وفي المقابل خُصّصت بقية التقرير للحديث عن عمل الهيئة وأنشطتها وميزانيتها وغيرها.
نقل البراري وخرابشة
إن التزامن بين تسليم تقرير "مكافحة الفساد" وبين اجرءات نقل رئيس الهيئة التي أعدته؛ هيئة مكافحة الفساد عيد الخرابشة إلى منصب رئيس ديوان المحاسبة، ثم نقل رئيس الديوان مصطفي البراري من منصبه ليصبح رئيساً لديوان المظالم، إن هذا التزامن -على ما يبدو- كان أكثر إغراء للإعلام من محتوى تقرير "الفساد".
فقد تفاعل الإعلام بشكل كبير مع هذه المناقلات، إذ رصد (أكيد) 51 خبرا يتعلق به. وقد حلّلت وسائل إعلام أسباب نقل البراري؛ فعدّ بعضها أنه انتقام النسور من البراري، وأن شفافية البراري تسببت بنقله، وأن الكشف عن سفريات وزير النقل هي السبب، في حين عدّت مواقع أخرى قرار النقل غير دستوري، وغيرها من الأسباب. ومن اللافت أن هذه المواد كانت أقرب إلى التكهنات وخاصة بعد امتناع رئيس ديوان المحاسبة، الذي طاله أهم إجراء نقل، عن التعليق.
ويلاحظ (أكيد)، أن الكثير من وسائل الإعلام تعاملت مع خبر تسلم تقرير هيئة مكافحة الفساد لرئيسي مجلسي الأعيان والنواب بطريقة "بروتوكولية"، واعتمدت في تغطيتها على وكالة "بترا"، بينما تفاعلت مع خبر نقل البراري إلى ديوان المظالم، بالكثير من التحليل والمتابعة، فيما أهملت بشكل واضح المحتوى الحقيقي لتقرير هيئة مكافحة الفساد.
هيئة مكافحة الفساد من ناحيتها، نشرت تقريرها على الموقع الإلكتروني للهيئة، إلا أن وسائل الإعلام لم تتعامل مع التقرير بوصفه مصدرا هاما للمعلومات، التي تتسابق وسائل الإعلام عادة للحصول عليها، ذلك أن مثل هذه التقارير تعد في الأصل "منجماً" لإنتاج مواد وتقارير إخبارية، يُمكن لوسائل الإعلام أن تحقق فيها سبقاً صحفياً. وسواء أكان تقرير مكافحة الفساد قد فتح بابا لمثل تلك المواد الإخبارية، أو جاء مقتضباً وليس فيه الكثير، فإن وسائل الإعلام لم تتعامل معه بما يكفي من اهتمام، ولم تطرح الأسئلة المفترضة المتعلقة بقضايا الفساد التي كشف عنها، وبأداء الهيئة التي أصدرته.
إن الوظيفة الرقابية هي إحدى وظائف الإعلام الهامة في تناول قضايا وشؤون وأخبار الفساد والإضرار بالمال العام، وينهض الإعلام بوظيفته هذه من خلال متابعة الأحداث، وعدم الاكتفاء بالأخبار الأولية عنها، وهو أمر لم يتحقق في متابعته لتقرير "الفساد"، إذ لم تتابع وسائل الإعلام بعض قضايا الفساد المنشورة في التقرير، لتجيب على أسئلة من نوع: (كيف حدثت تلك القضية، ومن قام بذلك؟ وأين حدثت؟..)، وهي الأسئلة الأساسية لكل مادة إخبارية.
{1} ورد في التقرير:
- بلغ مجموع المبالغ التي ساهمت الهيئة في استردادها 16 مليوناً و936 ألفاً و570 ديناراً.
استردت الهيئة قطع أراض في منطقة العقبة الاقتصادية، مساحتها 65 دونما، وقيمتها 825 ألف دينار.